المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الوقوف: يَبَساً ج لأن قوله لا تَخافُ يصلح صفة للطريق مع - تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان - جـ ٤

[النيسابوري، نظام الدين القمي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الرابع]

- ‌(سورة هود)

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 1 الى 24]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 25 الى 49]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 50 الى 68]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 69 الى 83]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 84 الى 102]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة هود (11) : الآيات 103 الى 123]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة يوسف عليه السلام

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 1 الى 20]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 21 الى 35]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 36 الى 53]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 54 الى 68]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 69 الى 83]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 84 الى 101]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة يوسف (12) : الآيات 102 الى 111]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة الرعد)

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 1 الى 11]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 12 الى 29]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الرعد (13) : الآيات 30 الى 43]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌ التفسير

- ‌التأويل:

- ‌(سورة إبراهيم عليه السلام

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 1 الى 17]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 18 الى 34]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة إبراهيم (14) : الآيات 35 الى 52]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة الحجر

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 1 الى 50]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الحجر (15) : الآيات 51 الى 99]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌ التفسير

- ‌التأويل:

- ‌(سورة النحل)

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 1 الى 23]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 24 الى 42]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 43 الى 60]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 61 الى 70]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 71 الى 83]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 84 الى 100]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النحل (16) : الآيات 101 الى 128]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة بني إسرائيل

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 1 الى 21]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 22 الى 40]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 41 الى 60]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 61 الى 72]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 73 الى 89]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الإسراء (17) : الآيات 90 الى 111]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة الكهف)

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 1 الى 26]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 27 الى 46]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 47 الى 59]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 60 الى 82]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة الكهف (18) : الآيات 83 الى 110]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة مريم)

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 1 الى 15]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 16 الى 40]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 41 الى 65]

- ‌القراءات:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة مريم (19) : الآيات 66 الى 98]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة طه)

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 1 الى 36]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 37 الى 76]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 77 الى 114]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة طه (20) : الآيات 115 الى 135]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌الفهرس

الفصل: ‌ ‌الوقوف: يَبَساً ج لأن قوله لا تَخافُ يصلح صفة للطريق مع

‌الوقوف:

يَبَساً ج لأن قوله لا تَخافُ يصلح صفة للطريق مع حذف الضمير العائد أي لا تخاف فيه، ويصلح مستأنفا. ومن قرأ لا تخف فوقفه أجوز لعدم العاطف ووقوع الحائل مع تعقب النهي الأمر إلا أن يكون جوابا للأمر فلا يوقف وَلا تَخْشى هـ ما غَشِيَهُمْ ط لأن التقدير وقد أضل من قبل على الحال الماضية دون العطف لأنه عند ما غشيه لم يتفرغ للإضلال. وَما هَدى هـ وَالسَّلْوى هـ غَضَبِي ج هَوى هـ اهْتَدى هـ يا مُوسى هـ لِتَرْضى هـ السَّامِرِيُّ هـ أَسِفاً ج لانتساق الماضي على الماضي بلا ناسق حَسَناً ط مَوْعِدِي هـ السَّامِرِيُّ هـ لا فَنَسِيَ هـ ط قَوْلًا لا للعطف وَلا نَفْعاً هـ ط فُتِنْتُمْ بِهِ ج للابتداء بأن مع اتصال العطف أَمْرِي ج مُوسى هـ أَلَّا تَتَّبِعَنِ ط أَمْرِي هـ رَأْسِي

ج للابتداء (بأن) مع اتصال المعنى واتحاد القائل وْلِي

هـ يا سامِرِيُّ هـ نَفْسِي هـ لا مِساسَ ص لَنْ تُخْلَفَهُ ج لاختلاف الجملتين عاكِفاً ط للقسم المحذوف نَسْفاً هـ إِلَّا هُوَ ط عِلْماً هـ سَبَقَ ج للإستئناف والحال ذِكْراً ج هـ لأن الشرطية تصلح صفة للذكر وتصلح مبتدأ بها وِزْراً هـ لا لأن قوله خالِدِينَ حال من الضمير في يَحْمِلُ وهو عائد إلى «من» ومن للجمع معنى فِيهِ ط حِمْلًا هـ لا لأن يَوْمَ يُنْفَخُ بدل من يوم القيامة. زُرْقاً هـ ج لأن ما بعده يصلح للصفة وللاستئناف عَشْراً هـ يَوْماً هـ نَسْفاً هـ لا صَفْصَفاً هـ لا أَمْتاً هـ لا عِوَجَ لَهُ ج لاختلاف الجملتين هَمْساً هـ قَوْلًا هـ عِلْماً هـ الْقَيُّومِ ط ظُلْماً هـ هَضْماً هـ ذِكْراً هـ الْحَقُّ ج وَحْيُهُ ز لعطف الجملتين المتفقتين مع اعتراض الظرف وما أضيف إليه عِلْماً هـ.

