المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورةُ المطِّففين آياتها:39 - تفسير جزء عم للشيخ مساعد الطيار

[مساعد الطيار]

فهرس الكتاب

- ‌المقدِّمة

- ‌المسألة الأولى: مفهوم التفسير:

- ‌المسألة الثانية: أنواع الاختلاف وأسبابه:

- ‌المسألة الثالثة: طبقاتُ السَّلف في التفسير:

- ‌المسألة الرابعة: تفسير السلف للمُفردات:

- ‌سُورةُ النَّبأ

- ‌سورة النازعات

- ‌سورة عبس

- ‌سورة التكوير

- ‌سورةُ الإنفِطار

- ‌سورةُ المطِّففين

- ‌سورةُ الإنشِقاق

- ‌سورةُ البُروج

- ‌سورةُ الطَّارِق

- ‌سورةُ الأعلَى

- ‌سورةُ الغَاشية

- ‌سورةُ الفَجر

- ‌سورةُ البَلَد

- ‌سورةُ الشَّمس

- ‌سورةُ اللَّيل

- ‌سورةُ الضُّحى

- ‌سورةُ الشَّرح

- ‌سورةُ الِّتين

- ‌سورةُ العَلَق

- ‌سورةُ القَدر

- ‌سورةُ البِّينة

- ‌سورةُ الزَلْزَلة

- ‌سورةُ العادِيات

- ‌سورةُ القَارِعة

- ‌سورةُ التكاثُر

- ‌سورةُ العَصْر

- ‌سورةُ الهُمَزَة

- ‌سورةُ الفِيل

- ‌سورةُ قُريش

- ‌سورةُ الماعون

- ‌سورةُ الكَوْثَر

- ‌سورةُ الكافِرون

- ‌سورةُ النَّصر

- ‌سورةُ المَسَد

- ‌سورة الإخلاص

- ‌سورة الفلق

- ‌سورة الناس

- ‌فهرس

- ‌أولاً: فهرس اختلاف التنوع:

- ‌القسمُ الأول: الاختلافُ الذي يرجعُ إلى معنًى واحد:

- ‌القسمُ الثاني: الاختلافُ الذي يرجع إلى أكثرِ من معنى

- ‌ثانياً: أسبابُ الاختلاف:

- ‌1 - الاختلافُ بسبب التواطؤ:

- ‌2 - الاختلافُ بسبب ذكرِ وصفٍ لموصوفٍ محذوف:

- ‌3 - الاختلافُ بسبب الاشتراكِ اللُّغوي:

- ‌4 - الاختلافُ بسبب الحذف:

- ‌5 - الاختلافُ بسبب مفسّر الضمير:

- ‌6 - الحملُ على المعنى اللغوي، والحملُ على المعنى الشرعي:

- ‌ثالثاً: قواعد الترجيح:

- ‌1 - الترجيحُ بالأغلب، أو المشهور من لغة العرب:

- ‌2 - الترجيحُ بقول الجُمهور (وقد يسميه عليه الطبري: إجماع الحجة):

- ‌3 - الترجيحُ بدلالة السنَّة النبوية:

- ‌4 - الترجيحُ بدلالة السِّياق:

- ‌5 - الترجيحُ بأصل ترتيبِ الكلام، وعدمِ الحُكم بالتقديم والتأخيرِ إلا لعلَّةٍ توجبُ ذلك:

- ‌6 - الترجيحُ برَسْمِ المصحف:

- ‌7 - الترجيحُ بعَوْدِ اسم الإشارة المُفرَدِ إلى أقربِ مذكورٍ، كالضمير:

- ‌8 - الترجيحُ باتِّساق الضمائر، وعَوْدِها على المذكور الأوَّل:

- ‌رابعاً: اختلافُ المعاني بسبب اختلاف القراءة:

- ‌ فهرسُ الفوائد العلمية:

الفصل: ‌ ‌سورةُ المطِّففين آياتها:39

‌سورةُ المطِّففين

آياتها:39

ص: 83

سورة المطففين

بسم الله الرحمن الرحيم

وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10) الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11) وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17) كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28) إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)

ص: 84

سورةُ المطِّففين

عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: لما قدِمَ نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ، كانوا من أخبثِ الناسِ كَيْلاً، فأنزل الله:{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} ، فحسَّنوا كَيلَهُم.

