الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتكلم: نافع غير إسماعيل. لِفِتْيانِهِ خَيْرٌ حافِظاً حمزة وعلي وخلف غير أبي بكر وحماد. الباقون لفتيته خَيْرٌ حافِظاً يكتل بياء الغيبة: حمزة وعلي وخلف.
الباقون بالنون. تؤتوني بالياء في الحالين: ابن كثير وسهل ويعقوب وافق أبو عمرو يزيد وإسماعيل في الوصل.
الوقوف:
لِنَفْسِي ج أَمِينٌ هـ الْأَرْضِ ج لانقطاع النظم مع اتصال المعنى عَلِيمٌ هـ فِي الْأَرْضِ ج لاحتمال ما بعده الاستئناف أو الحال حيث نشاء ط الْمُحْسِنِينَ هـ يَتَّقُونَ هـ مُنْكِرُونَ هـ مِنْ أَبِيكُمْ ج لحق الاستفهام مع اتحاد القائل الْمُنْزِلِينَ هـ وَلا تَقْرَبُونِ هـ لَفاعِلُونَ هـ يَرْجِعُونَ هـ لَحافِظُونَ هـ مِنْ قَبْلُ ط لانتهاء الاستفهام إلى الأخبار حافِظاً ص الرَّاحِمِينَ هـ إِلَيْهِمْ ط لتمام جواب «لما» ما نَبْغِي ط لأن ما بعده جملة مستأنفة موضحة للاستفهامية أو المنفية قبلها إِلَيْنا ج لاحتمال الاستئناف والعطف على ونحن نمير كَيْلَ بَعِيرٍ هـ ط يَسِيرٌ هـ بِكُمْ ط قالَ اللَّهُ قيل: يسكت بين الفعل والاسم لأن القائل يعقوب لا الله سبحانه، والأحسن أن يفرق بينهما بقوة النغمة فقط لئلا يلزم الفصل بين القائل والمقول وَكِيلٌ هـ مُتَفَرِّقَةٍ ط مِنْ شَيْءٍ ط لِلَّهِ ط تَوَكَّلْتُ ط الْمُتَوَكِّلُونَ هـ أَبُوهُمْ ط لأن جواب «لما» محذوف أي سلموا بإذن الله قَضاها ط لا يَعْلَمُونَ هـ.
التفسير:
الأظهر أن هذا الملك هو الريان لا العزيز لأن قوله أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي يدل على أنه قبل ذلك ما كان خالصا له وقد كان يوسف قبل ذلك خالصا للعزيز. وفي قول يوسف: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ دلالة أيضا على ما قلنا. والاستخلاص طلب خلوص الشيء من شوائب الاشتراك، ومن عادة الملوك أن يتفردوا بالأشياء النفيسة.
روي أن جبريل دخل على يوسف في السجن وقال: قل اللهم اجعل لي من عندك فرجا ومخرجا وارزقني من حيث لا أحتسب. فقبل الله دعاءه وأظهر هذا السبب في تخليصه فجاءه الرسول وقال: أجب الملك فخرج من السجن ودعا لأهله وكتب على باب السجن:
«هذه منازل البلوى وقبور الأحياء وشماتة الأعداء وتجربة الأصدقاء» ثم اغتسل وتنطف من درن السجن ولبس ثيابا جددا، فلما دخل على الملك قال: اللهم إني أسألك بخيرك من خيره وأعوذ بعزتك وقدرتك من شره ثم سلم عليه.
فَلَمَّا كَلَّمَهُ احتمل أن يكون ضمير الفاعل ليوسف وللملك، وهذا أولى لأن مجالس الملوك لا يحسن ابتداء الكلام فيها لغيرهم.