‌التفسير:

هذا شروع في قصة إنجاء بني إسرائيل وإهلاك عدوّهم وقد تقدم في «البقرة» وفي «الأعراف» وفي «يونس» ومعنى فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً اجعل لهم من قولهم «ضرب له في ماله سهما وضرب اللبن عمله» أو أراد بين لهم طريقا فِي الْبَحْرِ بالضرب بالعصا حتى ينفلق فعدي الضرب إلى الطريق، ثم بين أن جميع أسباب الأمن حاصلة في ذلك الطريق. واليبس مصدر وصف به ومثله اليبس ونحوهما العدم والعدم ويوصف به المؤنث لذلك فيقال: ناقتنا يبس إذا جف لبنها. والدرك. والدرك اسمان من الإدراك أي لا يدركك فرعون وجنوده ولا يلحقونك. وفي لا تَخْشى إذا قرىء لا تخف أوجه الاستئناف أي وأنت لا تخشى، وجوز في الكشاف أن يكون الألف للإطلاق من أجل الفاصلة كقوله وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا [الأحزاب: 10] وأن يكون كقول الشاعر:

كأن لم ترى قبلي أسيرا يمانيا

ص: 562

أراد لم تر لأن ما قبله:

وتضحك مني شيخة عبشمية قلت: لعل هذا إنما يجوز في الضرورة ولا ضرورة وفي الآية فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ الحق بهم جنوده أو تبعهم ومعه جنوده كما مر في «يونس» فَغَشِيَهُمْ أي علاهم ورهقهم مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ وهذا من جملة ما علم في باب الإيجاز لدلالته على أنه غشيهم ما لا يعلم كنهه إلا الله، وقد سلف منه في السور المذكورة ما حكي في الأخبار وروي في الآثار. ونسبة الإضلال إلى فرعون لا تنافي انتهاء الكل إلى إرادة الله ومشيئته. وقوله وَما هَدى تأكيد للإضلال وفيه تهكم به في قوله وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ [غافر: 38] ثم عدد ما أنعم به على بني إسرائيل، ويجوز أن يكون خطابا لليهود المعاصرين لأن النعمة على الآباء نعمة في حق الأبناء ومثله قوله وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ أي الواقع على يمين من انطلق من مصر إلى الشام لأن منفعة المواعدة عادت إليهم وإن كانت المواعدة لنبيهم فبكتب التوراة في ألواح قام شرعهم واستقام أمر معاشهم ومعادهم. كُلُوا من تتمة القول. وطغيانهم في الرزق هو شغلهم باللهو والتنعم عن القيام بشكرها وتعدي حدود الله فيها بالإسراف والتقتير والغصب. ومن قرأ فَيَحِلَّ بالكسر فبمعنى الوجوب من قولهم «حل الدين يحل» إذا وجب أداؤه، ومن قرأ بالضم فبمعنى النزول ونزول الغضب نزول نتائجه من العقوبات والمثلات. ومعنى هَوى هلك وأصله السقوط من مكان عال كالجبل. وقيل: هوى أي وقع في الهاوية.

سؤال: كيف أثبت المغفرة في حق من استجمع التوبة والإيمان والعمل الصالح، والمغفرة إنما تتصور في حق من أذنب؟ وأيضا ما معنى قوله ثُمَّ اهْتَدى بعد الأمور المذكورة والاهتداء إنما يكون قبلها لا أقل من أن يكون معها؟ الجواب أراد وإني لغفار لمن تاب من الكفر وآمن وعمل صالحا. وفيه دليل لمن ذهب إلى وجوب تقديم التوبة من الكفر على الإيمان. والحاصل أن الغفران يعود إلى الذنوب السابقة على هذه الأمور، ويجوز أن يراد أنه إذا تاب من الكفر وأقبل على الإيمان والعمل الصالح فإن الله يغفر الصغائر التي تصدر عنه في خلال ذلك كقوله إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ [النساء: 31] وأما الاهتداء فالمراد به الاستقامة والثبات على الأمور المذكورة كقوله إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا [فصلت: 30] ومعنى «ثم» الدلالة على تباين المرتبتين، فإن المداومة على الخدمة أصعب من الشروع فيها كما قيل:

لكل إلى شأو العلى حركات

ولكن عزيز في الرجال ثبات

ونظير هذا العطف قوله أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا [الأعراف: 4] وقد مر البحث

ص: 563

فيه. ويروى أن موسى قد مضى مع النقباء السبعين إلى الطور على الموعد المضروب، ثم تقدمهم شوقا إلى كلام ربه وتنجز ما وعد به بناء على اجتهاده وظنه أن ذلك أقرب إلى رضا الله فأنكر الله تعالى تقدمه قائلا وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ أيّ شيء عجل بك عنهم؟

فالمراد بالقوم النقباء لا جميع قومه على ما توهم بعضهم يؤكده قوله هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي ولم يكن جميع قومه على أثره. قال جار الله: قد تضمن ما واجهه به رب العزة شيئين: أحدهما إنكار العجلة في نفسها، والثاني السؤال عن سبب التقدم فكان أهم الأمرين إلى موسى تمهيد العذر من العجلة نفسها فاعتل بأنه لم يوجد مني إلا تقدم يسير وليس بيني وبينهم إلا مسافة يتقدم بمثلها الوفد رأسهم ومقدمهم، ثم عقبه بجواب السؤال عن السبب فقال وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى أي طلبت دوم رضاك عني أو مزيد رضاك بناء على اجتهادي أن التعجيل إلى مقام المكالمة والحرص على ذلك يوجب مزيد الثواب والكرامة. وقيل: لما أنكر عليه الاستعجال دهش خوفا من العقاب فتحير في الجواب قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ يعني جميع قومه الذين خلفهم مع هارون وكانوا ستمائة ألف ما نجا من عبادة العجل إلا اثنا عشر ألفا. يروى أنهم أقاموا بعد مفارقته عشرين ليلة وحسبوها أربعين مع أيامها وقالوا: قد أكملنا العدة. ثم كان أمر العجل بعد ذلك فسئل أنه تعالى كيف قال لموسى عنه مقدمه فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ؟ وأجيب بأنه على عادة الله تعالى في إخباره عن الأمور المترقبة بلفظ الماضي تحقيقا للوقوع، أو أراد بدء الفتنة لأن السامري افترض غيبة موسى فعزم على إضلال قومه غب انطلاقه. ولقائل أن يمنع كون هذه الأخبار عند مقدم موسى عليه السلام بل لعله عند رجوعه بدليل فاء التعقيب في قوله فَرَجَعَ مُوسى قال جار الله إنه رجع بعد ما استوفى الأربعين ذا القعدة وعشر ذي الحجة وأوتي التوراة. وسامري منسوب إلى قبيلة من بني إسرائيل يقال لها السامرة. وقيل:

السامرة قوم من اليهود يخالفونهم في بعض دينهم. وقيل: كان علجا من كرمان واسمه موسى بن ظفر وكان منافقا وكان من قوم يعبدون البقر. قالت المعتزلة: الفتنة بمعنى الإضلال لا يجوز أن تنسب إلى الله تعالى لأنه يناقض قوله وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ وإنما الفتنة بمعنى الامتحان بتشديد التكليف ومنه «فتنت الذهب بالنار» وبيان ذلك أن السامريّ لما أخرج لهم العجل صاروا مكلفين بأن يستدلوا بحدوث جملة الأجسام على أن العجل لا يصلح للإلهية. وقالت الأشاعرة: الشبهة في كون الشمس والقمر إلها أعظم من العجل الذي له خوار وهو جسد من الذهب وحينئذ لا يكون حدوث ذلك العجل تشديدا في التكليف، فلا يكون فتنة من هذا الوجه فوجب حمله على خلق الضلال فيهم. وأجابوا عن إضافة الضلال إلى السامري بأن جميع المسببات العادية تضاف إلى أسبابها في الظاهر وإن

ص: 564

كان الموجد لها في الحقيقة هو الله تعالى. قال بعضهم: الأسف المغتاظ، وفرق بين الاغتياظ والغضب لأن الغيظ تغير يلحق المغتاظ فلا يصح إلا على الأجسام، والغضب قد يراد به الإضرار بالمغضوب عليه فلهذا صح إطلاقه على الله سبحانه.

ثم عاتب موسى عليه السلام قومه بأمور منها: قوله أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً كأنهم كانوا معترفين بالرب الأكبر لكنهم عبدوا العجل على التأويل الذي تذكر عبدة الأصنام أو على تأويل الحلول. والوعد الحسن هو إنزال التوراة التي فيها هدى ونور.

وقيل: هو الثواب على الطاعات ومثله ما روي عن مجاهد أن العهد المذكور من قوله وَلا تَطْغَوْا فِيهِ إلى قوله ثُمَّ اهْتَدى وقيل: وعدهم إهلاك فرعون ووعدهم أرضهم وديارهم وقد فعل. ومنها قوله أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أي الزمان يريد مدة مفارقته لهم وعدوه أن يقيموا على أمره وما تركهم عليه من الإيمان فاخلفوا موعده بعبادتهم العجل.

وقيل: أراد عهدهم بنعم الله تعالى من الإنجاء وغيره. والأكثرون على الأول لما روي أنه وعدهم ثلاثين كما أمر الله تعالى وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً [الأعراف: 142] فجاء بعد الأربعين لقوله تعالى وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ ولما روي أنهم حسبوا العشرين أربعين ومنها قوله أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ قالوا: هذا لا يمكن إجراؤه على الظاهر لأن أحدا لا يريد هلاك نفسه ولكن المعصية- وهو خلاف الموعد- لما كانت توجب ذلك صح هذا الكلام لأن مريد السبب مريد للمسبب بالعرض. احتج العلماء بالآية وبما مر من قوله فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي أن الغضب من صفات الأفعال لا من صفات الذات لأن صفة ذات الله تعالى لا تنزل في شيء من الأجسام. وموعد موسى هو ما ذكرنا من أنهم وعدوه الإقامة على دينه إلى أن يرجع إليهم من الطور. وقيل: وعدوه اللحاق به والمجيء على أثره قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا بالحركات الثلاث أي بأن ملكنا أمرنا أي لو ملكنا أمرنا وخلينا ورأينا لما أخلفناه ولكن غلبنا من جهة السامري وكيده. والظاهر أن القائلين هم عبدة العجل. وقيل: إنهم الذين لم يعبدوا العجل وقد يضيف الرجل فعل قرينه إلى نفسه فكأنهم قالوا: الشبهة قوبت على عبدة العجل فلم يقدر على منعهم ولم يقدروا أيضا على مخالفتهم حذرا من التفرقة وزيادة الفتنة. ثم إن القوم بينوا ذلك العذر المجمل فقالوا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ أي أثقالا من حلي القبط كما مر في «الأعراف» .

وقيل: الأوزار الآثام وإنها في الحقيقة أثقال مخصوصة معنوية سموا بذلك لأن المغانم لم تحل حينئذ أو لأنهم كانوا مستأمنين في دار الحرب وليس للمستأمن أن يأخذ مال الحربي.

وقيل: إن تلك الحلي كان القبط يتزينون بها في مجامع الكفر ومجالس المعاصي فلذلك

ص: 565

وصفت بأنها أوزار كما يقال في آلات المعاصي. فَقَذَفْناها أي في الحفرة، كان هارون أمرهم بجمع الحلي انتظارا لعود موسى، أو في موضع أمرهم السامري بذلك بعد أن أوقد النار فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ مثل فعلنا أراهم أنه يلقي حليا في يده مثل ما ألقوه. وإنما ألقى التربة التي أخذها من موطىء حافر فرس جبريل كما يجيء في قوله فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ قد مر في «الأعراف» فَقالُوا أي السامري ومن تبعه هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ موسى أن يطلبه هاهنا فذهب يطلبه عند الطور، أو فنسي السامري وترك ما كان عليه من الإيمان الظاهر، أو نسي الاستدلال على أن العجل لا يجوز أن يكون إلها بقوله أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ «أن» مخففة من الثقيلة ولهذا لم تعمل. وقرىء بالنصب على أنها الناصبة. قال العلماء: ظهور الخوارق على يد مدعي الإلهية جائز لأنه لا يحصل الالتباس، وهاهنا كذلك فوجب أن لا يمتنع خلق الحياة في صورة العجل.

وروى عكرمة عن ابن عباس أن هارون مر بالسامري وهو يصنع العجل فقال: ما تصنع؟ فقال: أصنع ما ينفع ولا يضر فادع لي. فقال: اللهم أعطه ما سألك. فلما مضى هارون قال السامري: اللهم إني أسألك أن يخور فخار.

وعلى هذا التقدير يكون معجزا للنبي لا السامري. ثم إنه سبحانه أخبر أن هارون لم يأل نصحا وإشفاقا في شأن نفسه وفي شأن القوم قبل أن يقول لهم السامري ما قال. أما شفقته على نفسه فهي أنه أدخلها في زمرة الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر، أما الامتثال فإنه امتثل في نفسه وفي شأن القوم أمر أخيه حين قال لهم يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ قال جار الله: كأنهم أول ما وقعت عليه أبصارهم حين طلع من الحفرة فتنوا به واستحسنوه فقبل أن ينطق السامري بادرهم هارون فزجرهم عن الباطل أولا بأن هذا من جملة الفتن.

ثم دعاهم إلى الحق بقوله وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ ومن فوائد تخصيص هذا الاسم بالمقام أنهم إن تابوا عما عزموا عليه فإن الله يرحمهم ويقبل توبتهم. ثم بين أن الوسيلة إلى معرفة كيفية عبادة الله هو اتباع النبي وطاعته فقال فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي وهذا ترتيب في غاية الحسن. واعلم أن الشفقة على خلق الله أصل عظيم في الدين وقاعدة متينة.

روى النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» «1»

ويروى أن

(1) رواه البخاري في كتاب الأدب باب: 27. مسلم في كتاب البر حديث 66. أحمد في مسنده (4/ 268، 270) .

ص: 566

رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا هو جالس إذا نظر إلى شاب على باب المسجد فقال:

من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه. فسمع الشاب ذلك فولى وقال: إلهي وسيدي هذا رسولك يشهد عليّ بأني من أهل النار وأنا أعلم أنه صادق، فإذا كان الأمر كذلك فأسألك أن تجعلني فداء أمة محمد صلى الله عليه وسلم وتشعل النار بي حتى يبر يمينه ولا تسفع النار أحدا. فهبط جبريل وقال: يا محمد بشر الشاب بأني قد أنقذته من النار بتصديقه لك وفداء أمتك بنفسه وشفقته على الخلق.

قال أهل السنة هاهنا: إن الشيعة تمسكوا

بقوله صلى الله عليه وسلم «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» «1» .

ثم إن هارون ما منعته التقية في مثل ذلك الجمع بل صعد المنبر وصرح بالحق ودعا الناس إلى متابعته، فلو كانت أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الخطأ لكان يجب على عليّ كرم الله وجهه أن يفعل ما فعل هارون من غير تقية وخوف. وللشيعة أن يقولوا: إن هارون صرح بالحق وخاف فسكت ولهذا عاتبه موسى بما عاتب فاعتدر ب إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي [الأعراف: 15] وهكذا علي رضي الله عنه امتنع أولا من البيعة فلما آل الأمر إلى ما آل أعطاهم ما سألوا. وإنما قلت هذا على سبيل البحث لا لأجل التعصب. ثم إن القوم قابلوا حسن موعظة هارون بالتقليد والجحود قائلين لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى ولا يخفى ما في هذا الكلام من أنواع التوكيد من جهة النفي ب «لن» ، ومن لفظ البراح والعكوف، ومن صيغة اسم الفاعل، ومن تقديم الخبر. ثم حكى ما جرى بين موسى وهارون بعد الرجوع وقوله ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ كقوله ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ [الأعراف: 12] في أن «لا» هذه مزيدة أم لا؟. وقد مر في «الأعراف» . وفي هذا الإتباع قولان: فعن ابن عباس ما منعك من اتباعي بمن أطاعك واللحوق بي وترك المقام بين أظهرهم. وقال مقاتل: أراد الإتباع في وصيته كأنه قال: هلا قاتلت من كفر بمن آمن ومالك لا تباشر الأمر كما كنت أباشره. قال الأصوليون: في قوله أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي دلالة على أن تارك المأمور به عاص والعاصي يستحق العقاب لقوله وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ [الجن: 22] فيعلم منه أن الأمر للوجوب. واحتج الطاعنون في عصمة الأنبياء بأن موسى عليه السلام هل أمر هارون باتباعه أم لا؟ وعلى التقدير فهارون أتبعه أم لا؟ فإن لم يأمره أو أمره ولكن اتبعه فملامته لهارون من غير جرم تكون ذنبا، وإن أمره ولم يتبعه كان هارون عاصيا. وأيضا قوله أَفَعَصَيْتَ بمعنى الإنكار. فإما أن يكون موسى

(1) رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة باب: 9. الترمذي في كتاب المناقب باب: 20. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب: 11. أحمد في مسنده (1/ 170، 177، 185) .

