الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستحكم علمهم في يوم القيامة حين عاينوها، ولا ينفعهم العلم كما قال تعالى (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا) [مريم: 38]، الآية، (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ منْهَا) أي: لا يقرون بوجودها، بل لهم الشك فيها فإن عدم الإقرار بشْيء قد يكون لعدم التوجه إليه، وقد يكون بعده، والثاني أقبح، ويحسن الإضراب، (بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ): عيون قلوبهم عُمْي، ومنشؤ عماهم الآخرة، فلذلك عداه بمن دون عن، فإن الكفر بها صيرهم أضل من البهائم، وهذا وإن كان خاصًا بالمشركين ممن في السماوات والأرض، نسب إلى الجميع كما يسند فعل البعض إلى الكل.
* * *
(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ
(67)
لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75) إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79)
إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81) وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)
* * *
(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ) من القبور أحياء، والعامل في " إذا " فعل يدل عليه " أئنا لمخرجون "، وهو يخرج؛ لأن ما بعد كل من الهمزة وإن واللام لا يعمل فيها قبله، وتكرير الهمزة لتأكيد الإنكار، (لَقَدْ وَعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآباؤُنَا مِن قَبْلُ): من قبل بعث محمد، (إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ): سمرهم وأكاذيبهم، (قُلْ) لهم:(سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الُمجْرِمِينَ) حتى تعلموا أن هذا ليس بكذب وإسمار، (وَلَا تَحْزَنْ) يا محمد، (عَلَيْهِمْ): على تكذيبهم وإعراضهم عنك، (وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ): حرج صدر، (مِّمَّا يَمْكُرُونَ): من مكرهم فإن الله يعصمك، (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الوَعْدُ): القيامة، وقيل: وعد العذاب، (إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم)، دنا لكم وتبعكم، (بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) كيوم بدر، فإنه قامت فيه قيامتهم، وحكم لعل وعسى في مواعيد الملوك حكم الجزم، وإنما يطلقونه إظهارًا لوقارهم، وأن الرمزة منهم كافية في الأغراض، (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى
النَّاسِ) بتأخير عذابهم مع استحقاقهم، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ وَإِنْ رَبَّكَ لَيعْلَمُ مَا تُكِنُّ): ما تخفي، (صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ): خافية، (فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ): اللوح المحفوظ، (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ: كأمر عيسى وعزير، وأحوال الجنة والنار، (وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ للْمُؤْمِنِينَ) فإنهم أهل الانتفاع به، (إِنَّ ربَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم): بين المختلفين في الدين، َ (بِحُكْمِهِ): بما يحكم به، (وَهُوَ العَزِيزُ): فلا يرد حكمه، (العَلِيمُ) بأحوال من يحكم عليه وله، (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الحَقِّ الُمبِينِ): والحق يعلو ولا يعلى، (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ المَوْتَى): الكفار، فإنهم كالموتى في عدم الانتفاع بما يستمعون، (وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) والكفار كالصم في تلك الحال، التي هي أبعد من الاستماع، فإن الأصم إذا كان حاضرًا قد يسمع، (وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِم): وهم عمي، (إِنْ تسْمِعُ) سماع انتفاع، (إِلَّا مَن يُؤْمِن بِآيَاتِنَا): من
هو في علم الله مصدق بآياتنا، (فَهُمْ مُسْلِمُونَ): مخلصون منقادون، فبلغ أنت رسالتك، ولا يضيق صدرك، (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ): وجب العذاب والسخط، (عَلَيْهِمْ) حين لا يقبل من كافر الإيمان، (أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ): من نفس مكة، أو من بواديها، وفي الحديث (أول الآيات خروجًا طلوع الشمس من المغرب، وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيتها كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريب)، (تُكَلِّمُهُمْ) من الكلام، أو من الكَلْم، أي: الجرح، فقد ورد أن عصا موسى تكون بيدها فتنكت في وجه المؤمنين نكتة بيضاء فتبيض منها وجوههم، وبيدها خاتم سليمان، وتنكت الكافر بها في وجهه فتسود منها وجوههم، وفي الشواذ (تَكْلمهم) بفتح التاء وجزم الكاف، (أَنَّ النَّاسَ) قرئ بفتح الهمزة وكسرها، ومن قال: إن هذا كلامها، فيكون تقديره: بأن الناس، والكسر لتضمين الكلام معنى القول، وعند من يقول: إنه من الكلم، أو كلامها إبطال كل دين سوى الإسلام، أو لعنة الله على الكافرين، فتقديره: لأن الناس علة