الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأساليب المختلفة نقص، وما نُثَبِّتُ مفعول. ومعنى تثبيت فؤاده زيادة اليقين والطمأنينة لأن تكاثر الأدلة أثبت للقلب وأرسخ للعلم، أو المعنى تثبيت قلبه على أداء الرسالة وتحمل الأذى من قومه أسوة بسائر الأنبياء. وَجاءَكَ فِي هذِهِ السورة أو في هذه الأنباء الْحَقُّ وهو البراهين القاطعة الدالة على صحة المبدأ والوسط والمعاد وَمَوْعِظَةٌ وهي الدلائل المقنعة الموقعة للتصديق بقدر الإمكان والأول للخواص أنفع والثاني للعوام أنجع. وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ وهي الإرشاد إلى الأعمال الصالحة النافعة في الآخرة المحصلة لما هنالك من السعادة، فإن حسن هذا الدين معلوم لمن رجع إلى نفسه وعمل بمقتضى تذكره وفكره. وأعلم أن المعارف الإلهية لا بد لها من قابل وفاعل، وقابلها القلب وإنه ما لم يكن مستعدا لم يحصل له الانتفاع بسماع الدلائل وورودها عليه فلهذا السبب قدم ذكر إصلاح القلب وعلاجه وهو تثبيت الفؤاد، ثم عقبه بذكر المؤثر الفاعل وهو مجيء هذه السورة بل آية منها وهي قوله: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ مشتملة على الحق والموعظة والذكرى، وهذا ترتيب في غاية الحسن. ثم أمر بالتهديد لمن لم يؤثر فيهم هذه البيانات من أهل مكة وغيرهم فقال: وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا وقد مر تفسير مثله في هذه السورة وفي «الأنعام» وَانْتَظِرُوا ما يعدكم الشيطان إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ما وعدنا الرحمن من الغفران والإحسان. وعن ابن عباس: انتظروا بنا الدوائر فإنا منتظرون بكم العذاب كما حل بنظرائكم. ثم ختم السورة بآية مشتملة على جميع المطالب من أمر المبدإ والوسط والمعاد وقد سبق تقريره في آخر «البقرة» في تفسير آية آمَنَ الرَّسُولُ [البقرة:
285] فلا حاجة إلى الإعادة.
التأويل:
ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أي ما دامت سموات الأرواح والقلوب وأرض النفوس البشرية إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ من الأشقياء، وذلك أن أهل الشقاء ضربان:
شقي وأشقى. فالشقي بالمعاصي سعيد بالتوحيد فيخلص من النار آخرا، والأشقى وهو الكافر يبقى فيها مخلدا، ومن أهل الجنة سعيد يبقى خالدا فيها، وأسعد وهم الذين يترقون إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر. وهناك مقام الوحدة الذي لا انقطاع له كما قال: عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ الذي قدر لهم في الأزل من الشقاء. وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ باستكمال الشقاء لقضي بينهم بالهلاك عاجلا لَفِي شَكٍّ مِنْهُ إشارة إلى الضلال. وقوله: مُرِيبٍ إشارة إلى الإضلال. وَإِنَّ كُلًّا أي كل واحد من الضالين ومن المضلين فَاسْتَقِمْ أمر التكوين ولذلك قال: كَما أُمِرْتَ أي في الأزل، وفي قوله:
وَمَنْ تابَ مَعَكَ إشارة إلى أن النفوس جبلت على الاعوجاج فيحتاج إلى الرجوع من
الطريق المنحرف إلى الصراط المستقيم إلى من اختص بالاستقامة بسبب أمر التكوين كالنبي صلى الله عليه وسلم إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ يعني أن الأعمال الصالحة في الأوقات المعدودة تزيل ظلمات الأوقات المصروفة في قضاء الحوائج النفسانية الضرورية، وذلك أن تعلق الروح النوري العلوي بالجسد الظلماني السفلي موجب لخسران الروح كقوله: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر: 1] إلا أن يتداركه أنوار العمل الصالح فيرقيه من حضيض البشرية إلى ذروة الروحانية بل إلى الوحدة الربانية، فتندفع عنه ظلمة الجسد السفلي مثاله:
إلقاء الحبة في الأرض فإنه من خسران الحبة إلا أن يتداركه الماء وسائر الأسباب فيربيها إلى أن تصير الحبة الواحدة إلى سبعمائة. وما زاد ذلك الذي ذكرنا من التدارك عظة للذاكرين الذين يريدون أن يذكروا الله في جميع الأحوال فإنهم إذا حافظوا على هذه الأوقات فكأنهم حافظوا على جميعها لأن الإنسان خلق ضعيفا ليس يقدر على صرف جميع الأوقات في محض العبودية والعبادة. فَلَوْلا كانَ مِنَ الْقُرُونِ صورة التحضيض وحقيقته السؤال ليجاب بأنه لم يكن كذلك لأنك فاعل مختار، فعال لما تريد، خلقت خلقا للإقرار وخلقت خلقا للإنكار ولا اعتراض لأحد عليك يؤيده قوله: وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً طالبة للحق متوجهة إليه وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ منهم من يطلب الدنيا، ومنهم من يطلب العقبى، ومنهم من يطلب المولى وهم المشار إليهم بقوله: إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ أي لطلب الله خَلَقَهُمْ بحسن الاستعداد ولأن رحمته سبقت غضبه، ولكن وقوع فريق في طريق القهر ضروري في الوجود وهو قوله: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ جرى به القلم للضرورة وما نثبت به فؤادك التثبيت منه والتشكيك منه، بيده مفاتيح أبواب اللطف والقهر وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ لطلب الحق ووجدانه اعْمَلُوا في طلب المقاصد من باب القهر إِنَّا عامِلُونَ في طلب الحق من باب لطفه وَانْتَظِرُوا نتائج أعمالكم إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ثمرات أعمالنا وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي ما غاب عنكم مما أودع من لطفه في سموات القلوب ومن قهره في أرض النفوس وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ أمر أهل السعادة والشقاء ومظاهر اللطف والقهر فَاعْبُدْهُ أيها الطالب للحق فإنك مظهر اللطف وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ في الطلب لا على طلبك فإنك إن طلبته بك لم تجده وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ في الأزل عَمَّا تَعْمَلُونَ إلى الأبد والله حسبي.