ص: 567

كاذبا في نسبة العصيان إلى هارون، وإما أن يكون هارون عاصيا. وأيضا أخذه بلحية هارون وبرأسه إن كان بعد البحث والتفتيش فهارون عاص وإلا فموسى. وأجيب بأن كل ذلك أمور اجتهادية جائزة الخطأ أو هي من باب الأولى وقد مر في أوائل «البقرة» في قصة آدم ما يتعلق بهذه المسألة.

قوله: لَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي

أي وصيتي لك بحفظ الدهماء واجتماع الشمل يؤيده قوله: نِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ

قال الإمام أبو القاسم الأنصاري: الهداية أنفع من الدلالة فإن السحرة ما رأوا إلا آية واحدة فآمنوا وتحملوا في الدين ما تحملوا، وأما قوم موسى فقد رأوا ذلك مع زيادة سائر الآيات التسع ومع ذلك اغتروا بصوت العجل وعكفوا على عبادته، فعرفنا أن الغرض لا يحصل إلا بهداية الله تعالى. ولما فرغ موسى من عتاب هارون أقبل على السامري، ويمكن أن يكون بعيدا ثم حضر أو ذهب إليه موسى ليخاطبه.

قال جار الله: الخطب مصدر خطب الأمر إذا طلبه. فإذا قيل: لمن يفعل شيئا ما خطبك؟

فمعناه ما طلبك له والغرض منه الإنكار عليه وتعظيم صنيعه قالَ أي السامري بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ قال ابن عباس ورواه أبو عبيدة: علمت بما لم يعلموا به من البصارة يعني العلم. وقال الآخرون: رأيت بما لم تروه فالباء للتعدية، رجح العلماء قراءة الغيبة على الخطاب احترازا من نسبة عدم البصارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. والقبضة بالفتح مصدر بمعنى المفعول وهو المقبوض بجميع الكف. عامة المفسرين على أن المراد بالرسول جبريل عليه السلام وأثره التراب الذي أخذه من موقع حافر دابته واسمها حيزوم فرس الحياة. ومتى رآه؟ الأكثرون على أنه رآه يوم فلق البحر كان جبريل على الرمكة وفرعون على حصان وكان لا يدخل البحر، فتقدم جبريل فتبعه فرس فرعون.

وعن علي رضي الله عنه أن جبريل لما نزل ليذهب بموسى إلى الطور أبصره السامري من بين الناس وكان راكب حيزوم فقال: إن لهذا شأنا فقبض من تربة موطئه.

فمعنى الآية فقبضت من أثر فرس المرسل إليك يوم حلول الميعاد. ثم من المفسرين من جوز أن السامري لم يعرف أنه جبريل ومنهم من قال: إنه عرفه. عن ابن عباس: إنما عرفه لأنه رباه في صغره وحفظه من القتل حين أمر فرعون بقتل أولاد بني إسرائيل. فكانت المرأة تلد وتطرح ولدها حيث لا يشعر به آل فرعون فتأخذ الملائكة الولدان فيربونهم حتى يترعرعوا ويختلطوا بالناس. فكان السامري أخذه جبريل وجعل كف نفسه في فيه وارتضع منه العسل واللبن فلم يزل يختلف إليه حتى عرفه. وقال أبو مسلم: إطلاق الرسول على جبريل في

ص: 568

المقام من غير قرينة تكليف بعلم الغيب. وأيضا تخصيص السامري من بين الناس برؤية جبريل وبمعرفة خاصية تراب حافر دابته لا يخلو عن تعسف، ولو جاز اطلاع بعض الكفرة على تراب هذا شأنه فلقائل أن يقول: لعل موسى اطلع على شيء آخر لأجله قدر على الخوارق. فالأولى أن يراد بالرسول موسى فقد يواجه الحاضر بلفظ الغائب كما يقال: ما قول الأمير في كذا؟ ويكون إطلاق الرسول منه على موسى نوعا من التهكم لأنه كان كافرا به مكذبا. وأراد بأثره سنته ورسمه من قولهم «فلان يقفو أثر فلان» أي عرفت أن الذي عليه ليس بحق وقد كنت قبضت شيئا من سنتك فطرحتها. فعلى قول العامة يكون قوله:

وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي إشارة إلى ما أوحي إليه وليه الشيطان أن تلك التربة إذا نبذت على الجماد صار حيوانا. وعلى قول أبي مسلم يشير إلى أن اتباع أثرك كان من تسويلات النفس الأمارة فلذلك تركته. ثم بين موسى أن له عقوبة في الدنيا وعقوبة في الآخرة.

يروى أنه أراد أن يقتله فمنعه الله من ذلك وقال: لا تقتله فإنه سخيّ.

وفي قوله:

لا مِساسَ وجوه: الأوّل إنه حرم عليه مماسة الناس لأنه إذا اتفق أن هناك مماسة فأحدهم الماس والثاني الممسوس فلذلك إذا رأى أحدا صاح لا مساس. ويقال: إن قومه باق فيهم ذلك إلى الآن الثاني: أن المراد منع الناس من مخالطته. قال مقاتل: إن موسى أخرجه من محلة بني إسرائيل وقال له: اخرج أنت وأهلك طريدا إلى البراري. اعترض الواحدي عليه بأن الرجل إذا صار مهجورا فلا يقول: هو لا مساس. وإنما يقال له ذلك.

وأجيب بأن هذا على الحكاية أي أجعلك يا سامري بحيث إذا أخبرت عن حالك لم تقل إلا لا مساس. والثالث: قول أبي مسلم إن المراد انقطاع نسله وأن يخبر بأنه لا يمكن له مماسة المرأة أي مجامعتها. وأما حاله في الآخرة فلذلك قوله: وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ قال جار الله: من قرأ بكسر اللام فهو من أخلفت الموعد إذا وجدته خلفا. ثم بين مآل حال إلهه فقال: وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً أي ظللت فحذف إحدى اللامين تخفيفا لَنُحَرِّقَنَّهُ من الإحراق ففيه دليل على أنه صار لحما ودما لأن الذهب لا يمكن إحراقه بالنار ونسفه في الميم. قال السدي: أمر موسى بذبحه فسال منه الدم ثم أحرق ثم نسف. والنسف النقض ومن جعله من الحرق أي لنبردنه بالمبرد ففيه دلالة على أنه لم ينقلب حيوانا إلا إذا أريد برد عظامه. ومن جعله من التحريق فإنه يحتمل الوجهين والمراد إهدار السامري وإبطال كيده ومحق صنيعه والله خير الماكرين. ثم ختم الكلام ببيان الدين الحق فقال: إِنَّما إِلهُكُمُ أي المستحق للعباد والتعظيم اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً قد مر مثله في «الأنعام» قال مقاتل: أي يعلم من يعبده.

ص: 569

وحين فرغ من قصة موسى شرع في تثبيت رسولنا صلى الله عليه وسلم فقال:

كَذلِكَ أي نحو اقتصصنا عليك قصة موسى وفرعون والسامري نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ سائر أخبار الرسل مع أممهم تكثيرا لمعجزاتك. ثم عظم شأن القرآن بقوله: وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً أي ما ذكر فيه كل ما يحتاج إليه المكلف في دينه وفي دنياه والوزر العقوبة الثقيلة التي تنقض ظهر صاحبها، أو المراد جزاء الوزر وهو الإثم خالِدِينَ فِيهِ أي في ذلك الوزر أو في احتماله وَساءَ فيه ضمير مبهم يفسره حِمْلًا والمخصوص محذوف للقرينة أي ساء حملا وزرهم. واللام في لَهُمْ للبيان كما في هَيْتَ لَكَ [يوسف:

23] ويجوز أن يكون «ساء» بمعنى «قبح» ويكون فيه ضمير الوزر. وانتصب حِمْلًا على التمييز ولَهُمْ حال من حِمْلًا ولا أدري لم أنكره صاحب الكشاف، اللهم إلا أن يمنع وقوع الحال من التمييز وفيه نظر. قال ابن السكيت: الحمل بالفتح ما كان في بطن أو على رأس شجرة، وبالكسر ما كان على ظهر أو رأس. وفي الصور قولان:

أشهرهما أنه القرن يؤيده قوله: فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ [المدثر: 8] وإنه تعالى يعرّف أمور الآخرة بأمثال ما شوهد في الدنيا ومن عادة الناس النفخ في البوقات عند الأسفار وفي العساكر فجعل الله تعالى النفخ في تلك الآلة علامة لخراب الدنيا ولإعادة الأموات.

وأقربهما من المعقول أن الصور جمع صورة يؤكده قراءة من قرأ بفتح الواو. يقال: صورة وصورة كدرة ودرر. والنفخ نفخ الروح فيها ولكنه يرد عليه أن النفخ يتكرر لقوله تعالى:

ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى [الزمر: 68] والإحياء لا يتكرر بعد الموت إلا ما ثبت من سؤال القبر وليس هو بمراد من النفخة الأولى بالاتفاق وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ. عن ابن عباس:

هم الذين اتخذوا مع الله إلها آخر. وقال المعتزلة: هم الكفار والعصاة. وفي الزرق وجوه: قال الضحاك ومقاتل: إن الزرقة أبغض شيء من ألوان العيون إلى العرب، لأن الروم أعداؤهم وإنهم زرق العيون، ومن كلامهم في صفة العدوّ «أسود الكبد أصهب السبال أزرق العين» . وقال الكلبي: زُرْقاً أي عميا. قال الزجاج: يخرجون بصراء في أول أمرهم لقوله: لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ [إبراهيم: 42] ولقوله: اقْرَأْ كِتابَكَ [الإسراء: 14] ثم يؤل حالهم إلى العمى وإن حدقة من يذهب نور بصرة تزرق. وقيل:

