الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبمعنى الوقت الذي تقوم فيه القيامة، وأكثر استعمال (ساعة) بدون أل فى الكتاب الكريم بمعنى الساعة الزمانية، وبأل بمعنى الساعة الشرعية، وهى ساعة خراب العالم وموت أهل الأرض جميعا، وجاء المعنيان فى قوله تعالى:«وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ. ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ» والغالب التعبير بيوم القيامة عن يوم البعث والحشر الذي يكون فيه الحساب والجزاء والتعبير بالساعة عن الوقت الذي يموت فيه الأحياء فى هذا العالم ويضطرب نظامه، فالساعة مبدأ، والقيامة غاية، وأيان: بمعنى متى، فهى للسؤال عن الزمان، ومرساها: أي إرساؤها وحصولها واستقرارها، ويقال رسا الشيء يرسو: إذا ثبت وأرساه غيره، ومنه إرساء السفينة وإيقافها بالمرساة التي تلقى فى البحر فتمنعها من الجريان كما قال تعالى:«بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها» وجلّى فلان الأمر تجلية: أظهره أتم الإظهار، ولوقتها: أي فى وقتها كما يقال كتبت هذا لغرة رمضان: أي فى غرته، وبغتة فجأة من غير توقع ولا انتظار، وحفىّ من قولهم: أحفى فى السؤال ألحف، وهو حفّى عن الأمر: بليغ فى السؤال عنه واستحفيته عن كذا:
استخبرته على وجه المبالغة، وتحفى بك فلان: إذا تلطف بك وبالغ فى إكرامك.
المعنى الجملي
بعد أن أرشد تعالت أسماؤه من كانوا فى عصر التنزيل وعصر نزول السورة إلى النظر والتفكر فى اقتراب أجلهم بقوله: «وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ» قفّى على ذلك بالإرشاد إلى النظر والتفكر فى أمر الساعة التي ينتهى بها أجل جميع الناس.
والخلاصة- إن هذا كلام فى الساعة العامة بعد الكلام فى الساعة الخاصة بكل فرد وهى انتهاء أجله.
الإيضاح
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها) أي يسألونك أيها الرسول عن الساعة- يقولون متى إرساؤها واستقرارها، والسائلون هم قريش، لأن السورة مكية ولم يكن
فى مكة أحد من اليهود، وسؤالهم عن هذا الوقت استبعاد منهم لوقوعه وتكذيب بوجوده كما جاء حكاية عنهم:«وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» وقال تعالى: «يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ، أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ» .
وفى التعبير عن زمن وقوعها بالإرساء الدال على استقرار ما شأنه الحركة والاضطراب إيماء إلى أن قيام الساعة هو انتهاء أمر هذا العالم وانقضاء عمر هذه الأرض التي تدور بما فيها من العوالم المتحركة المضطربة.
(قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي) أي قل لهم إن علم الساعة عند ربى وحده لا عندى ولا عند غيرى من الخلق، وقد جاء بمعنى الآية قوله: إليه يردّ علم السّاعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها» وقوله «يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها. فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها؟ إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها» .
وفى قوله عند ربى إشارة إلى أن ما هو من شأن الرب لا يكون للعبد، فالله قد أعد نبيه ليكون منذرا ومبشرا، والإنذار إنما يكون بالساعة وأهوالها، لا للإخبار عن الغيوب بأعيانها وأوقاتها، إذ تحديد ذلك ينافى هذه الفائدة بل فيه مفاسد، إذ لو وقّت الرسول ميعاد الساعة بتاريخ معين لاستهزأ به المكذبون، ولألحوا فى تكذيبه وازدادوا ارتيابا، حتى إذا ما وقع الأجل وقع المؤمنون فى رعب عظيم ينغّص عليهم حياتهم ويشنج أعصابهم، فلا يستطيعون عملا ولا يسيغون طعاما ولا شرابا، وسخر الكافرون من المؤمنين، وقد حدث أن أخبر بعض رجال الكنيسة فى أوربة أن القيامة ستكون فى سنة كذا فهلعت القلوب، واختلت الأعمال، وأهمل أمر العيال، ولم تهدأ النفوس إلا بعد أن ظهر كذب النبأ.
والخلاصة- إنّ هناك حكمة بالغة فى إبهام أمر الساعة للعالم، والساعة الخاصة بالأفراد والأمم والأجيال، يجعلها من الغيب الذي استأثر الله تعالى به.
(لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ) أي لا يكشف حجاب الخفاء عنها، ولا يظهرها فى وقتها المحدود عند الله تعالى إلا هو إذ لا وساطة بينه وبين عباده فى إظهارها، ولا الإعلام بميقاتها، وإنما وساطة الرسل فى الإنذار بها.
(ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي ثقل وقتها وعظم أمرها فى السموات والأرض على أهلهما من الملائكة والإنس والجن، لأن الله أنبأهم بأهوالها ولم يشعرهم بميقاتها، فهم دائما يتوقعون أمرا عظيما لا يدرون متى يفجؤهم وقوعه.
وقال السدى: خفيت فى السموات والأرض فلا يعلم قيامها ملك مقرّب، ولا نبى مرسل. وقال ابن عباس ليس شىء من الخلق إلا يصيبه من ضرر يوم القيامة.
وروى عن ابن جريج أن ثقلها يكون يوم مجيئها (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ) إلى نحو ذلك مما وصفه الله تعالى من أمر قيامها.
(لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) أي لا تأتيكم إلا فجأة وعلى حين غفلة بلا إشعار ولا إنذار، وقد جاء فى الصحيحين عن أبي هريرة «ولتقومنّ الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وهو يليط- يطلى حجارته بجصّ ونحوه ليمسك الماء- حوضه فلا يسقى فيه، ولتقومنّ الساعة وقد رفع أحدكم أكلته إلى فيه فلا يطعمها» والمراد من كل هذا أنها تبغت الناس وهم منهمكون فى أمور معايشهم، فيجب على المؤمنين أن يخافوا ذلك اليوم، وأن يحملهم ذلك على مراقبة الله تعالى فى أعمالهم بأن يلتزموا فيها الحق ويتحرّوا الخير، ويتقوا الشر والمعاصي ولا يجعلوا حظهم من أمر الساعة، الجدل فيها وكثرة القيل والقال فى شأنها وفى تعيين ميقاتها.
(يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها) أي يسألونك كأنك حفىّ مبالغ فى سؤال ربك عنها.
وقد يكون المعنى: يسألونك عنها كأنك حفىّ بهم، وبينك وبينهم مودة وكأنك صديق لهم، ويؤيد هذا ما
روى عن ابن عباس قال: لما سأل الناس النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة- سألوه سؤال قوم كأن محمدا حفىّ بهم، فأوحى الله إليه- إنما علمها عنده استأثر به فلا يطلع عليه ملكا مقرّبا ولا رسولا.
وما
روى عن قتادة قال: قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم: إن بيننا وبينك قرابة، فأشر إلينا متى الساعة؟
فقال الله عز وجل يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها» .
(قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ) هذا تكرار للجواب إثر تكرير السؤال مبالغة فى التأكيد، وإيئاس لهم من العلم بوقت مجيئها وتخطئة لمن يسألون عنه.
وعبر هنا بلفظ الجلالة (اللَّهِ) إشارة إلى أنه استأثر بعلم هذا لذاته، كما أشعر ما قبله بأنه من شئون ربوبيته، وكلاهما مستحيل على خلقه.
(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أي لا يعلمون اختصاص علمها به تعالى ولا حكمة ذلك ولا أدب السؤال ولا نحو ذلك مما ينبغى أن يعلم فى هذا الباب، وإنما يعلم ذلك القليلون، وهم المؤمنون بما جاء فى كتاب الله من أخبارها وبما سمع من رسوله صلى الله عليه وسلم كمن حضروا تمثل جبريل عليه السلام بصورة رجل وسؤاله النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان، ثم عن الساعة، وإجابة النبي صلى الله عليه وسلم له عن سؤاله الأخير
بقوله. «ما المسئول عنها بأعلم من السائل»
أي إنا سواء فى جهل هذا الأمر فلا يعلم أحد منا متى تقوم الساعة.
قال الآلوسى: وإنما أخفى سبحانه أمر الساعة لاقتضاء الحكمة التشريعية ذلك، فإنه أدعى إلى الطاعة وأزجر عن المعصية، كما أن إخفاء الأجل الخاص للإنسان كذلك وظاهر الآيات أنه عليه السلام لم يعلم وقتها، نعم علم عليه الصلاة والسلام قربها على الإجمال وأخبر به
فقد أخرج الترمذي وصححه أنس مرفوعا «بعثت أنا والساعة كهاتين،