1 -

قولُه تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} : يتوعَّدُ اللَّهُ سبحانَه بالهلاكِ والخسارة، الذين يبخسونَ حقَّ الناس بأخذ القليلِ منه: إما بنقصِ كَيْلِ الناس ووزنِهم، وإما بزيادتهم كيلَ أنفسِهم ووزنه على حساب الناس.

2 -

3 - قولُه تعالى: {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ *وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} : هذا بيانٌ للتطفيفِ الذي يكونُ من هؤلاء المطفِّفين، وذلك أنهم إذا أخذوا كيلَهم أو وزنَهم من الناس أخذوه تامًّا غير ناقصٍ، وإذا أعطوا الناسَ كيلهم أو وزنهم نقصوا منه الشيءَ القليل، ظلماً منهم ولؤماً (1).

(1) في الآية قولٌ آخرَ ذكرهُ الطبري عن عيسى بن عمر النَّحْوي، وهو أن تكون «هم» من قوله: كالُوهم ووزَنُوهُم من ضمير الكائلين والوازنين، لا من ضميرِ الناسِ المكيلِ لهم، ويكون الوقف صالحاً على «كالوا» و «وزنوا» ، ويكون المعنى:«إذا كالوا للناس هم يُخسرون» ، قال الطبري: «

ومن وجَّه الكلام إلى هذا المعنى، جعل الوقف على «هم» ، وجعل «هم» في موضع نَصب.

وكان عيسى بن عمر ـ فيما ذُكر عنه ـ يجعلهما حرفين، ويقف على «كالوا» ، وعلى «وزنوا» ، ثم يبتدئ:«هم يُخسرون» . فمن وجَّه الكلام إلى هذا المعنى، جعل «هم» في موضعِ رفعٍ، وجعل «كالوا» و «وزنوا» مكتفيين بأنفسهما.

والصوابُ في ذلك عندي، الوقف على «هم» ؛ لأن «كالوا» ، و «وزنوا» لو كانا مكتفيين، وكانت «هم» كلاماً مستأنفاً، كانت كتابة «كالوا» و «وزنوا» بألف فاصلة بينها =

ص: 85

4 -

5 - قولُه تعالى: {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ *لِيَومٍ عَظِيمٍ} ؛ أي: ألا يقعُ في حسِّ هؤلاء المطفِّفين أنهم سيُبعثونَ يومَ القيامة الذي عَظُمَ بما يقعُ فيه من الأهوالِ، ويحاسَبونَ على تطفيفِهم؟.

6 -

قولُه تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} : هذا بيانٌ لليومِ العظيمِ، وهو يومُ قيامِ الناسِ أمامَ ربِّهم للحساب، كما قال صلى الله عليه وسلم: يومَ يقومُ الناسُ لربِّ العالمين، «حتى يغيبَ أحدُهم في رشحهِ إلى أنصافِ أُذُنَيه» .

7 -

9 - قولُه تعالى: {كَلَاّ إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ *كِتَابٌ مَرْقُومٌ} : رَدَّ على المطفيين بأن الأمر ليس كما يعتقدونَ من عدمِ البعث، ثمَّ أخبرَ عن كتابِ الذين فَجَروا في أعمالهم أنه في سِفَالٍ وخَسَارٍ في الأرض السُّفلى (1)، ولتهويلِ أمرِ هذا الكتابِ استفهمَ على طريقة

= وبين «هم» مع كل واحدة منهما، وإذا كان بذلك جرى الكتاب في نظائر ذلك، إذا لم يكن متصلاً به شيء من كنايات المفعول، فكتابتهم ذلك في هذا الموضع بغير ألفٍ أوضح الدليل على أن قوله:«هم» إنما هو كناية أسماء المفعول بهم، فتأويلُ الكلام إذا كان الأمر على ما وصَفْنا وبينَّا».

وهذا الترجيحُ من الطبري اعتمد فيه رسمَ المصحف، وهو أحد المرجِّحات في الاختلاف، والله أعلم.

