المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

{وَلَمَّا دَخَلُواْ … } . - تفسير الشعراوي - جـ ١١

[الشعراوي]

الفصل: {وَلَمَّا دَخَلُواْ … } .

{وَلَمَّا دَخَلُواْ

} .

ص: 7020

أي: أنهم حين دخلوا على يوسف أحسن استقبالهم؛ وأكرم وفادتهم؛ بعد أن وَفَّوْا بوعدهم معه، وأحضروا أخاهم وشقيقه بنيامين معهم، وكان يوسف عليه السلام مُشْتاقاً لشقيقه بنيامين.

وقد عرفنا من قبل أنه الشقيق الوحيد ليوسف؛ فهما من أم واحدة؛ أما بقية الإخوة فهم من أمهات أخريات.

وقول الحق سبحانه عن يوسف:

{آوى إِلَيْهِ أَخَاهُ} [يوسف:‌

‌ 69]

.

يدلُّ على أن يوسف كان مُتشوِّقاً لرؤية شقيقه.

وقوله:

{قَالَ إني أَنَاْ أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [يوسف: 69] .

يوضح لنا أن إخوة يوسف قد استفردوا لفترة ببنيامين، ولم

ص: 7020

يُحْسِنوا معاملته، وحاول يوسف أن يُسرِّي عن أخيه، وأن يُزيل عنه الكَدَر بسبب ما كان إخوته يفعلونه.

ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ

} .

ص: 7021

أي: أن يوسف عليه السلام قد قام بصرف المَيْرة لهم، كما سبق أن وعدهم، وكما سبق أن جَهَّزهم في المرَّة السابقة؛ وأراد أن يُبِقي أخاه معه في مصر؛ ولكن كيف يأخذه من إخوته لِيُبقِيه معه؛ وقد أخذ أبوهم ميثاقاً عليهم ألَاّ يضيعوه، وألا يُفرِّطوا فيه، كما فعلوا مع أخيه من قبل؟

إذن: لا بُدَّ من حيلة يستطيع بها أن يستبقي بها أخاه معه، وقد جَنَّد الله له فيها إخوته الذين كانوا يُعَادونه، وكانوا يحقدون عليه وعلى أخيه.

وجاءت هنا حكاية صُوَاع الملك، التي يشرب فيها الملك، وتُستخدم كمكيال، وجعلها في رَحْل أخيه.

ص: 7021

وكلمة «السقاية» تُطلق إطلاقات متعددة من مادة «سقى» أي: «السين» و «القاف» و «الياء» ، فتُطلق على إسقاء الناس والحجيج الماء.

والقرآن الكريم يقول: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحاج وَعِمَارَةَ المسجد الحرام كَمَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر} [التوبة: 19] .

فكان معنى السقاية أيضاً هو المكان الذي يُوضَع فيه الماء ليشرب منه الناس.

أو: تُطلق «السقاية» على الآلة التي يُخرج بها الماء للشاربين.

وهنا تُطلق كلمة «السقاية» على الإناء الذي كان يشرب به الملك، ويُستخدم كمكيال، وهذا دليلٌ على نَفَاسة المَكِيل.

وتُطلق أيضاً كلمة «صواع» على مثل هذه الأداة التي يُشرب منها، أو يُرفع بها الماء من المكان إلى فَمِ الشارب؛ وأيضاً يُكَال بها؛ ومفردها «صاع» .

ويقول الحق سبحانه هنا عن حيلة يوسف لاستبقاء أخيه معه:

{جَعَلَ السقاية فِي رَحْلِ أَخِيهِ} [يوسف: 70] .

أي: أمر بعضاً من أعوانه أن يَضَعوا «السقاية» في رَحْل

ص: 7022

أخيه، و «الرَّحْل» : هو ما يوضع على البعير، وفيه متاع المسافر كله. وبعد أن ركب إخوة يوسف جِمالهم استعداداً للعودة إلى الشام؛ وقعت المفاجأة لهم؛ والتي يقول عنها الحق سبحانه:

{ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا العير إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف: 70] .

أي: يا أصحاب تلك العير أنتم سارقون. والسرقة فعل قبيح حينما يترتَّبُ عليها جزاء يُوقَّع على السارق، والمسروق هو شيء ثمين.

وفيما يبدو أن هذه الحيلة تمَّتْ بموافقة من «بنيامين» ليمكث مع أخيه يوسف حتى يحضر أبواه إلى مصر.

ولسائل أن يقول: وكيف رَضِى بنيامين بذلك، وهو أمر يُزِيد من حُزْن يعقوب؟ وكيف يتهم يوسف إخوته بسرقة لم يرتكبوها؟

أقول: انظروا إلى دِقَّة القرآن، ولنُحْسِنَ الفهم عنه؛ لنرى أن حزن يعقوب على فَقْد يوسف قد غلبه؛ فلَن يُؤثِّر فيه كثيراً فَقْد بنيامين.

ودليل ذلك أن يعقوب عليه السلام حين عاد أبناؤه وأخبروه

ص: 7023

بحكاية السرقة؛ واستبقاء بنيامين في مصر قال: {ياأسفى عَلَى يُوسُفَ} [يوسف: 84] .

ولم يذكر يعقوب بنيامين.

وأما عن اتهامهم بالسرقة؛ فالآية هنا لا تُحدِّد ماذا سرقوا بالضبط، وهم في نظر يوسف قد سَرَقوه من أبيه، وألقوْه في الجُبِّ.

وهنا يأتي الحق سبحانه بموقف إخوة يوسف عليه السلام: {قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مَّاذَا تَفْقِدُونَ. .} .

ص: 7024

أي: أن إخوة يوسف أقبلوا على مَنْ يتهمونهم بالسرقة مُتسائِلين: ماذا فقدتم؟ ولماذا تتهموننا؟

وهنا يقول الحق سبحانه ما قاله من اتهموهم: {قَالُواْ نَفْقِدُ

} .

ص: 7024

أي: أن الذين أعلنوهم بالسرقة قالوا لهم: لقد ضاعت سقاية

ص: 7024

الملك؛ ويُقَال لها «صواع» ، ومَنْ سيُخرجها من المكان المختفية به سوف ينال مكافأة قدرها وَزْن حِمْل بعير؛ فلعل صُواع الملك قد خُبئت في حِمْل أحدكم دون قصد.

وأكد رئيس المنادين أنه الضامن لمن يُخرج صواع الملك، ويحضرها دون تفتيش أن ينال جائزته، وهي حِمْل بعير من المَيْرة والغذاء.

وهنا قال إخوة يوسف عليه السلام: {قَالُواْ تالله

} .

ص: 7025

وقولهم {تالله} هو قسم، وعادةً تدخل «التاء» على لفظ الجلالة عند القَسَم المقصود به التعجُّب، أي: أن إخوة يوسف أقسموا مُندهشين لاتهامهم بأنهم لم يسرقوا؛ وأن الكُلَّ قد علم عنهم أنهم لم يأتوا بغرض الإفساد بسرقة أو غير ذلك، لم يسبق أن اتهمهم أحد بمثل هذا الاتهام.

وهنا يأتي الحق سبحانه بما جاء على ألسنة مَنْ أعلنوا عن وجود سرقة، وأن المسروق هو صُوَاع الملك.

ويقول الحق سبحانه ما جاء على ألسنتهم: {قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ

.} .

ص: 7025