الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زمان والمعلوم من حالها التفاوت في الآجال فزال السؤال. وليس المراد أنه تعالى لا يقدر على تبقيته أزيد من ذلك ولا أنقص ولا يقدر على أن يميته إلا في ذلك الوقت لأن هذا يقتضي خروجه سبحانه وتعالى عن كونه قادرا مختارا أو صيرورته كالموجب لذاته، بل المراد أنه تعالى اختار أن الأمر يقع على هذا الوجه وإنما ذكر الساعة لأن هذا الجزء من الزمان أقل ما يستعمل في تقليل الأوقات عرفا. والساعة في اصطلاح أهل النجوم جزء من أربعة وعشرين جزءا من يوم بليلته. قيل: إن عند حضور الأجل يمتنع عقلا وقوع ذلك الأجل في الوقت المتقدم فما معنى قوله: وَلا يَسْتَقْدِمُونَ؟ وأجيب بأن مجيء الأجل محمول على قرب حضور الأجل كقول العرب: جاء الشتاء إذا قارب وقته ومع مقاربة الأجل يصح التقدم على ذلك الوقت تارة والتأخر عنه أخرى.
التأويل:
قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً هو لباس الشريعة يُوارِي سوآت الأفعال القبيحة في الظاهر وسوآت الصفات الذميمة النفسانية والحيوانية بآداب الطريقة في الباطن وَرِيشاً زينة وجمالا في الظاهر والباطن وَلِباسُ التَّقْوى وهو لباس القلب والروح والسر والخفي. فلباس القلب من التقوى هو الصدق في طلب المولى فيواري به سوآت الطمع في الدنيا وما فيها، ولباس الروح من التقوى هو محبة المولى فيواري به سوآت التعلق بغير المولى، ولباس السر من التقوى هو رؤية المولى فيواري بها رؤية غير المولى، ولباس الخفي من التقوى بقاؤه بهوية المولى فيواري بها هوية غير المولى ذلِكَ خَيْرٌ لأن لباس البدن بالفتوى هو الشريعة ولباس القلب بالتقوى هو الحقيقة ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ أي إنزال الشريعة والحقيقة مما يدل على المولى. لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ بالدنيا وما فيها ومتابعة الهوى فيخرجكم عن جنة الصدق في طلب الحق كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ وجوار الحق يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما من الشرع وذلك نهيهما عن شجرة المحبة لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما من مخالفة الحق وما علما أن فيها هذه الصفة، ومن جملة سوآتهما كل كمال ونقصان كان مستورا فيهما فأراهما بعد تناول الشجرة إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ يعني من الروحانيين الذين لا صورة لهم في الظاهر فإنهم يرون بنظر الملكوت الروحاني من الإنساني بعض الأفعال التي تتولد عن الأوصاف البشرية كما رأوا في آدم قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها [البقرة: 30] مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ أي إنما يرونكم من حيث البشرية التي منشؤها الصفات الحيوانية فإنكم محجوبون بهذه الصفات عن رؤيتهم لا من حيث الروحانية التي هي منشأ علوم الأسماء والمعرفة فإنهم لا يرونكم في هذا المقام، وأنتم ترونهم بالنظر الروحاني بل بالنور الرباني. إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ خلقناهم مستعدين لتولية أمور أهل الغفلة
والطبيعة. وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً هي طلب الدنيا وحبها قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا على محبة الدنيا وشهواتها وَاللَّهُ أَمَرَنا بطلب الكسب الحلال قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وإنما يأمر بالكسب الحلال بقدر الحاجة الضرورية لقوام القالب بالقوت واللباس ليقوم بأداء حق العبودية وذلك قوله: قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ كَما بَدَأَكُمْ لطفا أو قهرا تَعُودُونَ إليه.
فأهل اللطف يعودون إليه بالإخلاص والطاعة وأهل القهر الذين حقت عليهم الضلالة يعودون إليه جبرا واضطرارا فيسحبون في النار على وجوههم خُذُوا زِينَتَكُمْ فزينة الظاهر التواضع والخضوع، وزينة الباطن الانكسار والخشوع، وزينة نفوس العابدين آثار السجود، وزينة قلوب العارفين أنوار الوجود فالعابد على الباب بنعت العبودية والعارف على البساط بحكم الحرية وَكُلُوا وَاشْرَبُوا في مقام العندية كما
قال: «أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني» «1»
وَلا تُسْرِفُوا بالإفراط فوق الحاجة الضرورية والتفريط في حفظ القوة بحيث تضيع حقوق العبودية. زِينَةَ اللَّهِ فزين الأبدان بالشرائع وآثارها، وزين النفوس بالآداب وأقدارها، وزين القلوب بالشواهد وأنوارها، وزين الأرواح بالمعارف وأسرارها، وزين الأسرار بالطوالع وآثارها، فمن تصدّى لطلب هذه المقامات فهي مباحة له من غير تأخير وقصور وحظر ومنع وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ ما لم يكن مشوبا بحظوظ النفس، فهذه الكرامات والمقامات لهؤلاء السادة في الدنيا مشوبة بشواهد الآفات النفسانية وكدورات الصفات الحيوانية خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ من هذه الآفات والكدورات كما قال: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ [الحجر: 47] الْفَواحِشَ ما يقطع على العبد طريق السلوك إلى الرب ففاحشة العوام ما ظَهَرَ مِنْها ارتكاب المناهي وَما بَطَنَ خطورها بالبال، وفاحشة الخواص ما ظَهَرَ مِنْها تتبع ما لأنفسهم نصيب منه ولو بذرة وَما بَطَنَ
الصبر على المحبوب ولو بلحظة، وفاحشة الأخص ما ظَهَرَ مِنْها ترك أدب من الآداب أو التعلق بسبب من الأسباب وَما بَطَنَ الركون إلى شيء في الدارين والالتفات إلى غير الله من العالمين. وَالْإِثْمَ الإعراض عن الله ولو طرفة عين وَالْبَغْيَ وهو حب غير الله فإنه وضع في غير موضعه. وأن يستغيثوا بغير الله ما لم يكن فيه رخصة وحجة من الشريعة وَأَنْ تَقُولُوا بفتوى النفس وهواها أو بنظر العقل عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ حقيقتها أو تقولوا في معرفة الله وبيان أحوال السائرين ما لستم به عارفين وَلِكُلِّ أُمَّةٍ من السائرين إلى الله أو إلى
(1) رواه البخاري في كتاب الصوم باب 20، 48، 49. مسلم في كتاب الصيام حديث 57، 58.
الموطأ في كتاب الصيام حديث 58. أحمد في مسنده (3/ 8) ، (6/ 126) .