الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القراآت:
يمكرون بياء الغيبة: سهل وروح. الباقون: بالتاء الفوقانية.
ينشركم بالنون: ابن عامر ويزيد. الباقون يُسَيِّرُكُمْ من التسيير مَتاعَ بالنصب:
حفص والمفضل. الباقون بالرفع قِطَعاً بسكون الطاء: ابن كثير وعلي وسهل ويعقوب.
والآخرون بفتحها تتلوا بتاءين من التلاوة: حمزة وعلي وخلف وروح، وروي عن عاصم نبلوا بالنون ثم الباء الموحدة. كل نفس بالنصب الباقون: بتاء التأنيث كُلُّ بالرفع.
الوقوف:
آياتِنا ط مَكْراً ط، تَمْكُرُونَ هـ وَالْبَحْرِ ط فِي الْفُلْكِ ج ط للعدول مع أن جواب «إذا» منتظر، أُحِيطَ بِهِمْ لا لأن قوله: دَعَوُا بدل من ظَنُّوا لأن دعاءهم من لوازم ظنهم الهلاك فهو متلبس به، وإن جعل دَعَوُا جوابا عن سؤال سائل فما صنعوا كان للوقف وجه. الدِّينَ ج لاحتمال إضمار القول وجعل الدعاء في معنى القول الشَّاكِرِينَ هـ بِغَيْرِ الْحَقِّ ط. عَلى أَنْفُسِكُمْ ط، إلا لمن جعله متعلقا ب بَغْيُكُمْ تَعْمَلُونَ هـ الْأَنْعامُ ط عَلَيْها لا لأن ما بعده جواب «إذا» .
بِالْأَمْسِ ط يَتَفَكَّرُونَ هـ السَّلامِ ط مُسْتَقِيمٍ هـ وَزِيادَةٌ ط وَلا ذِلَّةٌ ط، الْجَنَّةِ ج ط خالِدُونَ هـ بِمِثْلِها لا لأن قوله وَتَرْهَقُهُمْ معطوف على محذوف أي يلزمهم جزاء سيئة وترهقهم ذلة. عاصِمٍ ج ط لأن الكاف لا يتعلق ب عاصِمٍ مع تعلقها بذلة قبله معنى، لأن رهق الذلة سواد الوجه المعبر عنه بقوله كأنما مُظْلِماً ط أَصْحابُ النَّارِ ج ط خالِدُونَ هـ وَشُرَكاؤُكُمْ ج للعدول مع فاء التعقيب تَعْبُدُونَ هـ لَغافِلِينَ هـ يَفْتَرُونَ هـ.
التفسير:
لما بين في الآية المتقدمة أنهم يطلبون الآيات الزائدة عنادا ومكرا ولجاجا أكد ذلك بقوله: وَإِذا أَذَقْنَا روي أنه سبحانه سلط القحط على أهل مكة سبع سنين ثم رحمهم وأنزل الأمطار النافعة، ثم إنهم أضافوا تلك المنافع إلى الأصنام- وقيل نسبوها إلى الأنواء- فقابلوا نعم الله بالكفران فذلك مكرهم وهو احتيالهم في دفع آيات الله بكل ما يقدرون عليه من إلقاء شبهة أو تخليط في المناظرة. وفي تخصيص الإذاقة بجانب الرحمة دليل على أن الكثير من الرحمة قليل بالنسبة إلى رحمته الواسعة. وفيه أن الإنسان لغاية ضعفه الفطري لا يطيق أدنى الرحمة كما أنه لا يطيق أدنى الألم الذي يمسه. قال في الكشاف: معنى مستهم خالطتهم حتى أحسوا بسوء أثرها فيهم. وهذا أيضا من جملة الضعف لأنه نسي ما عهده من الضر الشديد. و «إذا» الثانية للمفاجأة وقع مقام الفاء في
جواب الشرط كما في قوله: إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ [التوبة: 58] وفائدته أن يعلم أنهم فاجأوا وقوع المكر منهم في وقت الإذاقة وسارعوا إليه ولم يلبثوا قدر ما ينفضون عن رؤوسهم غبار الضر ولهذا قال سبحانه قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً يقدر على إيصال جزاء مكرهم إليهم قبل أن يرتد إليهم طرفهم ولكنه يمهلهم لأجل معلوم ليتضاعف خبثهم مع كونه محفوظا بيانه قوله إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ وقد مر تحقيق هذا في تفسير قوله: وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً [الأنعام: 62] . واعلم أن مضمون هذه الآية قريب من مضمون قوله: وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ [يونس: 12] إلا أن هذه زائدة عليها بدقيقة هي أنهم بعد الإعراض عن الدعاء يطلبون الغوائل ويقابلون الرحمة بالمكر والخديعة ولا يرضون رأسا برأس. ثم ضرب لأجل ما وصفهم به مثالا حتى ينكشف المقصود تمام الانكشاف فقال: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ ومن قرأ ينشركم فكقوله:
فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ [الجمعة: 10] قال بعض العلماء: المسير في البحر هو الله سبحانه وتعالى، وأما في البر فالمراد من التسيير التمكين والإقدار. والحق أن جميع الأفعال والحركات مستندة إلى إحداث الله تعالى، غاية ذلك أن آثار إقداره وإحداثه في البحر أظهر كما مر في تفسير قوله: وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ [البقرة: 164] قال القفال: هو الله الهادي لكم إلى السير في البحر طلبا للمعاش، وهو المسير لكم لأجل أنه هيأ لكم أسباب ذلك السير. وحتى لانتهاء الغاية والغاية مضمون الجملة الشرطية بكمالها، فالقيود المعتبرة في الشرط ثلاثة: أولها الكون في الفلك، وثانيها جري الفلك بهم بالريح الطيبة، والضمير في جَرَيْنَ للفلك على أنها جمع كما مر. وثالثها فرحهم بها. والقيود المعتبرة في الجزاء ثلاثة أيضا: أوّلها جاءَتْها أي الفلك أو الريح الطيبة تلتها ريح عاصف ذات عصوف كلابن لذات اللبن، أو لأن لفظ الريح مذكر والعصوف شدة هبوب الريح. وثانيها وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ أي من جميع جوانب أحياز الفلك، والموج ما ارتفع من الماء فوق البحر. وثالثها وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ أي غلب على ظنونهم الهلاك. وأصله أن العدوّ إذا أحاط بقوم أو بلد فقد دنوا من البوار، فجعل إحاطة العدوّ بالشخص مثلا في الهلاك. وقرىء في الفلكي والياء زائدة كما في «الأحمري» أو أريد به الماء الغمر الذي لا تجري الفلك إلا فيه. قال في الكشاف: وإنما التفت في قوله:
وَجَرَيْنَ بِهِمْ إلى آخره من الخطاب الى الغيبة للمبالغة كأنه يذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم منها ويستدعي منهم الإنكار والتقبيح. وقال الإمام فخر الدين الرازي: الانتقال من مقام الخطاب إلى مقام الغيبة في هذه الآية دليل المقت والتبعيد كما أن عكس ذلك في
قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة: 5] دليل الرضا والتقريب. قلت: هذا وجه حسن. أما قوله: دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ فقد قال ابن عباس: تركوا الشرك ولم يشركوا به من آلهتهم شيئا، وأقروا لله بالربوبية والوحدانية. وقال الحسن: ليس هذا إخلاص الإيمان لكن لأجل العلم بأنه لا ينجيهم من ذلك إلا الله فيكون ذلك جاريا مجرى الإيمان الاضطراري. وقال ابن زيد: هؤلاء المشركون يدعون مع الله ما يدعون، فإذا جاء الضر والألم لم يدعوا إلا الله. وعن أبي عبيدة: أن المراد من ذلك الدعاء قولهم: «أهيا شراهيا» تفسيره «يا حي يا قيوم»
يحكى أن رجلا قال لجعفر الصادق رضي الله عنه: ما الدليل على إثبات الصانع؟
فقال: أخبرني عن حرفتك. فقال: التجارة في البحر قال: صف لي كيف حالك؟ فقال:
ركبت البحر فانكسرت السفينة وبقيت على لوح من ألواحها وجاءت الرياح العاصفة. قال جعفر الصادق رضي الله عنه: هل وجدت في قلبك تضرعا؟ فقال: نعم. قال جعفر: فإلهك هو الذي تضرعت إليه في ذلك الوقت.
لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ الشدة كما مر في الأنعام يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ البغي قصد الاستعلاء بالظلم من قولك بغى الجرح إذا ترامى إلى الفساد، وأصله الطلب فلهذا أكد المعنى بقوله: بِغَيْرِ الْحَقِّ قال في الكشاف:
إنما زاد هذا القيد احترازا من استيلاء المسلمين على أرض الكفرة بهدم دورهم وإحراق زروعهم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة. قلت: ويحتمل أن يراد بغير شبهة حق عندهم كقوله وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ [البقرة: 61] من قرأ متاع بالنصب فما قبله جملة تامة أي إنما بغيكم وبال على أنفسكم وهو مصدر مؤكد كأنه قيل: يتمتعون متاع الحياة الدنيا.
ومن قرأ بالرفع فإما على أن التقدير هو متاع الدنيا بعد تمام الكلام، أو على أنه خبر وقوله: عَلى أَنْفُسِكُمْ صلة أي إنما بغيكم على أمثالكم والذين جنسهم جنسكم يعني بغى بعضكم على بعض منفعة الحياة الدنيا ولا بقاء لها والبغي من منكرات المعاصي
قال صلى الله عليه وسلم: «أسرع الخير ثوابا صلة الرحم وأعجل الشر عقابا البغي واليمين الفاجرة»
وروي «اثنتان يعجلهما الله في الدنيا: البغي وعقوق الوالدين»
وعن محمد بن كعب: ثلاث من كن فيه كن عليه: البغي والنكث والمكر. قال تعالى: إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أي لا يتهيأ لكم بغي بعضكم على بعض إلا أياما قلائل وهي مدة حياتكم مع قصرها وسرعة انقضائها ثُمَّ إلى ما وعدنا من المجازاة مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وهو في هذا الموضع وعيد بالعقاب كقول الرجل في معرض التهديد سأخبرك بما فعلت. ثم ذكر مثلا لمن يبغي في الأرض ويغتر بالدنيا ويشتد تمسكه بها فقال: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا أي صفتها العجيبة الشأن كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ أي اشتبك بسبب هذا الماء
نَباتُ الْأَرْضِ فيحتمل أن يراد أن نباته ثم وصوله إلى حد الكمال كليهما بسبب المطر، ويحتمل أن يراد أن النبات كان في أول بروزه ومبدإ حدوثه غير مهتز ولا مترعوع، فإذا نزل المطر عليه اهتز وربا حتى اختلط بعض الأنواع ببعض وتكاثف. حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها قال الجوهري: الزخرف الذهب ثم يشبه به كل مموه مزوّر. وَازَّيَّنَتْ أصله تزينت فأدغم واجتلبت لذلك همزة الوصل. وهذا كلام في نهاية الفصاحة وفيه تشبيه الأرض بالعروس التي تأخذ الثياب الفاخرة من كل لون فتلبسها، ثم تزين بجميع الأقسام المعهودة لها من حمرة وبياض ونحوها وَظَنَّ أَهْلُها أي غلب على ظنونهم أو تيقنوا أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها متمكنون من تحصيل ريعها. أَتاها أَمْرُنا بإهلاكها واستئصالها وضربها ببعض العاهات. لَيْلًا أَوْ نَهاراً أي حين غفلتهم بالنوم أو حين اشتغالهم وتقلبهم في طلب معايشهم فَجَعَلْناها أي زرعها حَصِيداً شبيها بما يحصد من الزرع في قطعه