يروى أن الملك قال له: أيها الصديق إني أحب أن أسمع رؤياي منك. قال:
رأيت بقرات فوصف لونهن وأحوالهن ومكان خروجهن، ووصف السنابل وما كان منها
على الهيئة التي رآها الملك بعينها، فتعجب من وفور علمه وحدسه- وكان قد علم من حاله ما علم من نزاهة ساحته وعدم مسارعته في الخروج من السجن- وقد وصف له الشرابي من جده في الطاعة والإحسان إلى سكان السجن ما وصف فعظم اعتقاده فيه
فعند ذلك قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ ويندرج في المكانة كمال القدرة والعلم. أما القدرة فظاهرة، وأما العلم فلأن كونه متمكنا من أفعال الخير يتوقف على العلم بأفعال الخير وبأضدادها، وكونه أمينا متفرع عن كونه حكيما لأن لا يفعل الفعل لداعي الشهوة وإنما يفعله لداعي الحكمة. قال المفسرون: لما حكى يوسف رؤيا الملك وعبرها بين يديه قال له الملك: فما ترى أيها الصديق؟ قال: أرى أن تزرع في هذه السنين المخصبة زرعا كثيرا وتبني الخزائن والأهراء وتجمع الطعام فيها فيأتيك الخلق من النواحي ويمتارون منك ويجتمع لك من الكنوز ما لم يجتمع لأحد من قبلك، فقال الملك: ومن لي بهذا الشغل؟
فقال يوسف: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ اللام للعهد أي ولني خزائن أرض مصر.
والخزائن جمع الخزانة وهي اسم للمكان الذي يخزن فيه الشيء أي يحفظ إِنِّي حَفِيظٌ للأمانات وأموال الخزائن عَلِيمٌ بوجوه التصرف فيها على وجه الغبطة والمصلحة.
وقيل: حفيظ لوجوه أياديكم عليم بوجوب مقابلتها بالطاعة والشفقة. قال الواحدي: هذا الطلب خطيئة منه فكانت عقوبته أن أخر عنه المقصود سنة.
عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته لكن لما قال ذلك أخره الله تعالى عنه سنة» .
وقال آخرون: إن التصرف في أمور الخلق كان واجبا عليه لأن النبي يجب عليه رعاية الأصلح لأمته بقدر الإمكان، وقد علم بالوحي أنه سيحصل القحط والضنك فأراد السعي في إيصال النفع إلى المستحقين ودفع الضرر عنهم، وإذا علم النبي أو العالم أنه لا سبيل إلى دفع الظلم والضر عن الناس إلا بالاستعانة من كافر أو فاسق فله أن يستظهر به، على أن مجاهدا قد زعم أن الملك كان قد أسلم.
وقيل: كان الملك يصدر عن رأيه فكان في حكم التابع لا المتبوع. ووصف نفسه عليه السلام بالحفظ والعلم على سبيل المبالغة لم يكن لأجل التمدح ولكن للتوصل إلى الغرض المذكور. وَكَذلِكَ أي مثل ذلك التقريب والإنجاء من السجن مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ أرض مصر وهي أربعون فرسخا في أربعين. يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ هو أو نشاء نحن على القراءتين والمراد بيان استقلاله بالتقلب والتصرف فيها بحيث لا ينازعه أحد. نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ فيه أن الكل من الله وبتيسيره. وقالت المعتزلة: تلك المملكة لما لم تتم إلا بأمور فعلها الله صارت كأنها من قبل الله تعالى، وعلقوا أيضا المشيئة بالحكمة ورعاية الأصلح. والأشاعرة ناقشوا في هذا القيد. وَلا نُضِيعُ أَجْرَ
الْمُحْسِنِينَ لأن إضاعة الأجر تكون للعجز أو للجهل أو للبخل والكل ممتنع في حقه تعالى. وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ من أجر الدنيا أو خير في نفسه. وفي قوله المحسنين وقوله: لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ إشارة إلى أن يوسف كان في الزمان السابق من المحسنين ومن المتقين ففيه دلالة على نزاهة يوسف عن كل سوء. قال سفيان بن عيينة:
المؤمن يثاب على حسناته في الدنيا والآخرة، والفاجر يعجل له الخير في الدنيا وماله في الآخرة من خلاق.
