الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبو عمرو وزيد. أين لنا بالياء ولا مدة: سهل ويعقوب غير زيد تَلْقَفُ بالتخفيف حيث كان: حفص والمفضل تَلْقَفُ بالتشديد وإدغام التاء الأولى في الثانية: البزي وابن فليح.
الباقون: بتشديد القاف وحذف تاء التفعل. آمَنْتُمْ بهمزة واحدة ممدودة: حفص.
أأمنتم بزيادة همزة الاستفهام: حمزة وعلي وخلف وعاصم سوى حفص. آمَنْتُمْ بالمد وتليين الهمزة: أبو جعفر ونافع وابن عامر وأبو عمرو وسهل ويعقوب وابن كثير غير الهاشمي وابن مجاهد وأبي عون عن قنبل فرعون وآمنتم بالواو الخالصة: الهاشمي عن قنبل وآمنتم بالواو وتحقيق الهمزة الأولى: ابن مجاهد وأبو عون والهرندي عن قنبل.
الوقوف:
فَظَلَمُوا بِها ج للفصل بين الخبر والطلب مع العطف بالفاء الْمُفْسِدِينَ هـ الْعالَمِينَ هـ ج وقف لمن قرأ حَقِيقٌ عَلى بالتشديد أي واجب عليّ، ومن قرأه مخففا جاز له الوصل على جعل حَقِيقٌ وصف الرسول و «على» بمعنى الباء إِلَّا الْحَقَّ ط بَنِي إِسْرائِيلَ ط الصَّادِقِينَ هـ مُبِينٌ هـ للفصل بين الجملتين والوصل أجود للجمع بين الحجتين لِلنَّاظِرِينَ هـ عَلِيمٍ هـ لا لأن ما بعده وصف لساحر مِنْ أَرْضِكُمْ ج لاحتمال أن ما بعده من تمام قول الملأ لفرعون وحده، والجمع للتعظيم أوله ولعظمائه حضرته، وأن يكون ابتداء جواب من فرعون أي فماذا تشيرون قاهِرُونَ هـ حاشِرِينَ هـ لا لأن ما بعده جواب الأمر عَلِيمٍ هـ الْغالِبِينَ هـ الْمُقَرَّبِينَ هـ الْمُلْقِينَ هـ أَلْقُوا ج للعطف عَظِيمٍ هـ عَصاكَ ط لحق المحذوف لأن التقدير فألقاها فإذا هي ما يَأْفِكُونَ هـ ما كانُوا يَعْمَلُونَ هـ صاغِرِينَ هـ ج لمكان حروف العطف ساجِدِينَ هـ ج لاحتمال كون قالُوا حالا بإضمار «قد» الْعالَمِينَ هـ لا للبدر هارُونَ هـ آذَنَ لَكُمْ ج للابتداء مع اتحاد القائل أَهْلَها ج لأن «سوف» للتهديد مع العطف تَعْلَمُونَ هـ أَجْمَعِينَ هـ مُنْقَلِبُونَ هـ للآية مع اتحاد المقول جاءَتْنا ط للعدول عن المحاباة إلى المناجاة مُسْلِمِينَ هـ.
التفسير:
القصة السابعة من قصص هذه السورة قصة موسى عليه السلام. وقد ذكر في هذه القصة من البسط والتفصيل ما لم يذكر في غيرها لأن جهل قومه أعظم وأفحش من جهل سائر الأقوام ولهذا كانت معجزاته أقوى من معجزات متقدميه من الأنبياء.
