المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أمما: أي جماعات، دون ذلك: أي منحطون عنهم، وبلوناهم: امتحناهم، - تفسير المراغي - جـ ٩

[المراغي، أحمد بن مصطفى]

فهرس الكتاب

- ‌[تتمة سورة الأعراف]

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 88 الى 89]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 90 الى 93]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 94 الى 95]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 96 الى 100]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 101 الى 102]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 103 الى 112]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌ الإيضاح

- ‌فذلكة فى السحر وضروبه

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 113 الى 116]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 117 الى 122]

- ‌تفسير المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 123 الى 126]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 127 الى 129]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 130 الى 133]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 134 الى 136]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 137]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 138 الى 141]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 142 الى 145]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 146 الى 147]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 148 الى 149]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 150 الى 151]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 152 الى 153]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 154]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 155 الى 157]

- ‌تفسير المفردات

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 158]

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 159]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 160]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 161 الى 162]

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 163 الى 166]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 167 الى 171]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 172 الى 174]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 175 الى 177]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 178 الى 179]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 180]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 181 الى 186]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 187]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌عمر الدنيا

- ‌أشراط الساعة وأماراتها

- ‌المهدى المنتظر

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 188]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 189 الى 193]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 194 الى 198]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 199]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 200 الى 202]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : آية 203]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 204 الى 206]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌خلاصة ما اشتملت عليه السورة من الأغراض والمقاصد

- ‌سورة الأنفال

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 1 الى 4]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 5 الى 8]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 9 الى 14]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 15 الى 19]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 20 الى 23]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 24 الى 26]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 27 الى 28]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنفال (8) : آية 29]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 30 الى 31]

- ‌تفسير المفردات

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 32 الى 35]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 36 الى 37]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 38 الى 40]

- ‌المعنى الجملي

- ‌الإيضاح

- ‌فهرست أهم المباحث العامة التي فى هذا الجزء

الفصل: أمما: أي جماعات، دون ذلك: أي منحطون عنهم، وبلوناهم: امتحناهم،

أمما: أي جماعات، دون ذلك: أي منحطون عنهم، وبلوناهم: امتحناهم، والحسنات النعم، والسيئات: النقم، والخلف:(بسكون اللام) يستعمل فى الأشرار (وبالتحريك) فى الأخيار، والكتاب: التوراة، والعرض (بالتحريك) متاع الدنيا وحطامها، والأدنى: أي الشيء الأدنى والمراد به الدنيا، ودرسوا ما فيه: أي قرءوه فهم ذاكرون له، ويمسكون: أي يتمسكون به ويعملون، ونتقنا الجبل: أي رفعناه كما روى عن ابن عباس، أو زلزلناه وهو مرفوع، يقال نتق السقاء: إذا هزه ونفضه ليخرج منه الزبد، أو اقتلعناه كما هو رأى كثير من العلماء، والظلة: كل ما أظلك من سقف بيت أو سماء أو جناح طائر والجمع ظلل وظلال.

‌المعنى الجملي

بعد أن بيّن سبحانه قبائح طائفة من اليهود وذكر عقابهم على ذلك بالمسخ قردة- ذكر هنا أنه كتب على اليهود جميعا الذلة والصغار إلى يوم القيامة عقابا على أفعالهم، وهذه سنة الله فى عقاب الأمم التي تفسق عن أمره وتخالف أوامر دينه، وهى كما تنطبق على اليهود تنطبق على غيرهم من الأمم التي لا ترعوى عن غيها، بل تتمادى فى فجورها وطغيانها وتسير قدما فى غوايتها وضلالها.

‌الإيضاح

(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ) أي واذكر أيها الرسول إذ أعلم ربك هؤلاء القوم مرة إثر أخرى أنه قضى عليهم فى علمه وفقا لما قامت عليه نظم الاجتماع، ليسلطن عليهم إلى يوم القيامة من يوقع بهم العقاب الشديد على ظلمهم وفسقهم وفسادهم فى الأرض، والآية بمعنى قوله فى سورة الإسراء «وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً» إلى أن قال:«وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا» أي وإن عدتم بعد عقاب

ص: 97

المرة الآخرة إلى الإفساد عدنا إلى التعذيب والإذلال، وقد عادوا فسلط الله عليهم النصارى فسلبوا ملكهم الذي أقاموه بعد أن نجوا من سبى البابليين وقهرهم واستذلالهم إلى أن جاء الإسلام، فعاداه منهم الذين هربوا من الذل والنكال ولجئوا إلى بلاد العرب فعاشوا فيها آمنين أعزّاء لكنهم نكثوا العهد الذي أعطوه للنبى صلى الله عليه وسلم وبه أمّنهم على أنفسهم وأموالهم وحرية دينهم فنصروا المشركين عليه فسلطه الله عليهم فقاتلهم ونصره عليهم فأجلى بعضهم وقتل بعضا وأجلى عمر البقية الباقية منهم إلى سورية ولما فتحها انتقل اليهود من حكم الروم الجائر إلى سلطة الإسلام العادلة ولكنهم فقدوا الملك والاستقلال فى جميع الحالات.

(إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ) أي إن ربك سريع العقاب للأمم التي تفسق عن أمره وتفسد فى الأرض، فلا يتخلف عقابه عنها كما يتخلف عن بعض الأفراد، يؤيد هذا قوله:«وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً»

أي وإذا أردنا هلاك قرية من القرى أمرنا سادتها وكبراءها بالحق والعدل والرحمة فعصوا أمر ربهم وأفسدوا وظلموا فى الأرض فحق عليهم القول بمقتضى سنته فى خلقه فحل بهم الهلاك وخاق بهم النكال جزاء بما كانوا يعملون.

(وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) لمن أقلع عن ذنبه، وأناب إليه، وأصلح ما كان قد أفسد فى الأرض قبل أن يحل به عذابه.

والآية بمعنى قوله: «وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى» .

وقلما ذكر عذاب الفاسقين إلا قرنه بذكر الرحمة والمغفرة للمحسنين حتى لا ييأس صالح مصلح من رحمة ربه بذنب عمله بجهالة، ولا يأمن مفسد من عقابه اغترارا بعفوه وكمه وهو مصر على ذنبه.

وقد فصل سبحانه عقابهم فذكر بدء إذلالهم بإزالة وحدتهم وتمزيق جامعتهم فقال:

ص: 98

(وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً) أي وفرقنا بنى إسرائيل فى الأرض وجعلنا كل فرقة منهم فى قطر من أقطارها فلا يخلو منهم قطر وليس لهم شوكة ولا دولة، وهذا من معجزات الكتاب الكريم.

(مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ) أي منهم الصالحون كالذين نهوا من اعتدوا فى السبت عن ظلمهم، والذين كانوا يؤمنون بالأنبياء من بعد موسى، والذين آمنوا بمحمد عليه الصلاة والسلام، ومنهم من دونهم فى الصلاح لم يبلغوا مبلغهم، ومنهم الغلاة فى الكفر والفسق كالذين كانوا يقتلون النبيين بغير حق، ومنهم السماعون للكذب الأكّالون للسحت والرشا لتبديل الأحكام والقضاء بغير ما أنزل الله كما هو شأن الأمم، فإنها تفسد تدريجا لا دفعة واحدة كما نشاهد ذلك فى المسلمين.

(وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي وامتحناهم واختبرنا استعدادهم بالنعم التي تحسن فى عيونهم وتقرّبها أفئدتهم، وبالنقم التي تسوءهم وإن كانت قد تحسن بالصبر عاقبتها لديهم، رجاء أن يرجعوا عن ذنبهم، وينيبوا إلى ربهم، فيعود إليهم فضله ورحمته.

(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ) أي نبتت من أولئك الذين منهم الصالح والطالح نابتة ورثوا التوراة: أي وقفوا على ما فيها وكانوا عالمين بأحكامها بعد أسلافهم والحال أنهم يؤثرون حطام الدنيا ومتاعها بما يأكلونه من السحت والرشا والاتجار بالدين والمحاباة فى الحكم، ويقولون سيغفر لنا ولا يؤاخذنا بما فعلنا، فإننا أبناء الله وأحباؤه وسلائل أنبيائه وشعبه الذي اصطفاه من سائر البشر إلى نحو ذلك من الأمانى والأضاليل، وهم والغون فى خطاياهم مصرّون على ذنوبهم، فإن يأتهم عرض آخر مثل الذي أخذوه أولا بالباطل يأخذوه ولا يتعفّفوا عنه- وهم يعلمون أن الله إنما وعد بالمغفرة التائبين الذين يقلعون عن ذنبهم ندما وخوفا من ربهم ويصلحون ما كانوا قد أفسدوا.