واستئصاله. كَأَنْ لَمْ تَغْنَ أي كأن الشأن لم يلبث زرعها بِالْأَمْسِ أي في زمان قريب. يقال: غنى بالمكان بالكسر يغنى بالفتح إذا أقام به. والأمس مثل في الوقت القريب. هذا والصحيح عند علماء البيان أن هذا التشبيه من التشبيه المركب. قال في الكشاف: شبهت حال الدنيا في سرعة تقضيها وانقراض نعيمها بحال نبات الأرض في جفافه وذهابه حطاما بعد ما التف وتكاثف وزين الأرض بخضرته ورفيفه. وقيل: المراد أن عاقبة هذه الحياة التي ينفقها المرء في باب الدنيا كعاقبة هذا النبات الذي حين عظم الرجاء به وقع اليأس منه، لأن الغالب أن المتمسك بالدنيا إذا اطمأن بها وعظمت رغبته فيها وانتظم أمره بعض الانتظام أتاه الموت. وتلخيصه أنه كما لم يحصل لذلك الزرع عاقبة تحمد فكذلك المغتر بالدنيا المحب لها لا يحصل له عاقبة تحمد. ويحتمل أن يكون هذا مثلا لمن لا يؤمن بالمعاد، فإن الأرض المزينة إذا زال حسنها فإنه يعود رونقها مرة أخرى فكذا النشور كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ نذكر واحدة منها بعد الأخرى لتكون كثرتها وتواليها سببا لقوة اليقين وموجبا لزوال الشك لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ في أحوال الآفاق والأنفس. ثم لما نفر المكلفين عن الميل إلى الدنيا بالمثل السابق رغبهم في الآخرة بقوله: وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ ومثله ما
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سيد بنى دارا وصنع مائدة وأرسل داعيا فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل ورضي عنه السيد، ومن لم يجب لم يدخل ولم يأكل ولم يرض عنه السيد، فالله السيد والدار دار السلام والمائدة الجنة والداعي محمد صلى الله عليه وسلم» «1»
(1) رواه البخاري في كتاب الاعتصام باب 2. الدارمي في كتاب المقدمة باب 2.
وعنه صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وبجنبيها ملكان يناديان بحيث يسمع كل الخلائق إلا الثقلين أيها الناس هلموا إلى ربكم والله يدعو إلى دار السلام»
واتفقوا على أن دار السلام هي الجنة واختلفوا في سبب التسمية. فقيل: لأن السلام هو الله والجنة داره فالإضافة للتشريف، وإنما أطلق اسم السلام عليه تعالى لأنه سلم من الفناء والتغير ومن جميع سمات النقص والحدوث ومن الظلم والعجز والجهل وهو القادر على تخليص المضطرين عن المكاره والآفات، وكفى بدار أضافها الله تعالى لنفسه فضلا وشرفا وبهجة وسرورا. وقيل: سميت دار السلام لأن من دخلها سلم من الآفات والمخافات. وقيل:
لفشوّ السلام بينهم تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ [يونس: 10] وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ [الرعد: 24] سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس: 58] واعلم أن الدعوة عامة ولكن الهداية خاصة فلذلك قال وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ومن هنا ذهب أهل السنة إلى أن الهداية والضلالة والخير والشر كلها بمشيئة الله تعالى وإرادته.
وقالت المعتزلة: المراد ويهدي من يشاء إلى إجابة تلك الدعوة ويعنون أن من أجاب الدعاء وأطاع واتقى فإن الله يهديه إليها. والمراد من الهداية الألطاف، ثم قسم أهل الدعوة إلى قسمين وبين حال كل طائفة فقال: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ ولا بد من تفسير هذه الألفاظ الثلاثة: فعن ابن عباس أحسنوا أي ذكروا كلمة لا إله إلا الله. وذهب غيره إلى أن المراد إتيان الطاعات واجتناب المنهيات لأن الدرجات العالية لا تليق إلا بهم. وأما الحسنى فقال في الكشاف: المراد المثوبة الحسنى. وقال ابن الأنباري: العرب توقع هذه اللفظة على الخلة المحبوبة والخصلة المرغوب فيها، ولذلك ترك موصوفها. وأما الزيادة فحملها أهل السنة على رؤية الله لأن اللام في الحسنى للمعهود بين المسلمين من المنافع التي أعدها الله تعالى لعباده، فالزيادة عليها تكون مغايرة لها فما هي إلا الرؤية. وقالت المعتزلة: الزيادة يجب أن تكون من جنس المزيد عليه، ورؤية الله تعالى بعد تسليم جوازها ليست من جنس نعيم الجنة، فالمراد بها ما يزيد على المثوبة من التفضل كقوله:
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ [فاطر: 30] . وزيف بأن الزيادة إذا كان المزيد عليه مقدرا بمقدار معين وجب أن يكون من جنسه كما لو قال الرجل لغيره: أعطيتك عشرة أمنان من الحنطة وزيادة. أما إذا كان غير مقدر كما لو قال: أعطيتك الحنطة وزيادة. لم يجب أن تكون الزيادة من جنس المزيد عليه. والمذكور في الآية لفظة الحسنى وهي الجنة وإنها مطلقة، فالزيادة عليها شيء مغاير لكل ما في الجنة.
وعن علي عليه السلام: الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة.
وعن ابن عباس: الحسنى الجنة والزيادة عشر
أمثالها إلى سبعمائة ضعف. وعن مجاهد: مغفرة من الله ورضوان. وعن يزيد بن سمرة:
هي أن تمر السحابة بأهل الجنة فتقول: ما تريدون أن أمطركم فلا يريدون شيئا إلا أمطرتهم. هذا شأن المنافع الحاصلة لهم، وأما أنها منافع خالصة عن الكدورات فأفاد ذلك بقوله: وَلا يَرْهَقُ أي لا يغشى وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ غبرة فيها سواد وَلا ذِلَّةٌ ولا أثر هوان وكسوف بال. ثم أشار إلى كون تلك المنافع الخالصة آمنة من الانقطاع بقوله:
أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ وهذا معنى قول علماء الأصول «الثواب منفعة خالصة دائمة مقرونة بالتعظيم» . ثم بين حال الفريق الآخر بقوله: وَالَّذِينَ أي وجزاء الذين كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها أي جزاؤهم أن تجازى سيئة واحدة بسيئة مثلها لا يزاد عليها. ومن جوز العطف على عاملين مختلفين جوز أن يكون التقدير: وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها. قالت المعتزلة: وفيه دليل على أن المراد بالزيادة في الآية المتقدمة الفضل، لأنه دل بترك الزيادة على السيئة على عدله فناسب أن يكون قد دل هناك بإثبات الزيادة على المثوبة على فضله. وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ فإنهم حين ماتوا ناقصين خالين عن الملكات الحميدة كان شعورهم بذلك سببا لذلهم وهوانهم على أنفسهم، وهذا على قاعدة حكماء الإسلام أن الجهل سواد وظلمة كما أن العلم والمعرفة بياض ونور ومنه قول الشبلي رضي الله عنه:
كل بيت أنت ساكنه
…
غير محتاج إلى السرج
ومريض أنت عائده
…
قد أتاه الله بالفرج
ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ أي لا يعصمهم أحد من عذابه وسخطه، أو ما لهم من جهة الله ومن عنده من يعصمهم كما للمؤمنين. والتحقيق أنه لا عاصم من الله لأحد في الدنيا ولا في الآخرة إلا بإذن الله إلا أن هذا المعنى في الآخرة أظهر كقوله: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [غافر: 16] ثم بالغ في الكشف عن سواد وجوههم فقال:
