الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من بيع الخمر مالا فهل ينفعني ذلك المال إن عملت فيه بطاعة الله؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أنفقته في حج أو جهاد أو صدقة لم يعدل عند الله جناح بعوضة، إن الله لا يقبل إلا الطيب، وأنزل الله عز وجل تصديقا لقول رسوله قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ
وهو عام في حرام الأموال وحلالها وفاسد الأعمال وصالحها وسقيم المذاهب وصحيحها ورديء النفوس وجيدها، وأخبث الخبائث الروحانية الجهل والمعصية، وأطيب الطيبات الروحانية معرفة الله تعالى وطاعته، والبون بين الصنفين في العالم الروحاني أبعد منه في العالم الجسماني، لأن أثرهما في عالم الأرواح أبقى وأدوم وأجل وأعظم، فلا تستبدل الخبيث يا إنسان بالطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث، لأن كثرته في التحقيق قلة، ولذته في نفس الأمر ذلة، ونقده زيف وصرف العمر في طلبه حيف.
التأويل:
لا تُحَرِّمُوا على أنفسكم بالاستمتاعات النفسانية طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ دون سائر المخلوقات من المواهب الربانية وَلا تَعْتَدُوا ولا تجاوزوا عن حد العبودية وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ واجتهدوا في طلب ما خصكم به الله من تجلي جماله وجلاله حَلالًا طَيِّباً يحل فيكم بريئا من سمات النقائص. بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ أن تحلفوا بآلائه عن التبرم من ولائه لملالة النفوس وكلالة القوي واستيلاء النفس وغلبة سلطان الهوى في أثناء المجاهدات وإعواز المشاهدات وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ إذا عزمتم على الهجران وتعرضتم للخذلان فَكَفَّارَتُهُ حينئذ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ الحواس الظاهرة والباطنة.
مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ وهم القلب والسر والروح والخفاء، طعامهم الشوق والمحبة والصدق والإخلاص والتفويض والتسليم والرضا والأنس والهيبة والشهود والكشوف، وأوسطه الذكر والتذكر والفكر والتفكر والشوق والتوكل والتعبد والخوف والرجاء يشغل الحواس العشرة بهذه الأمور، أو يكسوهم لباس التقوى، أو يحرر رقبة النفس من عبودية الحرص والهوى فَمَنْ لَمْ يَجِدْ أمسك في اليوم الماضي عما عزم عليه وفي اليوم الحاضر عما لا يعنيه وفي اليوم المستقبل عن العود إليه. ومن لغو اليمين عند أرباب اليقين أن الطالب الصادق عند غلبات الشوق ووجدان الذوق يقسم عليه بجماله وحلاله أن يرزقه شيئا من إقباله ووصاله وذلك في شريعة الرضا لغو، وفي مذهب التسليم سهو ولكن يرجى له عفو فلا يؤاخذه بمقاله لعلمه بضعف حاله والكمال في الثبات والاستقامة.
أريد وصاله ويريد هجري
…
فأترك ما أريد لما يريد
ومن اللغو في اليمين عندهم ما يجري على لسانهم في حال غلبات الوجد من تجديد
العهد وتأكيد العقد كقول بعضهم:
وحقنك ما نظرت إلى سواكا
…
بعين مودّة حتى أراكا
فإن هذا ينافي التوحيد وأين في الدار ديار كلا بل هو الله الواحد القهار لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا بالتقليد وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ الأعمال البدنية الشرعية جُناحٌ فِيما طَعِمُوا من المباحات إِذا مَا اتَّقَوْا الشبهة والإسراف وَآمَنُوا بالتحقيق بعد التقليد وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ الأعمال القلبية الحقيقية من تخلية القلب عما سواه ومن تحليته بالأخلاق المضادة لهواه كالصدق والإخلاص والتوكل والتسليم وما عداه ثُمَّ اتَّقَوْا شرك الأنانية وَآمَنُوا بهويته ثُمَّ اتَّقَوْا هذا الشرك وهو الفناء في الفناء وَأَحْسَنُوا وهو البقاء به فافهم جعل الله البلاء لأهل الولاء كاللهب للذهب فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إيمان المحسنين الذين تجردوا عن ملاذ الدنيا وشهواتها الحلال وأحرموا بحج الوصول وعمرة الوصال لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ في أثناء السلوك بشيء من الصيد وهو المطالب النفسانية والمقاصد الدنيوية الدنية. تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ يعني اللذات البدنية ورماحكم يعني اللذات الخيالية فَلَهُ عَذابٌ الردّ والصد لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ يعني من أحرم لزيارة كعبة الوصال فعليه حسم الأطماع من الحرام والحلال مُتَعَمِّداً أي عالما بما في الالتفات إلى غيره من المضار مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يجازي نفسه برياضة ومجاهدة يماثل ألمها تلك اللذة ذَوا عَدْلٍ هما القلب والروح يحكمان على مقدار الإسلام وعلى حسب قوّة السالك بتقليل الطعام والشراب، أو ببذل المال أو بترك الجاه أو بالعزلة وضبط الحواس هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ خالصا عن الخلق لأجل الحق طَعامُ مَساكِينَ هم العقل والقلب والسر والروح والخفاء كانوا محرومين عن أغذيتهم الروحانية فيطعمهم المعاملات الروحانية من صدق التوجه والصبر على المكاره والفطام عن المألوفات ومن الشكر والرضا وغير ذلك. أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً هو الإمساك عن الأغيار والركون إلى الواحد القهار لتذوق النفس الأمارة وبال أمرها، فإن كل هذه الأمور على خلاف طبعها ذُو انْتِقامٍ ينتقم من أحبائه بنقاب الدلال، ومن أعدائه بحجاب الملام والملال. أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ بحر المعارف والكشوف تنتفعون بالواردات وتطعمون منها السائرين إلى الله من أهل الإرادات صَيْدُ الْبَرِّ ما سنح للسائرين من مطالب الدنيا ما دُمْتُمْ حُرُماً أي في حال المحو لا في حال الصحو. جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ كعبة الظاهر قِياماً للعوام والخواص يستنجحون بها حاجاتهم الدنيوية والأخروية، وكعبة القلب قواما للخواص ولخواص الخواص يلوذون بها بدوام الذكر ونفي الخواطر حتى يعلموا أن لا