المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورةُ الشَّمس آياتها:15 - تفسير جزء عم للشيخ مساعد الطيار

[مساعد الطيار]

فهرس الكتاب

- ‌المقدِّمة

- ‌المسألة الأولى: مفهوم التفسير:

- ‌المسألة الثانية: أنواع الاختلاف وأسبابه:

- ‌المسألة الثالثة: طبقاتُ السَّلف في التفسير:

- ‌المسألة الرابعة: تفسير السلف للمُفردات:

- ‌سُورةُ النَّبأ

- ‌سورة النازعات

- ‌سورة عبس

- ‌سورة التكوير

- ‌سورةُ الإنفِطار

- ‌سورةُ المطِّففين

- ‌سورةُ الإنشِقاق

- ‌سورةُ البُروج

- ‌سورةُ الطَّارِق

- ‌سورةُ الأعلَى

- ‌سورةُ الغَاشية

- ‌سورةُ الفَجر

- ‌سورةُ البَلَد

- ‌سورةُ الشَّمس

- ‌سورةُ اللَّيل

- ‌سورةُ الضُّحى

- ‌سورةُ الشَّرح

- ‌سورةُ الِّتين

- ‌سورةُ العَلَق

- ‌سورةُ القَدر

- ‌سورةُ البِّينة

- ‌سورةُ الزَلْزَلة

- ‌سورةُ العادِيات

- ‌سورةُ القَارِعة

- ‌سورةُ التكاثُر

- ‌سورةُ العَصْر

- ‌سورةُ الهُمَزَة

- ‌سورةُ الفِيل

- ‌سورةُ قُريش

- ‌سورةُ الماعون

- ‌سورةُ الكَوْثَر

- ‌سورةُ الكافِرون

- ‌سورةُ النَّصر

- ‌سورةُ المَسَد

- ‌سورة الإخلاص

- ‌سورة الفلق

- ‌سورة الناس

- ‌فهرس

- ‌أولاً: فهرس اختلاف التنوع:

- ‌القسمُ الأول: الاختلافُ الذي يرجعُ إلى معنًى واحد:

- ‌القسمُ الثاني: الاختلافُ الذي يرجع إلى أكثرِ من معنى

- ‌ثانياً: أسبابُ الاختلاف:

- ‌1 - الاختلافُ بسبب التواطؤ:

- ‌2 - الاختلافُ بسبب ذكرِ وصفٍ لموصوفٍ محذوف:

- ‌3 - الاختلافُ بسبب الاشتراكِ اللُّغوي:

- ‌4 - الاختلافُ بسبب الحذف:

- ‌5 - الاختلافُ بسبب مفسّر الضمير:

- ‌6 - الحملُ على المعنى اللغوي، والحملُ على المعنى الشرعي:

- ‌ثالثاً: قواعد الترجيح:

- ‌1 - الترجيحُ بالأغلب، أو المشهور من لغة العرب:

- ‌2 - الترجيحُ بقول الجُمهور (وقد يسميه عليه الطبري: إجماع الحجة):

- ‌3 - الترجيحُ بدلالة السنَّة النبوية:

- ‌4 - الترجيحُ بدلالة السِّياق:

- ‌5 - الترجيحُ بأصل ترتيبِ الكلام، وعدمِ الحُكم بالتقديم والتأخيرِ إلا لعلَّةٍ توجبُ ذلك:

- ‌6 - الترجيحُ برَسْمِ المصحف:

- ‌7 - الترجيحُ بعَوْدِ اسم الإشارة المُفرَدِ إلى أقربِ مذكورٍ، كالضمير:

- ‌8 - الترجيحُ باتِّساق الضمائر، وعَوْدِها على المذكور الأوَّل:

- ‌رابعاً: اختلافُ المعاني بسبب اختلاف القراءة:

- ‌ فهرسُ الفوائد العلمية:

الفصل: ‌ ‌سورةُ الشَّمس آياتها:15

‌سورةُ الشَّمس

آياتها:15

ص: 153

سورة الشمس

بسم الله الرحمن الرحيم

وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12) فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)

ص: 154

سورةُ الشَّمس

1 -

قولُه تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} : يقسِمُ ربُّنا بالشمسِ وبضوئِها الذي يكونُ أوَّلَ النهار (1).

2 -

قولُه تعالى: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا} : ويقسِمُ ربُّنا بالقمرِ إذا تَبِعَ الشمسَ بخروجِه (2).

3 -

قولُه تعالى: {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَاّهَا} : ويقسِمُ ربُّنا بالنهارِ إذا أظهرَ الشمسَ وضوءها (3).

(1) وردَ عن قتادة من طريق سعيد تفسير «ضُحاها» بأنه النهار، وعن مجاهد من طريق ابن أبي نجيح: بضوئها. قال ابن جرير: «والصوابُ من القولِ في ذلك أن يقال: أقسَم جلَّ ثناؤه بالشمس ونهارِها، لأنَّ ضوءَ الشمسِ الظاهرَ هو النهار» . فجعل ابن جرير الطبري معنى الضُّحى في اللغة النهارَ كلَّه، وكذا فسَّره في قوله تعالى:{وَالضُّحَى} [الضحى: 1]، وكذا فسَّرَ الفراءُ في معاني القرآن، والمعروف من الضُّحى في اللغة أنه أولُ النهار، ومنه صلاةُ الضحى، وهي تكونُ بعد ارتفاعِ الشمسِ قِيْدَ رُمْحٍ إلى قُبيل الزوال، وهذا ـ فيما يظهر ـ هو المقسَمُ به؛ لأنَّ القسَمَ بالنهار سيجيء بعدها بآية، ومن ثمَّ يكون تفسير قتادة وغيره بأنه النهار أعمَّ من تفسير اللفظِ في عُرْفِ اللغة، أو يكون معنى آخر للضحى، ومن ثمَّ يكون الخلافُ بسببِ الاشتراكِ اللغوي في هذه اللفظة، والله أعلم.

(2)

فسَّر السلف معنى تلاها بتبِعَها، وردَ ذلك عن ابن عباس من طريق العوفي، ومجاهد من طريق قيس بن سعد وابن أبي نجيح، وقتادة من طريق سعيد ومعمر، وذَكَرَ أن ذلك يكون صبيحةَ الهلال، وابن زيد، وذكر أنه يتلوها في النصف الأول من الشهر، وهو يكون أمامها في النصف الآخر.

(3)

فسَّر قتادة من طريق سعيد: «إذا غَشِيَها» ، وهذا تفسير على المعنى؛ لأن معنى التَّجْلية: الإظهار والإبراز، فإذا ظهرَ النهارُ وبرزَ ضوؤه، فكأنه غَشِيَها، والله أعلم. =

ص: 155

4 -

قولُه تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} : ويقسِمُ ربُّنا باللَّيلِ إذا يغطِّي الشمسَ حتى تغيبَ، فتُظلِمُ الآفاق (1).

5 -

قولُه تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} : ويقسِمُ ربُّنا بالسماءِ وبمَنْ بناها، أو وببنائِها (2).

= وقد ذكر الطبريُّ عن الفرَّاء وجهاً آخر في التفسير فقال: «وكان بعضُ أهلِ العربية يتأوَّلُ ذلك بمعنى: والنهار إذا جلا الظُّلمة، ويجعل الهاء والألف من جلَاّها كنايةً عن الظلمة، ويقول: إنما جازَ الكناية عنها، ولم يجرِ لها ذكرٌ قبلُ؛ لأن معناها معروف، كما يُعرف قول من قال: أصبحت باردةً، وأمْسَت باردةً، وهبَّت شمالاً، فكنَّى من مؤنَّثات لم يجر لها ذكر إذ كُنَّ معروفاً معناهُنَّ.

