الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمم التي انشعبت منه. وإن كان لابتداء الغاية فالمعنى على أمم ناشئة ممن معك إلى آخر الدهر. وهذا شأن الأمة المؤمنة ثم ذكر حال الأمة الكافرة المتوالدة فقال: وَأُمَمٌ وهو رفع على الابتداء والخبر محذوف أي وممن معك أمم سَنُمَتِّعُهُمْ في الدنيا ثُمَّ يَمَسُّهُمْ في الآخرة مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ عن ابن زيد: هبطوا والله عنهم راض، ثم أخرج منهم نسلا منهم من رحم ومنهم من عذب. وخصص بعضهم الأمم الممتعة بقوم هود وصالح ولوط وشعيب وتِلْكَ إشارة إلى قصة نوح وهو مبتدأ والجمل بعدها أخبار.
وقوله وَلا قَوْمُكَ للمبالغة كقول القائل: لا تعرف هذه المسألة لا أنت ولا قومك ولا أهل بلدك. والمراد تفاصيل القصة وإلا فمجملها أشهر من أن يخفى. ومعنى مِنْ قَبْلِ هذا أي من قبل هذا الإيحاء أو العلم الذي كسبته بالوحي، أو من قبل هذا الوقت وكأن هذه القصة أعيدت في هذه السورة تثبيتا للنبي صلى الله عليه وسلم على إنذار قومه ولذلك ختمت بقوله:
فَاصْبِرْ كما صبر نوح وإِنَّ الْعاقِبَةَ الحميدة لِلْمُتَّقِينَ.
التأويل:
ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا أي مخلوقا محتاجا مثلنا. وفيه أن النفس بنظرها السفلي ترى الروح العلوي سفليا فلهذا تنظر إلى النبي ولا ترى نبوته الحميدة، بل تراه بنظر الكذب والسحر والجنون إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ والأراذل من اتباع الروح البدن والجوارح الظاهرة، فإن الغالب على الخلق أن البدن يقبل دعوة الروح ويستعمل الجوارح بالأفعال الشرعية، ولكن النفس الأمارة تكون على كفرها ولا تخلي البدن أن يشتغل بالأعمال الشرعية الدينية إلا لغرض فاسد ومصلحة دنيوية كما هو المعتاد لأكثر الخلق. وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا من طبع النفس أن تتأذى من استعمال البدن وجوارحه في التكاليف الشرعية فتقول للروح: إن ترد أن أو من بك وأتخلق بأخلاقك فأمتع البدن وجوارحه في التكاليف مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ من يمنعني من قهره إن منعت البدن من الطاعة، فاقتصر على مجرد إيمان النفس وتخلقها بأخلاق الروح كما هو معتقد أهل الفلسفة والإباحة يقولون: إن أصل العبودية معرفة الربوبية وجمعية الباطن والتحلي بالأخلاق الحميدة. أَفَلا تَذَكَّرُونَ أن جمعية الباطن ونوره من نتائج استعمال الشرع في الظاهر؟ فالنور في الشرع والظلمة في الطبع، وإنما بعث الأنبياء ليخرجوا الخلق من ظلمات الطبع إلى نور الشرع لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْراً أي استعدادا لتحصيل الدرجات العلوية وإنهم مخلوقون من السفليات الله أعلم بما في نفس كل جارحة من استعداد تحصيل الكمال وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ من التكذيب. وفيه أن ذنوب النفس لا تؤثر في صفاء الروح ولا يتكدر بها ما كان الروح متبرئا من ذنوب النفس متأسفا على معاملات
النفس وتتبع هواها. وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ الروح أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ وهم القلب وصفاته والسر والنفس وصفاتها والبدن وجوارحه إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ من خواص العباد وهم القلب وصفاتها والسر وصفات النفس والبدن وجوارحه. فأما النفس فإنها لا تؤمن أبدا اللهم إلا نفوس الأنبياء وخواص الأولياء فإنها تسلم أحيانا دون الإيمان فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ لأن أعمال الشر لنفوس السعداء كالجسد للإكسير ينقلب ذهبا مقبولا عند طرح الروح عليها، فكذلك تنقلب أعمال الشر خيرا عند طرح التوبة عليها فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ ولا تبتئس على نفوس الأشقياء لأن أعمالها حجة الله على شقاوتهم، وبتلك السلاسل يسحبون في النار على وجوههم وَاصْنَعِ الْفُلْكَ اتخذ يا نوح الروح سفينة الشريعة بنظرنا لا بنظرك فإن نظرك تبع الحواس يبصر ظاهرها ويغفل عن أسرارها وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا فإن الظلم من شيم النفوس إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ في بحر الدنيا وشهواتها. وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ هم النفس وهواها وصفاتها تَسْخَرُونَ من استعمال أركان الشريعة إذ لم يفهموا حقائقها حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وهو حد البلوغ والركوب في سفينة الشريعة وَفارَ ماء الشهوة من تنور القالب قُلْنَا احْمِلْ في سفينة الشريعة من كل صفة وزوجها: كالشهوة وزوجها العفة، والحرص وزوجها القناعة، والبخل وزوجها السخاء، والغضب وزوجها الحلم، وكذا الحقد مع السلامة، والعداوة مع المحبة، والكبر مع التواضع، والتأني مع العجلة وَأَهْلَكَ وهم صفات الروح لا النفس وَمَنْ آمَنَ وهم القلب والسر. وفي قوله تعالى: وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ إشارة إلى أن من ركب سفينة الشرع بالطبع وتقليد الآباء والمعلمين لم يحصل له النجاة الحقيقية كما ركب إبليس بالطبع في سفينة نوح وإنما النجاة لمن ركب بأمر الله وذكره مجراها من الله ومرساها إلى الله كقوله: وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى [النجم: 42] فِي مَوْجٍ من الفتن كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ الروح ابْنَهُ كنعان النفس المتولد بينه وبين القالب وَكانَ فِي مَعْزِلٍ من معرفة الله وطلبه سَآوِي إِلى جَبَلٍ العقل يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ الفتن لا عاصِمَ الْيَوْمَ أي إذا نبع ماء الشهوات من أرض البشرية ونزل ماء ملاذ الدنيا وزينتها من سماء القضاء فلا يتخلص منه إلا من يرحمه الله بالاعتصام بسفينة الشريعة ابْلَعِي ماء شهواتك أَقْلِعِي عن إنزال مطر الآفات وَغِيضَ ماء الفتن ببركة الشرع وَقُضِيَ الْأَمْرُ ما كان مقدرا من طوفان الفتن للابتلاء والتربية، وَاسْتَوَتْ سفينة الشريعة عَلَى الْجُودِيِّ وهو مقام التمكين بعد مقامات التلوين وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وهو ما وعد نوح الروح عند إهباطه إلى العالم السفلي من
الرجوع إلى العالم العلوي: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ وكان للروح أربعة بنين: ثلاثة من المؤمنين وهم القلب والسر والعقل، وواحد