الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و «القصص» . تُشَاقُّونَ بكسر النون: نافع، الآخرون بفتحها تَتَوَفَّاهُمُ وما بعده بالإمالة: حمزة وخلف لا يَهْدِي بفتح الياء وكسر الدال: عاصم وحمزة وعلي وخلف، الباقون بضم الياء وفتح الدال. كُنْ فَيَكُونُ بالنصب: ابن عامر وعلي، الباقون بالرفع.
الوقوف:
رَبُّكُمْ لا لأن ما بعده جواب «إذا» الْأَوَّلِينَ هـ لا لتعلق اللام يَوْمَ الْقِيامَةِ لا لأن قوله وَمِنْ أَوْزارِ مفعول لِيَحْمِلُوا ط بِغَيْرِ عِلْمٍ ط ما يَزِرُونَ هـ ما يَشْعُرُونَ هـ فِيهِمْ ط الْكافِرِينَ هـ لا بناء على أن ما بعده صفة أَنْفُسِهِمْ ص لطول الكلام مِنْ سُوءٍ ط تَعْمَلُونَ هـ خالِدِينَ فِيها ط الْمُتَكَبِّرِينَ هـ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ ط خَيْراً ط حَسَنَةٌ ط خَيْرٌ ط الْمُتَّقِينَ هـ لا لأن ما بعده بدل يَشاؤُنَ ط الْمُتَّقِينَ هـ طَيِّبِينَ هـ لا لأن ما بعده حال آخر. سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا لأن قوله: ادْخُلُوا مفعول يَقُولُونَ تَعْمَلُونَ هـ مْرُ رَبِّكَ
طنْ قَبْلِهِمْ
طظْلِمُونَ
هـ يَسْتَهْزِؤُنَ هـ مِنْ شَيْءٍ الثاني ط مِنْ قَبْلِهِمْ ج للاستفهام مع الفاء الْمُبِينُ هـ الطَّاغُوتَ ج لانقطاع النظم مع اتصال المعنى الضَّلالَةُ ط الْمُكَذِّبِينَ هـ ناصِرِينَ هـ أَيْمانِهِمْ لا لأن ما بعده جواب القسم يَمُوتُ ط لا يَعْلَمُونَ هـ لا لتعلق لام كي كاذِبِينَ هـ فَيَكُونُ هـ حَسَنَةً ط أَكْبَرُ م لأن جواب «لو» محذوف أي لو كانوا يعلمون لما اختاروا الدنيا على الآخرة، ولو وصل لصار قوله: وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ متعلقا بشرط «أن» لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ وهو محال يَعْلَمُونَ هـ لا بناء على أن الَّذِينَ صَبَرُوا بدل الَّذِينَ هاجَرُوا يَتَوَكَّلُونَ هـ.
التفسير:
لما بالغ في تقرير دلائل التوحيد أراد أن يذكر شبهات منكري النبوة مع أجوبتها. فالشبهة الأولى أنهم طعنوا في القرآن وعدّوه من قبيل الأساطير. قال النحويون:
«ماذا» منصوب بأنزل بمعنى أي شيء أنزله ربكم، أو «ما» مبتدأ و «ذا» موصولة، والجملة صلتها، والمجموع خبر المبتدأ، وعلى التقديرين: فقوله: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ بالرفع ليس بجواب للكفار وإلا لكان المعنى الذي أنزله ربنا أساطير الأوّلين والكفار لا يقرون بالإنزال فهو إذن كلام مستأنف أي ليس ما تدّعون إنزاله منزلا بل هو أساطير الأولين. وقال في الكشاف: معناه المنزل أساطير الأوّلين وذكر في دفع التناقض أنه على السخرية كقوله:
إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ [الشعراء: 27] وجوز كونه منصوبا ولم يقرأ به. واختلفوا في السائل فقيل: هو كلام بعضهم لبعض. وقيل: هو قول المسلمين لهم وقيل: هو قول المقتسمين الذين اقتسموا مداخل مكة ينفرون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سألهم
وفود الحاج عما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: أحاديث الأوّلين وأباطيلهم، ليس فيه شيء من العلوم والفصاحة والحقائق والدقائق. ثم إنه تعالى اقتصر في جواب شبههم على محض الوعيد لأنه قد ثبت بالتحدي كما مر ذكره مرارا أن القرآن معجز تحدوا بالقرآن جملة ثم بعشر سور ثم بسورة فعجزوا عن المعارضة فكان طعنهم فيه بعد ذلك مجرد المكابرة والعناد فلم يستحقوا في الجواب إلا التهديد والوعيد. واللام في قوله:
لِيَحْمِلُوا ليس لام الغرض لأنهم لم يصفوا القرآن بكونه أساطير لغرض حمل الأوزار، ولكن لما كانت عاقبتهم ذلك حسن التعليل به فكان لام العاقبة. وقوله: كامِلَةً معناه أنه تعالى لا يخفف من عقابهم شيئا، وفيه دليل على أنه تعالى قد يسقط بعض العقاب عن المؤمنين لأن هذا المعنى لو كان حاصلا في حق الكل لم يكن لتخصيص هؤلاء الكفار بهذا التكميل فائدة. قال الواحدي: لفظة «من» في قوله: وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ ليست للتبعيض فإنه لا يخفف عن الأتباع بعض أوزارهم
لقوله صلى الله عليه وسلم «أيما داع دعا إلى الضلال فاتبع كان عليه وزر من اتبعه لا ينقص من آثامهم شيء» «1»
ولكنها للابتداء أي ليحملوا ما قد نشأ من أوزار الاتباع، أو للبيان أي ليحملوا ما هو من جنس أوزار تبعهم. ومعنى بِغَيْرِ عِلْمٍ أن هؤلاء الرؤساء إنما يقدمون على هذا الإضلال جهلا منهم بما يستحقونه من العذاب الشديد على ذلك الإضلال. وقال في الكشاف: بِغَيْرِ عِلْمٍ حال من المفعول أي يضلون من لا يعلم أنهم ضلال. وإنما وصف بالضلال واحتمال الوزر من أضلوه وإن لم يعلم لأنه كان عليه أن يبحث وينظر بعقله حتى يميز بين المحق والمبطل.
ثم أوعدهم بما هو النهاية في التهديد فقال: أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ وزرهم. ثم حكى حال أضرابهم من المتقدمين فقال: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ذهب أكثر المفسرين إلى أن المراد به نمروذ بن كنعان بنى صرحا عظيما ببابل طوله خمسة آلاف ذراع- وقيل فرسخان- ورام الصعود إلى السماء ليقاتل أهلها فأهب الله الريح فخر عليه وعلى قومه فهلكوا، وألقت رأس الصرح في البحر فأحدث نمروذ وتبلبلت يومئذ ألسن الناس من الفزع فتكلموا بثلاثة وتسعين لسانا ولذلك سميت ببابل، وكان لسان الناس قبل ذلك بالسريانية، وابتلاه الله ببعوضة دخلت دماغه والحكاية مشهورة. والأصح أن الآية عامة في جميع المبطلين الذين يحاولون إلحاق الضرر بالمحقين. وعلى القول الأوّل معنى قوله: فَأَتَى اللَّهُ أي أمره وحكمه بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ وهي أساطين البناء التي تعمده أو الأساس أنه أسقط
(1) رواه مسلم في الزكاة حديث: 70. الترمذي في كتاب العلم باب: 16. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب: 14. أحمد في مسنده (5/ 387) بغير هذا اللفظ.
السقف عليهم بعد هدم القواعد. وفائدة زيادة قوله: مِنْ فَوْقِهِمْ التنصيص على أن الأبنية تهدمت وهم ماتوا تحتها، وعلى الثاني يكون الكلام محض التمثيل والمراد أنهم سوّوا منصوبات وحيلا ليمكروا بها رسل الله، فجعل الله هلاكهم في تلك الحيل كحيل قوم بنوا بنيانا وعمدوه بالأساطين، فأتي البنيان من الأساطين بأن ضعفت فسقط عليهم السقف فهلكوا ونحوه
«من حفر بئرا لأخيه فقد وقع فيه»
وبعبارة أخرى
«من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا» .