والصوابُ عندنا في ذلك ما قاله أهلُ العلمِ الذين حكينا قولَهم؛ لأنهم أعلم بذلك، وإن كان للذي قاله، مَنْ ذكرنا قولَه من أهل العربية، وجهٌ».

يُلاحظُ في هذا المثالِ أن الطبريَّ لم يذكر في معنى الآية غيرَ قولِ قتادة، فاعتمدَ فهمَهُ في الآية، وهو كذلك يفعل في اعتمادِ قولِ الواحدِ من مفسري السلف إن لم يجد غيرَ قولِه، ولم يقبل قولَ ذلك اللغوي ـ وهو الفراء (انظر: معاني القرآن: 3/ 266) ـ لأنه مخالِف في المعنى لما ذكره عن قتادة الذي وصفه بأنه أعلمَ بذلك من الفراء، وهذه قاعدتُه رحمه الله في أقوال اللغويين التي تخالِف ما ورد عن السلف، فإنه يردّها ولا يقبلها، وقد أشار إلى قاعدتِه هذه في أول تفسيره (1/ 41) فقال في بيانِ وجوهِ تأويلِ القرآن:

«والثالث منها: ما كان علمُه عند أهلِ اللسان، الذي نزلَ به القرآن، وذلك تأويلُ عَربيَّتِه وإعرابه، ولا يوصلُ إلى علمِ ذلك إلا من قِبَلِهِم، فإذا كان ذلك كذلك، فأحقُّ المفسِّرين بإصابة الحقِّ في تأويل القرآن الذي إلى علم تأويله للعباد السبيل، أوضحُهم حجةً فيما تأوَّلَ وفسَّرَ، مما كان تأويله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دون سائرِ أمته، من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتةِ عنه، إما من وجهِ النقل المستفيض، وإما من وجه نقلِ العُدُولِ الأثْباتِ فيما لم يكن فيه عنه النقل المستفيض، أو من وجه الدلالةِ المنصوبة على صحَّتِه، وأوضحهم بُرهاناً فيما تُرجِمَ وبُيِّن من ذلك مما كان مُدْرَكاً علمه من جهة اللسان، إما بالشواهد من أشعارهم السائرة، وإما من منطقهم ولغاتهم المستفيضة المعروفة، كائناً من كان ذلك المتأوِّل والمفسِّر، بعد أن لا يكون خارجاً تأويلُه وتفسيرُه ما تأوَّل وفسَّر من ذلك عن أقوال السلف من الصحابة والأئمة والخَلَفِ من التابعين وعلماءِ الأمة» .

(1)

أورد الطبري الروايةَ عن قتادة من طريق سعيد، قال:«إذا غشاها الليل» .

(2)

ورد عن قتادة من طريق سعيد: «وبناؤها: خَلْقُها» ، وعن مجاهد من طريق =

ص: 156

6 -

قولُه تعالى: {وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا} : ويقسِمُ ربُّنا بالأرضِ وبمَنْ بسَطَها، أو ببسْطِها (1).

7 -

قولُه تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} : ويقسِمُ ربُّنا بنفسِ الإنسانِ التي خلَقَها، وبمَنْ خلقَها سوِيَّةً، معتدِلَةً غير متفاوِتَة، أو بتَسْوِيَتِها.

8 -

قولُه تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} ؛ أي: خلقَ النفسَ مستوِيةً، فألقى فيها عِلْماً من غيرِ تعليمٍ، ألقى فيها ما ينبغي لها أن تأتي من خيرٍ وتَدَعَ من شرٍّ (2).