والضمير في قوله ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ يعود إلى الرسل أو إلى الأمم المذكورين، في قوله بِآياتِنا دلالة على كثرة معجزاته وأن النبي لا بد له من آية ومعجزة بها يمتاز عن المتنبي. فَظَلَمُوا بِها أي بتلك الآيات والمراد كفرهم بها لأن وضع الإنكار في موضع
الإقرار وإيراد الكفر بدل الإيمان وضع للشيء في غير موضعه، أو تظلموا الناس بسببها حين أوعدوهم وصدوهم عنها وأذوا من آمن بها. فَانْظُرْ أيها المعتبر المستبصر بعين بصيرتك كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ كيف فعلنا بهم؟ وهذه قصة إجمالية ثم شرع في تفصيلها وذلك قوله وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أي إله قادر عليم حكيم. وفيه أن العالم موصوف بصفات لأجلها افتقر إلى رب يربيه حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ من قرأ بالتشديد في عَلى وحَقِيقٌ إما بمعنى فاعل أي واجب عليّ ترك القول على الله إلا بالحق، أو بمعنى مفعول أي حق عليّ ذلك. تقول العرب إني لمحقوق على أن أفعل خيرا. وأما قراءة العامة حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ مرسلة الياء ففيه وجوه أحدها: أن يكون «علي» بمعنى «الباء» كقولهم جئت على حال حسنة وبحال حسنة، قال الأخفش: وهذا كما قال وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ [الأعراف: 86] أي على كل صراط ويؤكد هذا الوجه قراءة أبيّ حقيق بأن لا أقول أي أنا خليق بذلك. وثانيها: أن الحق هو الدائم الثابت والحقيق مبالغة فيه، وكل ما لزمك فقد لزمته فكأن المعنى أنا ثابت مستمر على أن لا أقول إلا الحق. وثالثها: أن يضمن حقيق معنى حريص. ورابعها: أن يكون من القلب الذي يشجع عليه أمن الإلباس فيؤل المعنى إلى قراءة نافع. وخامسها: أن يكون إغراقا في الوصف ومبالغة بالصدق والمراد أنا حقيق على قول الحق أي واجب عليّ أن أكون أنا قائله والقائم به ولا يرضى إلا بمثلي ناطقا به. وسادسها: أن يكون على هذه هي التي تقرن بالأوصاف اللازمة الأصلية كقوله تعالى فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها [الروم: 30] ويقال: جاءني فلان على هيئته وعلى عادته وعرفته وتحققته على كذا وكذا من الصفات. فمعنى الآية لم أتحقق إلا على قول الحق. ولما كان ظهور المعجزة على وفق الدعوى دالا على وجود الإله القادر المختار وعلى تصديق الرسول جميعا قال قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أي بمعجزة قاهرة باهرة منه. ثم فرع عليه تبليغ الحكم وهو قوله فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ أي أطلقهم وخل سبيلهم حتى يذهبوا معي راجعين إلى الأرض المقدسة التي هي وطنهم ومولد آبائهم. وذلك أن يوسف عليه السلام لما توفي وانقرضت الأسباط غلب فرعون نسلهم واستعبدهم واستخدمهم في الأعمال الشاقة قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فيه سؤالان: أحدهما لفظي وهو أن هاهنا شرطين فأين جوابهما؟ والجواب أن المؤخر في اللفظ مقدم في المعنى نظيره قول القائل: إن دخلت الدار فأنت طالق إن كلمت زيدا. وثانيهما: أن قوله إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ وقوله فَأْتِ بِها كلاهما واحد في المعنى فكيف يفيد تعليق أحدهما بالآخر؟
وجوابه المنع إذ المراد إن كنت جئت من عند من أرسلك بآية فأحضرها لتصح دعواك. ثم
إن فرعون لما طالب موسى عليه السلام بإقامة البينة الدالة على وجود الرب وعلى صحة نبوته قلب العصا ثعبانا وأظهر اليد البيضاء وذلك قوله سبحانه فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ ومعنى كون الثعبان مبينا أن أمره ظاهر لا يشك في أنه ثعبان ليس مما جاءت به السحرة من التمويهات وإنما هو من قبيل المعجزات، أو المراد أنه أبان قول موسى عن قول المدعي الكاذب والثعبان في اللغة الحية الضخم الذكر.