يروى أن الملك توجه وختمه بخاتمه وردّاه بسيفه ووضع له سريرا من ذهب مكللا بالدر والياقوت فقال له: أما السرير فأشدّ به ملكك، وأما الخاتم فأدبر به أمرك، وأما التاج فليس من لباسي ولا لباس آبائي. فقال: قد وضعته إجلالا لك وإقرارا بفضلك. فجلس على السرير ودانت له الملوك وفوّض الملك إليه أمره وعزل قطفير، ثم مات بعد فزوّجه الملك امرأته فلما دخل عليها قال: أليس هذا خيرا مما طلبت فوجدها عذراء فولدت له ولدين: إفرائيم وميشا. وأقام العدل بمصر وأسلم على يديه الملك وكثير من الناس وباع من أهل مصر في سني القحط الطعام بالدنانير والدراهم في السنة الأولى حتى لم يبق معهم شيء منها، ثم بالحلي والجواهر ثم بالدواب، ثم بالضياع والعقار ثم برقابهم حتى استرقهم جميعا فقالوا: والله ما رأينا كاليوم ملكا أجل ولا أعظم منه فقال للملك: كيف رأيت صنع الله بي فيما خوّلني مما ترى؟ قال: الرأي رأيك. قال: فإني أشهد الله وأشهدك أني قد أعتقت أهل مصر عن آخرهم ورددت عليهم أملاكهم، وكان لا يبيع من أحد من الممتارين أكثر من حمل بعير تقسيطا بين الناس. وأصاب أرض كنعان وبلاد الشام نحو ما أصاب مصر فأرسل يعقوب بنيه ليمتاروا
فذلك قوله سبحانه: وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ لم يعرفوه لأن طول العهد ينسي ولاعتقادهم أنه قد هلك أو لذهابه عن أوهامهم حين فارقوه مبيعا بدراهم معدودة ثم رأوه ملكا مهيبا جالسا على السرير في زي الفراعنة، ويحتمل أن يكون بينه وبينهم مسافة وما وقفوا إلا حيث يقف طلاب الحوائج. وإنما عرفهم لأن أثر تغيير الهيئات عليهم كان أقل لأنه فارقهم وهم رجال ولم يغيروا زيهم عما هو عادتهم، ولأن همته كانت معقودة بهم وبمعرفتهم، ويحتمل أن يكون عرفهم بالوحي. وعن الحسن ما عرفهم حتى تعرفوا له.
وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ هو ما يحتاج إليه في كل باب ومنه جهاز العروس والميت. قال الليث: جهزت القوم تجهيزا إذا تكلفت لهم جهازا للسفر. قال: وسمعت أهل البصرة يحكون الجهاز بالكسر. وقال الأزهري: القراء كلهم على فتح الجيم والكسر لغة جيدة قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ قال العلماء: لا بد من كلام يجر هذا الكلام
فروي أنه
لما رآهم وكلموه بالعبرانية قال لهم: من أنتم؟ وما شأنكم فإني أنكركم. قالوا: نحن قوم من أهل الشام رعاة أصابنا الجهد وجئنا نمتار. فقال: لعلكم جئتم عيونا؟ قالوا: معاذ الله نحن إخوة بنو أب واحد وهو شيخ صديق نبي من الأنبياء اسمه يعقوب. قال: كم أنتم؟
قالوا: كنا اثني عشر فهلك منا واحد. فقال: فكم أنتم هاهنا؟ قالوا: عشرة قال: فأين الأخ الحادي عشر؟ قالوا: هو عند أبيه يتسلى به عن الهالك. قال: فمن يشهد لكم أنكم لستم بعيون؟ قالوا: إنا ببلاد لا يعرفنا أحد. قال: فدعوا بعضكم عندي رهينا وأتوني بأخيكم من أبيكم يحمل رسالة من أبيكم حتى أصدقكم. فاقترعوا بينهم فأصابت القرعة شمعون وكان أحسنهم رأيا في يوسف فخلفوه عنده. وقيل: كانوا عشرة فأعطاهم عشرة أحمال فقالوا: إن لنا شيخا كبيرا وأخا آخر فبقي معه ولا بد لهما من حملين آخرين.
فاستدل الملك ببقائه عند أبيه على زيادة محبته إياه وكونه فائقا في الجمال والأدب فاستدعى منهم إحضاره. وقيل: لعلهم لما ذكروا أباهم قال يوسف: فلم تركتموه وحيدا فريدا؟ فقالوا: بل بقي عنده واحد. فقال لهم: لم خصه بهذا المعنى لأجل نقص في جسده؟ قالوا: لا بل لزيادة محبته. فقال: إن أباكم رجل عالم حكيم، ثم إنه خصه بمزيد المحبة مع أنكم فضلاء أدباء فلا بد أن يكون هو زائدا عليكم في الكمال والجمال فائتوني به لأشاهده.