= ابن أبي نجيح: قال: «الله بنى السماء» ، وعلى هذا فإن «ما» يُحتمل أن تكون مصدَرية، وعليه تفسيرِ قتادة، أو تكون موصولة، وعليه تفسير مجاهد، قال الطبري:«وقيل: {وَمَا بَنَاهَا} هو جلَّ ثناؤه بانيها، فوضع «ما» موضِعَ «من» ، كما قال:{وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} [البلد: 2] فوضع «ما» موضِعَ «من» ، ومعناها: ومن ولد؛ لأنه قَسَمٌ أُقْسِمَ بآدم وولده (أي: على من قال بهذا، وإلا فالإمام اختار العموم في هذه الآية)، وكذلك:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22]، وقوله:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: 3]، وإنما هو: فانكحوا من طاب لكم. وجائز توجيه ذلك إلى معنى المصدر؛ كأنه قال: والسماء وبنائها، ووالد وولادته». والكلامُ في «ما» في الآياتِ اللاحقةِ نظير الكلام عليها هنا، والله أعلم.

(1)

طَحَاها: بَسَطَها، هذا هو المشهور، وقد ورد عن مجاهد وابن زيد، ونسبه ابن كثير إلى مجاهد وقتادة والضحاك والسدي والثوري وأبي صالح وابن زيد، ثم قال:«وهذا أشهرُ الأقوال، وعليه أكثرُ المفسِّرين، وهو المعروف عند أهل اللغة، قال الجوهري: «طَحَوْتُه، مثل: دَحَوْتُه؛ أي: بَسَطْتُه» .

وقد ورد عن ابن عباس من طريق العوفي: «ما خلق فيها» ، ومن طريق ابن أبي طلحة:«قسمها» ، ورواية العوفي أعمُّ من المعنى المعروف في اللغة، ولستُ أدري مُرادَهُ في رواية ابن أبي طلحة. والله أعلم.

(2)

الإلهامُ يُطلقُ إطلاقاً خاصاً على حدوثِ علمٍ في النفسِ بدونِ تعليمٍ ولا تجربةٍ ولا تفكير، فهو علمٌ يحصلُ من غيرِ دليل، قال الراغب: الإلهام: إيقاعُ الشيء في الرُّوْعِ، ويختصُ ذلك بما كان من جهةِ الله تعالى وجِهَةِ الملأ الأعلى اهـ.

ولذلك، فهذا اللفظ إنْ لم يكن من مبتكراتِ القرآن، فهو مما أحْيَاهُ القرآن؛ لأنه اسمٌ دقيقُ الدلالةِ على المعاني النفسية، وقليلٌ رواجُ أمثالِ ذلك في اللغة قبلَ الإسلام، لقلَّةِ خطورِ مثل تلك المعاني في مخاطَبات عامَّة العرب. (انظر: التحرير والتنوير، بتصرف). =

ص: 157

9 -

10 - قولُه تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا *وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} : هذا جوابُ الأقسامِ الماضية (1)، والمعنى: قد نالَ الظَفَرَ والفوزَ من طَهَّرَ نفسَهُ من المعاصي، وأصلَحَها بالأعمالِ الصالحة (2)، وقد خَسِرَ وفاتَه الفوزُ من دسَّ نفسَهُ فأخفاها وأخمَلَها بفعلِ المعاصي، وتركِ الطاعات (3).

11 -

قولُه تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا} : هذا مثالٌ لقومٍ خابوا بتَدْسِيَتِهم أنفسَهِم، وهم ثمود قوم صالح عليه السلام، الذين بانَ لهم الحقُّ وظهرَ كظهورِ الشمسِ المُقْسَمِ بها في أول السورة، والمعنى: كذَّبت ثمودُ نبيَّها صالحاً عليه السلام بسببِ تجاوُزِها الحدَّ فيما أحلَّ الله، وارتكابِها ما حرَّمَ الله (4).

= وقد عبَّر السلفُ عن معاني الإلهام بمعانٍ متقاربةٍ، وهي: بيَّن، وأعلَمَ، وقد ورد ذلك عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة والعوفي، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وقتادة من طريق سعيد، والضحَّاك من طريق عبيد، وسفيان الثوري من طريق مهران.

وفسَّر ابن زيد ذلك بقوله: «جعلَ فيها فجورَها وتقواها» ، هذا تفسير معنى؛ لأنه لما كان أعلَمَها، فقد جعلَهُ فيها.

وفسَّروا الفجورَ والتقوى بالخير والشرِّ، أو المعصية والطاعة، وهما سواء، والله أعلم.

(1)

قال قتادة من طريق سعيد: «قد وقع القسَمُ هاهنا {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}» .

(2)

ورد ذلك التفسير عن: مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة من طريق خصيف، وقتادة من طريق سعيد ومعمر، ويشهد لهذا التفسير أن طريقةَ القرآنِ تعليق الفلاحِ على فعلِ العبدِ واختيارِه، وهذا نظيرَ قوله تعالى:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14].

وَوَرَدَ عن ابنِ عباس من طريق علي بن أبي طلحة والعوفي، وعن ابن زيد:«قد أفلحَ من زكَّى اللَّهُ نفسَه» ، ويشهدُ لهذا التفسير ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«اللهمَّ آتِ نفسي تقواها، وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها» . وسببُ الاختلاف مفسِّرُ الضمير، فهو يحتمل أن يعودَ على العبد، وعلى الربِّ سبحانه، وهو من قبيل المتواطئ، والخلاف من قبيل اختلافِ التنوع الذي يرجعُ إلى أكثر من قولٍ، وبين هذين القولين تلازمٌ من جهة، وذلك أن من زكَّى نفسَهُ زكَّاهُ الله، ومن زكَّاهُ الله، فقد زَكت نفسُهُ، والله أعلم.

(3)

وردَ في مفسَّر الضمير الخلاف السابق في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} .

(4)

ورد ذلك عن مجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وقتادة من طريق سعيد وابن زيد، واختاره ابن كثير. =

ص: 158

12 -

قولُه تعالى: {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} ؛ أي: الوقتُ الذي ظهرَ فيه شِدَّةُ طُغيان ثمود هو وقتُ انتدابِ أشقى ثمود لقتلِ الناقة، وأشقاها هو قُدار بن سالف (1).

13 -

قولُه تعالى: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} ؛ أي: فقال لهم نبيَّهم صالح عليه السلام: احْذَروا ناقةَ الله، احْذَروا سُقيا الناقة الذي اتفقتُ معكم على أنه يكونَ لها يومٌ تشربُ فيه من الماء، ولكم شِرْبُ يومٍ آخَر، احذروا أن تعتَدوا عليهما (2).

14 -

15 - قولُه تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا *وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} ؛ أي: فكذبت ثمود صالحاً عليه السلام في أمر الناقةَ، ولم يصدِّقوه، ولم يأخذوا بتحذيرِه، فقتَلَ أشقاها الناقةَ، ورضُوا بذلك فكانوا مشارِكينَ له في القَتْلِ (3)، فأَطبقَ اللَّهُ عليهم عذابَهُ،

= وورد عن ابن عباس من طريق عطاء الخُرَساني، قال:«اسمُ العذابِ الذي جاءها الطَّغْوَى، فقال: كذبت ثمودُ بعذابها» ، ويشهدُ لهذا التفسيرِ قوله تعالى:{فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ} [الحاقة: 5]، وبه فسَّر الطبري. ووردَ عن محمد بن كعب القرظي من طريق محمد بن رفاعة القرظي، قال:«بأجمعها» . ولا أدري ما وجهُ هذا التفسير! والله أعلم.

(1)

قال صلى الله عليه وسلم: «انبعثَ لها رجلٌ عزيزٌ عارِمٌ منيعٌ في رهطه، مثل أبي زمعة» . أخرجَه البخاري في تفسيرِ سورة الشمسِ من كتاب التفسير في صحيحه.

(2)

قال قتادة من طريق سعيد في تفسير سُقياها: «قَسْمُ الله الذي قَسَم لها من هذا الماء» .

(3)

قال الطبري: «وقوله: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا} يقول: فكذَّبوا صالحاً في خبرِهِ الذي أخبرهم به من أنَّ اللَّهَ الذي جعل شربَ الناقةِ يوماً، ولهم شربُ يومٍ معلوم، وأنَّ اللَّهَ يحلُّ بهم نقمتَهُ إن هم عَقَرُوها، كما وصفَهم ـ جل ثناؤه ـ فقال:{كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ} [الحاقة: 4].

وقد يَحتمل أن يكون التكذيب بالعَقْر، وإذا كان ذلكَ كذلك، جازَ تقديمُ التكذيبِ قبلَ العَقْرِ، والعقر قبلَ التكذيب، وذلك أنَّ كلَّ فعلٍ وقعَ عن سببٍ حَسُنَ ابتداؤه قبل السببِ وبعدَه؛ كقول القائل: أَعطيتَ فأَحسنتَ، وأَحسنتَ فأعطيتَ؛ لأن الإعطاءَ هو الإحسانُ، ومن الإحسانِ الإعطاءُ، وكذلك لو كان العَقْرُ هو سببُ التكذيبِ، جازَ تقديم أيِّ ذلك شاءَ المتكلِّم

وقد كان القومُ قبلَ قتلِها مُسَلِّمِينَ لها بشِرْبِ يوم، ولهم شِرْبُ يومٍ آخر، قيل: وجاء في الخبرِ أنهم بعد تسلِيمهم ذلك، أجمعوا على منعِها الشِّرْبَ، =

ص: 159

وهو الصَّيْحَةُ والرَّجْفَةُ التي أُهْلِكُوا بها، وذلك بسببِ ما فعلوهُ من تكذيبِ صالحٍ عليه السلام وعَقْرِ الناقةِ، فَجَعَلَ هذه الدَّمْدَمَة نازلةً عليهم على السواء، فلم يفلِت منهم أحد (1). ولا يخافُ اللَّهُ عاقبةَ تعذيبِه لهؤلاء من أن يسألَه أحدٌ عن فعلِه، فهو الفعَّالُ لما يُريد، لا يُسأل عمَّا يَفْعَلْ، وهم يُسألون (2)، والله أعلم.

= ورضوا بقتلِها، وعن رضا جميعهم قَتَلَها قاتلُها، وعَقَرَها من عَقَرَها، ولذلك نُسِبَ التكذيبُ والعَقْرُ إلى جميعِهم، فقال جلَّ ثناؤه:{فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا} ».

(1)

قال قتادة من طريق سعيد: «ذكر لنا أن أُحيمرَ ثمود أبى أن يعقرها حتى بايعه صغيرُهم وكبيرُهم، وذكَرُهم وأنثاهم، فلما اشتركَ القومُ في عقرِها، دَمْدَمَ اللَّهُ عليهِم بذنبِهم فسوَّاها» .

(2)

وردَ هذا التفسير عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، والحسن من طريق عمر بن مرثد وعمر بن منبِّه وأبي رجاء، وقتادة من طريق سعيد، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وبكر بن عبد الله المزني.

وورد عن الضحَّاك من طريق أبي روق، والسدي من طريق سفيان:«لم يخَفِ الذي عقرَها عُقباها» ؛ أي: عُقبى فِعْلَتِه، وهذا الاختلاف يرجع إلى معنيين صحيحين محتَمَلين، وسببه الاختلاف في مفسَّر الضمير، واحتماله للمرجعين على سبيل التواطؤ، وإن كان الأول أَولى لأنه قولُ الأكثر، ولقراءةِ عامةِ قُرَّاء الحجازِ والشام:{وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا} ، والفاء تدل على تفريعِ ما بعدَها عن ما قبلَها، وما قبلَها حكايةٌ عن فعلِ الله بهم، فتكون هذه الجملةُ متفرعةً عنها في حكايةِ انتفاءِ خوفِ الله منهم، مع ما لهم من القوة، وفي هذا تهديدٌ للأقوامِ الآخَرينَ بقوةِ الله وأنه الفعَّالُ لما يُريد، والله أعلم.

ص: 160