روي أنه كان أشقر فاغرا فاه بين لحييه ثمانون ذراعا وضع لحيه الأسفل على الأرض ولحيه الأعلى على سور القصر ثم توجه نحو فرعون ليأخذه فوثب فرعون من سريره وهرب وأخذه البطن يومئذ أربعمائة مرة وكان لم ير منه الحدث قبل ذلك. وهرب الناس وصاحوا وحمل على الناس فانهزموا ومات منهم خمسة وعشرون ألفا، ودخل فرعون البيت وصاحوا يا موسى خذه وأنا أومن بك وأرسل معك بني إسرائيل، فأخذه موسى فعاد عصا. والنزع في اللغة القلع والإخراج أي أخرجها من جيبه أو من جناحه بدليل قوله في موضع آخر وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ [النمل: 12]
روي أنه أرى فرعون يده وقال: ما هذه؟ فقال: يدك. ثم أدخلها في جيبه وعليه مدرعة صوف ثم نزعها فإذا هي بيضاء بياضا نورانيا غلب شعاعها الشمس،
وكان موسى عليه السلام آدم شديد الأدمة وقوله لِلنَّاظِرِينَ يتعلق ببيضاء فإنها لا تكون بيضاء للناظرين إلا إذا كان بياضها عجيبا خارجا عن العادة اجتمع الناس للنظر إليه كما يجتمعون للعجائب. واعلم أن القول بجواز انقلاب العادات عن مجاريها مقام صعب مشكل ولهذا اضطربت أقوال العلماء فيه فالأشاعرة جوّزوا ذلك على الإطلاق بناء على القول بالفاعل المختار فجوّزوا في الإنسان وسائر أنواع الحيوان أن يتولد دفعة واحدة من غير سابقة مادة ومدة، وجوّزوا في الجوهر الفرد أن يكون حيا عالما قادرا قاهرا من غير حصول بنية ولا مزاج، وجوّزوا في الأعمى الذي بالأندلس أن يبصر في ظلمة الليل البقة التي تكون بأقصى المشرق وفي سليم البصر أن لا يرى الشمس في كبد السماء من غير حائل. والمعتزلة جوّزوا انخراق العادات في بعض الصور دون بعض من غير ضابط ولا قانون اللهم إلا أن يحال على الشرع، والطبيعيون المتفلسفون أنكروا ذلك على الإطلاق وزعموا أنه لا يجوز حدوث الأشياء ودخولها في الوجود إلا على هذا الوجه المخصوص والطريق المعين والإلزام فتح باب الجهالات فإنه إذا جاز أن تنقلب العصا ثعبانا جاز في الشخص الذي شاهدناه كموسى وعيسى ومحمد مثلا أنه ليس هو الشخص الأوّل وهذا يوجب القدح في النبوة والرسالة.
فإن زعم زاعم أن هذه الأمور تختص بزمان دعوة الأنبياء. قلنا: المخصص في ذلك
الزمان لا يعرف إلا بدليل غامض، وكل من لا يقف على ذلك الدليل يقع في تيه الإشكال والضلال مع أن زمان جواز الكرامات لا ينقرض عندكم أبدا فلا ينقضي التجويز سرمدا.
هذا وإنما جمع بين العصا واليد مع أن المعجز الواحد كاف لأن كثرة الدلائل توجب مزيد اليقين. قال بعض المتحذلقين: هما شيء واحد والمراد أن حجة موسى كانت قوية ظاهرة فمن حيث إن الحجة أبطلت أقوال المخالفين كانت كالثعبان الذي يلقف ما يأفكون، ومن حيث إنها كانت ظاهرة في نفسها وصفت باليد البيضاء كما يقال لفلان يد بيضاء في الأمر الفلاني أي قوّة كاملة ومرتبة ظاهرة. والتحقيق أن انقلاب العصا وغير ذلك أمور ممكنة في ذواتها لأن الأجسام متماثلة في الجسمية فكل ما صح على شيء صح على مثله والله سبحانه قادر على كل الممكنات، فكل ما ثبت وقوعه بالتواتر وجب قبوله من غير تأويل ودفع، ثم أن السحر كان غالبا في ذلك الزمان وكانت السحرة متفاوتين في ذلك، فزعم أتباع فرعون أن موسى عليه السلام كان لكونه في النهاية من علم السحر أتى بتلك الصفة وأنه كان يطلب بذلك الملك والرياسة وذلك قوله سبحانه قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ ولا ينافي هذا ما حكاه الله تعالى في سورة الشعراء أنه قال ذلك فرعون، فإنه يحتمل صدور هذا القول في تلك الحالة منه ومنهم أو