(1)

أصل مادة سجِّين من «سجن» ، وهي تدل على التضييقِ والحَبْسِ، ومنها السِّجن، وقد اختلفت عبارة السلف في «سجَّين» على أقوال:

1 -

الأرضُ السابعةُ السُّفلى، وردَ ذلك عن: عبد الله بن عمرو من طريق قتادة بلاغاً، وابن عباس من طريق العوفي، ومغيث بن سُمَي من طريق مجاهد، وقتادة من طريق معمر وأبي هلال، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح، والضحاك من طريق عبيد، وحكاه ابن زيد، وبه أجاب كعب الأحبار عن سؤال ابن عباس له.

2 -

حدُّ إبليس، ورد ذلك عن: سعيد بن جبير، وقد ورد عن مغيث بن سمي وكعب الأحبار أن حدَّ إبليسَ في الأرض السفلى.

3 -

صخرةٌ في الأرض السابعة، يُجعلُ كتابُ الفجَّار تحتها، عن مجاهد من طريق ابن أبي نجيح. ويشهدُ لكونِ سجِّين الأرض السفلى ما ورد في بعض طرق حديث البراء بن عازب في صعودِ روحِ الكافرِ إلى السماء، ثم أمرَ اللَّهُ بأن لا تدخل السماء، قال صلى الله عليه وسلم: =

ص: 86

القرآن في الاستفهامِ عن سِجِّين، وبيَّن أن كتابَهم قد فُرِغَ منه، فلا يُزادُ فيه ولا يُنقص منه (1)، ولا يزولُ رَقْمُهُ كما لا يزول الخيطُ الذي على الثوب، والله أعلم.

10 -

11 - قولُه تعالى: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ *الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ} ؛ أي: يومَ يقومُ الناسُ لربِّ العالمينَ فالهلاك والثبور لمن كذَّبَ بيوم الجزاءِ والحساب.

12 -

قولُه تعالى: {وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَاّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} ؛ أي: ما يقعُ التكذيبُ بيوم الدِّين إلا من كلِّ من هو متجاوزٌ لما أحلَّ الله، مرتكِبٌ لما حرَّمَ الله.

13 -

قولُه تعالى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} ؛ أي: من صفةِ هذا المعتدي الأثيمِ أنه إذا قُرئت عليه آياتُ القرآنِ قال عنها: إنها شبه الأقاصيصِ المكذوبةِ والمخترَعَةِ على السابقين من الأمم.

14 -

قولُه تعالى: {كَلَاّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ؛ أي: ليس الأمرُ كما يقول هذا المكذِّب في القرآن، ويعتقدُ في البعث، ولكن غلبَ على قلبه وغطَّاه ما كسَبَهُ من الذنوب، فجعَلَتهُ لا يُبصرُ الحق، كما قال صلى الله عليه وسلم:«إذا أذنبَ العبدُ نُكِتَ في قلبه نُكْتَةً سوداء، فإن تاب، صقلَ منها، فإن عاد، عادت، حتى تعظم في قلبه، فذلك الرَّانُ الذي يقول الله: {كَلَاّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (2)» .

= فيقول الله: اكتبوا كتابَه في أسفل الأرض في سجِّين في الأرض السفلى.

وقد وردَ في تفسير سجِّين حديثٌ يُنسبُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو لا يَصِحُّ عنه:«الفلق جُبٌّ في جهنَّم مغطَّى، وأما سجِّين فمفتوح» ، قال عنه ابن كثير أنه حديث غريب منكر لا يصح.

(1)

قال ابن كثير: وقوله: {كِتَابٌ مَرْقُومٌ} : ليس تفسيراً لقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ} ، وإنما هو تفسيرٌ لما كُتبَ لهم من المصير إلى سجِّين؛ أي: مرقوم: مكتوبٌ مفروغٌ منه لا يُزادُ فيه أحد، ولا يُنقصُ منه أحد، قاله محمد بن كعب القرظي.

