الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
* * *
(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
(41)
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42) فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43) مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ (44) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (45) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (46) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47) اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51) فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (53)
* * *
(ظَهَرَ الفَسَادُ) كالجدب وقلة الأمطار، وقلة الريح وكثرة الوباء، والمحن ومحق البركات، (فِي البَرِ): الفيافي، (وَالْبَحْرِ): الأمصار والعرب تسمى الأمصار البحار أو المراد منهما المعروفان، وقالوا: إذا انقطع القطر عميت دواب البحر وخلت أجواف الأصداف، (بِمَا كسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ): من المعاصي، (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ) أي: جزاء بعض، (الَّذِي عَمِلُوا): في الدنيا واللام للعلة متعلق بظهر، (لَعَلهمْ يَرْجِعُونَ): عما هم عليه، (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ)، ليروا في منازلهم آثار البلاء وكيف خبر كان، (كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ)، استئناف للدلالة على سوء عاقبتهم لفشو الشرك فيهم، (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ): قوم وجهك له وعَدِّله، (القَيمِ): البليغ الاستقامة، (مِن قَبْلِ أَن يَأْتِى يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ): لا يقدر أن يرده أحد، (مِنَ اللهِ)، ظرف يأتي أو مرد أي: لا رد من جهته لأن إتيانه في علمه القديم ومرد مصدر بمعنى الرد، (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ): يتفرقون فريق في الجنة وفريق في السعير، (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ): لا على غيره، (كُفْرُهُ): وبال كفره، (وَمَنْ عَمِلَ صَالِحَّاَ): عملاً صالحًا، (فَلأَنفُسِهِمْ) لا لغيرها، (يَمْهَدُونَ): يسوون في آخرتهم منزلاً، (لِيَجْزِى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِِ مِن فَضْلِهِ)، علة لـ يصدعون أو لـ لا مرد أو لـ يأتي، والاقتصار على جزاء المؤمن للإشعار بأنه المقصود
بالذات أو الاكتفاء على فحوى قوله (إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)، فإن فيه إثبات البغض لهم والمحبة للمؤمنين، ومن فضله دال على أن الإثابة تفضل محض، (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ): بالمطر فالصبا والشمال والجنوب رياح رحمة، (وَلِيُذِيقَكُم مِن رحْمَتِهِ): التابعة لنزول المطر كالخصب، وزكاء الأرض وغيرهما عطف على مبشرات بحسب المعنى أو على محذوف أي مبشرات بالمطر لفوائد جمة وليذيقكم، (وَلِتَجْرِيَ الفُلْكُ): بهذه الرياح، (بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ)، يعني تجارة البحر، (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ): ولتشكروا نعمة الله، (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ) كما أرسلناك، (فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ): المعجزات الظاهرات فبعضهم كذبوا بها، (فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) وهم المكذبون، (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا) من جهة الوعد واللطف، (نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)، فيه تبشير النبي صلى الله عليه وسلم -
عليه السلام والمؤمنين، (اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا): تخرجه من أماكنه، (فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ): في سمتها، (كيْفَ يَشَاءُ): سائرًا وواقفًا مطبقًا وغيره إلى غير ذلك، (وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا) أي: تارة يبسطه وتارة يجعله قطعًا، (فَتَرَى الْوَدْقَ): المطر، (يَخْرُجُ): في التارتين، (مِنْ خِلالِهِ): وسطه، (فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) فاجأوا بالاستبشار، (وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم): المطر، (مِن قَبْلِهِ) تكرير للتأكيد ومعنى التأكيد الدلالة على بعد عهدهم بالمطر واستحكام يأسهم، (لَمُبْلِسِينَ) آيسين، عن بعض الفضلاء إن الظرف الأول لـ مبلسين، والثاني لـ ينزل، أي: ينزل من قبل وقت نزوله كما إذا كنت معتادًا لعطاء من أحد في وقت معين فتأخر عن ذلك الوقت، ثم أتاك به فتقول: قد كنت آيسًا من قبل أن تجيئني بهذا من قبل هذا الوقت، (فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللهِ): الغيث، (كَيْفَ يُحْيي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ) أي: من هو محيي الأرض، (لَمُحْييِ الْمَوْتَى): بعد إماتتهم، (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا): مضرة، (فَرَأَوْهُ) الضمير لأثرها أي: النبات والزرع، (مُصْفَرًّا): من الجائحة، (لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ) من بعد اصفرار الزرع، (يَكْفُرُونَ) وأما المؤمنون فيفرحون بنزول الرحمة لا فرح بطر ويشكرون ويرون الجائحة من شؤم أنفسهم ويستغفرون، واللام موطئة للقسم، وقوله " لَظَلُّوا " جواب له ساد جزاء الشرط، (فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى): والكفار في عدم جدوى السماع مثلهم، (وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) الأصم