الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
85] فنزلت هذه الآية. يعنى أن ذلك خير كثير ولكنه قطرة من بحر كلمات الله. قالت الأشاعرة: إن كلام الله تعالى واحد. واعترض عليهم بهذه الآية فإنها صريحة في إثبات كلمات كثيرة لله تعالى. وأجيب بأن المراد من الكلمات متعلقات علم الله تعالى. وزعم الجبائي أن قوله: قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي يدل على أن كلمات الله قد تنفد بالجملة وما ثبت عدمه امتنع قدمه. وأجيب بأن المراد الألفاظ الدالة على تعلقات تلك الصفة الأزلية. قلت: الإنصاف أن نفاد شيء قبل نفاد شيء آخر لا يدل على نفاد الشيء الآخر ولا على عدم نفاده، فلا يستفاد من الآية إلا كثرة كلمات الله بحيث لا يضبطها عقول البشر. أما أنها متناهية أو غير متناهية فلا دليل في الآية على أحد النقيضين، ولكن الحق في نفس الأمر أن كلمات الله لا تتناهى لأنها تابعة لمعلوماته وهي غير متناهية بالبرهان، ثم أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسلك سبيل التواضع وهو أن حاله مقصور على البشرية لا يتخطاها إلى الملكية إلا أنه امتاز بنعت الإيحاء إليه وكفى به بونا ومباينة. ثم بين أن الموحى هو أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ.
وفي تخصيص هذا الوحي بالذكر فائدة هي أن يستدل به على صدقه، فإن من علامات صدق مدعي النبوة أن يدعو إلى التوحيد، ثم أن يدعو إلى العمل الصالح المقترن بالإخلاص وذلك قوله: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا أي يأمل حسن لقائه أو يخاف سوء لقائه.
واللقاء بمعنى الرؤية عند الأشاعرة وبمعنى لقاء الثواب أو العقاب عند المعتزلة فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً قال المفسرون: النهي عن الإشراك بالعبادة هو أن لا يرائي بعمله ولا يبغي به إلا وجه ربه.
يروى أن جندب بن زهير قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أعمل العمل لله فإذا اطلع عليه سرني فقال: إن الله لا يقبل ما شورك فيه. وروي أنه قال: لك أجران أجر السر وأجر العلانية.
قال العلماء: الرواية الأولى محمولة على ما إذا قصد بعمله الرياء والسمعة. والرواية الثانية محمولة على ما إذا قصد أن يقتدي به.
قال في الكشاف: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الكهف من آخرها كانت له نورا من قرنه إلى قدمه. ومن قرأها كلها كانت له نورا من الأرض إلى السماء» .
وعنه صلى الله عليه وسلم: من قرأ عند مضجعه قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ كان له من مضجعه نورا يتلألأ إلى مكة، حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يقوم وإن كان مضجعه بمكة بمكة كان له نورا يتلألأ من مضجعه إلى البيت المعمور حشو ذلك النور ملائكة يصلون عليه حتى يستيقظ» .
التأويل:
لما بين لإنسان كمالا مكنونا وكنزا مدفونا يمكن له تحصيله بالتربية
والإرشاد، أراد أن يبين أن الإنسان الكامل إنما هو مستحق الخلافة في الأرض وهو ذو القرنين الذي ملك الجانبين أعني جانب عالم الأرواح وجانب عالم الأشباح، لأنه أوتي التمكين في الأرض وأتى أسباب كل شيء في عالم الوسائط والأسباب، فبذلك يصير كاملا في نفسه مكملا لغيره. فَأَتْبَعَ سَبَباً من أسباب الوصول إلى عالم السفلي وهو مغرب شمس الروحي الإنساني وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ هي عالم القوى والطبائع والأجساد وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً هم القوى البدنية والنفوس الأرضية قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ بالقتل بسكين الرياضة وسيف المجاهدة وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً هو الرفق والمداراة قالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ بوضع خاصيته واستعمالها في غير موضعها فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ بقهره على خلاف ما هو مراده وهواه ثُمَّ يُرَدُّ إِلى رَبِّهِ وهو الشيخ الكامل الذي يربيه فَيُعَذِّبُهُ عَذاباً نُكْراً هو المنع عن مشتهياته، أو يرد إلى الله تعالى فيعذبه بعذاب البعد والقطيعة. وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى هو مقام الوصول والوصال وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً هو التخفيف والاستراحة بعد الفناء والمجاهدة ثُمَّ أَتْبَعَ أسباب الوصول إلى عالم الأرواح وهو مطلع شمس النفس الناطقة الإنسانية وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى قَوْمٍ مجردين عن العلائق الجسمانية والعوائق الساترة الجسدانية حَتَّى إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وهو عالم التعيش والتمدن والجولان في جو أسباب قوام البدن وقيامه على وجه الجسمانية إلى صلاح المعاد ونظامه وَجَدَ مِنْ دُونِهِما قَوْماً لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا وهم العوام الذين قصارى أمرهم الجهل البسيط إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ القوى والطبائع البشرية مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ البشرية باستعمال خواصها في غير ما خلقت هي لأجلها فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً هو ترك الوجود وبذلك الموجود.
فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ بهمة صارفة وعزيمة صادقة آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ملكات راسخة وهيئات ثابتة أو قلوبا هن كالحديد في المضاء، وكالجبال الراسيات في البقاء حَتَّى إِذا ساوى عرض ما بين طرفي العمر كما قيل من لمهد إلى اللحد قالَ انْفُخُوا بالمداومة على الأذكار والأوراد حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً بتأثير حرارة الطاعة والذكر في حديد القلب قالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً هو جوهر المحبة وكيمياء الإخلاص النافذ في سويدات القلوب بحيث لا ينفذ فيه كيد الشيطان ولا يعلوه ما سوى الرحمن الله حسبي.