(2)

هكذا وردَ تفسيرُ السلفِ لهذه الآية، وقد ذُكر عن مجاهدٍ صفة غَشَيانِ الرَّيْنِ، قال =

ص: 87

15 -

17 - قولُه تعالى: {كَلَاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ *ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ *ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} : هذا تكرارٌ للرَّدِّ على أولئك المكذِّبين، وبيانُ أنهم ممنوعونَ من رؤيةِ اللَّهِ سبحانه (1)، ثمَّ إنهم سيدخُلونَ

= الأعمش: «أرانا مجاهد بيده، قال: كانوا يرون القلب في مثل هذا؛ يعني: الكفَّ، فإذا أذنب العبد ذنباً ضُمَّ منه، وقال بأصبعه الخنصر هكذا، فإذا أذنب، ضمَّ أصبعاً أخرى، حتى ضمَّ أصابعه كلها، ثمَّ يُطبَع عليه بطابع، قال مجاهد: وكانوا يرون أن ذلك الرَّين» .

وقد ورد التفسير عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة والعوفي، والحسن من طريق خُليد وأبي رجاء وسفيان الثوري، ومجاهدٍ من طريق منصور والأعمش وابن أبي نجيح، وعطاء من طريق طلحة، وقتادة من طريق سعيد ومعمر، وابن زيد. وقد وردت عنهم في تفسير الرَّين ألفاظٌ متقاربة، وهي: تغشى القلب، غمرتهُ خطاياه، يُطبع على قلبه، غُلِبَ على قلوبهم.

(1)

استدلَّ علماءُ السلفِ بهذه الآية على وقوع رؤية المؤمنين ربَّهم يوم القيامة، فقالوا: لما حُجِبَ هؤلاء في حال السخطِ، دلَّ على أن قوماً يرونه في حال الرضا، ويشهدُ لهذا أن الله أثبتَ للأبرار الذين هم مقابل لهؤلاء القوم، أثبت لهم الرؤية بقوله:{عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} ، كما سيأتي، فَكَوْنُ هذهِ الآية نظيراً لتلك أَوْلى، والله أعلم.

وقد أورد ابن جرير عن الحسن البصري في تفسيرِ هذه الآية قوله: يكشِفُ الحجاب، فينظرُ إليه المؤمنونَ كلَّ يومٍ غدوة وعشيَّة، وهذه الرواية من طريق عمرو بن عبيد المعتزلي، وكأن الإمام يرمي إلى مخالفة المعتزلة لما رواه عمرو بن عبيد أحد شيوخهم في إثبات الرؤية عن الحسن الذي يَدَّعون ـ زوراً ـ أنه من المعتزلة، والله أعلم.

وقد أورد الطبري قولاً آخر وترجمَ له بقوله: «فقال بعضهم: معنى ذلك: إنهم محجوبون عن كرامته» ، وأورد تحت هذه الترجمة قول قتادة من طريق خليد، قال:«هو لا ينظر إليهم، ولا يزكِّيهم، ولهم عذابٌ أليم» . وقول ابن أبي مليكة: «المنَّان، والمُختال، والذي يقتطع أموال الناس بيمينه بالباطل» .

وهذا القول أعمُّ من نفي رؤيتهم لربهم، والرؤيةُ أعلى كراماتِ الربِّ لعباده، وعلى هذا فإنه لا تنافي بين القولين من هذا الوجه، ولذا قال ابن جرير الطبري: «وأَوْلى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذِكره أخبرَ عن هؤلاء القومِ أنهم عن رؤيته محجوبون، ويُحتمل أن يكونَ المرادُ به الحجاب عن كرامته، وأن يكون المراد به الحجاب عن ذلك كلِّه، ولا دلالةَ في الآية تدلُّ على أنه مُرادٌ بذلك الحجابِ معنى دون معنى، ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قامت حُجته. فالصوابُ أن يقال: هم محجوبون عن =

ص: 88

النارَ التي تشويهم بحرِّها، ثم تقولُ لهم ملائكةُ العذابِ: هذا العذابُ الذي كنتم لا تصدِّقونَ به.

18 -

20 - قولُه تعالى: {كَلَاّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ *وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ *كِتَابٌ مَرْقُومٌ} ؛ أي: ليس الأمرُ كما تقولونَ من تكذيبِكم بالجزاء والعذابِ، ثم أخبرَ عن كتابِ الذين أطاعوا ربَّهم فأكثروا، وعبَدوه فأحسنوا، أخبرَ أنَّ كتابَهم عالٍ قدرُهُ في السماء السابعة (1)، ولتعظيمِ أمرِ هذا الكتابِ

= رؤيته، وعن كرامتهِ، إذ كان الخبر عاماً، ولا دلالة على خصوصه».

وما ذكرته سابقاً يرجِّح المعنى الأول على الثاني، والله أعلم.

وهذا الاختلاف من قبيل اختلافِ التنوُّع؛ لصحَّة القولين، واحتمال الآية لهما معاً، وسببُ الخلاف: أنَّ في الآية حذفاً، وقد اختلفوا في تقديره، فقدَّره بعضهم: محجوبون عن كرامته، وقدَّره آخرون: محجوبون عن رؤيته. والله أعلم.

(1)

اختلف السلف في المراد بعلِّيِّين، على أقوال:

الأول: السماءُ السابعة، وهو قول كعب الأحبار، وقتادة من طريق عبيد الله العتكي، وزيد بن أسلم من طريق ابنه أسامة، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح.

الثاني: قائمةُ العرشِ اليُمنى، وهو قول قتادة من طريق معمر وسعيد.

الثالث: الجنة، وهو قول ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة.

الرابع: عند سِدْرَةِ المنتهى، وهو قول الضحَّاك من طريق الأجلح.

الخامس: في السماء عند الله، وهو قول ابن عباس من طريق العوفي، والضحَّاك من طريق عبيد. ويجمعُ هذه الأقوالُ أنَّ هذا الكتابَ في السماء السابعة؛ لأن المذكورات المحدَّدة ـ سدرة المنتهى وغيرها ـ في السماء السابعة، وليس هناك خبرٌ قاطع بهذه التحديدات.

قال الطبري: «

فبيَّن أن قوله: {لَفِي عِلِّيِّينَ} معناه: في عُلُوٍ وارتفاع، في سماءٍ فوق سماء، وعُلُوٍ فوق عُلُوٍ. وجائزٌ أن يكونَ ذلك إلى السماء السابعة، وإلى سدرة المنتهى، وإلى قائمةِ العرش اليُمنى، ولا خبرَ يقطعُ العُذْرَ بأنه معنيٌّ به بعضٌ دون بعض.

والصوابَ أن يقال في ذلك كما قال الله جل ثناؤه: إن كتابَ أعمالِ الأبرار لفي ارتفاعٍ إلى حدٍّ قد عَلِمَ الله جلَّ وعزَّ منتهاه، ولا علمَ عندنا بغايته، غير أن ذلك لا يقصرُ عن السماء السابعة؛ لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك».

ويشهدُ لهذا أنه قد وردَ في بعض طرقِ حديثِ البراء بن عازب: «اكتبوا كتابَ عبدي في علِّيِّين في السماء السابعة» ، والله أعلم.

ص: 89

استفهمَ عن موضعِ كتابِهم على طريقة القرآنِ في الاستفهام، فقال: وما أعلمكَ ما عِلِّيُّون؟، ثم بيَّنَ أن كتابَهم قد فُرِغَ منه، فلا يُزادُ فيه ولا يُنقصُ منه، ولا يزولُ رَقْمُهُ كما لا يزولُ الخيطُ الذي على الثوب، والله أعلم.

21 -

قولُه تعالى: {يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} ؛ أي: يحضرُ كتابَ هؤلاء الأبرارِ مقرَّبو كلِّ سماءٍ (1).

22 -

24 - قولُه تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعْيمٍ *عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ *تَعْرِفُ فِي وَجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} ؛ إنَّ الذين برُّوا باتِّقاء الله وأداءِ فرائضِه لفي تنعُّمٍ دائمٍ لا يزول، وذلك في الجنَّة، التي يجلسونَ على سُرُرِها المزيَّنة في الغُرَفِ (2)، ينظرونَ ـ وهم عليها ـ إلى ما آتاهم الله من النَّعيم، وأعلى هذا النَّعيم رؤية الباري جلَّ وعزَّ (3). وإذا رأيتَهم، فإنكَ ترى أَثَرَ التنعُّم على وجوهِهِم بما يظهرُ عليها من الحُسْنِ والبهاء.

