الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير المفردات
بركات السماء: تشمل معارف الوحى العقلية ونفحات الإلهام الربانية، والمطر ونحوه مما يوجب الخصب والخير فى الأرض، وبركات الأرض: الخصب والمعادن ونحوهما، والبأس: العذاب وبياتا: أي وقت بيات وهو الليل، والضحى: انبساط الشمس وامتداد النهار ويسمى به الوقت، ويلعبون: أي يلهون من فرط غفلتهم، المكر: التدبير الخفي الذي يفضى بالممكور به إلى ما لا يحتسب، وهداه السبيل وهداه إليه وهداه له: أي دلّه عليه وبيّنه له.
المعنى الجملي
بعد أن بين عز اسمه أخذه لأهل القرى الذين كذبوا رسلهم، وكفروا بما جاءوا به وظلموا أنفسهم وظلموا الناس بما افتنّوا فيه من أفانين الشرك والمعاصي كما حكى الله فى محاورتهم لرسلهم وإجابة الرسل لهم بما سلف ذكره.
ذكر هنا لأهل مكة ولسائر الناس ما كان يكون من إغداق نعمه تعالى عليهم لو آمنوا بالرسل واهتدوا بهديهم واعتبروا بسنة الله فى الأمم من قبلهم، فإن سنته تعالى فى الأمم واحدة لا تبديل فيها ولا تحويل.
الإيضاح
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أي ولو أن أهل مكة ومن حولهم من أهل القرى آمنوا بما دعاهم إليه خاتم الرسل صلوات الله عليه من عبادته تعالى وحده واتّقوا ما نهاهم عنه من الشرك والفساد فى الأرض بارتكاب الفواحش والآثام- لفتحنا عليهم أنواعا من بركات السماء والأرض لم يعهدوها من قبل، فتكون لهم أبواب نعم وبركات غير التي عهدوا فى صفاتها ونمائها وثباتها وأثرها فيهم، فأنزلنا عليهم الأمطار النافعة التي تخصب الأرض وتكسب
البلاد رفاهية العيش، وآتيناهم من العلوم والمعارف وفهم سنن الكون ما لم يصل إلى مثله البشر من قبل.
والخلاصة- إنهم لو آمنوا لو سعنا عليهم الخير من كل جانب ويسرناه لهم بدل لما أصابهم من عقوبات بعضها من السماء وبعضها من الأرض.
والقاعدة التي أقرها القرآن الكريم أن الإيمان الصحيح ودين الحق سبب فى سعادة الدنيا، ويشارك المؤمنين فى المادي منها الكفار كما قال تعالى:«فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ» أي إن ذلك الفتح كان ابتلاء واختبارا لحالهم، وكان من أثره فيهم البطر والأشر بدلا من الشكر لمولى النعم فكان نقمة لا نعمة، وفتنة لا بركة، ولكن المؤمنين إذا فتح الله عليهم كان أثره فيهم شكر الله عليه والاغتباط بفضله واستعماله فى سبيل الخير دون الشر وفى الإصلاح دون الإفساد، ويكون جزاؤهم على ذلك زيادة النعم فى الدنيا وحسن الثواب عليها فى الآخرة.
(وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي ولكنهم لم يؤمنوا ولم يتقوا بل كذبوا فأخذناهم بما كانوا يعملون من أعمال الشرك والمعاصي التي تفسد نظم المجتمع البشرى.
وذلك الأخذ بالشدة أثر لازم لكسبهم المعاصي بحسب السنن التي وضعها المولى فى الكون ويكون فيه العبرة لأمثالهم إن كانوا يعقلون هذه النواميس العامة التي لا نبديل فيها ولا تغيير.
ثم عجب من حالهم وذكر من غفلتهم فقال:
(أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ؟) أي أجهل أهل مكة وغيرهم من أهل القرى الذين بلغتهم الدعوة والذين ستبلغهم ما نزل بمن قبلهم وغرّهم ما هم فيه من نعمة فأمنوا أن يأتيهم عذابنا وقت بياتهم وهم نائمون؟.
(أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ؟) أي أو أمن أهل القرى أن يأتيهم عذابنا فى وقت الضحى وهم منهمكون فى أعمالهم التي كأنها لعب أطفال لعدم الفائدة التي تترتب عليها.
والخلاصة- إنه تعالى خوّفهم نزول العذاب بهم فى أوقات الغفلات، إما حين النوم وإما وقت الضحى، إذ يكثر فيه تشاغل الناس باللذات.
(أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ؟) أي أكان سبب أمنهم إتيان بأسنا بياتا أو ضحى وهم غافلون عن مكر الله بهم بإتيانهم ببأسنا من حيث لا يحتسبون ولا يقدرون؟ إن كان الأمر كذلك فقد خسروا أنفسهم فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.
وإذا كانت الآية ناطقة بأن أمن الصالح المتعبد من مكر الله جهلا يورث الخسر فما بال من يأمن مكر الله وهو مسترسل فى معاصيه اتكالا على عفوه ومغفرته ورحمته؟
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء بقوله: «اللهم يا مقلّب القلوب والأبصار ثبّت قلبى على دينك» .
وذكر سبحانه أن الراسخين فى العلم يدعونه فيقولون:
«رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً» .
وكما أن الأمن من مكر الله خسران ومفسدة، فاليأس من رحمة الله كذلك فكلاهما مفسدة تتبعها مفاسد.
(أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ؟) أي أكان ما ذكر آنفا مجهولا لأهل القرى وأنه هو سنة الله ولم يتبين لأولئك الذين يرثون الأرض من بعد أهلها قرنا بعد قرن وجيلا بعد جيل أن شأننا فيهم كشأننا فيمن سبقهم فهم خاضعون لمشيئتنا، فلو نشاء أن نعذبهم بسبب ذنوبهم لعذبناهم كما أصبنا أمثالهم ممن قبلهم بمثلها وأهلكناهم كما أهلكناهم، فإن لم نهلكهم بالعذاب نطبع على قلوبهم فلا يسمعون الحكم