الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الغلبة والشدة والعنت المشقة والوقوع في المكروه والإثم. و «ما» مصدرية أي شديد شاق عليه- لكونه بعضا منكم- عنتكم ولقاؤكم المكروه، وأولى المكاره بالدفع عقاب الله وهو إنما أرسل لدفع هذا المكروه. حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ الحرص يمتنع أن يتعلق بذواتهم فالمراد حريص على إيصال الخيرات إليكم في الدارين فالصفة الأولى لدفع الآفات والثانية لإيصال الخيرات والسعادات فلا تكرار. وقال الفراء: الحريص الشحيح والمعنى أنه شحيح عليكم أن تدخلوا النار وفيه نوع تكرار. ثم بين أنه رحمة للعالمين فقال بِالْمُؤْمِنِينَ أي منكم ومن غيركم رَؤُفٌ رَحِيمٌ قال ابن عباس: لم يجمع الله بين اسمين من أسمائه إلا له، وحاصل هذه الخاتمة أن هذا الرسول منكم فكل ما يحصل له من العز والشرف فذاك عائد إليكم وإنه كالطبيب الحاذق وكالأب الشفيق وإذا عرف أن الطبيب حاذق والأب مشفق فالعلاج والتأديب منهما إحسان وإحمال، وإن كان صعبا مؤلما فاقبلوا ما أمركم به من التكاليف وإن كانت شاقة لتفوزوا بسعادة الدارين، ثم قال لرسوله فإن لم يقبلوا بل أعرضوا وتولوا فاتركهم ولا تلتفت إليهم وارجع في جميع أمورك إلى الله الذي بالحق أرسلك فهو كافيك وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ فلا يخرج عن قبضة قدرته وتصرفه شيء لأنه يحيط بالعرش وبما يحويه العرش والله أعلم.
التأويل:
ما كانَ لِأَهْلِ مدينة القالب وهو النفس والهوى والقلب وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ الصفات النفسانية والقلبية أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ الروح السائر إليه ولا يبذلوا وجودهم عند بذل وجوده بالفناء في الله ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ من ماء الشهوات وَلا نَصَبٌ من أنواع المجاهدات وَلا مَخْمَصَةٌ بترك اللذات وحطام الدنيا في طلب الله لا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً من مقامات الفناء يَغِيظُ كفار النفس والهوى وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ الشيطان والنفس والدنيا بلاء ومحنة وفقرا وحزنا وغير ذلك من أسباب الفناء إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ من البقاء بالله بقدر الفناء في الله وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً هي بذل الصفات وَلا كَبِيرَةً هي بذل الذات في صفات الله وفي ذاته وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً من أودية الدنيا والآخرة والنفس والهوى والقلب والروح. أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ لأن عملهم بقدر معرفتهم وجزاؤه يضيق عنه نطاق فهمهم فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ [السجدة: 17] وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا في السير إلى الله وبالله وفي الله، فهلا نفر من كل قوم وقبيلة فرقة طائفة هم خواصهم وأهل الاستعداد الكاملون ليتعلموا السلوك ويخبروا بذلك قومهم لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ من غير الله. قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ من كفار النفس والهوى وصفاتها
وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً عزيمة صادقة في ترك شهواتها وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ أي لموت قلبهم لتزايد ظلمة النفاق كل حين، ثم أخبر عن موت القلب بقوله: أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ والفتنة موجبة لانتباه القلب الحي إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ [ق:
37] أي قلب حي هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ في مقام الإنكار والنفاق أي هل يرى محمد إنكارنا على رسالته والقرآن، فإن كان رسولا يرانا بنور رسالته ثُمَّ انْصَرَفُوا على هذا الحسبان لأن قلوبهم مصروفة وليس لهم فقه القلب لأن ذلك من أمارات حياة القلب.
مِنْ أَنْفُسِكُمْ تسكين للعوام لئلا يتنفروا عنه وإشارة للخواص إلى أن البشر لهم استعداد الوصول والوصال، فإن لم يكن بالاستقلال فبالمتابعة فاتبعوني يحببكم الله. ومن قرأ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أي أشرفكم فلأنه أوّل جوهر خلقه الله تعالى
ولاختصاصه بالخلاص عن تعلق الكونين وبلوغه إلى قاب قوسين أو أدنى وتحليه بحلية فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
[النجم: 10] ولعلو همته، ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى [النجم: 17] ولرؤيته سر القدر ولَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى [النجم: 18] بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ فمن رأفته أمر بالرفق كما
قال: «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه بالرفق» «1»
ومن رحمته قيل له فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران: 159] وهاهنا نكتة وهي أن رأفته ورحمته لما كانت مخلوقة اختصت بالمؤمنين فقط، وكانت رحمته تعالى ورأفته للناس عامة إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ونكتة أخرى هي أن رحمته صلى الله عليه وسلم عامة للعالمين بقوله: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: 107] وأما رحمته المضمومة الى الرأفة فخاصة بالمؤمنين وكأن الرأفة إشارة إلى ظهور أثر الدعوة في حقهم، فالمؤمنون أمة الدعوة والإجابة جميعا وغيرهم أمة الدعوة فقط فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لأن المقصود من التبليغ قد حصل لك وهو وصولك إلى الله أعرضوا عن دعوتك أو أقبلوا والله المستعان.
(1) رواه أحمد في مسنده (3/ 199) .