الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى الجملي
بعد أن ذكر خبر مناجاة موسى لربه واصطفائه إياه برسالاته وبكلامه وأمره بأخذ الألواح بقوة- ذكر هنا ما حدث أثناء المناجاة من اتخاذ قومه بنى إسرائيل عجلا مصوغا من الذهب والفضة، ثم عبادته من دون الله- لما رسخ فى نفوسهم من فخامة المظاهر الوثنية الفرعونية فى مصر- وقد ذكرت هذه القصة عقب تلك لما بينهما من العلاقات الظاهرة وللاشتراك فى الزمن.
الإيضاح
(وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ) أي وصاغ بنو إسرائيل من بعد ما فارقهم موسى ماضيا إلى ربه لمناجاته وفاء للموعد الذي وعده إياه- من حلى القبط التي كانوا استعاروها منهم عجلا جسدا له خوار أي تمثالا له صورة العجل وبدنه وصوته ثم عبدوه.
والذي فعل ذلك كما سيأتى فى سورة طه هو السامري، وكان رجلا مطاعا فيهم ذا منزلة واحترام، وإنما نسبه إليهم لأنه عمل برأى جمهورهم الذين طلبوا أن يجعل لهم إلها يعبدونه.
قال ابن كثير: وقد اختلف المفسرون فى ذلك العجل هل صار لحما ودما له خوار أو استمر على كونه من ذهب إلا أنه يدخل فيه الهواء فيصوت كالبقر على قولين والله أعلم اهـ.
ويرى الرأى الأول قتادة والحسن البصري فى جماعة آخرين، وتعليل ذلك عندهم أن السامري رأى جبريل حين جاوز ببني إسرائيل البحر راكبا فرسا ما وطئ بها أرضا إلا حلت فيها الحياة واخضرّ نباتها فأخذ من أثرها قبضة فنبذها فى جوف تمثال العجل فحلت فيه الحياة وصار يخور كما يخور العجل.
ويرى جماعة آخرون الرأى الثاني ويقولون: إن خواره كان بتأثير دخول الريح فى جوفه وخروجها من فيه، ذاك أنه صنع تمثال عجل مجوّفا ووضع فى جوفه أنابيب على طريق فنيّة مستمدة من دراسة علم الصوت وجعل وضعه على مهب أنابيب الرياح، فمتى دخلت الريح فى جوف التمثال انبعث منه صوت يشبه خوار العجل.
وقال آخرون بل ذلك الخوار كان تمويها وعملا منه يشبه عمل: (الحواة) ذاك أنه جعل التمثال أجوف وجعل تحت المواضع الذي نصب فيه من ينفخ فيه من حيث لا يشعر الناس فسمعوا الصوت من جوفه كالخوار، والناس يفعلون مثل هذا فى النافورات التي تجرى فيها المياه، وبهذا الطريق ونحوه ظهر الصوت من التمثال ثم ألقى فى روع الناس أن هذا العجل إلههم وإله موسى فعبدوه كلهم إلا هارون كما قال الحسن.
فرد الله عليهم ضلالاتهم وأبان لهم فساد آرائهم وقرعهم على جهالاتهم فقال:
(أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا) أي ألم يروا أنه فاقد لما يعرف به الإله الحق من تكليمه لمن يختاره من البشر لرسالته لتعليم عباده ما يجب عليهم معرفته من صفاته وسبيل عبادته كما كلم رب العالمين موسى وألقى إليه الألواح التي فيها من الشرائع ما يزكّى النفوس وتقوم بها مصالح العباد وعليها سعادتهم فى دنياهم وآخرتهم.
وخلاصة ذلك- إنه فاقد لأهم صفة من صفات الإله الحق وهى صفة الهداية والإرشاد للعباد بإنزال الرسل الذين يختارهم إلى الناس- ومرجعها صفة الكلام.
ثم أكد ما سلف وقرره بقوله:
(اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ) أي إنهم لم يتخذوه عن دليل وبرهان بل اتخذوه عن تقليد للمصريين إذ رأوهم يعبدون العجل: (أبيس) من قبل، وعن تقليد لما رأوه من العاكفين على أصنام لهم من بعد فعبدوه مثلهم.
وبهذا كانوا ظالمين لأنفسهم إذ هم يعملون ما يضرهم ولا ينفعهم بشىء.
(وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) أي ولما اشتد ندمهم وازدادت حسرتهم على ما فرط منهم