الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الفلق
آياتها:5
سورة الفلق
بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)
سورة الفلق
سببُ نزولِ هذه السورةِ والتي بعدها: سحرُ لبيد بن الأعصم اليهودي لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ومما ينبغي أن يُعلمَ أن هذا السِّحْرَ لم يكن له أثرٌ على الجانب النبويِّ (تبليغ الوحي)، بل كان فيما يتعلَّق ببشرِّيته صلى الله عليه وسلم، حيث كان يرى أنه فعلَ الشيءَ، ولم يكن قد فعلَه.
وهاتانِ السورتانِ ـ الفلق والناس ـ تشتركانِ في اسمٍ واحد، وهو المعوِّذتان، ولهما فضائل؛ منها: أنهما معوِّذتان من السحرِ والعينِ، وأنهما تُقرَءان في أذكارِ دُبُرِ الصَّلَوات، وفي أذكارِ الصَباح والمساء، وعند النوم.
1 -
قولُه تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} : يُرشِدُ اللَّهُ سبحانه نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يستجيرَ به: برُبوبيَّته للصُّبح، والمعنى: أستجيرُ بربِّ الصُّبح (1).
(1) وردَ تفسير الفَلَقِ بالصُّبح عن ابن عباس من طريق العوفي، وجابر بن عبد الله، والحسن من طريق عوف، وسعيد بن جبير من طريق سالم الأفطس، ومحمد بن كعب القرظي من طريق أبي صخر، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وقتادة من طريق سعيد ومعمر، وابن زيد، وقرأ:{فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً} [الأنعام: 96]، وزاد ابن كثيرٍ نِسبته إلى زيد بن أسْلَم من رواية مالك عنه، والبخاري في صحيحه.
ووردت أقوالٌ أخرى، وهي:
الفَلَق: جُبٌّ في جهنم، ورد عن ابن عباس من رواية مجهول عنه، ونسبه العوَّام بن عبد الجبار الجولاني لبعض الصحابة، وهو قول السدي من طريق سفيان، وكعب الأحبار، وروي في ذلك حديثٌ مرفوعٌ أن الفَلَقَ جُبٌّ في جهنم، قال ابن كثير:«قد ورد في ذلك حديثٌ مرفوعٌ مُنكر» ، ثم ذكرَه، ثم قال:«إسناده غريب، ولا يصحُّ رفعه» . =
2 -
5 - قولُه تعالى: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ *وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ *وَمِنْ شَرِّ النَفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ *وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} ؛ أي: أستجيرُ بربِّ الصُّبح من شرِّ كلِّ خلقِه الذين خلقهُم، من جنٍّ وإنسٍ وهوامٍ ودوابَّ وغيرها، ثمَّ خصَّ بعضَ ما خلقَه لزيادةِ ما فيها من شرٍّ، فطلبَ منه أن يستجيرَ به من شرِّ الليل إذا ظهرَ قمره، فدخلَ في الظلام (1)، ويستجيرَ به من شرِّ السَّواحِرِ اللاتي ينفُخْنَ بلا رِيْقٍ على ما يعقِدْنَهُ من خيوطٍ وغيرِها
= الفَلَق: اسم من أسماء جهنم، ورد ذلك عن أبي عبد الرحمن الحبلي.
الفَلَق: الخَلق، ورد ذلك عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، ونسبه ابن كثير إلى الضحَّاك.
والقولُ الأولُ هو الصحيح؛ لأنه قول الجمهور، وهو المشهور من اللغة في إطلاق الفَلَق، كما قاله الطبري.
(1)
ورد تفسيرُ الغاسقِ بالليل عن ابن عباس من طريق العوفي وعلي بن أبي طلحة، والحسن من طريق عوف ومعمر وسعيد بن أبي عروبة، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وقتادة من طريق سعيد.
وقد ورد غير ذلك، وهي:
الغاسِقُ: كَوْكَبٌ، ورد عن أبي هريرة، وقال ابن زيد:«كانت العرب تقول: الغاسق: سقوطَ الثُّريَّا، وكانت الأسقامُ والطواعينُ تكثرُ عند وقوعها، وترتفعُ عند طلوعِها» .
وروي في ذلك حديث: «النجم: الغاسق» ، قال ابن كثير:«وهذا الحديث لا يَصِحُّ رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم» .
وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث آخر، وهو ما روته عائشة، قالت: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فأراني القمرَ حين طلعَ، وقال:«استعيذي من شرِّ هذا الغاسقِ إذا وَقَب» ؛ أي: دخَل.
وهذا التفسير لا ينافي تفسير جمهور السلف في أنه الليل، قال ابن القيم: «هذا التفسير حقٌّ ـ يعني: تفسيره في الحديث بالقمر ـ، ولا يناقضُ التفسيرَ الأول، بل يوافقه، ويشهدُ لصحَّته، فإنَّ الله تعالى قال:{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 12]، فالقمر آيةُ الليل، وسلطانه فيه، فهو أيضاً غاسق إذا وَقَب، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم أخبرَ عن القمرِ بأنه غاسقٌ إذا وَقَب، وهذا خبرُ صِدْق، وهو أصدَقُ الخبرِ، ولم ينفِ عن الليل اسم الغاسق إذا وقب، وتخصيصُ النبي صلى الله عليه وسلم لا ينفي شمولَ الاسم لغيره. (انظر: بدائع التفسير: 5:398، وله تتمة مهمة).
عند إرادةِ السِّحر (1)، ويستجيرَ به من الذي يتمنَّى زوالَ نعمةِ الله عن غيرِه، الذي قد تمكَّنَ هذا الإحساسُ النفسيُّ الخبيثُ فيه، يستجير به من شرِّ عينه ونفسِه (2)، والله أعلم.
(1) يشملُ هذا الاستعاذة من السَّحَرَةِ ذُكوراً وإناثاً، كما قاله الحسن من طريق عوف، وقيل: خصَّ إناثَ السَّحَرة بالذِّكر؛ لأن سِحْرَهُنَّ أقوى وأنفَذ، وقيل: أراد الأنفسَ السَّواحِر، والمقصود الاستعاذة من السِّحر عموماً، وبه فسَّر السلف، فقد ورد عن ابن عباس من طريق العوفي: ما خالطَ السِّحر من الرُّقَى، وكذا ورد عن قتادة من طريق معمر،
والحسن من طريق قتادة، ومجاهد وعكرمة من طريق جابر، وطاووس بن كيسان من طريق ابنه.
(2)
ورد ذلك عن قتادة وعطاء الخراساني وطاووس كلهم من طريق معمر، وذكر ابن زيد اليهود في معنى الآية، وهم مثالٌ لمن ظهرَ فيهم الحسدُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم على نبوته، والخبر عامٌّ في كلِّ حاسدٍ كما قال الطبري: «وأولى القولين بالصواب في ذلك، قول من قال: أمرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يستعيذَ من شرِّ كلِّ حاسدٍ إذا حسدَ، فعانَهُ، [أي: أصابه بعين]، أو سَحَرَه، أو بَغَاهُ بسوءٍ.
وإنما قلنا: ذلك أولى الأقوال؛ لأن اللَّهَ عز وجل لم يخصِّص من قوله: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} حاسداً دون حاسد، بل عَمَّ أمرَه إياه بالاستعاذة من شرِّ كلِّ حاسدٍ، فذلك على عمومه».