لعل فرعون قاله ابتداء فتلقفه الملأ فقالوه لغيرهم، أو قالوا عنه لسائر الناس على طريق التبليغ فإن الملوك إذا رأوا رأيا ذكروه للخاصة وهم يذكرونه للعامة. والأظهر أن قوله فَماذا تَأْمُرُونَ من كلام فرعون إما لأن الأمر لا يجوز أن يكون من الأدنى للأعلى، أو لأنه من قولهم أمرته فأمرني بكذا إذا شاورته فأشار عليك برأي ولهذا قال الملأ في جوابه أَرْجِهْ وَأَخاهُ أي أخر أمره وأمر أخيه ولا تعجل بقضاء في شأنهما فتصير عجلتك حجة عليك. قال الجوهري: أرجأت الأمر وأخرته يهمز ولا يهمز. وعن الكلبي وقتادة أن المعنى أحسبه، وزيف بأنه خلاف اللغة إلا أن يقال حبس المرء نوع من التأخير في أمره وبأن فرعون ما كان يظن أنه قادر على حبس موسى بعد مشاهدة حال العصا. وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ أي جامعين جمع مدينة وهي فعلية من مدن بالمكان يمدن مدونا إذا أقام به، ولهذا أطبق القراء على همز الْمَدائِنِ لأنه كصحائف. وقيل: إنها مفعلة من دنت أي ملكت وكأن هذا القائل لا يهمز مدائن. وقال المبرد: أصلها مديونة من دانه إذا قهره وساسه، فعل بها ما فعل بنحو «مبيع» في «مبيوع» وليس المراد مدائن الأرض كلها ولكن المقصود مدائن صعيد مصر. وقال ابن عباس: وكان رؤساء السحرة بأقصى مدائن الصعيد يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ الباء بمعنى «مع» أو للتعدية. قيل: كانوا سبعين ساحرا سوى رئيسهم.
وقيل: بضعة وثلاثين ألفا. وقيل: سبعين إلفا. وقيل ثمانين ألفا وقيل: كان يعلمهم مجوسيان من أهل نينوى قرية بقرب الموصل. وضعف بأن المجوس من أتباع زرادشت وهو إنما جاء بعد موسى. وفي الآية دلالة على كثرة السحرة في ذلك الزمان ولهذا كانت معجزة موسى شبيهة بالسحر وإن كانت مخالفة في الحقيقة كما أن الطب لما كان غالبا على أهل زمن عيسى كانت معجزته من جنس ذلك كإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، وكانت الفصاحة والبلاغة غالبة في عصر نبينا صلى الله عليه وسلم فلا جرم كانت معجزته العظمى وهي القرآن من جنس الفصاحة، وتحقيق السحر وسائر ما يتعلق به قد مر في سورة البقرة فليتذكر وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا لم يقل فقالوا بناء للكلام على سؤال مقدر كأن سائلا سأل ما قالوا إذ جاءوه؟ فأجيب قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً أي جعلا على الغلبة والتنكير للتعظيم كقول العرب إن له لإبلا وإن له لغنما يقصدون الكثرة قالَ نَعَمْ أي إن لكم أجرا وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ أراد إني لا أقتصر لكم على الثواب بل لكم مع ذلك ما يقل معه الثواب وهو التقريب والتكريم لأن الثواب إنما يهنأ إذا كان مقرونا بالتعظيم.
روي أنه قال لهم تكونون أوّل من يدخل وآخر من يخرج.
وروي أنه دعا برؤساء السحرة فقال لهم: ما صنعتم؟ قالوا قد عملنا سحرا لا يطيقه سحرة أهل الأرض إلا أن يكون أمرا من السماء فإنه لا طاقة لنا به.
وفي الآية إشارة إلى أن أهل السحر ليسوا قادرين على قلب الأعيان وإلا قلبوا الحجر ذهبا بل قلبوا ملك فرعون إلى أنفسهم ولم يطلبوا منه الأجر، فعلى العاقل أن لا يغترّ بأكاذيبهم ومزخرفاتهم. ثم إن السحرة راعوا حسن الأدب فخيروا موسى أوّلا وقدموه في الذكر ثانيا حيث قالوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ كما هو دأب المتناظرين والمتصارعين، مع أن في قولهم وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ بالأمر أليق منه بالخبر.