ثم بين أن عذابهم غير مقصور على عذاب الدنيا بل الله تعالى يخزيهم يوم القيامة بإدخالهم النار إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ [آل عمران: 192] وَيَقُولُ مع ذلك لأجل الإهانة والتوبيخ أَيْنَ شُرَكائِيَ الإضافة لأدنى الملابسة أو هي حكاية لإضافتهم استهزاء وتوبيخا الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ تخاصمون المؤمنين في شأنهم. ومن قرأ بكسر النون فعلى حذف ياء المتكلم لأن مشاقة المؤمنين مشاقة الله. ثم ذكر على سبيل الاستئناف قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ عن ابن عباس هم الملائكة. وقال الآخرون: هم الأنبياء والعلماء من أممهم الذين كانوا يعظونهم ولا يلتفتون إليهم فيقولون ذلك يوم القيامة شماتة بهم. قالت المرجئة قولهم: إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ يدل على أن ماهية الخزي والسوء مختص بالكافرين فينتفي عن غيرهم. أما قوله: فَأَلْقَوُا السَّلَمَ فعن ابن عباس: المراد أنهم أسلموا وأقروا بالعبودية عند الموت. وقيل: إنه في يوم القيامة. وقولهم: ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ أرادوا الشرك قالوه على وجه الكذب والجحود، ومن لم يجوز الكذب على أهل القيامة قال: أرادوا في اعتقادهم وظنونهم فرد عليهم أولو العلم أو الملائكة بقولهم: بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ في الدنيا فلا ينفعكم هذا الكذب وإنه يجازيكم على الكفر الذي علمه منكم. قال في الكشاف: وهذا أيضا من الشماتة وكذلك فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ وفي ذكر الأبواب إشارة إلى تفاوت منازلهم في دركات جهنم. ثم قال: فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ عن قبول التوحيد وسائر ما أتت به الأنبياء. والفاء للعطف على فاء التعقيب في فَادْخُلُوا واللام للتأكيد يجري مجرى القسم موافقة لقوله بعد ذلك وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ ولا نظير لهما في كل القرآن.
ثم أتبع أوصاف الأشقياء أحوال السعداء فقال: وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا الآية. وإنما ذكر الجواب هاهنا بالنصب ليكون الجواب مطابقا مكشوفا بينا من غير تلعثم أي أنزل خيرا أو قالُوا خَيْراً لا شرا كما قاله الكفار، أو قالوا قولا خيرا ولو رفعوا لأوهم أنه كلام مستأنف كما في جواب الكفار وليس بمنزل. روي أن أحياء العرب كانوا يبعثون أيام
الموسم من يأتيهم بخبر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا جاء الوافد كفه المقتسمون وأمروه بالانصراف كما مر، فكان الوافد يقول: كيف أرجع إلى قومي دون أن أستطلع أمر محمد وأراه. فيلقى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرونه بصدقه وأنه نبي مبعوث فهم الذين قالوا خيرا. وجوّز في الكشاف أن يكون لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا وما بعده بدلا من خَيْراً كأنه فسر الخبر بهذا القول، وجوّز أن يكون كلاما مبتدأ على سبيل الوعد فيكون قولهم الخير من جملة إحسانهم. أما قوله فِي هذِهِ الدُّنْيا فإما أن يتعلق بما قبله فالمعنى: الذين جاءوا بالإحسان في هذه الدنيا لهم في الآخرة حَسَنَةٌ هي الثواب العظيم أو المضاعف إلى سبعمائة أو أكثر، وإما أن يتعلق بما بعده والتقدير: الذين أحسنوا لهم الحسنة في الدنيا باستحقاق المدح والثناء، أو بالظفر على أعداء الدين باللسان والسنان وفتح البلاد، أو بفتح أبواب المكاشفات والمشاهدات. والحاصل أن لهم في الدنيا مكافأة بإحسانهم.
وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ منها. ثم بين الخيرية بقوله: وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ دار الآخرة فحذف المخصوص بالمدح لتقدم ذكره.
