الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورةُ الضُّحى
آياتها:11
سورة الضحى
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)
سورةُ الضُّحى
ثبتَ في الصحيحينِ عن جُنْدُبِ بنِ عبد الله البجلي، قال: دَمِيَتْ أصبعُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فاشتكى، فلم يَقُمْ ليلتين أو ثلاثاً، فجاءت امرأةٌ ـ وهي أمُّ جميل بنت حرب، زوج أبي لهب ـ، فقالت: يا محمدُ، إني لأَرجو أن يكونَ شَيْطانك قد تركَك، لم أرَهُ قَرَبَك منذ ليلتين أو ثلاثٍ، فأنزل الله:{وَالضُّحَى *وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى *مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} ، وحُكِي غير هذا السبب، وكلُّها في تأخُّر نزولِ الوحي عنه صلى الله عليه وسلم، وادعاءِ المشركينَ أنَّ ربَّه قد تركَه وقَلَاه.
1 -
2 - قولُه تعالى: {وَالضُّحَى *وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} : يقسِمُ ربُّنا بأوَّلِ ساعاتِ النهار، وهو الضُّحى (1)، وبالليلِ إذا أقبلَ بظلامِه وسَكَن (2).
(1) سبقَ ذكر الخِلاف في الضحى عند أولِ سورةِ الشمس.
(2)
اختلف السلفُ في تفسير سَجَى على أقوالٍ:
الأول: إذا استوى وسَكَن، وهو قول مجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وقتادة من طريق سعيد، والضحاك من طريق عبيد، وابن زيد.
الثاني: إذا أقبلَ، وهو قول ابن عباس من طريق العوفي، والحسن من طريق معمر.
الثالث: إذا ذهبَ، وهو قول ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة.
قال الطبري: «وأولى الأقوالِ بالصواب عندي في ذلك، قول من قال: معناه: والليلِ إذا سكنَ بأهله، وثبتَ بظلامه؛ كما يقال: بحرٌ ساجٍ: إذا كان ساكناً، ومنه قول أعشى بني ثعلبة:
فما ذنبنا إن جاشَ بحر ابن عمكم
…
وبحرُك ساجٍ ما يواري الدعامِصَا
وقول الراجز:
يا حبذا القَمْراء والليلُ السَّاجْ
وطُرُقٌ مثلُ مُلاءِ النَّسَّاجْ» =
3 -
قولُه تعالى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} : هذا جوابُ القَسَمِ، والمعنى: ما تركَكَ ربُّكَ يا محمد صلى الله عليه وسلم وما أبغضَك.
4 -
قولُه تعالى: {وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى} : يقسِمُ ربُّنا لنبيِّه صلى الله عليه وسلم أنَّ الدارَ الآخِرةَ بما أعدَّه الله له فيها خيرٌ له من الدنيا وما فيها، وهذه بشارةٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فيها تأكيدُ عَدمِ تركِ الله وبغضِه له، فلا يحزنُ مما يقعُ له.
5 -
قولُه تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} : ويقسِمُ له مؤكِّداً بأنه سيعطيه ويُنْعِمُ عليه كلَّ ما يرجوه من خيرٍ له ولأمَّتِه حتى يرضى بهذا العطاء (1).
6 -
8 - قولُه تعالى: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى *وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَى *وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} : يَمْتَنُّ اللَّهُ على نبيِّه صلى الله عليه وسلم معدِّداً عليه شيئاً من نِعَمِه،
= والقولان الأول والثاني يرجعان إلى دلالتين في «سجى» الأولى: السكون، والثانية التغطية، ومنه تسجية الميت أي تغطيته، وعلى تفسير الحسن، قال:«إذا لبس الناس، إذا جاء» ، ومن ثمَّ يكون الخلاف راجعاً إلى أكثر من معنى بسبب الاشتراكِ اللغوي في هذه اللفظة.
أما تفسيرُ ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، فلم أجِدْهُ مذكوراً في كُتب اللغة، وواضح أنه تفسير لغوي، وإذا فُسِّرَ به صارَ اللفظُ من الأضداد؛ لأن أقبلَ بظلامه وذهبَ ضِدَّان، ويبقى أن سببَ الاختلاف الاشتراك اللغوي في معنى اللفظ، والله أعلم.
(1)
الواردُ عن السلف في التفسير تخصيصه بإعطاء الآخرة، وكأنهم ربطوا الآية بما قبلها، وهي أنَّ خيرَ الآخرةِ له أفضلُ من الدنيا، ولأنه سيُعطى من خيرِها حتى يرضى، ولو حُمِلَ على عمومِ الإعطاء فهو مُحتمل، ويكون تفسير السلف مثالاً لنوع من أشرف أنواع الإعطاء الإلهي للنبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
وقد ورد التفسير عن ابن عباس من طريق ابنه علي، قال:«أعطاهُ الله في الجنة ألفَ ألفِ قصر، في كل قصرٍ ما ينبغي له من الأزواج والخَدَم» ، قال ابن كثير:«وهذا إسنادٌ صحيح إلى ابن عباس، ومثلُ هذا لا يقالُ إلا عن توقيف» .
ووردَ عنه من طريق السدي: «من رِضا محمدٍ صلى الله عليه وسلم أن لا يَدْخُلَ أحدٌ من أهلِ بيته النار» ، وفيه انقطاعٌ بين السدي وابن عباس. وورد عن قتادة من طريق سعيد أن هذا الإعطاء يكونُ يومَ القيامة، والله أعلم.
وهي أنه كان يتيماً قد فَقَدَ أباهُ في الصِّغر، فجعلَ له مكاناً يرجِعُ إليه ويسكنُ فيه، وكان ذلك برعاية جَدِّهِ وعَمِّهِ له. وَوَجَدَكَ ضالًّا عن مَعْرِفَةِ الدِّين، فهداكَ إليه؛ كما قال تعالى:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الإِيمَانُ} [الشورى: 52]. ووجدَكَ فقيراً فأغناك.
9 -
11 - قولُه تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ *وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ *وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} : يقولُ تعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: فإذا علِمْتَ نِعمتي عليكَ في هذا فاشكُرها بأن لا تغلِبَ من فَقَدَ أباه، وهو دون سنِّ البلوغ، ولا تُذِلَّه بأي نوع من أنواعِ الإذلال، فتظلِمَه بذلك. وأن لا تزجُرَ الذي يسألُ عن دينه، أو يسألُكَ النَفَقَةَ من الفقراء. وأن تُخبِرَ الناسَ على سبيل الشكر لله بما أنعمَ عليك من نِعَمِه؛ كنِعْمَةِ القرآن، أو النبوَّة، أو غيرها، والله أعلم.