والأوّل قول المفسرين، والآخران محتملان. ولما طلب منهم إحضار الأخ جمع لهم بين الترغيب والترهيب فالأوّل قوله: أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ المضيفين وكان قد أحسن ضيافتهم أو زاد لكل من الأب والأخ الغائب حملا، والثاني فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ مجزوم على النهي أو لأنه داخل في حكم الجزاء كأنه قيل: فإن لم تأتوني به تحرموا ولا تقربوا قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ سنخادعه عنه ونجتهد حتى ننتزعه من يده وَإِنَّا لَفاعِلُونَ كل ما في وسعنا في هذا الباب أو لقادرون على ذلك. وَقالَ لِفِتْيانِهِ أو لفتيته قراءتان وهما جمع فتى كالأخوان والإخوة في أخ ففعلة للقلة ووجهه أن هذا العمل من الأسرار فوجب كتمانه عن العدد الكثير، وفعلان للكثرة ووجهه أنه قال: اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ والرحال عدد كثير ويناسبه الجم الغفير من الغلمان الكيالين، والبضاعة ما قطع من المال للتجارة، والرحال جمع رحل والمراد به هاهنا ما يستصحبه الرجل معه من الأثاث.
والأكثرون على أنه أمر بوضع بضاعتهم في رحالهم على وجه لا يعرفون بدليل قوله:
لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ وفرغوا ظروفهم لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ لعل معرفتهم بذلك تدعوهم إلى الرجوع إلينا وكانت بضاعتهم النعل والأدم. وقيل: أمر بوصفها على
وجه عرفوها، والمعنى لعلهم يعرفون حق ردّها. أما السبب الذي لأجله أمر يوسف بذلك فقيل: ليعلموا كرم يوسف فيبعثهم ذلك على المعاودة. وقيل: خاف أن لا يكون عند أبيه من البضاعة ما يدعوهم إلى الرجوع، أو أراد به التوسعة على أبيه لأن الزمان كان زمان قحط، أو لأن أخذ ثمن الطعام من أبيه وإخوته لؤم، أو أراد أن يرجعوا ليعرفوا سبب الرد لأنهم أولاد الأنبياء فيحترزوا أن يكون ذلك على سبيل السهو، أو أراد أن يحسن إليهم على وجه لا يلحقهم عيب ولا منة فلا يثقل على أبيه إرسال أخيه. وقيل: يَرْجِعُونَ متعد أي لعلهم يردونها. قالُوا: يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ أرادوا قول يوسف فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ لأن إنذار المنع بمنزلة المنع يؤيده قراءة من قرأ نَكْتَلْ بالنون أي نرفع المانع ونأخذ من الطعام ما نحتاج إليه، ويحتمل أن يراد بالمنع أنهم إذا طلبوا الطعام لأبيهم والأخ المخلف فلعله منع من ذلك، ويقوّي هذا الاحتمال قراءة الغيبة أي يكتل أخونا فينضم اكتياله إلى اكتيالنا. قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ ضمنوا كونهم حافظين له فقال يعقوب: إنكم ذكرتم مثل هذا الكلام في يوسف فهل يكون أماني الآن إلا كأماني فيما قبل يعني كما لم يحصل الأمان وقتئذ فكذا الآن. والظاهر أن هاهنا إضمارا والتقدير فتوكل على الله فيه ودفعه إليهم وقال: فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وحافِظاً نصب على التمييز واحتمل الثاني الحال نحو «لله درّه فارسا» وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ أرجو أن لا يجمع عليّ مصيبتين. وقيل: إنه تذكر يوسف فقال: فالله خير حافظا أي ليوسف لأنه كان يعلم أنه حي وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ هو عام في كل ما يستمتع به ويجوز أن يراد به هاهنا الطعام أو الأوعية. أما قوله ما نَبْغِي فالبغي بمعنى الطلب و «ما» نافية أو استفهامية. المعنى ما نطلب شيئا وراء ما فعل بنا من الإحسان أو ما نريد منك بضاعة أخرى أو أيّ شيء نطلب وراء هذا نستظهر بالبضاعة المردودة إلينا. وَنَمِيرُ أَهْلَنا في رجوعنا إلى الملك وَنَحْفَظُ أَخانا فما يصيبه شيء مما يخافه وَنَزْدادُ باستصحاب أخينا وسق بعير زائدا على أوساق أباعرنا فأيّ شيء نبغي وراء هذه المباغي؟!. ويجوز أن يكون البغي بمعنى الكذب والتزيد في القول على أن «ما» نافية أي ما نكذب فيما وصفنا لك من إحسان الملك وإكرامه، وكانوا قالوا له: إنا قدمنا على خير رجل أنزلنا وأكرمنا كرامة لو كان رجلا من آل يعقوب ما أكرمنا تلك الكرامة. قال في الكشاف: فعلى هذا التفسير لا يكون قوله: وَنَمِيرُ معطوفا على معنى قوله: هذِهِ بِضاعَتُنا وإنما يكون قوله: هذِهِ بِضاعَتُنا بيانا لصدقهم، وقوله: وَنَمِيرُ معطوفا على ما نَبْغِي أو يكون كلاما مبتدأ أي ونبغي أن نمير كما تقول: سعيت في حاجة فلان ويجب أو ينبغي أن أسعى ويجوز أن يراد ما نبغي
ما ننطق إلا بالصواب فيما نشير به عليك من إرسال أخينا معنا. ثم بينوا كونهم مصيبين في رأيهم بقولهم: هذِهِ بِضاعَتُنا نستظهر بها ونمير أهلنا إلى آخره. يقال: ماره يميره إذا أتاه بميرة أي بطعام ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ أي ذلك المكيل لأجلنا قليل نريد أن ينضاف إليه ما يكال لأجل أخينا. وقال مقاتل: ذلك إشارة إلى كيل بعير أي ذلك القدر سهل على الملك لا يضايقنا فيه ولا يطول مقامنا بسببه، واختاره الزجاج. وجوز في الكشاف أن يكون هذا من كلام يعقوب يعني أن حمل بعير شيء يسير لا يخاطر لمثله بالولد. قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً تعطوني ما أثق به من عند الله وهو الحلف لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ استثناء من أعم العام في المفعول وقد يقع مثل هذا الاستثناء في الإثبات إذا استقام المعنى نحو «قرأت إلا يوم كذا» وإن شئت فأوّله بالنفي أي لا تمتنعون من الإتيان به لعلة من العلل إلا بعلة واحدة هي أن يحاط بكم أي تهلكوا جميعا قاله مجاهد، أو تغلبوا فلم تطيقوا الإتيان به قاله قتادة: عَلى ما نَقُولُ من طلب الموثق وإعطائه وَكِيلٌ مطلع رقيب. قال جمهور المفسرين: إنما نهاهم أن يدخلوا من باب واحد خوفا عليهم من إصابة العين. وهاهنا مقامان: الأوّل أن الإصابة بالعين حق لإطباق كثير
من الأمه ولما
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعوّذ الحسن والحسين فيقول: أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة.
أي جامعة لشر من لمه إذا جمعه أو المراد ملمة والتغيير للمزاوجة.
وعن عبادة بن الصامت قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول النهار فرأيته شديد الوجع، ثم عدت إليه آخر النهار فرءته معافى. فقال: إن جبرائيل عليه السلام أتاني فرقاني وقال: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من كل عين وحاسد الله يشفيك.
قال: فأفقت.
وروي أنه دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت أم سلمة وعندها صبي يشتكي فقالوا:
يا رسول الله أصابته العين. قال: أفلا تسترقون له من العين؟
وعنه صلى الله عليه وسلم: «العين حق ولو كان شيء يسبق القدر لسبقت العين القدر» «1» .
وقالت عائشة: كان يأمر العائن أن يتوضأ ثم يغتسل منه المعين. المقام الثاني في الكشف عن حقيقته. قال الجاحظ: يمتد من العين أجزاء فتتصل بالشخص المستحسن فتؤثر وتسري فيه كتأثير اللسع والسم. واعترض الجبائي وغيره بأنه لو كان كذلك لأثر في غير المستحسن كتأثيره في المستحسن. وأجيب بأن المستحسن إن كان صديقا حصل للعائن عند ذلك الاستحسان خوف شديد من زواله،
(1) رواه البخاري في كتاب الطب باب: 36. مسلم في كتاب السلام حديث 41، 42. أبو داود في كتاب الطب باب: 15. الترمذي في كتاب الطب باب: 19. الموطأ في كتاب العين حديث: 1.
أحمد في مسنده (1/ 274) .
وإن كان عدوا حصل له خوف شديد من حصوله، وعلى التقديرين يسخن الروح وينحصر في داخل القلب ويحصل في الروح الباصرة كيفية مسخنة مؤثرة، فلهذا السبب أمر النبي صلى الله عليه وسلم العائن بالوضوء ومن أصابته العين بالاغتسال منه. وقال أبو هاشم وأبو القاسم البلخي: لا يمتنع أن صاحب العين إذا شاهد الشيء وأعجب به كانت المصلحة له في تكليفه أن يغير الله ذلك الشخص حتى لا يبقى قلب ذلك المكلف معلقا به. وقال الحكماء: ليس من شرط المؤثر أن يكون تأثيره بحسب هذه الكيفيات المحسوسة بل قد يكون التأثير نفسانيا محضا أو وهميا كما للماشي على الجذع، أو تصوّريا كما في الحركات البدنية، وقد يكون للنفوس خواص عجيبة تتصرف في غير أبدانها بحسبها فمنها المعجز ومنها السحر ومنها الإصابة بالعين. أما الجبائي وغيره ممن أنكر العين فقد قالوا:
إن أولاد يعقوب اشتهروا بمصر وتحدث الناس بكمالهم وجمالهم وهيئتهم فلم يأمن يعقوب أن يخافهم الملك الأعظم على ملكه فيحبسهم. وقيل: إنه كان عالما بأن الملك ولده إلا أن الله تعالى لم يأمره بإظهاره وكان غرضه أن يصل بنيامين إليه في غيبتهم قاله إبراهيم النخعي. واعلم أن العبد يجب عليه أن يسعى بأقصى الجهد والقدرة ولكنه بعد السعي البليغ يجب أن يعلم أن كل ما يدخل في الوجود فهو بقضاء الله وقدره وأن الحذر لا يغني عن القدر فلهذا قال يعقوب: وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فقوله الأوّل مبني على رعاية الأسباب والوسائط، وقوله الثاني إلى آخر الآية إشارة إلى الحقيقة وتفويض الأمر بالكلية إلى مسبب الأسباب. وقد صدقه الله تعالى في ذلك بقوله: ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قال ابن عباس: ما كان ذلك التفرق يردّ قضاء الله تعالى.
وقال الزجاج وابن الأنباري: لو سبق في علم الله أن العين تهلكهم عند الاجتماع لكان تفرقهم كاجتماعهم. وقال آخرون: ما كان يغني عنهم رأي يعقوب شيئا قط حيث أصابهم ما ساءهم مع تفرقهم من إضافة السرقة إليهم وأخذ الأخ وتضاعف المصيبة على الأب إِلَّا حاجَةً استثناء منقطع أي ولكن حاجة فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وهي إظهار الشفقة والنصيحة، أو الخوف من إصابة العين، أو من حسد أهل مصر، أو من قصد الملك. ثم مدحه الله تعالى بقوله: وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ يعنى علمه بأن الحذر لا يدفع القدر لِما عَلَّمْناهُ «ما» مصدرية أو موصولة أي لتعليمنا إياه، أو للذي علمناه. وقيل: العلم الحفظ والمراقبة. وقيل: المضاف محذوف أي لفوائد ما علمناه وحسن آثاره وإشارة إلى كونه عاملا بعلمه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ مثل علم يعقوب أو لا يعلمون أن يعقوب بهذه الصفة في العلم. وقيل: المراد بأكثر الناس المشركون لا يعلمون أن الله تعالى كيف أرشد أولياءه إلى العلوم التي تنفعهم في الدنيا والآخرة.