ثم قال: جَنَّاتُ عَدْنٍ أي هي هذه فيكون المبتدأ محذوفا أو الجنات مبتدأ وما بعدها خبر أو جَنَّاتُ عَدْنٍ هي المخصوص بالمدح. فالجنات يدل على القصور والبساتين، والعدن على الدوام والإقامة. وقوله: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ على أنه حصل هناك أبنية مرتفعة هم عليها والأنهار تجري من تحتهم. وقوله: لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ أبلغ من قوله في موضع آخر فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ [الزخرف:
71] وفي تقديم الظرف دلالة على أن الإنسان لا يجد كل ما يريده إلا في الجنة. وقوله:
الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ أكثر المفسرين على أن هذا التوفي هو قبض الأرواح. وقوله:
طَيِّبِينَ أي طاهرين عن دنس الكفر والمعاصي أو دنس الكفر وحده، وهذه كلمة جامعة تشمل أنواع البراءة عن العلائق الجسمانية فلا يكون لصاحب هذه الحالة تألم بالموت دليله قوله: يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ
يروى أنه إذا أشرف العبد المؤمن على الموت جاءه ملك فيقول: السلام عليك يا ولي الله، الله يقرأ عليك السلام وبشره بالجنة فذلك
قوله:
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وعن الحسن أن المراد بهذا التوفي هو وفاة الحشر لأنه لا يقال عند قبض الروح في الدنيا ادخلوا الجنة. والأولون قالوا: البشارة بالجنة بمنزلة الدخول فيها.
قوله سبحانه: لْ يَنْظُرُونَ
قيل: إنه جواب شبهة أخرى لمنكري النبوة فإنهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم ملكا من السماء يشهد على صدقه في ادّعاء النبوة فقال
تعالى: هل ينظرون في تصديق نبوتك لَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ
شاهدين بذلك. ويحتمل أن يقال: إنهم لما طعنوا في القرآن بأنه أساطير الأولين أوعدهم الله تعالى بما أوعد، ثم وصف القرآن بكونه حقا وصدقا وذكر جزاء المتقين، ثم ذكر أن أولئك الكفار لا ينزجرون عن كفرهم بسبب البيانات التي ذكرناها إلا إذا جاءتهم الملائكة بالتهديد أو لقبض الأرواح أو أتاهم أمر ربك وهو العذاب المستأصل أو القيامةذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
فأصابهم الهلاك المعجل ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ
بتدميرهم فإنه أنزل بهم ما استحقوه بكفرهم فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا أي جزاء سيئات أعمالهم أو هو من باب الطباق والمشاكلة كقوله وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشورى: 40] وَحاقَ بِهِمْ. أي نزل بهم على وجه الإحاطة عقاب استهزائهم. الشبهة الثالثة لمنكري النبوة أنهم تشبثوا بمسألة الجبر فقالوا:
لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا الآية. وقد مر في تفسير مثلها في آخر سورة الأنعام، وذكرنا أسرار المتشابه هناك وكذا استدلال المعتزلة بها وجواب الأشاعرة عنها. وزاد بعض الأشاعرة فقالوا: إن المشركين ذكروا هذا الكلام على جهة الاستهزاء كما قال قوم شعيب إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ [هود: 87] ولو قالوا ذلك معتقدين كانوا مؤمنين. وقال آخرون:
إنه سبحانه أجاب عن شبهتهم وهي أنه لما كان الكل من الله كان بعثه الأنبياء عبثا بقوله:
لِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
يعني أنهم اعترضوا على أحكام الله وطلبوا لها العلة فعل من تقدمهم من الكفرة فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ أي ما عليهم إلا التبليغ فإما تحصيل الإيمان فليس إليهم. ثم إنه أكد هذا المعنى بقوله: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا إلى قوله: وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ وفيه دلالة على أن أمر الله قد لا يوافق إرادته فإنه يأمر الكل بالإيمان ولا يريد الهداية إلا للبعض إذ لو أرادها للكل لم يكفر أحد ولم ينزل العذاب على قوم لكنه كفر ونزل لقوله: فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [النحل: 36] .
