الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم يأتي الحق سبحانه من بعد ذلك بردِّ شعيب عليه السلام على قومه؛ فيقول: {قَالَ ياقوم أرهطي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ الله}
وهنا يتساءل شعيب عليه السلام باستنكار: أوضعتم رهطي في كفة؛ ومعزَّة الله تعالى في كفة؟ وغلَّبتم خوفكم من رهطي على خوفكم من الله؟! ولم يأبه شعيب عليه السلام باعتزازهم برهطه أمام اعتزازه بربه؛ لأنه أعلن من قبل توكله على الله؛ ولأنه يعلم أن العزة لله تعالى أولاً وأخيراً.
ولم يكتفوا بذلك الاعتزاز بالرهط عن الاعتزاز بالله؛ بل طرحوا التفكير في الإيمان بالله وراء ظهورهم؛ لأن شعيباً عليه السلام يقول لهم:
{واتخذتموه وَرَآءَكُمْ ظِهْرِيّاً} [هود:
92]
.
أي: لم يجعلوا الله سبحانه أمامهم، فلم يأبهوا بعزة الله؛ ولا بحماية الله؛ وجعلوا لبعض خلقه معزَّة فوق معزَّة الله.
ولم يقل: (ظِهْرِيًّا) نسبة إلى (الظهر) ، فعندما ننسب تحدث تغييرات، فعندما ننسب إلى اليمن نقول: يمنيّ. ونقول: يمانيّ، فالنسب هنا إلى الظهري، وهي المنسي والمتروك، فأنت ساعة تقول: أنت طرحت فلاناً وراء ظهرك، يعني جعلته بعيداً عن الصورة بالنسبة للأحداث، ولم تحسب له حساباً. إذن: فهناك تغييرات تحدث في باب النسب.
ويذكِّرهم شعيب عليه السلام بقوله:
{إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [هود: 92] .
أي: أن كل ما تقولونه أو تفعلونه محسوب عليكم؛ لأن الحق سبحانه لا تخفَى عليه خافية، وقد سبق أن عرفنا أن القول يدخل في نطاق العمل؛ فكلُّ حدث يقال لهم:«عمل» ؛ وعمل اللسان هو القول؛ وعمل بقية الجوارح هو الأفعال.
وقد شرَّف الحق سبحانه القول لأنه وسيلة الإعلام الأولى عنه سبحانه.
يقول الحق سبحانه من بعد ذلك ما جاء على لسان شعيب عليه السلام: {وياقوم اعملوا على مَكَانَتِكُمْ}
إذن: فشعيب عليه السلام عنده القضية المخالفة؛ لأن الله تعالى عنده أعزُّ من رهطه؛ وباعتزازه بربه قد آوى إلى ركن شديد، وبهذا الإيمان يعلن لهم: افعلوا ما في وُسْعكم، وما في مُكْنتكم هو ما في مُكْنة البشر، وسأعمل ما في مُكْنتي، ولست وحدي، بل معي الله سبحانه وتعالى؛ ولن تتسامى قوتكم الحادثة على قدرة الله المطلقة.
ومهما فعلتم لمعارضة هذا الإصلاح الذي أدعوكم إليه؛ فلن يخذلني الذي أرسلني؛ وما دمتم تريدون الوقوف في نفس موقف الأمم السابقة التي
تصدت لموجات الإصلاح السماوية؛ فهزمهم الله سبحانه بالصيحة، وبالرجفة، وبالريح الصرصر، وبالقذف بأي شيء من هذه الأشياء، وقال لهم: اعملوا على مكانتكم، وإياكم أن تتوهموا أني أتودد إليكم؛ فأنا على بينة من ربي، ولكني أحب الخير لكم، وأريد لكم الإصلاح.
ولم يَقُلْ شعيب عليه السلام هذا القول عن ضعف، ولكن قاله ردّاً على قولهم:
{وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ} [هود: 91] .
وأبرز لهم مكانته المستمدة من قوة مَنْ أرسله سبحانه وتعالى، وقال:
{اعملوا على مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ} [هود: 93] .
وهكذا أوضح لهم: أنا لن أقف مكتوف الأيدي، لأني سأعمل على مكانتي، و {سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وارتقبوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ} [هود: 93] .
أي: أن المستقبل سوف يبيِّن مَنْ مِنَّا على الحق ومَنْ مِنَّا على الضلال، ولم سيكون النصر والغلبة، ومن الذي يأتيه الخزي؛ أي: أن يشعر باحتقار نفسه وهوانها؛ ويعاني من الفضيحة أمام الخلق؛ ومَنْ مِنَّا الكاذب، ومَنْ على الحق.
وكان لا بد أن تأتي الآية التالية: