الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير المفردات
لقف الشيء وتلقفه: تناوله بحذق وسرعة، والمأفوك: المصروف عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه، ومن ثم يقال للرياح التي عدلت عن مهابها مؤتفكة كما قال:
«وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ» وقال: «قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ» أي يصرفون عن الحق فى الاعتقاد إلى الباطل، وعن الصدق فى المقال إلى الكذب، وعن الجميل فى الفعل إلى القبيح، فالإفك يكون بالقول كالكذب وقد يكون بالفعل كعمل سحرة فرعون، وانقلبوا عادوا، وصاغرين أي أذلة بما رزئوا به من الخذلان والخيبة، وألقى السحرة ساجدين: أي خرّوا سجدا لأن الحق بهرهم واضطرهم إلى السجود.
الإيضاح
(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) أي أوحى الله إلى عبده ورسوله موسى عليه السلام فى ذلك الموقف العظيم الذي قرن فيه بين الحق والباطل- أن يلقى ما فى يمينه وهى عصاه فإذا هى تبتلع ما يلقون ويوهمون به أنه حق وهو باطل- قال ابن عباس فجعلت لا تمرّ بشىء من حبالهم ولا خشبهم إلا التقمته، فعرفت السحرة أن هذا شىء من السماء وليس بسحر فخروا سجدا و «قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ رَبِّ مُوسى وَهارُونَ» .
ويرى جماعة من المفسرين أن لقفها لما يأفكون- هو أنها أتت عليه حتى أظهرت بطلانه وبيان حقيقة أمره فى نفسه بسرعة، فإن كان إفكهم بما أحدثوه من التأثير فى الأعين فلقفها إياه إزالته وإبطاله برؤية الحبال والعصىّ على حقيقتها، وإن كان تحريكا لها بمحركات خفية سريعة فكذلك وإن كان قد حصل بجعلها مجوفة محشوّة
بالزئبق وتحريكه إياها بفعل الحرارة: (سواء كانت نارا أعدت لها أو الشمس حين أصابتها) فلقفها لذلك يكون بعمل من الحية أخرجت به الزئبق من الحبال والعصى فانكشفت به الحيلة ولو كانت قد ابتلعتها لبقى الأمر ملتبسا على الناس، إذ قصاراه أن كلا من السحرة وموسى قد أظهر أمرا غريبا ولكن أحد الفريقين كان أقوى من الآخر فأخفاه على وجه غير معلوم ولا مفهوم، وهذا لا ينافى كونهما من جنس واحد- ولكن زوال غشاوة السحر وتخييله حتى رأى الناس أن الحبال والعصى التي ألقاها السحرة ليست إلا حبالا وعصيا لا تسعى ولا تتحرك، وأن عصا موسى لم تزل حية تسعى هو الذي ماز الحق من الباطل وعرفت به الآية الإلهية والحيلة الصناعية وقد فعلت ذلك بسرعة ومن ثم عبر عنه باللقف، ولكن لا يعرف بما كان لها هذا التأثير؟ لأنها آية إلهية لا أمر صناعى حتى تدرك حقيقته.
(فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي فثبت الحق وفسد ما كانوا يعملون من الحيل والتخييل وذهب تأثيره، إذ تبين لمن شهده وحضره أن موسى رسول من عند الله يدعو إلى الحق وأن ما عملوه ما هو إلا إفك السحر وكذبه ومخايله.
(فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ) أي فغلب موسى فرعون وجموعه فى ذلك الجمع العظيم الذي كان فى عيد لهم ضربه موسى موعدا لهم كما جاء فى سورة طه:
«قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى» وعادوا من ذلك الحفل صاغرين أذلة بما رزئوا به من خيبة وخذلان.
(وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) أي وألقى السحرة حينما عاينوا عظيم قدرة الله ساقطين على وجوههم سجّدا لربهم، لأن الحق قد بهرهم واضطرهم إلى السجود، حتى كأن أحدا دفقهم وألقاهم.
والخلاصة- إن ظهور بطلان سحرهم وإدراكهم فجأة لآية موسى وعلمهم بأنها من عند الله لا صنع فيها لمخلوق ملأت عقولهم يقينا وقلوبهم إيمانا فكأنّ اليقين الحاكم