المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

حُلِيِّهِمْ بفتح الحاء وسكون اللام: يعقوب حُلِيِّهِمْ بالكسرات وتشديد الياء: حمزة - تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان - جـ ٣

[النيسابوري، نظام الدين القمي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثالث]

- ‌[تتمة سورة المائدة]

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 82 الى 86]

- ‌التأويل:

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 87 الى 100]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 101 الى 120]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(تفسير سورة الأنعام

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 1 الى 11]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 24]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 25 الى 37]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 38 الى 50]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 51 الى 60]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 61 الى 73]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 74 الى 83]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 84 الى 90]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 91 الى 100]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 101 الى 110]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 111 الى 121]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 122 الى 130]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 131 الى 140]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 141 الى 150]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأنعام (6) : الآيات 151 الى 165]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة الأعراف)

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 1 الى 10]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 11 الى 25]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 26 الى 34]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 35 الى 43]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 44 الى 53]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 54 الى 58]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 59 الى 72]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 73 الى 84]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 85 الى 93]

- ‌القراءة:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 94 الى 102]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 103 الى 126]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 127 الى 141]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 142 الى 154]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 155 الى 159]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 160 الى 171]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 172 الى 183]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 184 الى 198]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأعراف (7) : الآيات 199 الى 206]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة الأنفال

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 1 الى 10]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 11 الى 19]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 20 الى 30]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 31 الى 40]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 41 الى 49]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 50 الى 66]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الأنفال (8) : الآيات 67 الى 75]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة التوبة)

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 1 الى 16]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 17 الى 28]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 29 الى 37]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 38 الى 49]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 50 الى 59]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 60 الى 69]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 70 الى 79]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 80 الى 89]

- ‌القراءات:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 90 الى 99]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 100 الى 110]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 111 الى 119]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة التوبة (9) : الآيات 120 الى 129]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة يونس)

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 1 الى 10]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 11 الى 20]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 21 الى 30]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 31 الى 41]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 42 الى 60]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 61 الى 70]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 71 الى 92]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة يونس (10) : الآيات 93 الى 109]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌الفهرس

الفصل: حُلِيِّهِمْ بفتح الحاء وسكون اللام: يعقوب حُلِيِّهِمْ بالكسرات وتشديد الياء: حمزة

حُلِيِّهِمْ

بفتح الحاء وسكون اللام: يعقوب حُلِيِّهِمْ بالكسرات وتشديد الياء: حمزة وعلي. الباقون: مثله ولكن بضم الحاء. ترحمنا وتغفر لنا بالخطاب والنداء: حمزة وعلي وخلف والمفضل. الباقون: على الغيبة ورفع رَبُّنا على الفاعلية بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ بفتح الياء: أبو جعفر ونافع وابن كثير وأبو عمرو. قالَ ابْنَ أُمَّ بكسر الميم: ابن عامر وحمزة وعلي وخلف وعاصم غير حفص والمفضل. الباقون: بفتحها ومثله ابْنَ أُمَ

[الآية: 94] في طه.

‌الوقوف:

أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ج للعطف مع اختلاف القائل الْمُفْسِدِينَ هـ رَبِّهِ لا لأن ما بعده جواب إِلَيْكَ ط فَسَوْفَ تَرانِي ج صَعِقاً ط الْمُؤْمِنِينَ هـ الشَّاكِرِينَ هـ الشَّاكِرِينَ هـ لِكُلِّ شَيْءٍ ج للعدول مع فاء التعقيب بِأَحْسَنِها ج الْفاسِقِينَ هـ بِغَيْرِ الْحَقِّ ج بِها ج لابتداء شرط آخر ولبيان تعارض الأحوال مع العطف سَبِيلًا ج ذلك سبيلا هـ غافِلِينَ هـ أَعْمالُهُمْ ط يَعْمَلُونَ هـ خُوارٌ ط سَبِيلًا هـ لئلا تصير الجملة صفة السبيل فإن الهاء ضمير العجل ظالِمِينَ هـ ضَلُّوا ج لأن ما بعده جواب. الْخاسِرِينَ هـ أَسِفاً ج لما بَعْدِي ج للابتداء بالاستفهام مع اتحاد القائل أَمْرَ رَبِّكُمْ ج لأن قوله وَأَلْقَى معطوف على قوله قالَ بِئْسَما وقد اعترض بينهما استفهام إِلَيْهِ ط يَقْتُلُونَنِي ط ز صلى والوصل أولى لأن الفاء للجواب أي إذا هم هموا بقتلي فلا تشمتهم بضربي. الظَّالِمِينَ هـ فِي رَحْمَتِكَ ز صلى الأولى أن يوصل لأن الواو للحال تحسينا للدعاء بالثناء الرَّاحِمِينَ هـ الدُّنْيا ط الْمُفْتَرِينَ هـ وَآمَنُوا ج لظاهر إن والوجه الوصل لأن ما بعده خبر والعائد محذوف والتقدير: إن ربك من بعد توبتهم لغفور لهم. رَحِيمٌ هـ الْأَلْواحَ ج صلى لاحتمال ما بعده الحال يَرْهَبُونَ هـ.