25 -

26 - قولُه تعالى: {يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ *خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} ؛ أي: يسقيهم خَدَمُهُم من خمرِ الجنة (4) الذي قد

(1) يمكنُ أن يكونَ تفسيرُ هذا ما وردَ في حديث البراء بن عازب في صعودِ روحِ العبدِ المؤمن، قال:«ثم يُشَيِّعُهُ مقرَّبو كلِّ سماء» ، وقد وردَ ذلك عن ابن عباس من طريق العوفي، وقتادة من طريق سعيد، والضحاك من طريق عبيد، وابن زيد، والله أعلم.

(2)

الأرائكُ هي السُّرُرُ في الحِجَال، والحَجَلَة: المكان المزيَّن والمهيَّأ.

(3)

يلاحظ أن مفعولَ ينظرون محذوف، والتقدير العام أنهم ينظرون إلى ما نعمَ الله عليهم من نعيمِ الجنة، وأعلى هذا النعيم رؤية الله سبحانه، ويكون في هذا مقابَلَةٌ لعذاب الكفَّار بحَجْبِهم عن رؤية الربِّ الوارد في قوله تعالى:{كَلَاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} ، والله أعلم.

(4)

فسَّر السلف الرحيقَ بخمر الجنة، وردَ ذلك عن عبد الله بن مسعود من طريق مسروق، وابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة والعوفي، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح ومنصور، وقتادة من طريق معمر وسعيد، والحسن من طريق أبي رجاء، وابن زيد، وذكر له شاهداً من شعر حسَّان.

ص: 90

خُلِطَ بالمِسك، وجُعِلَ في نهايته (1)، فهم يشمُّونه من أوَّلِ شُربهم إلى

(1) اختلفت عبارة السلف في تفسير «مختوم وخِتامه» على ثلاثة أقوال:

الأول: ممزوجٌ مخلوط، وردَ ذلك عن ابن مسعود من طريق علقمة ومسروق، وعلقمة من طريق يزيد بن معاوية.

الثاني: أن آخرَ شرابهم من الخمر يُجعل فيه مِسك، وردَ ذلك عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة والعوفي، وقتادة من طريق معمر وسعيد، والضحاك من طريق عبيد، وإبراهيم النَخَعي والحسن من طريق أبي حمزة.

الثالث: مطيَّنٌ بمسك؛ أي: غطاؤه من مسك، ورد ذلك عن مجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وابن زيد.

وقد رجَّحَ ابن جرير أن المعنى: عاقبته ونهايته مسك، فقال: «وأَوْلى الأقوالِ في ذلك عندنا بالصواب، قولُ من قال: معنى ذلك آخره وعاقبته مسك؛ أي: هي طيِّبة الريح، إن ريحَها في آخر شربهم يُختمُ لها بريحِ المسك.

وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصحَّة؛ لأنه لا وجهَ للخَتْمِ في كلام العرب إلا الطبعَ والفراغ؛ كقولهم: ختمَ فلان القرآن: إذا أتى على آخِره، فإذا كان لا وجهَ للطبعِ على شراب أهلِ الجنةِ يُفهم إذا كان شرابهم جارياً جريَ الماء في الأنهار، ولم يكن معتَّقاً في الدِّنان، فيطيَّنُ عليها وتختم، تعيَّنَ أن الصحيح من ذلك الوجه الآخر، وهو العاقبة والمشروب آخراً، وهو الذي يختم به الشراب.

وأما الختمُ بمعنى: المزجِ، فلا نعلمهُ مسموعاً من كلام العرب».

وهذا الترجيحُ مبنيٌ على أمرين:

الأول: أن خمرَ الجنةِ نهرٌ كنهر الماء فلا يُتصوَّرُ فيه أن يكون له غطاء من المسك، وهذا صحيح، إلا إنْ ورد في الأحاديث ما يدل على وجود خمر في الدِّنان. وبهذا التعليل رَدَّ قول مجاهد وابن زيد.

الثاني: أنه لم يعلم من كلام العرب: ختامه: خلطه ومزجه، ورَدَّ بهذا على القولِ الذي رواه عن ابن مسعود وعلقمة، وهذا فيه نظر؛ لأن هؤلاء الذين فسَّروا من العرب، وكلامهم في اللغة حجَّة، فلمَ لم يقبل تفسيرهم؟! ولو وازنتَ هذا الموضع بما ورد عنه في تفسيره للفظ الدُّلُوك في قوله تعالى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78]، لتبيَّن لك أنه قد خالف ما قعَّدَهُ هناك حيث جعل كلام ابن مسعود حجة في اللغة، ولم يبيِّن هنا سبباً في ردِّهِ هذا القول غير ما قاله، وهو غير صحيح، إذ عدم علمِه بهذا لا يعني عدم وجودِه، مع أنه رواه عمَّن ذكر، والله أعلم. وهذا الاختلافُ كما رأيتَ سببه الاشتراك اللغوي في لفظِ الخَتمِ، وهو من قبل اختلاف التنوُّع، ولو قيل في الترجيح: إنَّ القولَ بأنه عاقبته =

ص: 91

آخِره. وفي طلبِ هذا التنعُّم يجبُ أن يَتبارَى ويَتسابقَ في الحصولِ عليه الذين يريدون النعيمَ الأبديَّ (1).

27 -

28 - قولُه تعالى: {وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ *عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} ؛ أي؛ وهذا الرحيقُ المختومُ بالمسكِ يُخْلَطُ به ماءٌ من عَيْنِ تسنيم، التي ينزلُ عليهم ماؤها من أعلى الجنة، فيشربُه (2) المقرَّبونَ صِرْفاً غير مخلوطٍ، ويشربه سائرُ المؤمنينَ مخلوطاً بغيره (3).

= ونهايته مسك؛ لأن هذا المعنى هو الأشهرُ في إطلاق اللفظة، لكان وجهاً في الترجيح، والله أعلم.

(1)

يظهرُ ـ والله أعلم ـ أن جملةَ: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} مَعْتَرِضَةٌ بين قوله: {خِتَامُهُ مِسْكٌ} ، وقوله:{وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ} . وفي إيثار مادة التنافس ما يشعر بنفاسَةِ هذا الشيء الذي جُعل للمتسابقين إليه (انظر: التحرير والتنوير).

(2)

عُدِّيَ الفعلُ «يشرب» بالباء، وهو يتعدَّى بدونها، وإنما ذكرت الباء، إشارة لتضمين فعل آخر، ويمكن تقديره بـ «يُروى» أو «يتلذذ» بها المقرَّبون، وهذا مذهبُ أهل البصرة من النحْويين. والكوفيون يرون أن الباء بمعنى «من» في مثل هذا الموضع على التعاقب بين حروف الجر، والأول أمتن في اللغة، وأعمقُ في البلاغة، والله أعلم.

(3)

وردَ ذلك عن عبد الله بن مسعود من طريق مسروق، ومسروق من طريق مالك بن الحارث وعبد الله بن مرَّة، ومالك بن الحارث من طريق منصور، وابن عباس من طريق سعيد بن جُبير، وأبي صالح من طريق إسماعيل، وقتادة من طريق سعيد.

وورد عن ابن عباس من طريق العوفي: عيناً من ماء الجنة تُمزج به الخمر. وعن الحسن من طريق أبي رجاء: خفايا أخفاها الله لأهل الجنة. وعن ابن زيد: بلغنا أنها عينٌ تخرجُ من تحت العرش، وهي مزاج هذا الخمر. وعن الضحاك من طريق عبيد: شرابٌ اسمه تسنيم، وهو من أشرفِ الشراب. وعن مجاهد من طريق ابن أبي نجيح: يعلو شراب أهل الجنة (تفسير مجاهد وعبارته أوضح مما في الطبري). وعن الكلبي من طريق معمر: تسنيم: ينصب عليهم من فوقهم، وهو شراب المقرَّبين.

ويتلخَّص من ذلك أن تسنيم: عين، وماؤها يأتيهم من علو، وهو أعلى شراب أهل الجنة، وأنه يشربه المقرَّبون صِرْفاً، ويُخلطُ لغيرهم من أهل الجنة، والله أعلم.

أما تحديد أنه من تحت العرش فهو قول من تابع التابعي، ويتوقف في قَبول خبرِه هذا: لأنه أمر غيبي. =

ص: 92

29 -

قولُه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} ؛ أي: إنَّ الكفارَ الذين اكتسبوا المآثم، كانوا في الدنيا يهزأون بالمؤمنين ويضحَكون منهم (1).

30 -

قولُه تعالى: {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} ؛ أي: وإذا مرَّ الكفَّار بالمؤمنين، أشاروا إليهم: إمَّا باليد، وإمَّا بالعينِ، سُخْرِيةً واستِهْزاءً (2).

31 -

قولُه تعالى: {وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ} ؛ أي: وإذا عادَ هؤلاءِ الكفارُ إلى بيوتهم بعد أعمالهم هذه التي عَمَلوها للمؤمنين، عادوا وهم متلذِّذون بما فعلوا.

32 -

قولُه تعالى: {وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَآلُّونَ} ؛ أي: وإذا قابلَ هؤلاءِ الكفار المؤمنين، فرأَوْهُم، قالوا مُصْدِرينَ الحكمَ عليهم: إنَّ هؤلاء الذين آمنوا لتائِهونَ عن الحق؛ لأنهم ليسوا على ديننا.

33 -

قولُه تعالى: {وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} : هذا تعقيبٌ من الله على هؤلاء الكفارِ الذين يُصْدِرونَ مِثْلَ هذه الأحكام، بأنَّ الله لم يبعثهم رسلاً ليسَجِّلوا على المؤمنين أعمالَهم!.

= أما الأوصافُ الأخرى فقد وردت عن صحابيين وجمعٍ من التابعين، وكونه أعلى الجنة مأخوذٌ من مدلولِ لفظ تسنيم؛ لأن مادة «سنم» تدل على الارتفاع، والله أعلم.

فائدة: الأصلُ أن يُحْمَلَ الإعراب على الوارد عن السلف في التفسير، وقد كان هذا منهج الإمام الطبري، ومن ذلك هذا الموضع، فبعد أن ذكر أقوال المعربين من نَحْوِيِّي البصرة والكوفة للفظ «عيناً» ، قال: «والصواب من القول في ذلك عندنا: أن التسنيمَ اسمٌ مَعْرِفَة، والعين نكِرة، فنُصبت لذلك إذ كانت صفة له.

وإنما قلنا: ذلك هو الصواب، لما قد قدَّمنا من الرواية عن أهل التأويل: أن التسنيم هو العين، فكان معلوماً بذلك أن العينَ إذ كانت منصوبة، وهي نكرة، أنَّ التسنيم معرفة».

(1)

جاء فعل الضَّحِكِ مضارعاً، للدلالة على تكرُّر هذا الحدث منهم، وهذا الفعلُ حكاية عنهم في الدنيا بدلالة قوله:«كانوا» التي تدل على الماضي، ودلالة قوله: «فاليوم الذين آمنوا

».

(2)

جاء الفعل «يتغامزون» مضارعاً، للدلالة على تكرُّر الحدث أو لاستحضاره في ذهن السامع.

ص: 93

34 -

قولُه تعالى: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} ؛ أي: فاليومَ الذي هو يوم القيامة يضحكُ المؤمنون من الكفارِ لِما يَرَوْنهم فيه من الخزِي، وهذا مقابلُ ضَحِكِ الكفارِ عليهم في الدنيا.

35 -

قولُه تعالى: {عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} ؛ أي: هؤلاء المؤمنونَ جالسونَ على سُرُرٍ في مكان مزيَّن لهم ينظرونَ إلى الكفار وهم يعذَّبون، فَيُسَرُّون بذلك، ويضحَكون من أعداء الله الذين كانوا يضحكون منهم في الدنيا (1).

36 -

قولُه تعالى: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} ؛ أي: هل جُوزِيَ الكفارُ بهذا العذابِ الذي رآه المؤمنون بما فعلوا؟ ولا شكَّ أنهم قد جُوزوا بسوء عملِهم، والله أعلم.

(1) وردَ التفسير بذلك عن ابن عباس من طريق العوفي والضحاك، وكعب الأحبار من طريق قتادة، وسفيان الثوري من طريق مهران، وفي رواياتهم تفاصيل عن كيفية نظرِ المؤمنين لعذابِ الكفَّار.

ص: 94