المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وأخيه؛ ووصلوا إلى نتيجة ضارَّة؛ لأن المقدمات التي أقاموا عليها - تفسير الشعراوي - جـ ١١

[الشعراوي]

الفصل: وأخيه؛ ووصلوا إلى نتيجة ضارَّة؛ لأن المقدمات التي أقاموا عليها

وأخيه؛ ووصلوا إلى نتيجة ضارَّة؛ لأن المقدمات التي أقاموا عليها تلك النتيجة كانت باطلة؛ ولو أنهم مَحَّصُوا المقدمات تمحيصاً دقيقاً لَمَا وصلوا إلى النتيجة الخاطئة التي قالوها:

{إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [يوسف: 8] .

ويقول الحق سبحانه بعد ذلك ما جاء على ألسنة إخوة يوسف: {اقتلوا يُوسُفَ

} .

ص: 6870

والقتل هو قمة ما فكّروا فيه من شرّ؛ ولأنهم من الأسباط هبط الشر إلى مرتبة أقل؛ فقالوا: {أَوِ اطرحوه أَرْضاً} [يوسف:‌

‌ 9]

.

فكأنهم خافوا من إثم القتل؛ وظنوا بذلك أنهم سينفردون بحبِّ أبيهم؛ لأنهم قالوا: {يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} [يوسف: 9] .

والوجه هو الذي تتم به المواجهة والابتسام والحنان، وهو ما تظهر عليه الانفعالات.

والمقصود ب: {يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ} [يوسف: 9] ،

ص: 6870

هو ألا يوجد عائق بينكم وبين أبيهم.

وقولهم: {وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ} [يوسف: 9]، أي: أنهم يُقدِّرون الصلاح؛ ويعرفون أن الذي فكَّروا فيه غيرُ مقبول بموازين الصلاح؛ ولذلك قالوا: إنهم سيتوبون من بعد ذلك.

ولكن: ما الذي أدراهم أنهم سوف يعيشون إلى أن يتوبوا؟ وهم بقولهم هذا نَسُوا أن أمر المَوْت قد أبهم حتى لا يرتكب أحدٌ المعاصيَ والكبائرَ.

أو: أن يكون المقصود ب: {قَوْماً صَالِحِينَ} [يوسف: 9] ، هو أن يكونوا صالحين لحركة الحياة، ولعدم تنغيص علاقتهم بأبيهم؛ فحين يخلُو لهم وجهه؛ سيرتاحون إلى أن أباهم سيعدل بينهم، ويهبُهم كل حبه فيرتاحون.

أو أن يكون المقصود ب: {قَوْماً صَالِحِينَ} [يوسف: 9] ، أن تلك المسألة التي تشغل بالهم وتأخذ جزءاً من تفكيرهم إذا ما وجدوا لها حلاً؛ فسيرتاح بالهم فينصلح حالهم لإدارة شئون دنياهم.

وهكذا نفهم أن سعيهم إلى الصلاح: منوط بمراداتهم في الحياة، بحسب مفهومهم للصلاح والحياة.

ص: 6871

ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: {قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ

} .

ص: 6872

وهكذا نرى التخفيف في الشر حين يرفض واحد منهم مبدأ القتل، واستبدله بالإخفاء بإلقائه في الجُبِّ.

ولم يحدد الحق سبحانه لنا اسم القائل حتى يعصمهم جميعاً من سوء الظن بهم.

والجب هو البئر غير المطوي؛ ونحن نعلم أن الناس حين تحفر بئراً، فمياه البئر تتدفق طوال الوقت؛ وقد يأتي الردم فيسُدُّ البئر؛ ولذلك يبنون حول فُوَّهة البئر بعضاً من الطوب لحمايته من الرَّدْم؛ ويسمون مثل هذا البئر «بئر مطوي» ، وهكذا تظل المياه في البئر في حالة استطراق.

ص: 6872

وكلمة: {غيابت الجب} [يوسف: 10]، أي: المنطقة المخفية في البئر؛ وعادة ما تكون فوق الماء؛ وما فيها يكون غائباً عن العيون.

ولسائل أن يقول: وكيف يتأتَّى إلقاؤه في مكان مَخْفيٍّ مع قول أحد الإخوة: {يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السيارة} [يوسف: 10] .

ونقول: إن في مثل هذا القول تنزيلاً لدرجة الشر التي كانت مُتوقِّدة في اقتراح بعضهم بقتل يوسف؛ وفي هذا الاقتراح تخفيض لمسألة القتل أو الطّرْح أرضاً.

وبعد ذلك عاد القائل لحالته العادية، وصَحَتْ فيه عاطفة الأخوة؛ وقال:

{إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} [يوسف: 10]، أي: أنه توقع عدم رفضهم لاقتراحه.

وهكذا يشرح لنا الحق سبحانه كيف تمَّتْ تصفية هذه المسألة؛ فلم يقف صاحب هذا الرأي بالعنف ضد اقتراح إخوته بقتل يوسف أو طَرْحه في الأرض؛ بل أخذ يستدرجهم ليستلَّ منهم ثورة الغضب؛ فلم يَقُلْ لهم «لا تقتلوه» ، ولكنه قال:«لا تقتلوا يوسف» .

وفي نُطْقِه للاسم تحنين لهم.

ص: 6873