وبدليل قوله وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ وفيه ترغيب في الثبات على الجهاد. فمعنى الآية إذن إن يكن منكم عشرون فليصبروا وليجتهدوا في القتال حتى يغلبوا مائتين، ثم الصبر لا يحصل إلا بكونه شديد الأعضاء قويا جلدا شجاعا غير جبان ولا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة، وعند حصول هذه الأمور كان يجب على الواحد أن يثبت للعشرة لما سبق من وعد النصر في قوله حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال: 64] وإنما كرر النسبة مرتين لأن السرايا التي كان يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا ينقص عددها على العشرين وما كانت تزيد على المائة فورد على وفق الواقعة، وإما في الكرة الثانية فإنما كررت النسبة للطباق وليكون فيه بشارة وإشارة إلى أن عدد عسكر الإسلام سيؤول من العشرات والمئات إلى الألوف والله أعلم بمراده. ثم بين السبب في
الغلبة فقال بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ [الأنفال: 65] أي بسبب أن الكفار قوم جهلة لا يعرفون معادا وقد انحصرت السعادة عندهم في هذه الحياة العاجلة. وأيضا إنهم يعولون على قوتهم وشوكتهم والمسلمون يتوكلون على ربهم ويستغيثونه ويتوقعون منه إنجاز ما وعد من النصر والتأييد، ووجه آخر هو أن أهل العلم والمعرفة يكون لهم في أعين الناس هيبة وحشمة ويكونون في أنفسهم أقوياء أشداء لما تجلى عليهم من أنوار المعرفة والبصيرة يعرف ذلك أصحاب العلوم وأرباب المعارف بخلاف الجهلة الذين لا بصيرة لهم ولا نور.
قال عطاء: عن ابن عباس لما نزل التكليف الأول ضج المهاجرون وقالوا: يا رب نحن جياع وعدوّنا شباع ونحن في غربة وعدونا في أهليهم. وقال الأنصار: شغلنا بعدوّنا وواسينا إخواننا.
وعن ابن جريج كان عليهم أن لا يفروا ويثبت الواحد للعشرة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حمزة في ثلاثين راكبا قبل بدر فلقي أبا جهل في ثلاثمائة راكب وأرادوا قتالهم فمنعهم حمزة. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أنيس إلى خالد بن صفوان وكان في جماعة وابتدر عبد الله فقال: يا رسول الله صفه لي فقال: إنك إذا رأيته ذكرت الشيطان ووجدت لذلك قشعريرة.
وبلغني أنه جمع لي فأخرج إليه وأقتله، فلما خرجت تعمية للمأفوك بالإفك. قال المفسرون: لما ألقى موسى العصا صارت حية عظيمة حتى سدت الأفق ثم فتحت فاها ثمانين ذراعا وابتلعت ما ألقوا من حبالهم وعصيهم، فلما أخذها موسى صارت عصا كما كانت من غير تفاوت في الحجم والمقدار أصلا، فلعل الله سبحانه أعدم بقدرته تلك الأجرام العظيمة أو فرقها أجزاء لطيفة ثم قال سبحانه وتعالى فَوَقَعَ الْحَقُّ. قال مجاهد والحسن: ظهر، وقال الفراء: فتبين الحق من السحر. وقيل: الوقوع ظهور الشيء ووجوده نازلا إلى مستقره. وسبب هذا الظهور أن السحرة قالوا: لو كان ما صنع موسى سحرا لبقيت حبالنا وعصينا ولم تفقد، ولما فقدت ثبت أن ذلك بخلق الله وتقديره وبهذا تميز المعجزة عن السحر. وقال القاضي: معناه قوة الظهور بحيث لا يصح فيه نقيضه كما لا يصح في الواقع أن يصير لا واقعا. ومع ثبوت هذا الحق زالت الأعيان التي أفكوها وهي تلك الحبال والعصي وذلك قوله وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ أي الذي عملوه أو عملهم فَغُلِبُوا هُنالِكَ أي حين التحدي وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ لأنه لا ذل ولا صغار أعظم من حق المبطل من دحوض حجته.
