الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ الآية في ص مثله كلاهما في جواب ما مَنَعَكَ ظاهر إلا أنه زاد في الحجر لفط الكون فقال: لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ [الآية: 33] ليكون مطابقا للسؤال حيث قيل: ما لك أن لا تكون مع الساجدين.
قوله: أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ وفي ص وفي الحجر رَبِّ فَأَنْظِرْنِي [الآية: 36] لأنه لما اقتصر في السؤال على الخطاب دون صريح الاسم اقتصر هاهنا أيضا على الخطاب دون ذكر المنادى بخلاف السورتين. وأما زيادة الفاء في السورتين دون هذه السورة فلأن داعية الفاء ما تضمنه النداء من أدعو وأنادي نحو قوله: رَبَّنا فَاغْفِرْ [آل عمران: 193] أي أدعوك فاغفر. فلما حذف النداء في هذه السورة تركت الفاء. وكذلك من قوله: إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ليطابق الجواب السؤال.
قوله: فَبِما أَغْوَيْتَنِي وفي الحجر رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي [الآية: 39] بزيادة النداء ليوافق ما قبله. وزاد في هذه السورة الفاء وكذا في «ص» فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ [الآية: 82] لزيادة الربط. ولم يمكن دخول الفاء في «رب» لامتناع النداء منه لأن ذلك يقع مع السؤال والطلب.
قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً ليس في القرآن غيره وإنما اختص هذا الموضع بذلك لأن اللعين بالغ في العزم على الإغواء فقال: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ إلى آخره فبالغ الله جل وعلا في ذمه إذ الذام أشد الذم.
قوله: فَكُلا بالفاء وفي البقرة وَكُلا [الآية: 35] لأن اسكن هاهنا من السكنى التي معناها اتخاذ الموضع مسكنا وهذا لا يستدعي زمانا ممتدا يمكن الجمع بين الاتخاذ والأكل فيه بل يقع الأكل عقيبه، وفي البقرة من السكون الذي يراد به الإقامة فلم يصلح إلا بالواو فإن المعنى أجمعا بين الإقامة فيها والأكل من ثمارها ولو كان بالفاء لوجب تأخير الأكل إلى الفراغ من الإقامة. وإنما زاد في البقرة رَغَداً لما زاد في الخبر تعظيما بقوله:
وَقُلْنا قال بعض الأفاضل في الجواب عن هذه المسائل: إن اقتصاص ما مضى إذا لم يقصد به أداء الألفاظ بأعيانها كان اختلافها واتفاقها سواء إذا أدى المعنى المقصود. وهذا جواب حسن إن رضيت به كفيت مؤنة السهر إلى السحر والله أعلم.
التأويل:
وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ أرواحكم ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ أي خلقنا لأرواحكم أجسادا كما جاء في الحديث «إن الله خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي ألف عام» ولتصوير الأجساد بداية وهي قوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [الأعراف: 172] فإن لفظ الذرية يقع على المصورين ووسط يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ [آل عمران: 6]
ونهاية هي حالة الكهولية في الأغلب ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ وأنتم في صلبه وهذا من التمكين أيضا فَسَجَدُوا لاستعدادهم الفطري للسجود ولائتمارهم لأمر الله إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ من المستعدين للسجود لما فيه من الاستكبار الناري قالَ ما مَنَعَكَ خطاب الامتحان لجرم إبليس ليظهر به استحقاقه اللعن فإنه لو كان ذا بصيرة لقال في الجواب منعني تقديرك وقضاؤك ولكنه كان أعور العين اليمنى بصيرا بالعين التي رأى بها أنانيته فقال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ أي منعني خيريتي منه أن أسجد لمن هو دوني، واستدل على خيريته بأنه خلق من نار وهي علوية نورانية لطيفة وآدم خلق من طين وهو سفلي ظلماني كثيف. وهذا القياس معارض بأن النار من خاصيتها الإحراق والفناء والطين من خواصه النشوء والإنماء والاستمساك الذي بقوته يصير الإنسان مستمسكا للفيض الإلهي ونفخ الروح فيه فاستحق سجود الملائكة لأنه صار كعبة حقيقية. فلما ابتلي إبليس بالصغار وطرد من الجوار أخذ في النوح وأيس من الروح ورضي بالعباد واطمأن بالحياة فقال: أَنْظِرْنِي فأجيب إلى ما سأل ليكون وبالا عليه ويزيد في شقوته، ولكن لم يجبه بأن لا يذيقه ألم الموت لقوله في موضع آخر إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ [ص: 81] قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لم تكن حوالته الإغواء إلى الله منه من نظر التوحيد وإنما كان للمعارضة والمعاندة لقوله: لَأُغْوِيَنَّهُمْ [الحجر: 