المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وجِثِيًّا وصِلِيًّا وبُكِيًّا بكسر الأوائل: حمزة وعلي وأفق حفص إلا - تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان - جـ ٤

[النيسابوري، نظام الدين القمي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الرابع]

- ‌(سورة هود)

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 1 الى 24]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 25 الى 49]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 50 الى 68]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 69 الى 83]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 84 الى 102]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 103 الى 123]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة يوسف عليه السلام

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 20]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 21 الى 35]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 36 الى 53]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 54 الى 68]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 69 الى 83]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 84 الى 101]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 102 الى 111]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة الرعد)

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 11]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 12 الى 29]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 30 الى 43]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌ التفسير

- ‌التأويل:

- ‌(سورة إبراهيم عليه السلام

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 17]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 18 الى 34]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 35 الى 52]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة الحجر

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 50]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 51 الى 99]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌ التفسير

- ‌التأويل:

- ‌(سورة النحل)

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 23]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 24 الى 42]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 43 الى 60]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 61 الى 70]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 71 الى 83]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 84 الى 100]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 101 الى 128]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة بني إسرائيل

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 1 الى 21]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 22 الى 40]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 41 الى 60]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 61 الى 72]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 73 الى 89]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 90 الى 111]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة الكهف)

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 26]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 27 الى 46]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 47 الى 59]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 82]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 83 الى 110]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة مريم)

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 1 الى 15]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 16 الى 40]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 41 الى 65]

- ‌القراءات:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 66 الى 98]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة طه)

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 1 الى 36]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 37 الى 76]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 77 الى 114]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 115 الى 135]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌الفهرس

الفصل: وجِثِيًّا وصِلِيًّا وبُكِيًّا بكسر الأوائل: حمزة وعلي وأفق حفص إلا

وجِثِيًّا وصِلِيًّا وبُكِيًّا بكسر الأوائل: حمزة وعلي وأفق حفص إلا في بُكِيًّا الخزاز عن هبيرة عِتِيًّا الأولى بالكسر والثاني بالضم. وقد خلقناك حمزة وعلي.

الآخرون خَلَقْتُكَ على التوحيد لِي آيَةً بفتح الياء: أبو جعفر ونافع وأبو عمرو وابن شنبوذ عن أهل مكة.

‌الوقوف:

كهيعص هـ كوفي زَكَرِيَّا هـ ح لجواز تعلق «إذ» ب ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ ولاحتمال انتصابه بأذكر محذوفا. خَفِيًّا هـ شَقِيًّا هـ وَلِيًّا لا آلِ يَعْقُوبَ ق والوجه الوصل لعطف الجملتين المتفقتين يَحْيى لا لأن ما بعده صفة غلام والاستئناف ليس بقوي. سَمِيًّا هـ عِتِيًّا هـ كَذلِكَ هـ بناء على أن التقدير الأمر كذلك شَيْئاً هـ آيَةً ط سَوِيًّا هـ وَعَشِيًّا هـ بِقُوَّةٍ ط صَبِيًّا هـ لا للعطف أي آتيناه الحكم وحنانا منا عليه وَزَكاةً ط تَقِيًّا هـ عَصِيًّا

هـ حَيًّا

هـ.

‌التفسير:

حروف المعجم في الوقف ثنائية وثلاثية، وقد جرت عادة العرب بإمالة الثنائيات وبتفخيم الثلاثيات، وفي الزاي اعتيد الأمران لأنه قد يلحق بآخره ياء وقد لا يلحق بآخره ياء وقد لا يلحق فيصير ثنائيا، ولا ريب أن التفخيم أصل والإمالة فرع عليه.