روي أن تلك الحبال والعصي كانت حمل ثلاثمائة بعير، فلما ابتلعها ثعبان موسى وصارت عصا كما كانت قال بعض السحرة لبعض: هذا خارج عن حد السحر وإنما هو أمر إلهي.
قال المحققون: إنهم لأجل كمالهم في علم السحر ميزوا السحر عن غيره فانتقلوا ببركة ذلك من الكفر إلى الإيمان، فما ظنك بالإنسان
الكامل في علم التوحيد والشريعة والحكمة. وفي قوله وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ دليل على أن ملقيا ألقاهم وما ذاك إلا الله سبحانه الموجد للدواعي والقدر. وقال الأخفش. من سرعة ما سجدوا صاروا كأنهم ألقاهم غيرهم لأنهم لم يتمالكوا أن وقعوا ساجدين. قال بعض العلماء: الإيمان مقدم على السجود فكيف نقل عنهم أنهم سجدوا ثم قالوا آمنا برب العالمين؟ وأجيب بأنه لا يبعد أنهم عند الذهاب إلى السجود قالوا ذلك، أو أنهم لما ظفروا بالمعرفة سجدوا لله في الحال شكرا على الفوز بذلك وإظهارا للخشوع والتذلل وإقرارا باللسان بعد التصديق بالجنان. قال المفسرون: لما قالوا آمنا برب العالمين قال فرعون: إياي يعنون. فلما قالوا رَبِّ مُوسى قال: إياي يعنون لأني أنا الذي ربيته فلما زادوا هارُونَ زالت الشبهة وعرف الكل أنهم آمنوا بإله السماء وكفروا بفرعون. وقيل:
أفردا بالذكر من جملة العالمين ليعلم أن الداعي إلى إيمانهم هو موسى. وقيل: خصا بالذكر تعظيما وتشريفا. ثم إن فرعون لما رأى أن أعلم الناس بالسحر أقر بنبوّة موسى بمحضر جمع عظيم خاف أن يصير ذلك حجة عليه عند قومه فألقى في الحال شبهة في البين بعد ما أنكر عليهم إيمانهم. أما الإنكار فذلك قوله آمنتم له من لم يزد حرف الاستفهام فعلى أنه إخبار توبيخا أي فعلتم هذا الفعل الشنيع، ومن قرأ بحرف الاستفهام فمعناه الاستبعاد والإنكار. وفي قوله قبل أَنْ آذَنَ لَكُمْ دلالة على مناقضة فرعون في ادعائه الإلهية لأنه لو كان إلها لما جاز أن يأذن لهم في أن يؤمنوا بغيره وهذا من جملة الخذلان والدحوض الذي يظهر على المبطلين. وأما الشبهة فقوله إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها أي هذه حيلة احتلتموها أنتم وموسى أو تواطأتم عليها لغرض لكم وهو أن تخرجوا القبط وتسكنوا بني إسرائيل.
وروى محمد ابن جرير عن السدي في حديث عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم أن موسى وأمير السحرة التقيا فقال له موسى: أرأيتك إن غلبتك أتؤمن بي وتشهد أن ما جئت به حق؟ فقال الساحر: لآتين غدا بسحر لا يغلبه سحر وإن غلبتني لأومنن بك، وفرعون ينظر إليهما ويسمع فلذلك زعم التواطؤ
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ وعيد إجمالي وتفصيله لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ أي كل من شق طرفا ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ واختلف المفسرون هل وقع ذلك منه أم لا. فمن قائل إنه لم يقع لأنهم سألوا ربهم أن يتوفاهم من جهته لا بهذا القتل والقطع، ومن قائل وقع وهو الأظهر وعليه الأكثر ومنهم ابن عباس لأنه حكى عن الملأ أنهم قالوا لفرعون أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ [الأعراف: 127] ولو أنه ترك أولئك السحرة لذكروهم أيضا وحذروه إياهم،