ثم خصص الخطاب قائلا لرسوله إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ لا يرشد أحدا أضله، قال ابن عباس: وقال الفراء: لا يهدي معناه لا يهتدي. ومن قرأ على البناء للمفعول فمعناه لا تقدر أنت ولا أحد على هداية من أضله الله فلن يكون مهديا منصورا، ولا يخفى أن أول الآية ظاهره يوافق مذهب المعتزلة. أما قوله: ذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
إلى آخر الآيات فإنهم قد صاروا فيه إلى التأويل فقالوا: معناه أن متقدميهم أشركوا وحرموا حلال الله فلما نبهوا على قبح فعلهم أسندوه إلى الله فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا أن يبلغوا الحق وأن الله بريء من الظلم وخلق القبائح والمنكرات، وما من أمة
إلا وقد بعث الله فيهم رسولا يأمرهم بالخير الذي هو عبادة الله وينهاهم عن الشر الذي هو طاعة الطاغوت. فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ لأنه من أهل اللطف، ومنهم من ثبت عليه الخذلان لأنه عرفه مصمما على الكفر، أو المراد منهم من حكم الله عليه بالاهتداء ومنهم من صار محكوما عليه بالضلال لظهور ضلاله، أو منهم من هداه الله إلى الجنة ومنهم من أضله عنها. فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا ما فعلت بالمكذبين حتى لا يبقى لكم شبهة في أني لا أقدر الشر ولا أشاؤه. ثم ذكر عناد قريش وحرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على إيمانهم وعرفه أنهم من قسم من حقت عليه الضلالة، وأنه لا يلطف بمن يخذل لأنه عبث والله تعالى متعال عن العبث. فهذا تفسير الفريقين لاشتمال آيات مسألة الجبر والقدر على الجهتين وعليك الاختيار بعقلك دون هواك. الشبهة الرابعة قدحهم في الحشر والنشر ليلزم إبطال النبوة وذلك أنهم وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ أي أغلاظ الأيمان كما في «المائدة» كأنهم ادّعوا علما ضروريا بأن الشيء إذا فني وصار عدما محضا فإنه لا يعود بعينه بل العائد يكون شيئا آخر فأكدوا ادعاءهم بالقسم الغليظ فأجاب الله عن شبهتهم بقوله: بَلى وهو إثبات لما بعد النفي أي بلى يبعثهم وقوله: وَعْداً مصدر مؤكد لما دل عليه «بلى» لأن يبعث موعد من الله تعالى أي وعد البعث وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا لا خلاف فيه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أنهم يبعثون أو أن وعد الله حق. ثم ذكر لمية حقية البعث فقال لِيُبَيِّنَ أي يبعث كل من يموت من المؤمنين والكافرين ليبين لَهُمُ الحق الذي اختلفوا فيه بيانا عيانيا لا يشتبه فيه المطيع بالعاصي والمحق بالمبطل والمظلوم بالظالم والصادق بالكاذب. وجوز بعضهم أن يكون قوله: لِيُبَيِّنَ متعلقا بقوله: وَلَقَدْ بَعَثْنا أي بعثناه ليبين لهم ما اختلفوا به وأنهم كانوا على الضلالة قبله مفترين على الله الكذب في ادعاء الشريك له وفي قولهم بمجرد هواهم هذا حلال الله وهذا حرام.
ثم برهن على إمكان البعث بقوله: إِنَّما قَوْلُنا وهو مبتدأ خبره أَنْ نَقُولَ وقد فسرنا مثل هذه الآية في سورة البقرة، وذكرنا فيه مباحث عميقة لفظية ومعنوية فلا حاجة إلى الإعادة. والغرض أنه سبحانه لا مانع له من الإيجاد والإعدام ولا تتوقف آثار قدرته إلا على مجرد الإرادة والمشيئة، فكيف يمتنع عليه البعث الذي هو أهون من الإبداء؟! قال في الكشاف: قرىء فَيَكُونُ بالنصب عطفا على نَقُولَ قلت: ولا مانع من كونه منصوبا بإضمار «أن» لوقوعه في جواب الأمر بعد الفاء وقد مر في «البقرة» . احتج بعض الأشاعرة بالآية على قدم القرآن قال: إنه لو كان حادثا لافتقر إلى أن يقال له «كن» . ثم الكلام في هذا اللفظ كالكلام في الأوّل وتسلسل، والجواب بعد تسليم أن هذا ليس مثلا وأن ثم قولا