زُرْقاً أي عطاشا لقوله: وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً [مريم: 86] فكأنهم من شدة العطش يتغير سواد عيونهم حكاه ثعلب عن ابن الأعرابي يَتَخافَتُونَ يتسارون بَيْنَهُمْ من شدة خوفهم أو لأن صدورهم امتلأت رعبا، وهؤلاء يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا إما لأنها أيام سرورهم وهن قصار، وإما لأنها قد انقضت والذاهب قليل وإن طال ولا سيما بالنسبة إلى الأبد السرمدي كأن ظنينهم يقول: قدر لبثنا في الدنيا بالقياس إلى

ص: 570

لبثنا في الآخرة كعشرة أيام. فقال أعقلهم: بل كاليوم الواحد. وإنما قال: عَشْراً لأن المراد عشر ليال. وقال مقاتل: أراد عشر ساعات أي بعض يوم. وعلى هذا فأفضلهم رد عليهم استقصارهم وتقالهم. وقيل: المراد لبثهم في القبور.

قال أهل النظم: كأن سائلا سأل: كيف يصح التخافت بين المجرمين والجبال حائلة مانعة؟ فلذلك قال: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ وقال الضحاك: إن مشركي مكة قالوا على سبيل الاستهزاء: يا محمد كيف يكون حال الجبال يوم القيامة؟ فنزلت. ويحتمل أن يكون هذا جواب شبهة تمسك بها منكرو البعث- منهم جالينوس- زعم أن الأفلاك لا تفنى لأنها لو فنيت لابتدأت بالنقصان حتى تنتهي إلى البطلان، وكذا الجبال وغيرها من الأجرام الكلية، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبين لهم هذه المسألة الأصولية من غير تأخير ولهذا أدخل فاء التعقيب في الجواب. والنسف القلع. وقال الخليل: التطيير والإذهاب كأنه يجعلها كالرمل ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها. وحاصل الجواب أن كل بطلان لا يلزم أن يكون ذبوليا بل قد يكون رفعيا. والضمير في فَيَذَرُها للمضاف المحذوف أي فيدع مقارها ومراكزها وهو للأرض للعلم بها كقوله: ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها [فاطر: 45] والقاع المستوي من الأرض. وقيل: المكان المطمئن. وقيل: مستنقع الماء.

والصفصف الأرض الملساء المستوية. وقيل: التي لا نبات فيها. والأمت النتوّ اليسير.

وقيل: التلال الصغار. قالوا: العوج بالكسر في المعاني وكأنه سبحانه نفى العوج الذي يدق عن الإحساس ولا يدرك إلا بالقياس الهندسي، وإذا كان هذا النوع من العوج الاعتباري منتفيا فكيف بالعوج الحسي! وقد يستدل بالآية على أن الأرض يومئذ تكون كرة حقيقة إذ لو كانت مضلعة وقعت بين الأضلاع فصول مشتركة فيعوج الامتداد القائم عليها هناك. ثم إنه تعالى وصف ذلك اليوم بأن الخلائق فيه يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ قيل: هو النفخ في الصور. وقوله: لا عِوَجَ لَهُ أي لا يعدل عن أحد بدعائه بل يحشر الكل. وقيل: إن إسرافيل أو ملكا آخر يقوم على صخرة بيت المقدس ينادي: أيها العظام النخرة والأوصال المتفرقة واللحوم المتمزقة، قومي إلى ربك للحساب والجزاء فلا يعوج له مدعوّ بل يتبعون صوته من غير انحراف. وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ خفضت من شدة الفزع فَلا تَسْمَعُ أيها السامع إِلَّا هَمْساً وهو الصوت الخفي. وذلك أن الجن والإنس علموا أن لا مالك لهم سواه، وحق لمن كان الله محاسبه أن يخشع طرفه ويضعف صوته ويختلط قوله ويطول غمه. وعن ابن عباس والحسن وعكرمة وابن زيد الهمس وطء الأقدام إلى المحشر. قوله: إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ يصلح أن يكون «من» منتصبا على

ص: 571

المفعولية وأن يكون مرفوعا على البدلية بتقدير حذف المضاف أي لا تنفع الشفاعة إلا شفاعة من أذن له الرحمن وَرَضِيَ لَهُ أي لأجله قَوْلًا.

قال الإمام فخر الدين الرازي: الاحتمال الأول أولى لعدم التزام الإضمار، ولأن درجة الشافع درجة عظيمة فلا تصلح ولا تحصل إلا لمن أذن له فيها وكان عند الله مرضيا. فلو حملنا الآية على ذلك كان من إيضاح الواضحات بخلاف ما لو حملت على المشفوع. وأقول: الاحتمالان متقاربان متلازمان لأن المشفوع لا تقبل الشفاعة في حقه إلا إذا أذن الرحمن لأجله فيعود إلى الثاني. قالت المعتزلة: الفاسق غير مرضي عند الله تعالى فوجب أن لا ينتفع بشفاعة الرسول. وأجيب بأنه قد رضي لأجله قولا واحدا من أقواله وهو كلمة الشهادة. قالوا: هب أن الفاسق قد رضي الله قولا لأجله، فلم قلتم إن الإذن حاصل للشافع في حقه؟ والجواب أنا أيضا نمنع من أن الإذن غير حاصل في حقه على أنه قال في موضع آخر وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى [الأنبياء: 28] فلم يعتبر إلا أحد القيدين. ثم أخبر عن نهاية علمه بقوله: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ. الضمير للذين يتبعون الداعي أي يعلم ما يقدمهم من الأحوال وما يستقبلونه وَلا يُحِيطُونَ بمعلومه عِلْماً.

وقال الكلبي ومقاتل: الضمير للشافعين من الملائكة والأنبياء كما مر في آية الكرسي. وفيه تقريع لمن يعبد الملائكة ليشفعوا له أي يعلم ما كان قبل خلقهم وما كان منهم بعد خلقهم من أمر الآخرة والثواب والعقاب وإنهم لا يعلمون شيئا من ذلك فكيف يصلحون للمعبودية. ثم ذكر غاية قدرته فقال: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ أي زلت رقاب الممكنات منقادين لأمره كالأسارى. عنا يعنو عنوّا إذا صار أسيرا. وقيل: أراد وجوه العصاة في القيامة كقوله: سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الملك: 27] ولعله خص الوجوه بالذكر لأن أثر الذل والانكسار فيها أبين وأظهر. قال جار الله: وَقَدْ خابَ وما بعده اعتراض أي كل من ظلم فهو خائب خاسر. ولأهل السنة أن يخصوا الظلم هاهنا بالشرك أو يعارضوا هذا العموم بعمومات الوعد. من قرأ فَلا يَخافُ بالرفع فعلى الاستئناف أي فهو لا يخاف كقوله: فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ [المائدة: 95] ومن قرأ فلا يخف فمعناه فليأمن له لأن النهي عن الخوف أمر بالأمن. من فسر الظلم بأنه الأخذ فوق حقه بالنقص من حقه كصفة المطففين فيقدر مضافا محذوفا أي فلا يخاف جزاء ظلم ولا هضم لأنه لم يظلم ولم يهضم، ومن فسر الظلم بأنه العقاب لا على جريمة والهضم بأنه النقص من الثواب فلا يحتاج إلى تقدير المضاف. قال أبو مسلم: الظلم أن ينقص من الثواب والهضم أن لا يوفى حقه من التعظيم لأن الثواب مع كونه من اللذات لا يكون ثوابا إلا إذا قارنه التعظيم.

ص: 572

قال جار الله: وَكَذلِكَ عطف على قوله: كَذلِكَ نَقُصُّ أي ومثل ذلك الإنزال وعلى نهجه، وكما أنزلنا عليك هؤلاء الآيات المضمنة للوعيد أنزلنا القرآن كله عربيا لأن العرب أصل وغيرهم تبع لأن النبي عربي. وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ كررناه وفصلناه ويدخل في ضمنه الفرائض والمحارم لأن الوعيد يتعلق بترك أحدهما وبفعل الآخر لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً حمل جار الله الأول على إرادة ترك المعاصي والثاني على فعل الخير والطاعة، لأن الذكر قد يطلق على الطاعة والعبادة. قلت: لا ريب أن القرآن ينفر عن السيئات ويبعث على الطاعات من حيث إن فهم معانيه يؤذي إلى ذلك، وإنما قدم الأول على الثاني لأن التخلية مقدمة على التحلية. ويحتمل أن تكون التقوى عبارة عن فعل الخيرات وترك المنكرات جميعا. والذكر يكون محمولا على ضد النسيان أي إن نسوا شيئا من التروك والأفعال أحدث لهم ذكرا إذا تأملوا معانية. وكلمة «أو» على الأول للتخيير والإباحة لا للتنافي، وعلى الثاني يجوز أن تكون للتنافي. وقيل: أراد أنزلنا القرآن ليتقوا فإن لم يحصل ذلك فلا أقل من أن يوجب القرآن لهم ذكرا أي شرفا ومنصبا كقوله:

وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [الزخرف: 44] وعلى التقديرين يكون في إنزال القرآن نفع.

ثم عظم شأن القرآن من وجه آخر وهو عظمة شأن منزلة قائلا فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ارتفع صفاته عن صفات المخلوقين أنزل القرآن ليحترزوا عما لا ينبغي وأنه منزه عن الانتفاع والتضرر بطاعاتهم ومعاصيهم. ومعنى الحق قد مر في البسملة. قال جار الله: فيه استعظام له ولما يصرّف عليه عباده من أوامره ونواهيه ووعده ووعيده والإدارة بين ثوابه وعقابه وغير ذلك كما يجري عليه أمر ملكوته. قال أبو مسلم: إن قوله: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ إلى هاهنا كلام تام. وقوله: وَلا تَعْجَلْ خطاب مستأنف. وقال آخرون: إنه صلى الله عليه وسلم كان يخاف أن يفوته شيء فيقرأ مع الملك، فإنه تعالى حين شرح كيفية نفع القرآن للمكلفين وبين أنه سبحانه متعال عن الانتفاع والتضرر بالطاعات والمعاصي.

وأنه موصوف بالملك الدائم والعز بالباقي، وكل من كان كذلك وجب أن يصون رسوله عن السهو والنسيان في أمر الوحي وما يتعلق بصلاح العباد في المعاش والمعاد. قال:

وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ لأنه حصل لك الأمان من السهو والنسيان مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ أي من قبل أن تتم قراءة جبريل ونحوه قوله لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ

[القيامة: 16] قاله مقاتل والسدي وابن عباس في رواية عطاء. وقال مجاهد وقتادة: أراد ولا تعجل بالقرآن فتقرأ على أصحابك من قبل أن يوحي إليك بيان معانية أي لا تبلغ ما كان مجملا حتى يأتيك البيان. وقال الضحاك: إن أهل مكة وأسقف نجران قالوا:

ص: 573