الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القراآت:
تسير الجبال على بناء الفعل للمفعول ورفع الجبال: ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو. الآخرون على بناء الفعل للفاعل ونصب الجبال. ما أشهدناهم يزيد.
الآخرون ما أشهدتهم وما كنت على الخطاب روى ابن وردان عن يزيد. الباقون على التكلم ويوم نقول بالنون: حمزة الباقون على الغيبة قُبُلًا بضمتين: عاصم وحمزة والكسائي. الباقون بكسر القاف وفتح الباء. لِمَهْلِكِهِمْ بفتح الميم وكسر اللام:
حفص لِمَهْلِكِهِمْ بفتحهما، يحيى وحما والمفضل. الباقون بضم الميم وفتح اللام.
الوقوف:
بارِزَةً لا لأن التقدير وقد حشرناهم قبل ذلك أَحَداً هـ ج للآية مع العطف فًّا
ط للعدول والحذف أي يقال لهم لقد جئتموناوَّلَ مَرَّةٍ
ز لأن «بل» قد يبتدأ به مع أن الكلام متحدوْعِداً
هـ أَحْصاها ج لاستئناف الواو بعد تمام الاستفهام مع احتمال الحال بإضمار «قد» حاضِراً هـ ط أَحَداً هـ إِلَّا إِبْلِيسَ ط أَمْرِ رَبِّهِ ط عَدُوٌّ ط بَدَلًا هـ أَنْفُسِهِمْ ص عَضُداً هـ مَوْبِقاً هـ مَصْرِفاً هـ مَثَلٍ ط جَدَلًا هـ قُبُلًا هـ وَمُنْذِرِينَ ج لاحتمال ما بعده الحال والاستئناف هُزُواً هـ يَداهُ ط وَقْراً، ط لاختلاف الجملتين مع ابتداء الشرط أَبَداً هـ الرَّحْمَةِ ط الْعَذابَ ط مَوْئِلًا هـ مَوْعِداً.
التفسير:
لما بين خساسة الدنيا وشرف الآخرة أردفه بأحوال يوم القيامة وأهواله، وفيه رد على أغنياء المشركين الذين افتخروا بكثرة الأموال والأولاد على فقراء المسلمين والتقدير: واذكر يوم كذا عطفا على وأضرب. ويجوز أن ينتصب بالقول المضمر قبل وَلَقَدْ جِئْتُمُونا وفاعل التسيير هو الله تعالى إلا أنه سمي على إحدى القراءتين ولم يسم في الأخرى، فتسييرها إما إلى العدم لقوله: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً [طه: 105] ، وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا، فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا [الواقعة: 5، 6] . وإما إلى
موضع لا يعلمه إلا الله وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً لأنه لا يبقى على وجهها شيء يسترها من العمارات ولا من الجبال والأشجار، وإما لأنها أبرزت ما في بطنها من الأموات لقوله:
وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ [الانشقاق: 4] فيكون الإسناد مجازيا أي بارزا ما في جوفها وَحَشَرْناهُمْ الضمير للخلائق المعلوم حكما فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً من الأوّلين والآخرين. يقال: غادره وأغدره إذا تركه والترك غير لائق ومنه الغدر ترك الوفاء. والغدير ما غادره السيل لأن اللائق بحال السيل أن يذهب بالماء كله. ولا يخفى أن اللائق بحال رب العزة أن لا يترك أحدا من خلقه غير محشور وإلا كان قدحا في عمله وحكمته وقدرته. قالت المشبهة: في قوله: عُرِضُوا عَلى رَبِّكَ
دليل على أنه سبحانه في مكان يمكن أن يعرض عليه أهل القيامة وكذلك في قوله: قَدْ جِئْتُمُونا
وأجيب بأنه تعالى شبه وقوفهم في الموضع الذي يسألهم فيه عن أعمالهم بالعرض عليه وبالمجيء إلى حكمه كما يعرض الجند على السلطان. وانتصب فًّا
على الحال أي مصطفين ظاهرين ترى جماعاتهم كما يرى كل واحد لا يحجب أحد أحدا. والصف إما واحد وإما جمع كقوله يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا [غافر: 67] أي أطفالا. وقيل: صفا أي قياما وبه فسر قوله: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ [الحج: 36] . وقال القفال: يشبه أن يكون الصف راجعا إلى الظهور والبروز ومنه الصفصف للصحراء وهذا قريب من الأول. وقد مر في «الأنعام» أن وجه التشبيه في قوله لَقْناكُمْ
أنهم يبعثون عراة لا شيء معهم، أو المراد بعثناكم كما أنشأناكم وزعمهم أن لن يجعل الله لهم موعدا. أي وقتا لإنجاز ما وعدوا على ألسنة الأنبياء إما أن يكون حقيقة وإما لأن أفعالهم تشبه فعل من يزعم ذلك. وَوُضِعَ الْكِتابُ أي جنسه وهو صحف الأعمال. والوضع إما حسي وهو أن يوضع كتاب كل إنسان في يده إما في اليمين أو في الشمال، وإما عقلي ومعناه النشر والاعتبار. فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ خائفين مما في الكتاب لأن الخائن خائف خوف العقاب وخوف الافتضاح. ومعنى النداء في يا وَيْلَتَنا قد مر في «المائدة» في يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ [الآية: 31] وقوله:
صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً صفتان للهيئة أو المعصية أو الفعلة وهي عبارة عن الإحاطة وضبط كل ما صدر عنهم، لأن الأشياء إما صغار وإما كبار، فإذا حصر الصنفين فقد حصر الكل.
وعن الفضيل: ضجوا والله من الصغائر قبل الكبائر. قلت: وذلك أن تلك الصغائر هي التي جرأتهم على الكبائر. وعن ابن عباس: الصغيرة التبسم والكبيرة القهقهة. وعن سعيد بن جبير: الصغيرة المسيس والكبيرة الزنا. وجوّز في الكشاف أن يريد ما كان عندهم صغائر وكبائر. وتمام البحث في المسألة أسلفناه في أوائل سورة النساء في تفسير قوله: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ [النساء: 31] فتذكر وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً في
الصحف مثبتا فيها أو وجدوا أجزاء ما عملوا ظاهرا على صفحات أحوالهم وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً استدل الجبائي به على بطلان مذهب الأشاعرة في أن الأطفال يجوز أن تعذب بذنوب آبائهم فإن ذلك ظلم. والجواب أن الظلم إنما يتصوّر في حق من تصرف في غير ملكه قالوا: لو ثبت أن له بحكم المالكية أن يفعل ما يشاء من غير اعتراض عليه لم يكن لهذا الإخبار فائدة. وأجيب بأن تلك القضية بعد الدلائل العقلية علمت من مثل هذه الآية.
ثم إنه سبحانه عاد على أرباب الخيلاء من قريش فذكر قصة آدم واستكبار إبليس عليه. قال جار الله: قوله: كانَ مِنَ الْجِنِّ كلام مستأنف جار مجرى التعليل بعد استثناء إبليس من الساجدين كأن قائلا قال: ما له لم يسجد فقيل: كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ والفاء للتسبيب أي كونه من الجن سبب في فسقه ولو كان ملكا لم يفسق لثبوت عصمة الملائكة. وقال آخرون: اشتقاق الجن من الاستتار عن العيون فيشمل الملائكة والنوع المسمى بالجن. ثم من لم يوجب عصمة الملك فظاهر، ومن أوجب قال:«كان» بمعنى «صار» أي مسخ عن حقيقة الملائكة إلى حقيقة الجن، وقد سلف هذا البحث بتمامه في أول سورة البقرة. ومعنى فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ خرج عن طاعته. وحكى الزجاج عن الخليل وسيبويه أنه لما أمر فعصى كان سبب فسقه هو ذلك الأمر ولولا ذلك الأمر الشاق لما حصل ذلك الفسق فلهذا حسن أن يقال: فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ. وقال قطرب: هو على حذف المضاف أي فسق عن ترك أمره. ثم عجب من حال من أطاع إبليس في الكفر. والمعاصي وخالف أمر الله فقال: أَفَتَتَّخِذُونَهُ كأنه قيل أعقيب ما وجد منه من إلا باء والفسق تتخذونه وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وتستبدلونهم بي وقصة آدم وإبليس سمعها قريش من أهل الكتاب وعرفوا صحتها فلذلك صح الاحتجاج بها عليهم وإن لم يعتقدوا كون محمد صلى الله عليه وسلم نبيا بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا أي بئس البدل من الله. إبليس لمن استبدل به فأطاعه بدل طاعته. قال الجبائي:
في الآية دلالة على أنه لا يريد الكفر ولا يخلقه في العبد وإلا لم يصح هذا الذم
والتوبيخ، وعورض بالعلم والداعي كما مر مرارا. قال أهل التحقيق: إن الداعي لكفار قريش إلى ترك دين محمد صلى الله عليه وسلم هو النخوة والعجب والترفع والتكبر، وهذا شأن إبليس ومن تابعه. فكل من كان غرضه من العلم أو العمل الفخر على الأقران والترفع على أبناء الزمان فإنه مقتد بإبليس وذريته وهذا مقام صعب نسأل الله الخلاص منه. ثم دل على فساد عقيدة أهل الشرك وبطلان طريقتهم بقوله: ما أَشْهَدْتُهُمْ فالأكثرون على أن الضمير للشركاء والمراد أنهم لو كانوا شركاء لي في خلق السموات والأرض وفي خلق أنفسهم يعني لو كان بعضهم شاهدين خلق بعض مشاركين لي فيه كقوله: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ لأمكن أن يكونوا شركاء لي في العبادة لكن الملزوم المساوي منتف فاللازم مثله يؤيد هذا التفسير قوله: وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ أي متخذهم عَضُداً أعوانا فوضع المضلين موضع الضمير نعيا عليهم بالإضلال. وقيل: الضمير للمشركين الذي التمسوا طرد فقراء المؤمنين، والمراد أنهم ما كانوا شركائي في تدبير العالم بدليل أني ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما اعتضدت بهم في تدبير الدنيا والآخرة، بل هم قوم كسائر الخلق نظيره أن من اقترح عليك اقتراحات عظيمة فإنك تقول له: لست سلطان البلد ولا مدبر المملكة حتى تقبل منك كل اقتراحاتك. وقيل: أراد أن هؤلاء الظالمين جاهلون بما جرى به القلم في الأزل من أحوال السعادة وضدّها لأنهم لم يكونوا شاهدين خلق العالم، فكيف يمكنهم أن يحكموا بحسن حالهم عند الله وبشرفهم ورفعتهم عند الخلق وبأضداد هذه الأحوال للفقراء. ومن قرأ وَما كُنْتُ بفتح التاء فالخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والمعنى وما صح لك الاعتضاد بهم وما ينبغي لك أن تغترّ بهم. ثم عاد إلى تهويلهم بأحوال يوم القيامة وأضاف الشركاء إلى نفسه على معتقدهم توبيخا لهم وفحوى الكلام: اذكر يا محمد أحوالهم وأحوال آلهتهم يوم القيامة إذ يَقُولُ الله لهم نادُوا أي ادعوا من زعمتم أنهم شُرَكائِيَ فأهلتموهم للعبادة. قال المفسرون: أراد الجن فَدَعَوْهُمْ لم يذكر في هذه الآية أنهم كيف دعوا تلك الشركاء ولعل المراد بما في الآية الأخرى إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا [إبراهيم: 21] فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ ولم يدفعوا عنهم ضررا وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً. عن الحسن مَوْبِقاً عداوة والمعنى عداوة هي في شدتها الهلاك كقولهم «لا يكن حبك كلفا ولا بغضك تلفا» .
وقال الفراء: البين الوصل والمراد جعلنا تواصلهم في الدنيا هلاكا يوم القيامة. وفي الكشاف: الموبق المهلك وهو مصدر كالمورد أي جعلنا بينهم واديا من أودية جهنم مشتركا هو مكان الهلاك والعذاب الشديد يهلكون فيه جميعا. وجوز أن يريد بالشركاء
الملائكة وعزيرا وعيسى ومريم، وبالموبق البرزخ أي وجعلنا بينهم أمدا بعيدا يهلك فيه السائرون لفرط بعده لأنهم في قعر جهنم وهم في أعلى الجنان. قوله: فَظَنُّوا قيل:
علموا وأيقنوا: والأقرب أن الكفار يرون النار من مكان بعيد فيغلب على ظنونهم أنهم مخالطوها واقعون فيها في تلك الساعة من غير تأخير ولا مهلة لشدة ما يسمعون من تغيظها نظيره إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً [الفرقان: 12] وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً أي معدلا إلى غيرها لأن الملائكة يسوقونهم إليها آخر الأمر. ولما ذكر أن الكفرة افتخروا على فقراء المسلمين بكثرة أموالهم ومتصرفاتهم وأجاب عن شبههم وأقوالهم الفاسدة وضرب الأمثال النافعة وحكى أهوال الآخرة قال: وَلَقَدْ صَرَّفْنا وقد مر تفسيره في السورة المتقدمة. وحين لم يترك الكفار جدالهم وكانوا أبدا يتعللون بالأعذار الواهية ختم الآية بقوله: وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا يعني أن الأشياء التي يتأتى منها الجدل ان فصلتها واحدا بعد واحد فإن الإنسان أكثرها خصومة فقوله: أَكْثَرَ شَيْءٍ كقوله أَوَّلَ مَرَّةٍ وقد مر في «الأنعام» . وكثرة جدل الإنسان لسعة مضطربه فيما بين أوج الملكية إلى حضيض البهيمية، فليس له في جانبي التصاعد والتسافل مقام معلوم. قال أهل البرهان:
قوله تعالى في سورة «بني إسرائيل» : وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى [الاسراء: 94] وقال في هذه السورة بزيادة وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ لأن المعنى هناك ما منعهم عن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم إلا قولهم: «أبعث الله بشرا رسولا، هلا بعث ملكا» وجهلوا أن التجانس يورث التوانس. ومعناه في هذا الموضع ما منعهم من الإيمان والاستغفار إلا الإتيان بسنة الأوّلين وانتظار ذلك. وعن الزجاج: إلا طلب سنتهم وهو قولهم «إن كان هذا هو الحق» وزاد في هذه السورة وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ لأن قوم نوح أمروا بالاستغفار اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً [نوح: 10] وكذا قوم هود وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ [هود: 52] وقوم صالح فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ [هود: 62] وقو شعيب وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ [هود: 90] فلما خوفهم سنة الأوّلين أجرى المخاطبين مجراهم. والحاصل أنهم لا يقدمون على الإيمان والاستغفار إلا عند نزول عذاب الاستئصال أو عند تواصل أصناف البلاء عيانا. ومن قرأ بضمتين أراد أنواعا جمع قبيل. قالت المعتزلة: في الآية دلالة على أنه لا مانع من الإيمان أصلا. وقالت الأشاعرة: العلم بأنه لا يؤمن والداعي الذي يخلقه الله في الكافر يمنعانه، فالمراد فقدان الموانع المحسوسة. ثم بين أنه إنما أرسل الرسل مبشرين بالثواب على الطاعة ومنذرين بالعقاب على المعصية لكي يؤمنوا طوعا وبين أن مع
هذه الأحوال يُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا ويزيلوا ويبطلوا بِهِ الْحَقَّ من إدحاض القدم وهو إزلاقها وَاتَّخَذُوا آياتِي وَما أُنْذِرُوا أي الذي أنذروا من العقاب أو إنذارهم هُزُواً موضع استهزاء. قال جار الله: جدالهم قولهم للرسل ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا [يس: 15] وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً [المؤمنون: 24] وما أشبه ذلك. قال أهل العرفان: قوله: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ أي بالقرآن بدليل قوله: أَنْ يَفْقَهُوهُ وبتذكير الضمير. فَأَعْرَضَ عَنْها وَنَسِيَ ما قَدَّمَتْ يَداهُ من الكفر والمعاصي فلم يتفكروا في عاقبتها ولم يتدبروا في جزائها متمسك القدرية. وإنما قال في السجدة ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها [الآية: 22] لأن ما في هذه السورة في الكفار الأحياء الذين إيمانهم متوقع بعد، أي ذكروا فأعرضوا عقب ذلك. وما في السجدة في الكفار الأموات بدليل قوله:
وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ [السجدة: 12] أي ذكروا مرة بعد أخرى وزمانا بعد زمان ثم أعرضوا عنها بالموت فلم يؤمنوا وانقطع رجاء إيمانهم. وقوله إِنَّا جَعَلْنا وقد مر تفسيره في «الأنعام» إلى قوله: فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً متمسك الجبرية وقلما تجد في القرآن دليلا لأحد الفريقين إلا ومعه دليل للفريق الآخر فهذا شبه ابتلاء من الله، ولعله أراد بذلك إظهار مغفرته ورحمته على عباده كما قال: وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ قال المفسرون الضمير في قوله: لَوْ يُؤاخِذُهُمْ لأهل مكة الذين أفرطوا في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والموعد يوم بدر. وأقول: لا يبعد أن يكون الضمير للناس في قوله: وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ والموعد القيامة، والموئل الملجأ يقال وأل إذا نجا، ووأل إليه إذا لجأ إليه. قال الإمام فخر الدين الرازي: إنا ذكر لفظ المبالغة في المغفرة دون الرحمة لأن المغفرة ترك الإضرار، والرحمة إيصال النفع، وقدرة الله تعالى تتعلق بالأول، لأن ترك أضرار لا نهاية لها ممكن ولا تتعلق بالثاني لأن فعل ما لا نهاية له محال. أقول: هذا فرق دقيق لو ساعده النقل على أن قوله ذو الرحمة أيضا لا يخلو عن مبالغة، وكثيرا ما ورد في القرآن إنه غفور رحيم بلفظ المبالغة في الجانبين.
وفي تعلق القدرة بترك غير المتناهي أيضا نظر، لأن مقدورات الله متناهية لا فرق في ذلك بين المبقي والمتروك. ثم أشار إلى قرى الأولين اعتبارا لغيرهم فقال: وَتِلْكَ الْقُرى فاسم الإشارة مبتدأ وفيه تعظيم لشأنهم أو تبعيد لزمانهم ومكانهم، والقرى صفة وما بعده خبره ولا يخفى حذف المضاف أي وتلك أصحاب القرى أَهْلَكْناهُمْ ويجوز أن يكون تِلْكَ الْقُرى منصوبا بإضمار أهلكنا على شريطة التفسير. وَجَعَلْنا لزمان إهلاكهم أو لإهلاكهم أو وقت هلاكهم مَوْعِداً وعدا أو وقت وعد لا يتأخرون عنه كما ضربنا