الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة الأعراف (7) : الآيات 90 الى 93]
وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (92) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ (93)
تفسير المفردات
الرجف: الحركة والاضطراب، والمراد بها الزلزلة، ومنه:«يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ» وغنى بالمكان يغنى: كرضى يرضى، إذا نزل به وأقام فيه، والأسى:
شدة الحزن.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه جواب الملأ من قوم شعيب وطلبهم منه العود إلى ملتهم وبين يأسهم منه بما كان من جوابه لهم الدال على ثباته فى مقارعتهم وأنه دائب النصح والتذكير لهم، علّهم يرعون عن غيّهم.
ذكر هنا أنهم حذّروا من آمن منهم بالويل والثبور وعظائم الأمور، إذ سيلحقهم الخسار فى دينهم والخسار فى دنياهم، لعل ذلك يثنيهم عن عزيمتهم ويردّهم إلى الرشاد من أمرهم بحسب ما يزعمون، فكانت عاقبة ذلك أن أصبحوا كأمس الدابر وأصبحت ديارهم خرابا يبابا لا أنيس فيها ولا جليس.
الإيضاح
(وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ: لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) أي وقال الكافرون من قوم شعيب وهم الملأ الذين جحدوا آيات الله وكذبوا رسوله وتمادوا
فى غيّهم لآخرين منهم: لئن اتبعتم شعيبا فيما يقول، وأجبتموه إلى ما يدعوكم إليه من توحيد الله وأقررتم بنبوته، إنكم إذا لخاسرون فى فعلكم وترككم ملتكم التي أنتم عليها مقيمون، إلى دينه الذي يدعوكم إليه.
وعمموا الخسران ليشمل خسران الشرف والمجد إذ بإيثاركم ملته على ملة آبائكم وأجدادكم تعترفون بأنهم كانوا ضالين ومعذّبين عند الله وخسران الثروة والربح بما تحترفونه من تطفيف الكيل والميزان وبخس الغرباء أشياءهم لابتزاز أموالهم.
ووصف الملأ- أولا بالاستكبار- لأنه هو الذي جرأهم على تهديده وإنذاره بالإخراج من القرية وإشعاره بأنهم أرباب السلطان فيها، وثانيا: بالكفر لأنه هو الحامل على الإغواء وصدهم عن الإيمان والأخذ بما جاء به، ثم عللوا لهم صدهم بأن فى ذلك لهم مصلحة أيّما مصلحة وفائدة أيّما فائدة.
والخلاصة- إنه تعالى وصفهم أولا بالضلال ثم وصفهم ثانيا بالإغواء والإضلال ثم ذكر عاقبة أمرهم وما أصابهم من نكال فقال:
(فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ) أي فأخذتهم الزلزلة فأصبحوا فى دارهم منكبّين على وجوههم ميتين، وقد عبر عنه هنا بالرّجفة، وفى هود بالصيحة كعذاب ثمود، وستعلم هناك وجه الجمع بينهما.
وقد بيّن سبحانه فى سورة الشعراء أن الله أرسل شعيبا إلى أصحاب الأيكة وهم إخوة مدين فى النسب، أخرج ابن عساكر عن ابن عباس فى قوله:«كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ» قال كانوا أصحاب غيضة بين ساحل البحر ومدين- وفى ذلك دليل على أن الله أرسله إلى أهل مدين وإلى من اتصل بهم إلى ساحل البحر، وأن حال الفريقين فى الكفر والمعاصي كانت واحدة، وكان ينذرهم متنقلا بينهم.
وكان عذاب مدين بالصيحة والرّجفة المصاحبة لها، وعذاب أصحاب الأيكة بالسّموم والحر الشديد وقد انتهى ذلك بظلة من السحاب فزعوا إليها ينبردون بظلها فأطبقت عليهم فاختنقوا بها أجمعون.
(الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا، الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ) جاءت هذه الجملة بيانا من الله لما انتهى إليه أمرهم وكيف كانت عاقبة عملهم فكأن سائلا سأل عما آل إليه تهديدهم لشعيب وقومه بقولهم: «لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا» وقولهم لقومهم: «لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ» فأجاب عن الأول جوابا مناقضا له بقوله: الذين كذبوا شعيبا إلخ. أي الذين كذبوا شعيبا وأنذروه بالإخراج من قريتهم قد هلكوا وهلكت قريتهم فحرموها كأن لم يقيموا ولم يعيشوا فيها بحال، وأجاب عن الثاني بقوله: الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين: أي الذين كذبوا وزعموا أن من يتبعه يكون خاسرا- كانوا هم الخاسرين لما كانوا موعودين به من سعادة الدنيا والآخرة، دون الذين اتبعوه فإنهم كانوا هم الفائزين المفلحين.
وفى الآية إيماء إلى أن الحريص على التمتع بالوطن والاستبداد فيه على أهل الحق تكون عاقبته الحرمان الأبدى منه، كما أن الحريص على الربح بأكل أموال الناس بالباطل ينتهى بالحرمان منه ومن غيره.
(فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ: يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ) أي فأدبر شعيب عنهم وخرج من بين أظهرهم حين أتاهم عذاب الله، وقال حزنا عليهم: يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربى وأدّيت إليكم ما بعثني به إليكم. وقد تقدم مثل هذا فى قصة صالح، وقد اتحد إعذار الرسولين لاتحاد حال القومين.
(فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ) أي فكيف أحزن على قوم جحدوا وحدانية الله وكذبوا رسوله وأتوجع لهلاكهم بعد أن أعذرت إليهم وبذلت جهدى فى سبيل هدايتهم ونجاتهم فاختاروا ما فيه هلاكهم، وإنما يأسى من قصّر فيما يجب عليه من النصح والإنذار.