فمن قرأ بإمالة الهاء والياء معا فعلى العادة، ومن قرأ بتفخيمهما جميعا فعلى الأصل ومن قرأ بإمالة إحداهما فلرعاية الجانبين. وقد روى صاحب الكشاف عن الحسن أنه قرأ بضمهما فقيل: لأنه تصور أن عين الكلمة فيهما واو فنبه بالضم على أصلها. والبحث عن هذه الفواتح قد سلف في أول البقرة، ومما يختص بهذا الموضع ما روي عن ابن عباس أن قوله كهيعص ثناء من الله تعالى على نفسه، فالكاف كاف لأمور عباده، والهاء هاد والعين عالم أو عزيز، والصاد صادق. وعنه أيضا أنه حمل الكاف على الكريم أو الكبير، والياء على الكريم مرة وعلى الحكيم أخرى. وعن الربيع بن أنس أن الياء من مجير، وهذا التفسير لا يخلو من تحكم إلا أن يسند إلى الوحي أو الإلهام. وارتفع ذِكْرُ رَحْمَتِ على الخبر أي هذا المتلو من القرآن ذكر رحمة رَبِّكَ وانتصب عَبْدَهُ على أنه مفعول لذكر وزَكَرِيَّا عطف بيان، وقرىء برفعهما على إضافة المصدر إلى المفعول. وعن الكلبي أنه قرأ ذِكْرُ بلفظ الماضي مشددا تارة ورَحْمَتِ وعَبْدَهُ منصوبان على المفعولية، والفاعل ضمير المتلو. ومخففا أخرى وعَبْدَهُ مرفوع على الفاعلية. وقرىء ذِكْرُ على الأمر وهي قراءة ابن معمر. وقيل: يحتمل على هذا أن تكون الرحمة عبارة عن زكريا لأن كل نبي رحمة لأمته، ويجوز أن يكون رحمة لنبينا صلى الله عليه وسلم ولأمته لأن طريقه في الإخلاص والابتهال يصلح لأن يقتدى به وكان ذكره رحمة لنا ولنبينا. وفي خفاء ندائه

ص: 467

وجوه منها: أن الإخفاء أبعد عن الرياء وأدخل في الخشية ولهذا فسره الحسن بأنه نداء لا رياء فيه. ومنها أنه أخفاه لئلا يلام على طلب الولد في غير وقته. ومنها أنه أسره من مواليه الذين خافهم. ومنها أنه خفت صوته لضعفه وهرمه كما جاء في صفة الشيخ «صوته خفات وسمعه تارات» ولعله أتى بأقصى ما يقدر عليه من الصوت ومع ذلك كان خفيا لنهاية كبره. ثم شرع في حكاية ندائه قائلا: قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي إلى قوله:

وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا قال علماء المعاني: في الآية لطائف وذلك أصل الكلام: يا ربي قد شخت فإن الشيخوخة مشتملة على ضعف البدن وشيب الرأس، ثم ترك الإجمال إلى التفصيل لتوخي زيادة التقرير فصار ضعف بدني وشاب رأسي، ثم في القرينة الأولى عدل من التصريح إلى الكناية التي هي أبلغ منه فصار وهنت عظامي فإن وهن عظام البدن لازم لضعفه، ثم بنيت الكناية على المبتدأ لتقوي الحكم فحصل أنا وهنت عظام بدني، ثم سلك طريق الإجمال والتفصيل لمزيد البيان فصار: إني وهنت العظام من بدني لأنك إذا قلت إني وهنت العظام أفاد أن عظاما واهنة عندك، فإذا قلت:«من بدني» فقد فصلت، ثم ترك توسيط البدن لطلب مزيد اختصاص العظام، ثم لطلب شمول العظام فردا فردا قصدت مرتبة ثانية وهي ترك جمع العظم إلى الإفراد لأن استغراق المفرد أشمل من استغراق الجمع فحصل إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي فحصل أني وهنت العظام مني. وإذا حصل الوهن في هذا الجنس الذي هو أصلب الأعضاء وبه قوام البدن وقد يكون جنة لسائر الأعضاء الرئيسة كالقحف للدماغ والقص للقلب ففي الأعضاء الأخر أولى. وأما القرينة الأخرى فتركت الحقيقة فبها الاستعارة التي هي أبلغ فحصل اشتعل شيب رأسي. وبيان الاستعارة فيه أنه شبه الشيب بشواظ النار في بياضه وإنارته، وشبه انتشاره في الشعر وفشوّه فيه وأخذه منه كل مأخذ باشتعال النار، ثم أخرجه مخرج الاستعارة بالكتابة بأن حذف المشبه به وأداة التشبيه فصار اشتعل شيب رأسي. ويمكن تقرير الاستعارة بوجه آخر وهو أن يكون استعمل اشْتَعَلَ بدل «انتشر» فتكون الاستعارة تبعية تصريحية وقرينتها ذكر الشيب، ثم تركت هذه المرتبة إلى أبلغ منها وهي «اشتعل رأسي شيبا» . وكونها أبلغ من وجهات منها:

إسناد الاشتعال إلى الرأس لإفادته شمول الاشتعال الرأس كما لو قلت: «اشتعل بيتي نارا» مكان «اشتعل النار في بيتي» . ومنها الإجمال والتفصيل الواقعان في طريق التمييز، ومنها تنكير شَيْباً للتعظيم كما هو حق التمييز. ثم عدل إلى مرتبة أخرى هي «اشتعل الرأس مني شيبا» لتوخي مزيد التقرير بالإبهام ثم البيان على نحو وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ثم ترك لفظ «مني» لسبق ذكره في القرينة الأولى ففي ذلك إحالة تأدية المعنى على العقل دون اللفظ. وكم بين الحوالتين مع أن بناء الكلام على الاختصار حيث قال «رب» بحذف حرف

ص: 468

النداء وياء المتكلم يناسب الاختصار في آخره. وإنما أطنب في هذا المقام لأن هذه الآية كالعلم فيما بين علماء المعاني.

ثم إنه توسل إلى الله عز وجل بما سلف له معه من الاستجابة قائلا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا كما حكى أن محتاجا قال لكريم: أنا الذي أحسنت إليّ وقت كذا فقال: مرحبا بمن توسل إلينا وقضى حاجته. تقول العرب: سعد فلان بحاجته إذا ظفر بها، وشقي بها إذا خاب ولم ينلها. ومعنى بِدُعائِكَ أي بدعائي إياك. واعلم أن زكريا عليه السلام قدم على السؤال أمورا ثلاثة: الأول كونه ضعيفا، والثاني أنه تعالى لم يرد دعاءه والثالث كون المطلوب بالدعاء سببا للمنفعة في الدين وذلك قوله وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ قال ابن عباس والحسن: أي الورثة. وعن مجاهد العصبة. وعن أبي صالح:

الكلالة. وعن الأصم: بني العم وهم الذين يلونه في النسب. وعن أبي مسلم: المولى يراد به الناصر وابن العم والمالك والصاحب وهو هاهنا من تقدم في ميراثه كالولد.

والمختار أن المراد من الموالي الذين يخلفون بعده إما في السياسة أو في المال الذي كان له أو في القيام بأمر الدين، وكان من عاداتهم أن كل من كان إلى صاحب الشرع أقرب كان متعينا للحبورة. وقوله: مِنْ وَرائِي أي بعد موتي لا يتعلق ب خِفْتُ لأن الخوف بعد الموت محال ولكن بمحذوف أي الموالي الذين يخلفون من بعدي، أو بمعنى الولاية في الموالي أي خفت ولايتهم وسوى خلافتهم بعدي، فإن زكريا انضم له مع النبوّة الملك فخاف بعده على أحدهما أو عليهما. وسبب الخوف القرائن والأمارات التي ظهرت له من صفائح أحوالهم وأخلاقهم. وإنما قال: خِفْتُ بلفظ الماضي لأنه قصد به الإخبار عن تقادم الخوف، ثم استغنى بدلالة الحال كمسألة الوارث وإظهار الحاجة عن الإخبار بوجود الخوف في الحال. وقرىء خِفْتُ الْمَوالِيَ بتشديد الفاء. وعلى هذا فمعنى ورائي خلفي وبعدي أي قلوا وعجزوا عن أمر الدين والإقامة بوظائفه، والظرف متعلق بالموالي، أو معناه قدامي والظرف متعلق ب خِفْتُ أي درجوا ولم يبق من يعتضد به. ثم صرح بالمسألة قائلا: فَهَبْ لِي وأكده بقوله: مِنْ لَدُنْكَ أي وليا صادرا من عندك مضافا إلى اختراعك بلا سبب لأني وامرأتي لا تصلح للولادة. من قرأ يَرِثُنِي وَيَرِثُ بالجزم فيهما فهو جواب الدعاء، ومن قرأ برفعهما فالأكثرون ومنهم جار الله قالوا: إنه صفة.

وقال صاحب المفتاح: الأولى حمله على الاستئناف كأنه قيل: لم تطلب الولد؟ فقال مجيبا: يرثني أي لأنه يرثني لئلا يلزم منه أنه لم يوهب من وصف لهلاك يحيى قبل زكريا.