39] لَأَقْعُدَنَّ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ من الجهات التي فيها حظوظ النفس مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ من قبل الحسد على الأكابر من المشايخ والعلماء المعاصرين وَمِنْ خَلْفِهِمْ من قبل الطعن في الأكابر الأقدمين والسلف الصالحين. وَعَنْ أَيْمانِهِمْ من قبل إفساد ذات البين وإلقاء العداوة والبغضاء بين الإخوان وَعَنْ شَمائِلِهِمْ من جهة ترك النصيحة مع أهاليهم وأقاربهم وترك الأمر بالمعروف مع عامة المسلمين. أو المراد مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ من قبل الرياء والعجب وَمِنْ خَلْفِهِمْ من قبل الصلف والفخر وَعَنْ أَيْمانِهِمْ من قبل الادعاء وإظهار المواعيد والمواجيد وَعَنْ شَمائِلِهِمْ من قبل الافتراء على أنفسهم ما ليس فيها من الكشوف والأحوال. أو مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ من قبل الاعتراض على الشيخ وَمِنْ خَلْفِهِمْ من قبل التفريق والإخراج عن صحبة الشيخ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ من قبل ترك حشمة المشايخ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ من قبل مخالفة الشيخ والرد بعد القبول. أو مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ أثوّر عليهم أهاليهم وأولادهم ليمنعوهم عن طلب الحق وَمِنْ خَلْفِهِمْ أثور عليهم آباءهم وأمهاتهم وَعَنْ أَيْمانِهِمْ أثور عليهم أحباءهم وَعَنْ شَمائِلِهِمْ أثور عليهم أعداءهم وحسادهم. وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ يعني شجرة المحبة فإن المحبة مطية المحنة فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ على أنفسكما لأن للمحبة نارا ونورا فمن لم يرد نارها لم يجد نورها ومن يرد نارها احترقت أنانيته فيبقى بلا هوية نفسه مع هوية ربه فههنا يجد نور المحبة ويتنور به
كقوله: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة: 54] فشجرة المحبة شجرة غرسها الرحمن بيده لأجل آدم كما خمر طينة آدم بيده لأجل هذه الشجرة، وإنّ منعه منها كان تحريضا له على تناولها فإن الإنسان حريص على ما منع. ولم تكن الشجرة طعمة لغير آدم وأولاده إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أي من أهل السلو كملكين في زوايا الجنة أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ في الجنة كالحور والرضوان فسقاهما إبليس في كأس القسم شراب ذكر الحبيب وَقاسَمَهُما فلما غرقا في لجّة المحنة وذاقا شجرة المحبة بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما أي سوآت نار المحبة قبل نورها وهي نار فرقة الأحبة في البداية وَطَفِقا لاشتعال نائرة المحبة يجعلان كل نعيم الجنة على نارهما، فلما التهبت احترقت بلظى نارها حبة الوصلة ونعب غراب البين بالفرقة.
فبينما نحن في لهو وفي طرب
…
بدا سحاب فراق صوبه هطل
وإن من كنت مشغوفا بطلعته
…
مضى وأقفر منه الرسم والطلل
فالصبر مرتحل والوجد متصل
…
والدمع منهمل والقلب مشتعل
وَناداهُما رَبُّهُما نداء العزة والكبرياء أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ فإنها تذل العزيز وتزيل النعيم وتذهب الطرب وتورث التعب والنصب إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ ولكن في عداوته صداقة مخفية تظهر ولو بعد حين.
واخجلتا من وقوفي باب دارهم
…
لو قيل لي مغضبا من أنت يا رجل
فانغسل بماء الخجل منهما رعونات البشرية ولوث العجب والأنانية فرجعا عما طمعا فيه ووقفا لديه وعلما أن لا منجا ولا ملجأ منه إلا إليه فقالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا بأن أوقعناها في شبكة المحبة لا المحبة تبقينا بالوصال ولا المحنة تفنينا بالزوال وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا بنوال الوصال وَتَرْحَمْنا بتجلي الجمال لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ الذين خسروا الدنيا والعقبى ولم يظفروا بالمولى. فأمرا بالصبر على الهجر وقيل: اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ النفس عدو القلب والروح، والقلب عدو لما سوى الله وَلَكُمْ للنفس والقلب والرفع في أرض البدن مقام وتمتع في الشريعة باستعمال الطريقة للوصول إلى الحقيقة إلى حين تصير النفس مطمئنة تستحق الخطاب، ارجعي من الهبوط وارفعي بعد السقوط.
إن الأمور إذا انسدت مسالكها
…
فالصبر يفتح منها كل ما ارتتجا
لا تيأسنّ وإن طالت مطالبة
…
إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا