الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَجْرٍ ط لِلْعالَمِينَ هـ مُعْرِضُونَ هـ مُشْرِكُونَ هـ لا يَشْعُرُونَ هـ ومن اتبعن ط الْمُشْرِكِينَ هـ الْقُرى ط مِنْ قَبْلِهِمْ ط اتَّقَوْا ط تَعْقِلُونَ هـ نَصْرُنا ط لمن قرأ فننجي بالتخفيف ولا وقف على مَنْ نَشاءُ ومن قرأ فَنُجِّيَ مشددة وصله بما قبله ووقف على مَنْ نَشاءُ الْمُجْرِمِينَ هـ الْأَلْبابِ ط يُؤْمِنُونَ 5.
التفسير:
ذلِكَ الذي ذكر من نبأ يوسف هو من أخبار الغيب وقد مر تفسير مثل هذا في آخر قصة زكريا في سورة آل عمران. ومعنى إجماع الأمر العزم عليه كما مر في سورة يونس في قصة نوح. وأراد عزمهم على إلقاء يوسف في البئر وهو المكر بعينه وذلك مع سائر الغوائل من المجيء على قميصه بدم كذب ومن شراهم إياه بثمن بخس. قال أهل النظم: إن كفار قريش وجماعة من اليهود طلبوا هذه القصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل التعنت، فاعتقد رسول الله أنه إذا ذكرها فربما آمنوا فلما ذكرها لهم أصروا على كفرهم فنزل: وَما أَكْثَرُ النَّاسِ أي أكثر خلق الله المكلفين أو أكثر أهل مكة قاله ابن عباس.
وَلَوْ حَرَصْتَ جوابه مثل ما تقدم أي ولو حرصت فما هم بِمُؤْمِنِينَ والحرص طلب الشيء بأقصى ما يمكن من الاجتهاد ونظير الآية قوله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص: 56] وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ على ما تحدثهم به مِنْ أَجْرٍ كما يسأل القاص إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ عظة من الله لِلْعالَمِينَ عامة على لسان رسوله. وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ الأكثرون على أنه لفظ مركب من كاف التشبيه وأيّ التي هي في غاية الإبهام إذا قطعت عن الإضافة لكنه انمحى عن الجزأين معناهما الإفرادي وصار المجموع كاسم مفرد بمعنى «كم» الخبرية. والتمييز عن الكاف لا عن أي كما في مثلك رجلا، والأكثر إدخال «من» في تمييزه وقد مر في سورة البقرة في تفسير قوله سبحانه: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.
[الآية: 164] وفي مواضع أخر تفصيل بعض الآيات السماوية والأرضية الدالة على توحيد الصانع وصفات جلاله، ومن جملة الآيات قصص الأوّلين وأحوال الأقدمين. ومعنى يَمُرُّونَ عَلَيْها أشياء يشاهدونها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ لا يعتبرون بها. وقرىء وَالْأَرْضِ بالرفع على الابتداء خبره يَمُرُّونَ والمراد ما يرون من آثار الأمم الهالكة وغير ذلك من العبر. والحاصل أن جملة العالم العلوي والعالم السفلي محتوية على الدلائل والبينات على وجود الصانع ونعوت كماله ولكن الغافل يتعامى عن ذلك. وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ وذلك أنهم كانوا مقرين بالإله وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان: 25] لكنهم كانوا يثبتون له شريكا في المعبودية هو الأصنام ويقولون: هم الشفعاء. وكان أهل مكة يقولون: الملائكة بنات الله.
وعن الحسن: هم أهل الكتاب يقولون عزيز ابن الله والمسيح ابن الله. وعن ابن عباس:
هم الذين يشبهون الله بخلقه. احتجت الكرامية بالآية على أن الإيمان عبارة عن مجرد الإقرار. والجواب أن مجرد الإقرار لو كان كافيا لما اجتمع مع الشرك غاشية عقوبة تغشاهم وتغمرهم. قُلْ يا محمد لهم هذِهِ السبيل التي هي الدعوة إلى الإيمان سَبِيلِي وسيرتي وقوله أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ تفسير ل سَبِيلِي وعَلى بَصِيرَةٍ يتعلق بأدعو وأَنَا تأكيد للمستتر في أدعو وَمَنِ اتَّبَعَنِ عطف عليه ويجوز أن يكون عَلى بَصِيرَةٍ حالا من أدعو عاملة في أنا ومن اتبعن، ويجوز أن يكون أَنَا مبتدأ معطوفا عليه ومَنِ اتَّبَعَنِ وعَلى بَصِيرَةٍ خبرا مقدما فيكون ابتداء إخبار بأنه ومن اتبعه على حجة وبرهان لا على هوى وتشه وَقل سُبْحانَ اللَّهِ تنزيها له عما أشركوا وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ لا شركا جليا ولا شركا خفيا.
قال: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ وفي «الأنبياء» قَبْلَكَ [الأنبياء: 7] بغير «من» لأن قبلا اسم للزمان السابق على ما أضيف إليه و «من» تفيد استيعاب الطرفين، وفي هذه السورة أريد الاستيعاب. قوله: إِلَّا رِجالًا ردّ على من زعم أن الرسول ينبغي أن يكون ملكا أو يمكن أن يكون امرأة مثل سجاح المتنبئة. وقوله: مِنْ أَهْلِ الْقُرى خصهم بالاستنباء لما في أهل البادية من الغلظ والجفاء فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران: 159]
قال صلى الله عليه وسلم: «من بدا جفا ومن اتبع الصيد غفل» «1»
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا إلى مصارع الأمم المكذبة إنما قال: أَفَلَمْ يَسِيرُوا بالفاء بخلاف ما في «الروم» والملائكة لاتصاله بقوله: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فكان الفاء أنسب من الواو وَلَدارُ الْآخِرَةِ موصوفه محذوف أي ولدار الساعة والحال الآخرة لأن للناس حالين: حال الدنيا وحال الآخرة. وبيان الخيرية قد مر في «الأنعام» . وإنما خصت هاهنا بالحذف لتقدم ذكر الساعة. قال في الكشاف: حتى غاية لمحذوف دل عليه الكلام والتقدير فتراخى نصر أولئك الرجال حتى إذا استيأسوا عن النصر أو عن إيمان القوم وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا فيه وجوه لقراءتي التخفيف والتشديد ولإمكان عود الضمير في الفعلين إلى الرسل أو إلى المرسل إليهم الدال عليهم ذكر الرسل أو السابق ذكرهم في أَفَلَمْ يَسِيرُوا وأما وجوه التخفيف فمنها: وظن الرسل أنهم قد كذبوا أي كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون، أو كذب رجاؤهم لقولهم رجاء صادق وكاذب. والمراد أن مدة التكذيب
(1) رواه أحمد في مسند (2/ 371) ، (4/ 297) .
والعداوة من الكفار وانتظار النصر من الله قد تطاولت وتمادت حتى توهموا أن لا نصر لهم في الدنيا. قال ابن عباس: ظنوا حين ضعفوا وغلبوا أنهم قد أخلفوا ما وعدهم الله من النصر. قال: وكانوا بشرا ألا ترى إلى قوله: وَزُلْزِلُوا والعلماء حملوا قول ابن عباس على ما يخطر بالبال شبه الوسواس وحديث النفس من عالم البشرية. وأما الظن الذي هو ترجيح أحد الجانبين على الآخر فلا، لأن الرسل أعرف الناس بالله وبأن ميعاده مبرأ عن وصمة الأخلاف. ومنها وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوا فيما وعدوا من النصر والظفر. ومنها وظن المرسل إليهم أنهم قد كذبوا من جهة الرسل أي كذبتهم الرسل في أنهم ينصرون عليهم ولم يصدقوهم فيه. وأما قراءة التشديد فإن كان الظن بمعنى اليقين فمعناه أيقن الرسل أن الأمم كذبوهم تكذيبا لا يصدر عنهم الإيمان بعد فحينئذ دعوا عليهم فهناك نزل عذاب الاستئصال، أو كذبوهم فيما وعدوهم من العذاب والنصرة عليهم. وإن كان بمعنى الحسبان فالمعنى توهم الرسل أن الذين آمنوا بهم كذبوهم وهذا تأويل عائشة قالت: ما وعد الله محمدا شيئا إلا وعلم أنه سيوفيه، ولكن البلاء لم يزل بالأنبياء حتى خافوا من أن يكذبهم الذين كانوا قد آمنوا بهم.
لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ قصص الرسل إضافة للمصدر إلى الفاعل، ويحسن أن يقال: الضمير لإخوة يوسف وله لاختصاص هذه السورة بهم. والعبرة نوع من الاعتبار وهي العبور من الطرف المعلوم إلى الطرف المجهول، ووجه الاعتبار على العموم أن يعلم أنه لا خير إلا في العمل الصالح والتزوّد بزاد التقوى فإن الملوك الذي عمروا البلاد وقهروا العباد ثم لم يراعوا حق الله في شيء من ذلك ماتوا وانقرضوا وبقي الوزر والوبال عليهم.
وعلى الخصوص أن الذي قدر على إعزاز يوسف بعد إلقائه في الجب وإعلاء شأنه بعد حبسه في السجن واجتماعه بأهله بعد طول البعاد قادر على إظهار محمد وإعلاء كلمته.
والكل مشترك في الدلالة على صدق محمد لأن هذا النوع من القصص الذي أعجز حملة الأحاديث ورواة الأخبار ممن لم يطالع الكتب ولم يخالط العلماء دليل ظاهر وبرهان باهر على أنه بطريق الوحي والتنزيل، وإنما يكون دليلا واعتبارا لِأُولِي الْأَلْبابِ وأصحاب العقول الذين يتأملون ويتفكرون لا الذين يمرون ويعرضون على أن الدليل دليل في نفسه للعقلاء وإن لم ينظر فيه مستدل قط كما أن الرئيس الحقيقي من له أهلية الرياسة وإن كان في نهاية الخمول ما كانَ مدلول القصص وهو المقصوص أو القرآن حَدِيثاً يُفْتَرى لظهور إعجازه وَلكِنْ كان تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ من الكتب السماوية وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ يحتاج إليه في الدين لأنه القانون الذي يستند إليه السنة والإجماع والقياس. وقيل: