الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والداعي وهذا معنى قولهم الكسب حاصل للعبد. ثم ختم الآية بوعيد آخر إجمالي فقال:
وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ من قرأ على الجمع فظاهر، ومن قرأ على الوحدة فالمراد الجنس.
وعن ابن عباس أن المراد أبو جهل. وعن عطاء أراد المستهزئين وهم خمسة، والمقتسمين وهم ثمانية وعشرون.
ثم ذكر حاصل شبههم مع الجواب القاطع فقال: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً والمراد من هذه الشهادة أنه أظهر المعجزات على وفق دعواه ولا شهادة أعلى من هذه لأن الشهادة القولية منا لا تفيد إلا غلبة الظن وهذه تفيد القطع بصحة نبوته. ثم عطف على اسم الله قوله: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ أي الذي حصل عنده علم القرآن وفهم معانيه واشتماله على دلائل الإعجاز من النظم الأنيق والأسلوب العجيب الفائت لقوى البشر. فمن علم هذا الكتاب على هذا الوجه شهد بأنه معجز قاهر وأن الذي ظهر هذا المعجز عليه نبي حق ورسول صدق. وعن الحسن وسعيد بن جبير والزجاج: أن الكتاب هو اللوح المحفوظ. والمعنى كفى بالذي يستحق العبادة وبالذي لا يعلم علم ما في اللوح المحفوظ إلا هو يعني الله جل وعلا شهيدا. ويعضده قراءة من قرأ ومن عنده على من الجارة. واعترض على هذا القول بأن عطف الصفة على الموصوف بعيد لا يقال:
شهد بهذا زيد والفقيه، وإنما يقال: زيد الفقيه. وقيل: المراد شهادة أهل الكتاب من الذين آمنوا برسول الله كعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وتميم الداري لأنهم يشهدون بنعته في كتبهم. والاعتراض بأن إثبات النبوة بقول الواحد والاثنين مع جواز الكذب على أمثالهما لكونهم غير معصومين لا يجوز. وقال الزجاج: الأشبه أن الله تعالى لا يستشهد على صحة حكمه بغيره. وعن الحسن: لا والله ما يعني إلا الله. وعن سعيد بن جبير أن السورة مكية وابن سلام وأصحابه آمنوا بالمدينة بعد الهجرة والله أعلم بمراده.
التأويل:
وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ يعنى أن الصفة الرحمانية اقتضت إيجاد جميع الموجودات وإفاضة جميع النعم كما أن صفة القهارية كانت مقتضية للوحدة بأن لا يكون معه شيء ولا نعمة أجل من بعث الرسل، ففيه صلاح حال الدارين لهم، فإذا جحدوا الرسول فقد جحدوا الرحمن وهذا سبب تخصيص هذا الاسم بالمقام كقوله: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً [مريم: 93] ولذلك أمر بأن يقول في الجواب: هُوَ رَبِّي الذي رباني لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لا يستحق العبادة إلا هو ولا أفوض أمري إلا إليه وإليه مرجعي كما كان منه مبدئي سُيِّرَتْ بِهِ جبال النفوس أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ أرض البشرية أَوْ كُلِّمَ بِهِ القلوب الميتة بتلاوته عليهم تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا من كفرهم
بالرحمن قارِعَةٌ من الأحكام الأزلية تقرعهم في أنواع المعاملات التي تصدر عنهم موجبة للشقاوة أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ قالبهم بأن تصدر تلك المعاملة ممن يصحبهم:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ يدرك الشقاء الأزلي. ومن أمارات الشقاوة الاستهزاء بالأنبياء والأولياء ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ أي أمسكتهم لئلا يرجعوا عن مقام الشقاوة لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
بالبعد والحجاب وعبودية النفس والهوى وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ
بأنواع الحسرات والشعور بالهيئات والملكات الموجبة للدركات أُكُلُها دائِمٌ هي مشاهدات الجمال ومكاشفات الجلال وَظِلُّها أي إنهم في ظل معاملاتهم وأحوالهم التابعة لشمس وجودهم على الدوام وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ هم السر والروح والقلب الذين فهموا أسرار القرآن وَمِنَ الْأَحْزابِ النفس والهوى والقوى مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ لثقل التكليف عليهم وللجهل بفوائده وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ المخالفين بالشرك في الطلب من بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ وهو طلب الوحدانية ببذل الأنانية وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً فيه أن الرسل جذبتهم العناية في البداية فترقوا من حضيض الحيوانية إلى أوج الروحانية ثم إلى معارج النبوة والرسالة في النهاية فلم يبق فيهم من دواعي البشرية ما يزعجهم إلى طلب الأزواج بالطبيعة والركون إلى الأولاد بخصائص الحيوانية بل رغبهم الله سبحانه في ذلك على وفق الشريعة بخصوصية الخلافة بإظهار صفة الخالقية ومثله وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ [الأنبياء: 8] يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ لأهل السعادة من أفاعيل أهل الشقاوة وَيُثْبِتُ لهم من خصال أهل السعادة وبالعكس لأهل الشقاوة وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ الذي قدر فيه خاتمة كل من الفريقين وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بالكشف بعض مقاماتهم كما أخبر عن العشرة المبشرة بأنهم في الجنة وعن غيرهم بأنه في النار. أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ أرض البشرية فننقص منها بالازدياد في الأوصاف الروحانية.