ص: 99

ثم رد الله عليهم ما زعموه بقولهم: سيغفر لنا، وهم مقيمون على ظلمهم وفسادهم وحبهم للدنيا فقال:

(أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ) أي وقد أخذ الله العهد والميثاق عليهم فى كتابه ألا يقولوا عليه غير الحق الذي بينه فيه، فمنعهم من تحريفه وتغيير الشرائع لأجل أخذ الرشا، وهم قد درسوا الكتاب وفهموا ما فيه فهم ذاكرون لما أخذ عليهم من تحريم أكل أموال الناس بالباطل والكذب على الله إلى نحو أولئك.

(وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) أي والدار الآخرة وما فيها من نعيم للذين يتقون المعاصي ما ظهر منها وما بطن- خير من حطام الدنيا الفاني الذي يؤخذ بالرّشا والسحت وغير ذلك، أفلا تعقلون ذلك وهو واضح لا يخفى على كل ذى عقل لم تطمسه الشهوات، ولم يعم بصيرته حطام الدنيا العاجل، وبذا يرجّح الخير على التسر والنعيم المقيم على المتاع الزائل.

وفى هذا إيماء إلى أن الطمع فى متاع الدنيا هو الذي أفسد على بنى إسرائيل أمرهم، واستحوذ عليهم حبّ العاجلة فأذهب عنهم رشدهم.

وفى هذا عبرة للمسلمين الذين سرى إليهم كثير من هذا الفساد وغلب عليهم الطمع وحب الدنيا وعرضها الزائل وهم قد درسوا كتابهم الكريم، لكن التحلي بلقب الإسلام والتعلل بأمانى المغفرة مع الإصرار على الذنوب اتكالا على الشفاعات والمكفّرات- هو الذي غرّهم وجعلهم يتمادون فى غيّهم وكتابهم ينهاهم عن الأمانى والأوهام وكون الشفاعة لا تقع إلا بإذن الله لمن رضى عنه كما قال:«وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ» .

(وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) أي والذين يستمسكون بأوامر الكتاب ويعتصمون بحبله فى جميع شئونهم، ويقيمون

ص: 100

الصلاة التي هى عماد الدين وركن منه متين كعبد الله بن سلام وأصحابه- لا نضيع أجرهم لأنهم قد أصلحوا أعمالهم، والله لا يضيع أجر المصلحين، وهى بمعنى قوله:«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا» .

ثم ختم سبحانه هذه القصة مذكّرا ببدء حالهم فى إنزال الكتاب عليهم عقب بيان مخالفتهم لأمور دينهم والخروج عنه فقال:

(وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ) أي واذكر أيها الرسول إذ رفعنا جبل الطور فوقهم كما روى عن ابن عباس، أو اقتلعناه وجعلناه فوقهم كأنه غمامة وأيقنوا أنهم إن خالفوا أوامر دينهم وقع لا محالة عليهم.

ذاك أنه أخذ عليهم الميثاق ليأخذنّ الشريعة بقوة وعزم فخالفوا الميثاق فرفع فوقهم الطور وأوقع فى قلوبهم الرعب خوف وقوعه بهم، فخرّ كل واحد منهم ساجدا لربه وقبل العمل بالميثاق.

روى أن بنى إسرائيل أبوا أن يقبلوا التوراة، فرفع الجبل فوقهم وقيل لهم إن قبلتم العمل بها وإلا ليقعنّ عليكم، فوقع كل منهم ساجدا على حاجبه الأيسر وهو ينظر بعينه اليمنى إلى الجبل فرقا من سقوطه، فلذلك لا ترى يهوديا يسجد إلا على حاجبه الأيسر ويقولون هى السجدة التي رفعت عنا بها العقوبة حين امتثلنا ما أمرنا به اهـ.

وفى الآية تعريض بأنهم إذا كانت حالهم فى مبدإ أمرهم بمخالفتهم لكتابه ما عرفت- فلا عجب إذا آل أمرهم إلى ترك العمل به بعد طول الأمد وقساوة القلوب والأنس بالمعاصي والذنوب.

(خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) أي وقلنا لهم فى هذه الحال: خذوا ما أعطيناكم من أحكام الشريعة بعزم واحتمال للمشاقّ والتكاليف.

(وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) أي واذكروا ما فيه من الأوامر والنواهي، فإن ذلك يعدّكم للتقوى ويجعلها مرجوة لكم، فإن قوة العزيمة فى إقامة الدين تزكى

ص: 101