واعترض بأن حمله على الاستئناف يوجب الإخبار عما لم يقع، وكذب النبي صلى الله عليه وسلم

ص: 469

أمنع من كونه غير مستجاب الدعوة. وأجيب بأن عدم ترتب الغرض من طلب الولد لا يوجب الكذب. وأقول: الاعتراض باق لأن المعنى يؤل إلى قولنا «هب لي وليا موصوفا بالوراثة» أو بأن الغرض منه الوراثة، أوهب لي وليا أخبر عنه بأنه يرثني. وعلى التقادير يلزم عدم الاستجابة أو الكذب. والحق في الجواب هو ما سلف لنا في قصة زكريا من سورة آل عمران، أن النبي لا يطلب في الدعاء إلا الأصلح حتى لو كان الأصلح غير ما طلبه فصرفه الله تعالى عنه كان المصروف إليه هو بالحقيقة مطلوبه. ويمكن أن يقال: لعل الوراثة قد تحققت من يحيى وإن قتل قبل زكريا، وذلك بأن يكون قد تلقى منه كتاب أو شرع هو المقصود من وجود يحيى وبقي ذلك الكتاب أو الشرع معمولا به بعد زكريا أيضا إلى حين. وقد روى صاحب الكشاف هاهنا قراءات شاذة لا فائدة كثيرة في تعدادها إلى قوله عن علي وجماعة وأرث من آل يعقوب أي يرثني به وارث ويسمى التجريد في علم البيان.

فقيل: هو أن تجرد الكلام عن ذكر الأول حتى تقول «جاءني فلان فجاءني رجل» لا تريد به إلا الأول، ولذلك تذكر اسمه في الجملة الثانية، وتجرد الكلام عنه. وأقول: يشبه أن يكون معنى التجريد هو أنك تجرده عن جميع الأوصاف المنافية للرجولية. وكذا في الآية كأنه جرده عن منافيات الوارثية بأسرها.

واختلف المفسرون في أنه طلب ولدا يرثه أو طلب من يقوم مقامه ولدا كان أو غيره؟ والأول أظهر لقوله في آل عمران رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً [آل عمران:

38] ولقوله في سورة الأنبياء رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً [الأنبياء: 89] حجة المخالف أنه لما بشر بالولد استعظم وقال أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ ولو كان دعاؤه لأجل الولد ما استعظم ذلك. والجواب ما مر في آل عمران. واختلفوا أيضا في الوراثة فعن ابن عباس والحسن والضحاك: هي وراثة المال. وعنهم أيضا أن المراد يرثني المال ويرث من آل يعقوب النبوّة أو بالعكس. وفي رواية أبي صالح أن المراد في الموضعين النبوّة. فلفظ الإرث مستعمل في المال وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ [الأحزاب: 17] وفي العلم وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ [غافر: 53]

«العلماء ورثة الأنبياء»

وحجة الأولين ما

روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «رحم الله زكريا وما عليه من يرثه»

فإن ظاهره يدل على أنه أراد بالوراثة المال. وكذا

قوله صلى الله عليه وسلم «أنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة»

«1» ، وأيضا العلم والنبوة كيف

(1) رواه البخاري في كتاب الخمس باب: 1. مسلم في كتاب الجهاد حديث 49- 52. أبو داود في كتاب الإمارة باب: 19. الترمذي في كتاب السير باب: 44. النسائي في كتاب الفيء باب:

16. الموطأ في كتاب الكلام حديث 27. أحمد في مسنده (1/ 4، 6، 9، 10) .

ص: 470

يحصل بالميراث ولو كان المراد إرث النبوّة لم يحتج إلى قوله: وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا لأن النبي لا يكون إلا مرضيا. وأجيب بأنه إذا كان المعلوم من حال الابن أنه يصير نبيا بعده فيقوم بأمر الدين جاز أن يقال ورثه. والمراد يكون رضيا أن لا يوجد منه معصية ولا همّ بها كما جاء في حق يحيى، وقد مر الحديث هناك. ولا يلزم من هذا أن يكون يحيى مفضلا على غيره من الأنبياء كلهم فلعل لبعضهم فضائل أخر تختص به. احتجت الأشاعرة بالآية في مسألة خلق الأعمال، وأجابت المعتزلة بأنه يفعل به ضروب الألطاف فيختار ما يصير مرضيا عنده، وزيف بأن ارتكاب المجاز على خلاف الأصل، وبأن فعل الألطاف واجب على الله فطلب ذلك بالدعاء والتضرع عبث. واعلم أن أكثر المفسرين على أن يعقوب المذكور في الآية هو يعقوب بن إسحق بن إبراهيم لأن زوجة زكريا كانت من ولد سليمان بن داود من ولد يهودا بن يعقوب، وأما زكريا فقد كان من ولد هرون أخي موسى وهرون وموسى ولد لاوى بن يعقوب بن إسحق، وكانت النبوّة في سبط وهو إسرائيل عليه السلام. وزعم بعض المفسرين أن المراد هو يعقوب بن ماثان أخو عمران بن ماثان وهذا قول الكلبي ومقاتل. وعن مقاتل: أن بني ماثان كانوا رؤوس بني إسرائيل وملوكها.

