الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجلاء كما نال بني قريظة والنضير، أو التقدير: إن الذين اتخذوا العجل سينال أولادهم وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ أي كل مفتر في دين الله فجزاؤه الغضب والذلة. قال مالك بن أنس: ما من مبتدع إلا وتجد فوق رأسه ذلة ثم قرأ هذه الآية وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا ظاهر الآية يدل على أن التوبة شرط العفو وأنه لا بد مع التوبة من تجديد الإيمان فما أصعب شأن المذنبين، ولكن عموم لفظ السيئات يدل على أن من أتى بجميع المعاصي ثم تاب فإن الله يغفرها له فما أحسن حال التائبين لَغَفُورٌ ستور عليهم محّاء لما صدر منهم رَحِيمٌ منعم عليهم بالجنة. وفيه أن الذنوب وإن جلت وعظمت فإن عفوه وكرمه أعظم وأجل.
ولما بين ما كان من موسى مع الغضب بين ما كان منه بعد الغضب فقال وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ قال علماء البيان: إنه خرج على قانون الاستعارة فكأن الغضب كان يغريه على ما فعل ويقول ألق الألواح وغير ذلك، فترك النطق بذلك وقطع الإغراء.
وعن عكرمة أن المعنى سكت موسى عن الغضب فقلب كما يقال: أدخلت الخف في رجلي وإنما أدخل الرجل في الخف. وقيل: السكوت بمعنى السكون وقد قرىء به.
أَخَذَ الْأَلْواحَ التي ألقاها منبها على زوال غضبه لأنه أوكد ما تقدم من إمارات الغضب وَفِي نُسْخَتِها فعلة بمعنى مفعول كالخطبة من النسخ والكتب أي في مكتوبها من اللوح المحفوظ سواء قلنا إن الألواح لم تتكسر وأخذها موسى بأعيانها بعد ما ألقاها أو قلنا إنها تكسرت وأخذ ما بقي منها، وقيل: النسخ بمعنى الإزالة لما روي عن ابن عباس أنه لما ألقى الألواح تكسرت فصام أربعين يوما فأعاد الله تعالى الألواح وفيها غير ما في الأولى هُدىً من الضلال وَرَحْمَةٌ من العذاب لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ أدخل اللام في المفعول لتقدمه فإن تأخير الفعل يكسبه ضعفا ونظيره لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ [يوسف: 43] وقولك: لزيد ضربت.
ويجوز أن يكون المراد للذين هم لأجل ربهم يرهبون لا رياء وسمعة، وجوّز بعضهم أن تكون اللام صلة نحو ردف لكم.
التأويل:
ثَلاثِينَ لَيْلَةً لئلا تستكثر النفس الأربعين من ضعف البشرية وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ الخصوصية الأربعين في ظهور ينابيع الحكمة من القلب على اللسان وَقالَ مُوسى الروح لِأَخِيهِ هارُونَ القلب عند توجهه لمقام المكالمة والتجلي كن خليفتي في قومي من الأوصاف البشرية ووَ أَصْلِحْ ذات بينهم على وفق الشريعة وقانون الطريقة وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ من الهوى والطبيعة. وهذه الخلافة هي السر الأعظم في بعثة الروح من ذروة عالم الأرواح إلى حضيض عالم الأشباح وَلَمَّا جاءَ مُوسى ولما حصل الروح على بساط القرب وتتابع عليه كاسات الشرب أثر فيه سماع الكلمات فطال لسان
انبساطه عند التمكن على بساطه ف قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ فقيل: هيهات أنت بعد في بعد الاثنينية وحجب جبل الأنانية فلن تراني لأنه لا يراني إلا من كنت له بصرا فبي يبصر وَلكِنِ انْظُرْ إلى جبل الأنانية فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ عند التجلي فَسَوْفَ تَرانِي ببصر أنانيتك وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً بالأنانية فكان ما كان بعد أن بان ما بان وأشرقت الأرض بنور ربها.
قد كان ما كان سرا أبوح به
…
فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر
فلو لم يكن جبل أنانية النفس بين موسى الروح وتجلي الرب لطاش في الحال وما عاش، ولولا أن القلب يحيا عند الفناء بالتجلي لما أمكنه الإفاقة والروح إلى الوجود، ولو لم يكن تعلق الروح بالجسد لما استسعد بالتجلي ولا بالتحلي فافهم. فَلَمَّا أَفاقَ من غشية الأنانية بسطوة تجلي الربوبية قالَ موسى بلا هويته سُبْحانَكَ تنزيها لك من خلقك واتصال الخلق بك وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ بأنك لا ترى بالأنانية وإنما ترى بنور هويتك. بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي دون رؤيتي وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ فإن الشكر يبلغك إلى ما سألت من الرؤية لأن الشكر يورث الزيادة والزيادة هي الرؤية لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يونس: 26] فَخُذْها بِقُوَّةٍ أي بقوة الصدق والإخلاص أو بقوة وإعانة منا سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ الخارجين عن طلب الله إلى طلب الآخرة أو الدنيا سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ فبحجاب التكبر يحجب المتكبر عن رؤية الآيات وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى أي سامري الهوى من بعد توجه موسى الروح لميقات مكالمة الحق. اتخذ حلى زينة الدنيا ورعونات البشرية التي استعارها بنو إسرائيل صفات القلب من قبط صفات النفس عِجْلًا هو الدنيا لَهُ خُوارٌ يدعو الخلق به إلى نفسه وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ عند رجوع موسى الروح إلى قومه وهم الأوصاف الإنسانية ندمت من فعلها وعادت إلى ما كانت فيه من عبودية الحق والإخلاص له قائلة لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا بجذبات العناية رَبُّنا الآية غَضْبانَ مما عبدت صفات القلب عجل الدنيا أَسِفاً على ما فاتها من عبودية الحق أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ بالرجوع إلى الدنيا وزينتها والتعلق بها قبل أوانه من غير أن يأمركم به ربكم. وفيه إشارة إلى أن أصحاب السلوك لا ينبغي أن يلتفتوا إلى شيء من الدنيا في أثناء الطلب اللهم إلا إذا قطعوا مفاوز النفس والهوى ووصلوا إلى كعبة وصال المولى فيأمرهم المولى أن يرجعوا إلى الدنيا لدعوة الخلق وَأَلْقَى الْأَلْواحَ يعني ما لاح للروح من اللوائح الربانية عند استيلاء الغضب الطبيعي. وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ القلب فإنه أخو الروح يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قسرا عند استيلاء طبيعة الروحانية قالَ ابْنَ أُمَّ هما من أب وأم واحد أبوهما الأمر وأمهما الخلق، وإنما نسبه إلى الخلق لأن في عالم الخلق تواضعا وتذللا بالنسبة إلى عالم