كَأَنَّما أُغْشِيَتْ أي ألبست وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ من قرأ بسكون الطاء فمعناه البعض والطائفة ومُظْلِماً صفته. ومن قرأ بفتحها على أنه جمع قطعة فمظلما حال من الليل والعامل فيه إما معنى الفعل في مِنَ اللَّيْلِ أو أُغْشِيَتْ لأن قوله: مِنَ اللَّيْلِ صفة لقوله: قِطَعاً فكان إفضاء العامل إلى الموصوف كإفضائه الى الصفة قاله في الكشاف. واعلم أن جمعا من العلماء ذهبوا إلى أن المراد بقوله: وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ هم الكفار لأن سواد الوجه من علامات الكفر بدليل قوله: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ [آل عمران: 106] وقوله: وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ
تَرْهَقُها قَتَرَةٌ أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ
[عبس: 40- 42] ولقوله بعدها وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ والضمير عائد إلى هؤلاء. ثم إنه وصفهم بالشرك. وقال الآخرون: اللفظ عام يتناول الكافر والفاسق إلا أن الآيات المذكورة مخصصة. ثم شرح بعض أحوال المشركين في القيامة فقال: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ منصوب بإضمار «اذكر» أو ظرف متعلق بتبلو أي في يوم كذا تبلو كل نفس. وحاصل الكلام أنه يحشر العابد والمعبود ليسألوا فيتبرأ المعبود من العابد خلاف ما كانوا يزعمون من قولهم هؤلاء شفعاؤنا عند الله. وفيه إشارة إلى أن الممكن لا نسبة له إلى الواجب الحق، فإذا اتخذ الممكن معبودا برىء من ذلك في مقام لا ينفع إلا الصدق. قال في الكشاف: مَكانَكُمْ أي الزموا مكانكم لا تبرحوا حتى تنظروا ما نفعل بكم. وعند أبي علي هو اسم من أسماء الأفعال وحركته حركة بناء وهو كلمة وعيد عند العرب. وأَنْتُمْ لتأكيد الضمير في مَكانَكُمْ لسده مسد قوله:
«الزموا» . وَشُرَكاؤُكُمْ عطف عليه. فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ ففرقنا بينهم وقطعنا الوصل التي كانت بينهم في الدنيا. قيل: عين الكلمة «واو» لأنه من زال يزول. وإنما قلبت ياء لأن وزن الكلمة «فيعل» أي زيولنا مثل بيطره أعل إعلال سيد. وقيل: هي من زلت الشيء أزيله، فعينه على هذا ياء والوزن «فعل» ونظير زيلنا قوله: وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ [الآية: 48] لأن حكم الله بأنه سيكون كالكائن وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ في صحة هذه الإضافة وجوه منها: أنهم جعلوا نصيبا من أموالهم لتلك الأصنام فهم شركاؤهم. ومنها أنهم متشاركون في الخطاب في قوله: مَكانَكُمْ ومنها أنهم أثبتوا هذه الشركة والشركاء.
وقيل: هم الملائكة لقوله: ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون وقيل: كل من عبد من دون الله. وقيل: الأصنام لأن هذا الخطاب مشتمل على التهديد وأنه لا يليق بالملائكة المقربين. وكيف تنطق هذه الأصنام؟ قيل: لأن الله يخلق فيهم الحياة والعقل والنطق. ثم هل يبقيهم أو يفنيهم؟ الكل محتمل ولا اعتراض لأحد عليه. وقيل: يخلق فيهم الكلام فقط. وهذا الخطاب تهديد في حق العابدين فهل يكون تهديدا في حق المعبودين؟ قالت المعتزلة: لا، لأنه لا ذنب للمعبودين ومن لا ذنب له يقبح من الله تهديده وتخويفه. وقالت الأشاعرة: لا يسأل عما يفعل. أما قول الشركاء ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ وهم كانوا قد عبدوهم فالمراد أنكم ما عبدتمونا بأمرنا وإرادتنا لقولهم:
فَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً الآية. ومن أعظم أسباب الغفلة كونها جمادات لا حس لها ولا شعور. وقيل: لما في ذلك الموقف من الدهشة والحيرة فذلك الكذب يجري مجرى كذب الصبيان والمجانين والمدهوشين. وقيل: إنهم ما أقاموا لأعمال الكفار وزنا فجعلوها