قوله: يا زَكَرِيَّا الأكثرون على أنه نداء من الله تعالى لقرينة التخاطب من قوله:

رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي إلى قوله: رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ ومنهم من قال: هو نداء الملك لقوله في آل عمران فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ [الآية: 49] وجوز بعضهم الأمرين.

واختلفوا في عدم السمي فقيل: أراد أن لم يسم أحد بيحيى قبله. وقيل: أراد أنه لا نظير له كقوله هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم: 65] وذلك أنه سيدا وحصورا ولم يعص ولم يهم بمعصية فكأنه جواب لقوله: وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا وأيضا سمي بيحيى قبل دخوله في الوجود ولد بين شيخ فان وعجوز عاقر فلا نظير له في هذه الخواص. قال بعض العلماء:

القول الأول أظهر لما في الثاني من العدول عن الظاهر ولا يصار إليه لضرورة كما في قوله: فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم: 65] لأنا نعلم أن مجرد كونه تعالى لا سميّ له لا يقتضي عبادته فنقول: السّميّ هناك يراد به المثل والنظير. ويمكن أن يقال: إن التفرد بالاسم فيه ضرب من التعظيم فلا ضرورة في الآية أيضا. قال جار الله:

إنما قيل للمثل سميّ لأن كل متشاكلين يسمى كل منهما باسم المثل والشبيه والشكل والنظير، فكل واحد منهما سمي. قلت: ويقرب هذا من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم.

ولم سمي بيحيى؟ تكلفوا له وجوها. فعن ابن عباس لأنه تعالى أحيا عقر أمه. وعن قتادة لأنه تعالى أحيا قلبه بالإيمان والطاعة أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ [الأنعام: 122] إِذا

ص: 471

دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ [الأنفال: 24] . ولهذا كان من أول من آمن بعيسى. وقيل: لأنه استشهد والشهداء أحياء. وقيل: لأن الدين أحيى به لأن زكريا سأله لأجل الدين. قوله:

وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ قال جار الله: أي من أجل الكبر والطعن في السن العالية ف «من» للتعليل، ويجوز أن تكون للابتداء أي بلغت من مدارج الكبر ومراتبه ما يسمى عِتِيًّا وهو اليبس والجساوة في المفاصل والعظام. يقال: عتا العود عتيا إذا غيره طول الزمان إلى حالة اليبس.

سؤال: إنه قال في آل عمران وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ [آل عمران: 40] فلم عكس الترتيب في هذه السورة؟ وأجيب بأن الواو لا تفيد الترتيب. قلت: إن ذلك ورد على الأصل وهو تقديم نقص نفسه وهاهنا راعى الفاصلة. قالَ الأمر كَذلِكَ تصديقا له. ثم ابتدأ قائلا قالَ رَبُّكَ فمحل كَذلِكَ رفع، ويحتمل أن يكون نصبا قالَ وذلك إشارة إلى مبهم يفسره قوله: هُوَ أي خلق الغلام عَلَيَّ هَيِّنٌ ويحتمل أن يكون إشارة إلى قول زكريا أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ أي كيف تعطيني الغلام أبأن تجعلني وزوجتي شابين أو بأن تتركنا على الشيخوخة؟ فأجيب بقوله: كَذلِكَ أي نهب الولد لك مع بقائك وبقاء زوجتك على حالتكما. ولفظ الهين مجاز عن كمال القدرة وهو فيعل من هان الشيء يهون إذا لم يصعب ولم يمتنع عن المراد وَلَمْ تَكُ شَيْئاً لأن المعدوم ليس بشيء أو شيئا يعتد به كالنطفة، أو كالجواهر التي لم تتألف بعد، فيه نفي استبعاد زكريا، لأن خلق الذات ثم تغييرها في أطوار الصفات ليس أهون من تبديل الصفات وهو أحداث القوة المولدة في زكريا وصاحبته بعد أن لم تكن قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قد مر تفسير الآية في أول عمران. قوله: سَوِيًّا قيل: إنه صفة لليالي أي تامة كاملة. والأكثرون على أنه صفة زكريا أي وأنت سليم الحواس مستوى الخلق ما بك خرس ولا عيّ فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ قيل: كان له موضع ينفرد فيه للصلاة والعبادة ثم ينتقل إلى قومه. وقيل: كان موضعا يصلي فيه هو وغيره إلا أنهم كانوا لا يدخلونه للصلاة إلا بإذنه. فَأَوْحى إِلَيْهِمْ عن مجاهد: أشار بدليل قوله في أول آل عمران إِلَّا رَمْزاً وعن ابن عباس: كتب لهم على الأرض. وأَنْ هي المفسرة وسَبِّحُوا أي صلوا أو على الظاهر وهو قول سبحان الله. عن أبي العالية أن البكرة صلاة الفجر والعشيّ صلاة العصر، فلعلهم كانوا يصلون معه هاتين الصلاتين في محرابه، وكان يخرج إليهم ويأذن لهم بلسانه، فلما اعتقل لسانه خرج إليهم كعادته ففهمهم المقصود بالإشارة أو الكتابة. وهاهنا إضمار والمراد فبلغ يحيى المبلغ الذي يجوز أن يخاطب فقلنا له: يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ أي التوراة لأنها