‌التفسير:

لما أهلك الله سبحانه أعداء بني إسرائيل سأل موسى ربه أن يؤتيه الكتاب الذي وعده فأمره بصوم ثلاثين وهو شهر ذي القعدة، فلما أتم الثلاثين أنكر من نفسه خلوف الفم فتسوّك فقالت الملائكة: كنا نشم من فيك رائحة المسك فأفسدتها بالسواك، فأوحى الله تعالى إليه: أما علمت أن خلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك؟ فأمره الله أن يزيد عليها عشرة أيام من ذي الحجة لهذا السبب. وقيل: فائدة التفصيل أنه تعالى أمره بصوم ثلاثين وأن يعمل فيها ما يقربه من الله، ثم أنزلت عليه التوراة في العشر وكلم فيها. وقال أبو مسلم الأصفهاني: من الجائز أن يكون موسى عند تمام الثلاثين بادر إلى ميقات ربه قبل قومه بدليل قوله في طه وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى [طه: 83] فلما أعلمه الله تعالى خبر قومه مع السامري رجع إلى قومه، ثم عاد إلى الميقات في عشرة أخرى فتم أربعون ليلة. وقيل: لا يمتنع أن يكون الوعد الأوّل لحضرة موسى وحده والوعد الثاني لحضرة

ص: 313

المختارين معه ليسمعوا الكلام. ومن فوائد الفذلكة في قوله فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً إزالة وهم من يتوهم أن الميقات كان عشرين ثم أتمه بعشر فصار ثلاثين. والفرق بين الميقات والوقت أن الميقات ما قدر فيه عمل من الأعمال والوقت وقت الشيء قدره مقدرا أم لا. وانتصب أَرْبَعِينَ على الحال أي تم بالغا هذا العدد. وهارُونَ عطف بيان لِأَخِيهِ وقرىء بالضم على النداء اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي كن خليفتي فيهم وَأَصْلِحْ كن مصلحا أو أصلح ما يجب أن يصلح من أمور بني إسرائيل ومن دعاك إلى الإفساد فلا تتبعه.

وإنما جعله خليفة مع أنه شريكه في النبوّة بدليل وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي [طه: 32] والشريك أعلى حالا من الخليفة لأن نبوّة موسى كانت بالأصالة ونبوّة هارون بتبعيته فكأنه خليفته ووزيره. وإنما وصاه بالإصلاح تأكيدا واطمئنانا وإلا فالنبي لا يفعل إلا الإصلاح. وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا اللام بمعنى الاختصاص كأنه قيل: اختص مجيئه بوقتنا الذي حددنا له كما يقال: أتيته لعشر خلون من شهر كذا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ للناس في كلام الله مذاهب فقيل:

هو عبارة عن هذه الحروف المؤلفة المنتظمة. وقيل: صفة حقيقية مخالفة للحروف والأصوات وعلى الأول فمحل تلك الحروف والأصوات هو ذات الله تعالى وهو قول الكرامية، أو جسم مغاير كالشجرة ونحوها وهو قول المعتزلة. وعلى التالي فالأشعرية قالوا إن موسى عليه السلام سمع تلك الصفة الأزلية لأنه كما لا يتعذر رؤيته عندنا مع أنه ليس بجسم ولا عرض فكذا لا يمتنع سماع كلامه مع أنه ليس بحرف ولا صوت. وقال أبو منصور الماتريدي: الذي سمعه موسى عليه السلام أصوات مقطعة وحروف مؤلفة قائمة بالشجرة «1» . واختلف العلماء أيضا في أن الله تعالى كلم موسى وحده لظاهر الآية أو مع السبعين المختارين وهو قول القاضي لأن تكليم الله موسى معجز وقد تقدمت نبوّة موسى فلا بد من ظهور هذا المعنى لغيره قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ أي أرني نفسك واجعلني متمكنا من رؤيتك فانظر إليك وأراك. عن ابن عباس: أن موسى عليه السلام جاء ومعه السبعون وصعد الجبل وبقي السبعون في أسفل الجبل وكلم الله موسى وكتب له في الألواح كتابا وقربه نجيا. فلما سمع صرير القلم عظم شوقه فقال رب أرني انظر إليك. قالت الأشاعرة إن موسى سأل الرؤية وأنه عارف بما يجب ويجوز ويمتنع على الله تعالى. فلو كانت الرؤية ممتنعة لما سألها. قال القاضي: للمحصلين من العلماء في هذا المقام أقوال: أحدها قول الحسن وغيره أن موسى ما عرف أن الرؤية غير جائزة على الله تعالى وهذا لا يقدح سبحانك في معرفته لأن العلم بامتناع الرؤية وجوازها لا يبعد أن يكون موقوفا على السمع، وزيف بأنه يلزم أن يكون موسى أدون حالا من علماء المعتزلة العالمين بامتناع الرؤية على الله

(1) لم يتم كلام الماتريدي وانظره في الفخر ليتم لك الفرق بينه وبين المعتزلة كتبه مصححة.

