الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يصل إليهم فهم معذورون، ومنهم من استبعد عدم وصول الخبر إليهم مع أن خبر هذه الشريعة طار في كل أفق وتغلغل في كل نفق فقال: إنهم هنالك حنفاء مسلمون يستقبلون قبلتنا.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جبرائيل ذهب به صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء نحوهم فكلمهم فقال لهم جبرائيل: هل تعرفون من تكلمون؟ قالوا: لا. قال: هذا محمد صلى الله عليه وسلم النبي الأمي فآمنوا به.
وقالوا: يا رسول الله إن موسى أوصانا من أدرك منكم أحمد فليقرأ عليه مني السلام، فرد محمد على موسى عليه السلام ثم أقرأهم عشر سور من القران نزلت بمكة ولم تكن نزلت فريضة غير الصلاة والزكاة، وأمرهم أن يقيموا مكانهم وكانوا يسبتون فأمرهم أن يجمعوا ويتركوا السبت والله أعلم.
التأويل:
وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ المختار من الخلق من اختاره الله تعالى وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [القصص: 68] فالذي اختاره الله كان مثل موسى وَأَنَا اخْتَرْتُكَ [طه: 13] . والذين اختارهم موسى كانوا مستحقين بسوء الأدب للرجفة والصعقة. وهاهنا نكتة هي أن قلب موسى عليه السلام لما كان مخصوصا بالاصطفاء للرسالة والكلام دون القوم كان سؤاله للرؤية شعلة نار المحبة مقرونا بحفظ الأدب على بساط القرب بقوله رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قدّم عزة الربوبية وأظهر ذلة العبودية، وكان سؤال القوم من القلوب الساهية اللاهية فتصاعد دخان الشوق بسوء الأدب فقالوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة: 55] قدّموا الجحود والإنكار وطلبوا الرؤية جهارا فأخذتهم الصاعقة. فصعقة موسى كانت صعقة اللطف مع تجلي صفة الربوبية، وصعقتهم كانت صعقة القهر عند إظهار صفة العزة والعظمة. ولما كان موسى عليه السلام ثابتا في مقام التوحيد كان ينظر بنور الوحدة فيرى الأشياء كلها من عند الله، فرأى سفاهة القوم من آثار صفات قهره فتنة واختيارا لهم فقال إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تزيغ بها قلب من تشاء بأصبع صفة القهر، وتقيم قلب من تشاء بإصبع صفة اللطف. وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً الرؤية كما كتبت لمحمد صلى الله عليه وسلم فَسَأَكْتُبُها يعني حسنة الرؤية والرحمة لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ بالله عن غيره وَيُؤْتُونَ عن نصاب هذا المقام الزَّكاةَ إلى طلابه والذين هم بأنوار شواهد الآيات بالتحقيق لا بالتقليد يؤمنون. وفي قوله الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ إشارة إلى أن في أمته من يكون مستعدا لاتباعه في هذه المقامات الثلاثة، ومعنى الأمي أنه أم الموجودات وأصل المكوّنات كما
قال صلى الله عليه وسلم: «أول ما خلق الله روحي» .
وقال حكاية عن الله لولاك لما خلقت الكون. فأما اتباعه في مقام الرسالة فبأن تأخذ منه ما أتاك وتنتهي عما نهاك وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7] فالرسالة تتعلق بالظاهر والنبوة بالباطن فللعوام شركة مع الخواص
في الانتفاع من الرسالة وللخواص اختصاص بالانتفاع من النبوة، فمن أدى حقوق أحكام الرسالة في الظاهر يفتح له ببركة ذلك أحوال النبوة في الباطن فيصير صاحب الإشارات والإلهامات الصادقة والرؤيا الصالحة والهواتف المملكية، وربما يؤل حاله إلى أن يكون صاحب المكالمة والمشاهدة والمكاشفة، ولعله يصير مأمورا بدعوة الخلق إلى الحق بالمتابعة لا بالاستقلال كما
قال صلى الله عليه وآله: «علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل»
وأما اتباعه في مقام أميته فذلك لأخص الخواص وذلك أنه صلى الله عليه وآله يرجع بالسير من مقام بشريته إلى مقام روحانيته الأولى، ثم بجذبات الوحي أنزل في مقام التوحيد وهو قاب قوسين، ثم اختطف بأنوار الهوية عن أنانيته إلى أو أدنى وهو مقام روحانيته ثم بجذبات النبوة أنزل في مقام التوحيد، ثم اختطف بأنوار المتابعة عن أنانيته إلى مقام الوحدة فقد حظي من مقام أميته مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ بالحقيقة هو مكتوب عنده في مقعد صدق يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وهو طلب الحق وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ طلب ما سواه وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ كل ما يقرّب إلى الله فإن الله هو الطيب وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ الدنيا وما فيها وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ أي العهد الذي بين الله وبين حبيبه أو لا يوصل أحد إلى مقام أميته إلا أمته وأهل شفاعته كقوله:«الناس يحتاجون إلى شفاعتي حتى إبراهيم» فكان من هذا العهد عليهم شدة وأغلال يمنعهم من الوصول إلى هذا المقام. فقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الإصر والأغلال بالدعوة إلى متابعته، وأشار إلى هذه المعاني بقوله فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وقروه باعتقاد اختصاص هذا المقام به دون سائر الأنبياء والرسل ونصروه بالمتابعة وَاتَّبَعُوا نور الوحدة الذي أُنْزِلَ مَعَهُ له ملك سموات القلوب وأرض النفوس لا مدبر فيهما غيره، يحيي قلب من يشاء من عباده بنور الوحدة، ويميت نفسه عن صفات البشرية. وكلماته هي ما أوحى إليه ليلة المعراج بلا واسطة وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ يعني خواصهم الذين يرشدون الخلق بالكتاب المنزل بالحق على موسى وَبِهِ يَعْدِلُونَ في الحكم بين العوام فشتان بين أمة غايتهم القصوى هي هداية الخلق وكان نبيهم محجوبا بحجاب الأنانية عند سؤال الرؤية فأجيب ب لَنْ تَرانِي وبين أمة أمية بلغوا بجذبات أنوار المتابعة إلى مقام الوحدة حتى سموا أمة أميين
وقال في حقهم: «كنت له سمعا وبصرا ولسانا فبي يسمع وبي يبصر وبي ينطق» «1»
فلهذا دعا موسى عليه السلام:
اللهم اجعلني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم شوقا إلى لقاء ربه فافهم جدا.
(1) رواه البخاري في كتاب الرقاق باب 38.