ص: 472

المعهود حينئذ، ويحتمل أن يكون كتابا مختصا به وإن كنا لا نعرفه الآن كقول عيسى إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ [مريم: 30] والمراد بالأخذ إما الأخذ من حيث الحس، وإما الأخذ من حيث المعنى وهو القيام بمواجبه كما ينبغي وذلك بتحصيل ملكة تقتضي سهولة الإقدام على المأمور به والإحجام عن المنهي عنه. ثم أكده بقوله: بِقُوَّةٍ أي بجد وعزيمة. وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ أي الحكمة. عن ابن عباس: هو فهم التوراة والفقه في الدين ولذلك لما دعاه الصبيان إلى اللعب وهو صبي قال: ما للعب خلقت. وعن معمر:

العقل. وقيل: النبوة. وكل هذه الأوصاف على الأقوال من الخوارق كما في حق عيسى فلا استبعاد إلا من حيث العادة. والحنان أصله توقان النفس، ثم استعمل في الرحمة وهو المراد هاهنا. وما قيل إنه يحتمل أن يراد حنانا منا على زكريا أو على أمة يحيى لا يساعده وجود الواو. وقيل: أراد آتيناه الحكم والحنان على عبادنا كقوله في نبينا فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ [آل عمران: 159] وأراد بقوله: وَزَكاةً أنه مع الإشفاق عليهم كان لا يخل بإقامة ما يجب عليهم لأن الرأفة واللين ربما تورث ترك الواجب ولهذا قال: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ [النور: 2] ولا يخفى أنه يساعد هذا القول وجود لفظة مِنْ لَدُنَّا وعن عطاء: أن معنى حنانا تعظيما من لدنا. وعن ابن عباس وقتادة والضحاك وابن جريج: أن معنى زكاة عملا صالحا زكيا. وقيل: زكيناه بحسن الثناء عليه كما يزكى الشهود. وقيل: بركة كقول عيسى جَعَلَنِي مُبارَكاً وقيل: صدقة أي ينعطف على الناس ويتصدق عليهم.

ثم أخبر محمد صلى الله عليه وسلم عن جملة أحواله بقوله: وَكانَ تَقِيًّا بحيث لم يعص الله ولا هم بمعصية قط وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ

لأن تعظيم الوالدين تلو تعظيم الله وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا

وذلك أن الزاهد في الدنيا قلما يخلو عن طلب ترفع والرغبة في احترام، فذكر أنه مع غاية زهده كان موصوفا بالتواضع للخلق وتحقيق العبودية للحق. قال سفيان: الجبار الذي يقتل عند الغضب دليله قوله: أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ [القصص: 19] ثم إنه سبحانه سلم عليه في ثلاثة مواطن هي أوحش المواطن وأحوجها إلى طلب السلامة فيها، ويحتمل أن يكون هذا السلام من الملائكة عليه إلا أنه لما كان بإذن الله كان كلام الله، وقيل: إنما قال:

حَيًّا

مع أن المبعوث هو المعاد إلى حال الحياة تنبيها على كونه من الشهداء وهم أحياء إلا أنه يشكل بما يجيء في قصة عيسى وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا [مريم: 33] وذلك أنه ورد في الأخبار أن عيسى سيموت بعد النزول. والظاهر أنه أراد ويوم يجعل حيا فوضع الأخص

ص: 473