ص: 314

تعالى، وبأنهم يدعون العلم الضروري بأن كل ما كان مرئيا فإنه يجب أن يكون مقابلا أو في حكم المقابل، فلو لم يكن هذا العلم حاصلا لموسى كان ناقص العقل وهو محال، وإن كان حاصلا وجوّز موسى عليه المقابلة كان كفرا وهو أيضا محال. وثانيها طريقة أبي علي وأبي هاشم أن موسى عليه السلام سأل الرؤية عن لسان قومه فقد كانوا يكررون المسألة عليه بقولهم لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة: 55] وزيف بأنه لو كان كذلك لقال موسى أرهم ينظروا إليك، ولقال الله لن يروني، وبأنه لو كان محالا لمنعهم كما منعهم لما قالوا اجعل لنا إلها، وبأن ذكر الدليل القاطع في هذا المقام فرض مضيق فلم يمكن تأخيره مع أنهم كانوا مقرين بنبوّة موسى كفاهم في الامتناع عن السؤال قول موسى وإلا فلا انتفاع لهم بهذا الجواب فإن لهم أن يقولوا لا نسلم أن هذا المنع من الله بل هذا مما افتريته على الله. وثالثها وهو اختيار أبي القاسم الكعبي أن موسى سأل ربه المعرفة الضرورية بحيث تزول عندها الخواطر والوساوس كما في معرفة أهل الآخرة. وردّ بأنه تعالى أراه من الآيات كالعصا واليد وغيرها ما لا غاية بعدها فكيف يليق به أن يقول أظهر لي آية تدل على أنك موجود؟ ولو فرض أنه لائق بحال موسى فلم منعه الله تعالى عن ذلك؟ ولقائل أن يقول:

منعه في الدنيا لحكمة علمها الله تعالى ولا يلزم منه المنع في الآخرة. ورابعها وهو قول أبي بكر الأصم أن موسى أراد تأكد الدليل العقلي بالدليل السمعي، وتعاضد الدلائل أمر مطلوب للعقلاء. وضعف بأنه كان الواجب عليه حينئذ أن يقول: أريد يا إلهي أن يقوى امتناع رؤيتك بوجوه زائدة على ما ظهر في عقلي. ولقائل أن يقول: هذا تعيين الطريق. وفي الآية سؤال وهو أنه تعالى لم قال لَنْ تَرانِي دون لن تنظر إليّ ليناسب قوله أَنْظُرْ إِلَيْكَ والجواب لأن موسى لم يطلب النظر المطلق وإنما طلب النظر الذي معه الإدراك بدليل أَرِنِي ومن حجج الأشاعرة أنه تعالى علق رؤيته على أمر جائز هو استقرار الجبل والمعلق على الجائز جائز. وردّ بأنه علق حصول الرؤية على استقرار الجبل حال حركته بدليل قوله وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ أي في وقت النظر وعقيبه واستقرار الجبل حال حركته محال. ومنها قوله فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ أي ظهر وبان ومنه جلوت العروس إذا أبرزتها، أو ظهر للجبل اقتداره وتصدى له أمره وإرادته جَعَلَهُ دَكًّا أي مدكوكا كالمصدر بمعنى «مفعول» . والدك والدق أخوان. ومن قرأ بالمد أراد أرضا دكاء مستوية ومنه ناقة دكاء متواضعة السنام. والدكاء أيضا اسم للرابية الناشزة من الأرض كالدكة. والغرض من الجميع تعظيم شأن الرؤية وأن أحدا لا يقوى على ذلك إلا بتقوية الله وتأييده. وقالت المعتزلة:

الرؤية أمر محال لقوله لَنْ تَرانِي وكلمة «لن» إن لم تفد التأبيد فلا أقل من التأكيد.

وأيضا الاستدراك في قوله وَلكِنِ انْظُرْ معناه أن النظر إليّ محال فلا تطلبه ولكن عليك

ص: 315

بنظر آخر إلى الجبل لتشاهد تدكك أجزائه وتفرق أبعاضه من عظمة التجلي، وإذا لم يطق الجماد ذلك فكيف الإنسان؟ قالت الأشاعرة هاهنا: لم يبعد أن يخلق الله تعالى حينئذ في الجبل حياة وعقلا وفهما ورؤية. وأيضا قوله وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً أي مغشيا عليه غشية كالموت دليل استحالة الرؤية على الأنبياء فضلا عن غيرهم.

روي أن الملائكة مرت عليه وهو مغشى عليه فجعلوا يلكزونه بأرجلهم يقولون: يا ابن النساء الحيض أطمعت في رؤية رب العزّة.

وأيضا قوله بعد الافاقة من الصعقة سُبْحانَكَ أنزهك عما لا يليق بك من جواز الرؤية عليك إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ من طلب الرؤية بغير إذن منك وإن كان لغرض صحيح هو تنبيه القوم على استحالة ذلك بنص من عندك وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ بأنك لست بمرئي ولا مدرك بشيء من الحواس. وقالت الأشاعرة: وأنا أوّل المؤمنين بأنك لا ترى في الدنيا أو بأنه لا يجوز السؤال منك إلا بإذنك. ثم لما سأل الرؤية ومنعه الله إياها أخذ في تعداد سائر نعمه عليه وأمره أن يشتغل بشكرها ف قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ الآية. والمقصود تسلية موسى عن منع الرؤية. قيل: وفي هذا دليل على جواز الرؤية في نفسها وإلا لم يكن إلى هذا العذر حاجة. وإنما قال اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ ولم يقل «على الخلق» لأن الملائكة قد تسمع كلام الله تعالى من غير واسطة كما سمعه موسى. والغرض أنه تعالى خصه من دون الناس بمجموع أمرين الرسالة والكلام وسائر الرسل لهم الرسالة فقط. وإنما كان الكلام بلا وسط سببا للشرف بناء على العرف الظاهر

وقد جاء في الخبر أن نبينا صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج بعين الرأس.

وفي ذلك دليل على أفضليته على موسى شتان بين من اتخذه الملك لنفسه حبيبا وقرّبه إليه بلطفه تقريبا وبين من قرب له الحجاب وحال بينه وبين المقصود بواب ونواب. والمزاد بالرسالات هاهنا أسفار التوراة فَخُذْ ما آتَيْتُكَ من شرف الرسالة والكلام وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ لله على ذلك بأن تشتغل بلوازمها علما وعملا. ثم فصل تلك الرسالة فقال وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ قيل: خر موسى صعقا يوم عرفة وأعطاه الله التوراة يوم النحر. وذكروا في عدد الألواح وفيو جوهرها وطولها أنها كانت عشرة ألواح، وقيل سبعة، وقيل لوحين، وأنها كانت من زمرد جاء بها جبرائيل، وقيل من زبرجدة خضراء أو ياقوتة حمراء، وقيل كانت من خشب نزلت من السماء. وعن وهب أنها كانت من صخرة صماء لينها الله تعالى لموسى قطعها بيده وشققها بأصابعه. وقيل: طولها كان عشرة أذرع. والتحقيق أن أمثال هذه يحتاج إلى النقل الصحيح وإلا وجب السكوت عنه إذ ليس في الآية ما يدل على ذلك. وأما كيفية تلك الكتابة فقال ابن جريج:

كتبها جبرائيل بالقلم الذي كتب به الذكر واستمد من نهر النور وحكم هذا النقل أيضا كما قلنا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مفعول كَتَبْنا و «من» للتبعيض نحو أخذت من الدراهم

ص: 316

مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا بدل منه فيدخل في الموعظة كل ما يوجب الرغبة في الطاعة والنفرة عن المعصية وذلك بذكر الوعد والوعيد. وأراد بالتفصيل تبيين كل ما يحتاج إليه بنو إسرائيل من أقسام الأحكام، ويجوز أن يكون مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا مفعولين ل كَتَبْنا والتقدير: وكتبنا له في الألواح موعظة من كل شيء وتفصيلا لكل شيء. قيل: أنزلت التوراة وهي سبعون وقر بعير يقرأ الجزء منها في سنة لم يقرأها إلا أربعة نفر: موسى ويوشع وعزير وعيسى.

وعن مقاتل: كتب في الألواح أني أنا الله الرحمن الرحيم لا تشركوا بي شيئا ولا تقطعوا السبيل ولا تحلفوا باسمي كذبا فإن من حلف باسمي كاذبا فلا أزكيه، ولا تزنوا ولا تقتلوا ولا تعقوا الوالدين.

فَخُذْها على إرادة القول أي وكتبنا فقلنا له خذها أو بدل من قوله فَخُذْ ما آتَيْتُكَ والضمير للألواح أو لكل شيء لأنه في معنى الأشياء، أو للرسالات أو للتوراة بِقُوَّةٍ بجد وعزيمة فعل أولى بالعزم من الرسل وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سئل هاهنا أنه لما تعبد بكل ما في التوراة وجب كون الكل مأمورا به، فظاهر قوله يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها يقتضي أن فيه ما ليس بأحسن وأنه لا يجوز الأخذ به. وأجاب العلماء بوجوه منها، أن تلك التكاليف منها ما هو حسن ومنها ما هو أحسن كالاقتصاص والعفو والانتصار والصبر، فمرهم أن يأخذوا بما هو أدخل في الحسن وأكثر للثواب فيكون كقوله وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [الزمر: 55] وكقوله الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ [الزمر: 18] قال قطرب: الأحسن بمعنى الحسن وكلها حسن. وقيل: الحسن يشمل الواجب والمندوب والمباح والأحسن الواجب والمندوب. وقال في الكشاف: يجوز أن يراد يأخذوا بما أمروا به دون ما نهوا عنه كقولهم الصيف أحر من الشتاء. ثم ختم الآية بالوعيد والتهديد فقال سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ قال ابن عباس والحسن ومجاهد يعني جهنم أي ليكن ذكر جهنم حاضرا في أذهانكم لتحذروا أن تكونوا منهم. وعن قتادة: يريد مواطن الجبابرة والفراعنة الخاوية بالشأم ومصر ليعتبروا بذلك فلا يفسقوا مثل فسقهم فيصيبهم مثل ما أصابهم. وقال الكلبي: هي منازل عاد وثمود وأقرانهم يمرون عليها في أسفارهم. وقيل: المراد الوعد والبشارة بأن الله تعالى سيرزقهم أرض أعدائهم ويؤيده ما قرىء سأورثكم. وقوله وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ [الأعراف: 137] .

ثم ذكر ما به يعامل الفاسقين المتكبرين فقال سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الآية. فاحتجت الأشاعرة بها على أنه تعالى قد يمنع عن الإيمان ويصرف عنه. وقال الجبائي: قوله سَأَصْرِفُ للاستقبال والمصروفون موصوفون بالتكبر والانحراف عن الطريق المستقيم في الزمان الماضي، فعلم أن المراد من هذا الصرف ليس هو الكفر. وأيضا الصرف مذكور

ص: 317

على وجه العقوبة على التكبر والاعتساف ولا تكون العقوبة عين المعاقب عليه فوجب تأويل الآية. وقال الكعبي وأبو مسلم الأصفهاني: إن هذا الكلام تمام لما وعد الله به موسى من النصرة والعصمة أي أصرفهم عن آياتي فلا يقدرون على منعك من تبليغها كما قال في حق نبينا صلى الله عليه وسلم بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ إلى قوله وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:

67] وقيل: سأصرف هؤلاء المتكبرين عن نيل ما في آياتي من العز والكرامة المعدّة للأنبياء والمؤمنين، فيكون ذلك الصرف المستلزم للإذلال والإهانة جاريا مجرى العقوبة على كفرهم وتكبرهم على الله تعالى. وقيل: إن من الآيات آيات لا يمكن الانتفاع بها إلا بعد سبق الإيمان فإذا كفروا فقد صيروا أنفسهم بحيث لا يمكنهم الانتفاع بما بعد ذلك فحينئذ يصرفهم الله تعالى عنها. وبوجه آخر إن الله تعالى إذا علم من حال بعضهم أنه إذا شاهد تلك الآيات فإنه لا يستدل بها بل يستخف بها ولا يقوم بحقها، فإذا علم الله تعالى ذلك صح أن يصرفهم عنها، أو عن الحسن: إن من الكفار من يبالغ في كفره وينتهي إلى الحد الذي إذا وصل إليه مات قلبه وهي بالطبع والخذلان، فالمراد بالمصروفين هؤلاء.

وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا عظمت أمتي الدنيا نزع عنها هيبة الإسلام وإذا تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرمت بركة الوحي»

قوله بِغَيْرِ الْحَقِّ أما أن يكون حالا بمعنى يتكبرون غير محقين لأن التكبير بالحق لله وحده، إذ لا كمال فوق كماله فله إظهار العظمة والكبرياء على كل من سواه، وإما أن يكون صلة للفعل أي يتكبرون بما ليس بحق وهو دينهم الذي لا أصل له، ومنه يعلم أن للمحق أن يتكبر على المبطل كما قيل: التكبر على المتكبر صدقة. والرشد طريق الهدى والحق والصواب كلاهما واحد قاله الكسائي، وفرق أبو عمرو فقال: الرشد بضم الراء الصلاح لقوله فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً [النساء:

6] وبفتحتين الاستقامة في الدين قوله تعالى مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً [الكهف: 66] وسبيل الغي ضد ما ذكرنا. ثم بين أن ذلك الصرف وتعكيس القضية إنما كان الأمرين: كونهم مكذبين بآيات الله، وكونهم غافلين عنها، ومحل ذلك الرفع على الابتداء أو النصب على معنى صرفهم الله ذلك الصرف بسبب أنهم كذا وكذا. ثم بيّن أن أولئك المتكبرين مجزيون شر الجزاء وإن صدر عنهم صورة الإحسان والخير فقال وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ أي جحدوا المعاد حبطت أعمالهم. ثم قال هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ احتجت الأشاعرة بها على فساد قول أبي هاشم إن تارك الواجب يستحق العقاب بمجرد ترك الواجب وإن لم يصدر عنه فعل ذلك. قالوا: لأنها دلت على أنه لا جزاء إلا على عمل وترك الواجب ليس بعمل. أجاب أبو هاشم بأني لا أسمي ذلك العقاب جزاء. ورد

ص: 318

بأن الجزأ ما يجزىء، أي يكفي عن المنع عن النهي أو في الحث على المأمور، لكن العقاب على ترك الواجب كاف في الزجر عن ذلك فكان جزاء. قيل: إن بني إسرائيل كان لهم عيد يتزينون فيه يستعيرون من القبط الحلي فاستعاروها مرة فأغرق الله القبط فبقيت تلك الحلي في أيدي بني إسرائيل، فلهذا أضيفت إليهم على أن مجرد ملابسة الاستعارة أيضا تحقق الإضافة وتصححها. والحليّ جمع حلي كثدي وثديّ. ومن كسر الحاء فللإتباع. فجمع السامري تلك الحليّ وكان رجلا مطاعا فيهم ذا قدر وكانوا قد سألوا موسى أن يجعل لهم إلها يعبدونه فصاغ السامري لهم عجلا. واختلف المفسرون بعد ذلك فقال قوم: كان قد أخذ تراب حافر فرس جبرائيل فألقاه في جوف ذلك العجل فانقلب لحما ودما وظهر منه الخوار مرة واحدة فقال السامري هذا إلهكم وإله موسى. قال أكثر المفسرين من المعتزلة: إنه كان قد جعل ذلك العجل مجوّفا ووضع في جوفه أنابيب على وجه مخصوص، ثم وضع التمثال على مهب الرياح فظهر منه صوت شديد يشبه خوار العجل. وقال آخرون: إنه صير ذلك التمثال أجوف وخبأ تحته من ينفخ فيه من حيث لا يشعر به الناس. وإنما قال سبحانه وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى من أن المتخذ هو السامريّ وحده لأن القوم رضوا بذلك واجتمعوا عليه فكأنهم شاركوه، أو لأن المراد باتخاذ العجل هو عبادته كقوله ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ [البقرة: 51] أي من بعد مضيه إلى الطور.

قال الحسن: كلهم عبدوا العجل غير هارون لعموم الآية ولقول موسى في الدعاء رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي ولو كان غيرهما أهلا للدعاء لأشركهم في ذلك. وقال آخرون: بل كان قد بقي في بني إسرائيل من ثبت على إيمانه لقوله سبحانه مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [الأعراف: 181] وهل انقلب ذلك التمثال لحما ودما أو بقي ذهبا كما كان مال بعضهم إلى الأوّل لأنه تعالى قال عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ والجسد اسم للجسم ذي اللحم والدّم والخوار إنما يكون للبقرة لا للصورة. واستبعده بعضهم وناقش في أن الجسد مختص بذي الروح. ثم قال: إن ذلك الصوت لما أشبه الخوار لم يبعد إطلاق لفظ الخوار عليه.

وقرأ على كرم الله وجهه جؤار بالجيم والهمزة

من جأر إذا صاح وجَسَداً بدلا من عِجْلًا ثم إنه سبحانه احتج على فساد كون ذلك العجل إلها بقوله أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا ومن حق الإله أن يكون متكلما هاديا إلى سبيل الحق ومناهجه بما ركز في العقول من الأدلة وبما أنزل من الكتب. قالت المعتزلة:

هاهنا سؤال فمن كان مضلا عن الدين لا يصلح أن يكون إلها. قالت الأشاعرة: لو صح أن الإله يلزم أن يكون متكلما هاديا لزم أن يكون كل متكلم هاد إلها. والحق أن الملازمة

ص: 319

ممنوعة فإن الدعوى ليست إلا أن كل إله يجب أن يكون متكلما هاديا والموجبة الكلية لا تنعكس كنفسها على أنه يمكن أن يقال لا متكلم ولا هادي في الحقيقة إلا الله تعالى. ثم ختم الآية بقوله اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ وهذا كما قال في البقرة ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ [البقرة: 51] ثم أخبر عن عقبى حالهم بقوله وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ معناه ولما اشتد ندمهم وحسرتهم على عبادة العجل. واختلفوا في وجه هذه الاستعارة فقال الزجاج: أريد بالأيدي القلوب والأنفس كما يقال حصل في يده مكروه وإن كان من المحال حصول المكروه في اليد تشبيها لما يحصل في القلب وفي النفس بما يحصل في اليد ويرى بالعين. وقال في الكشاف: إن من شأن من اشتد ندمه أن يعض يده فتصير يده مسقوطا فيها لأن فاه وقع فيها، فأصل الكلام سقط فوه في يده فحذف الفاعل وبني الفعل للمفعول فيه كما يحذف الفعل ويبنى للمفعول فيه في قولهم «مرّ بزيد» وهذا من باب الكناية لأن عض اليد من لوازم الحسرة والندم. وقيل: كل عمل يقدم المرء عليه فذلك لاعتقاد أن ذلك العمل خير وصواب وأنه يورثه رفعة ورتبة، فإذا بان أن ذلك العمل باطل فكأنه انحط وسقط من علو إلى أسفل ومنه قولهم للرجل إذا أخطأ «ذلك منه سقطة» ثم إن اليد آلة البطش والأخذ والنادم كأنه تدارك الحالة التي لأجلها حصل له الندم وكأنه قد سقط في يد نفسه من حيث أنه بعد حصول ذلك الندم يشتغل بالتدارك والتلافي.

وحكى الواحدي أنه من السقط وهو ما يغشى الأرض بالغدوات شبه الثلج فمن وقع في يده السقط لم يحصل منه على شيء قط لأنه يذوب بأدنى حرارة، فهذا مثل من خسر في عاقبته ولم يحصل على طائل من سعة. وقال بعضهم: الآلة الأصلية في أكثر الأعمال اليد والعاجز فى حكم الساقط فسقاط اليد هو العجز التام كما يقال في العرف ضل يده ورجله لمن لا يهتدي إلى صلاحه. وقيل: إن «في» بمعنى «على» أي سقط على أيديهم فإن من عادة النادم أن يطأطىء رأسه ويضعه على يده تحت ذقنه. ثم قال الله تعالى وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا أي قد تبينوا ضلالهم كأنهم أبصروه بعيونهم. قال القاضي: الكلام على التقديم والتأخير لأن الندم والتحسر بعد تعرف الحال وتبين الخطأ والترتيب الأصلي: ولما رأوا أنهم قد ضلوا سقط في أيديهم. ويمكن أن يقال: الواو لا تفيد الترتيب، أو يقال: الإقدام على ما لا يعلم كونه صوابا أو خطأ فاسد موجب للندم وقد يتكامل العلم فيظهر أنه خطأ جزما. ثم إنهم اعترفوا بذنوبهم وانقطعوا إلى ربهم وذكروا مثل ما ذكر أبونا آدم وأمنا حواء إن لم ترحمنا ربنا الآية. وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ قال بعضهم إن موسى قد عرف خبر القوم بعد رجوعه إليهم. وقال الأكثرون وهو قول أبي مسلم: إنه كان عارفا بذلك

ص: 320

قبل رجوعه بدليل قوله غَضْبانَ أَسِفاً فإنه يدل على أن هاتين الحالتين حاصلتان له عند رجوعه إليهم ولما جاء في سورة طه قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ [الآية: 85] وفيه دليل ظاهر على أنه تعالى أخبره بوقوع الواقعة في الميقات. والأسف الشديد الغضب وهو قول أبي الدرداء والزجاج. وعن ابن عباس والحسن إنه الحزين. وقال الواحدي: هما متقاربان فإذا جاءك ممن هو دونك غضبت وإذا جاءك ممن هو فوقك حزنت، فكأن موسى غضبان على قومه أسفا من فتنة ربه بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي خاطب عبدة العجل أو وجوه القوم- هارون والمؤمنين- حيث لم يكفوا العبدة. وفاعل بِئْسَما مضمر يفسره خَلَفْتُمُونِي والمخصوص محذوف التقدير: بئس خلافة خلفتمونيها من بعدي خلافتكم. ومعنى مِنْ بَعْدِي مع قوله خَلَفْتُمُونِي من بعد ما رأيتم مني من توحيد الله ونفي الأنداد أو من بعد ما كنت أحمل القوم عليه من التوحيد والكف عن اتخاذ إله غير الله حيث قالوا جعل لنا إلها ومن حق الخلفاء أن يسيروا بسيرة مستخلفيهم من بعدهم ولا يخالفوهم ونظير الآية قوله فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ [مريم: 58] أي من بعد أولئك الموصوفين بالصفات الحميدة أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ قال الواحدي: العجلة التقدم بالشيء قبل وقته ولذلك صارت مذمومة في الأغلب بخلاف السرعة فإنها عمل الشيء في أوّل وقته. قال ابن عباس: يعني أعجلتم ميعاد ربكم فلم تصبروا له. وقال الحسن: أعجلتم وعد ربكم الذي وعدكم من الأربعين وذلك أنهم قدّروا أنه لما لم يأت على رأس الثلاثين ليلة فقد مات.

وروي أن السامري قال لهم: إن موسى لن يرجع وإنه قد مات.

وروي أنهم عدوا عشرين يوما بلياليها فجعلوها أربعين ثم أحدثوا ما أحدثوا.

وقال الكلبي: أعجلتم عبادة العجل قبل أن يأتيكم أمر ربكم. وقال عطاء: أعجلتم سخط ربكم. وفي الكشاف: يقال عجل عن الأمر إذا تركه غير تام ونقيضه تم عليه وأعجله عنه غيره ويضمن معنى سبق فيعدى تعديته فيقال:

عجلت الأمر ومعنى: أعجلتم عن أمر ربكم وهو انتظار موسى حافظين لعهده وما وصاكم به وَأَلْقَى الْأَلْواحَ التي فيها التوراة لما لحقه من الدهش والضجر غضبا لله.

عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: «يرحم الله أخي موسى ما الخبر كالمعاينة» «1»

لقد أخبره الله تعالى بفتنة قومه فعرف أن ما أخبره الله تعالى به حق وأنه مع ذلك متمسك بما في يده.

وروي أن التوراة كانت سبعة أسباع فلما ألقى الألواح تكسرت فرفع منها ستة أسباعها وبقي سبع واحد، وكان فيما رفع تفصيل كل شيء وفيما بقي الهدى والرحمة.

قال في التفسير الكبير: إلقاء الألواح ثابت بالقرآن، فأما إلقاؤها بحيث تكسرت فلا وإنه جراءة

(1) رواه أحمد في مسنده (1/ 215، 271) .

ص: 321

عظيمة ومثله لا يليق بالأنبياء. وأقول: الجراءة تحصل بنفس الإلقاء لا بالتكسر الذي لا يتعلق باختياره فكل ما يجعل عذرا عن نفس الإلقاء يصح أن يجعل عذرا عن التكسر وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ أي بشعر رأسه يجره إليه بذؤابته. واعلم أن موسى عليه السلام كان في نفسه حديدا شديد الغضب وكان هارون ألين منه جانبا ولذلك كان أحبّ إلى بني إسرائيل من موسى. وقد استتبع غضبه أمرين: أحدهما إلقاء الألواح والآخر أخذ رأس أخيه جار إليه، فزعم مثبتو عصمة الأنبياء أنه جر برأس أخيه إلى نفسه ليسارّه ويستكشف منه كيفية الواقعة لا لأجل الإهانة والاستخفاف، ثم إن هارون خاف أن يتوهم جهال بني إسرائيل أن موسى فعل ما فعل به إهانة فالَ يَا بْنَ أُمَ

من كسرها فعلى طرح ياء المتكلم، ومن فتحها فتشبيها بخمسة عشر لكثرة الاستعمال أو على الألف المبدلة من ياء الإضافة. وإنما أضافه إلى الأم إشارة إلى أن أمهما واحدة على ما روي أنه كان أخاه لأمه ليكون أدعى إلى العطف والرقة لأنها كانت مؤمنة فافتخر بنسبها ولأنها هي التي تحملت فيه الشدائد فذكره حقها إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي استذلوني وقهروني ولم يبالوا بي لقلة أنصاري وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي حين منعتهم عبادة العجل ونهيتهم عنها فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ العابدي العجل فإنهم يحملون هذا الذي تفعل بي على الإهانة لا على الإكرام وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ في اشتراك العقوبة والإذلال، ولا تعتقد أني واحد منهم. ولا يخفى ما في بعض هذا التفسير من التعسف والتكلف، والحق أن هذا القدر من الحدة الناشئة من عصبية الدين لا يقدح في العصمة وغايته أن يكون من قبيل ترك الأولى فلذلك قالَ موسى رَبِّ اغْفِرْ لِي ما أقدمت عليه من الحدة قبل جلية الحال وَلِأَخِي أن عساه فرّط في شأن الخلافة ثم أخبر عن مجازاة القوم فقال إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ إلها سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ كلاهما في الحياة الدنيا. فالغضب ما أمروا به من قتل أنفسهم والذلة خروجهم من ديارهم وذل الغربة لا يخفى. واعترض بأن قوله سَيَنالُهُمْ للاستقبال وفي وقت نزول الآية كان القتل واقعا. وأجيب بأن هذا الكلام حكاية عما أخبر الله تعالى موسى به في الميقات من افتتان قومه وكان سابقا على وقوعهم في الغضب والذلة. قلت: ويجوز أن يكون الآيتان من تتمة قول موسى إلا أن قوله وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ ينبو عن ذلك إلا أن يحمل على الاعتراض. ولما في هذا التفسير من التكلف ذهب به بعض المفسرين إلى أن المضاف في الآية محذوف والتقدير:

إن الذين اتخذ آباؤهم العجل يعني الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم سينالهم غضب من ربهم في الآخرة وذلة في الحياة الدنيا بضرب الجزية، أو غضب وذلة كلاهما في الدنيا بالقتل

ص: 322