الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد روى «أن أبا لبابة شدّ نفسه على سارية من المسجد وقال: والله لا أذوق طعاما ولا شرابا حتى أموت أو يتوب الله علىّ، ثم مكث سبعة أيام لا يذوق طعاما ولا شرابا حتى خر مغشيا عليه، ثم تاب الله عليه، فقيل له: قد تيب عليك، فقال:
والله لا أحلّ نفسى حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلّنى فجاء فحله بيده» .
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ) أي لا تخونوا الله فتعطّلوا فرائضه أو تتعدوا حدوده وتنتهكوا محارمه التي بينها لكم فى كتابه، ولا تخونوا الرسول فترغبوا عن بيانه لكتابه إلى بيانه بأهوائكم أو آراء مشايخكم أو آبائكم أو أوامر أمرائكم، أو ترك سنته إلى سنة آبائكم وزعمائكم زعما منكم أنهم أعلم بمراد الله ورسوله منكم.
(وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ) أي ولا تخونوا أماناتكم فيما بين بعضكم وبعض من المعاملات المالية وغيرها حتى الشئون الأدبية والاجتماعية، فإفشاء السر خيانة محرمة ويكفى فى العلم بكونه سرا قرينة قولية كقول محدثك: هل يسمعنا أحد؟ أو فعلية كالالتفات لرؤية من عساه يجىء، وآكد أمانات السر وأحقها بالحفظ ما يكون بين الزوجين.
كذلك لا تخونوا أماناتكم فيما بينكم وبين أولى الأمر من شئون سياسية أو حربية فتطلعوا عليها عدوكم وينتفع بها فى الكيد لكم.
والخيانة من صفات المنافقين، والأمانة من صفات المؤمنين،
قال أنس بن مالك: قلما خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال: «لا إيمان لمن لا عهد له» رواه الإمام أحمد.
وروى الشيخان عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم» .
(وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي وأنتم تعلمون مفاسد الخيانة وتحريم الله لها وسوء عاقبتها فى الدنيا والآخرة، وقد يكون المعنى- وأنتم تعلمون أن ما فعلتموه خيانة لظهوره، فإن خفى عليكم حكمه فالجهل له عذر إذا لم يكن مما علم من الدين ضرورة، أو مما يعلم ببداهة العقل، أو باستفتاء القلب كفعلة أبي لبابة التي كان سببها الحرص على المال والولد، ومن ثم فطن لها قبل أن يبرح مكانه.
(وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ)
أي إن فتنة الأموال والأولاد عظيمة لا تخفى على ذوى الألباب، إذ أموال الإنسان عليها مدار معيشته وتحصيل رغائبه وشهواته ودفع كثير من المكاره عنه، من أجل ذلك يتكلف فى كسبها المشاق ويركب الصعاب ويكلفه الشرع فيها التزام الحلال واجتناب الحرام ويرغّبه فى القصد والاعتدال، ويتكلف العناء فى حفظها وتتنازعه الأهواء فى إنفاقها، ويفرض عليه الشارع فيها حقوقا معينة وغير معينة: كالزكاة ونفقات الأولاد والأزواج وغيرهم.
وأما الأولاد فحبهم مما أودع فى الفطرة، فهم ثمرات الأفئدة وأفلاذ الأكباد لدى الآباء والأمهات، ومن ثم يحملهما ذلك على بذل كل ما يستطاع بذله فى سبيلهم من مال وصحة وراحة.
وقد روى عن أبي سعيد الخدري مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم «الولد ثمرة القلب وإنه مجبنة مبخلة محزنة» .
فحب الولد قد يحمل الوالدين على اقتراف الذنوب والآثام فى سبيل تربيتهم والإنفاق عليهم وتأثيل الثروة لهم، وكل ذلك قد يؤدى إلى الجبن عند الحاجة إلى الدفاع عن الحق أو الأمة أو الدين وإلى البخل بالزكاة والنفقات المفروضة والحقوق الثابتة كما يحملهم ذلك على الحزن على من يموت منهم بالسخط على المولى والاعتراض عليه