المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا: الكتاب المعجز: - تنزيه القرآن الكريم عن دعاوى المبطلين

[منقذ السقار]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌منهج المبطلين في إثارة الأباطيل عن القرآن

- ‌القرآن كتاب الله المحفوظ

- ‌الجمع الكتابي للقرآن الكريم

- ‌جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر:

- ‌هل نقل شيء من القرآن بطريق الآحاد

- ‌الجمع العثماني:

- ‌هل القرآن الكريم من إنشاء محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌أولاً: دلالة آيات العتاب:

- ‌ثانياً: أحداث تشهد بوحي القرآن:

- ‌ثالثاً: الكتاب المعجز:

- ‌رابعاً: الإخبار بالغيوب

- ‌خامساً: هل في القرآن ما يدل على أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المصادر المزعومة للقرآن الكريم

- ‌أولاً: هل القرآن منقول من الكتاب المقدس

- ‌أ. حقائق الإيمان بين القرآن والكتاب المقدس

- ‌ب. قصص الأنبياء والأمم السابقة بين القرآن والكتاب المقدس

- ‌ج. الأحكام التشريعية بين القرآن والكتاب المقدس

- ‌ثانياً: هل تعلم النبي صلى الله عليه وسلم القرآن من بَحيرا وورقة بن نوفل

- ‌ثالثاً: هل القرآن منحول من شعر امرئ القيس

- ‌رابعاً: هل القرآن منحول من شعر أمية ابن أبي الصلت

- ‌الناسخ والمنسوخ في القرآن

- ‌هل تغير النص القرآني في عصر الصحابة الكرام وبعدهم

- ‌أولاً: اختلاف مصاحف الصحابة

- ‌ثانياً: اختلاف الصدر الأول في قراءة بعض آيات القرآن الكريم

- ‌ثالثاً: هل أسقط ابن مسعود رضي الله عنه المعوذتين من مصحفه

- ‌رابعاً: هل أسقط ابن مسعود رضي الله عنه الفاتحة من مصحفه

- ‌خامساً: هل أخطأ نساخ القرآن في كتابة بعض كلماته

- ‌سادساً: هل في القرآن زيادة أو سقط أو جمل لم تكتمل

- ‌الأباطيل المتعلقة بذات الله وصفاته وأفعاله

- ‌أولاً: نسبة صفات النقص إلى الله تعالى

- ‌ثانياً: هل يضل الله عباده

- ‌ثالثاً: هل يأمر الله بالفحشاء

- ‌رابعاً: هل يتحسر الله

- ‌خامساً: هل الكبر صفة محمودة

- ‌سادساً: هل الله لا يعلم الأشياء إلا بعد حدوثها

- ‌سابعاً: هل شكّ القرآن في عدد قوم يونس عليه السلام

- ‌الأباطيل المتعلقة بما في القرآن عن أنبياء الله تعالى

- ‌أولاً: هل وقع آدم في الشرك

- ‌ثانياً: هل شك إبراهيم عليه السلام

- ‌ثالثاً: هل شك يونس عليه السلام في قدرة الله

- ‌رابعاً: همُّ يوسف عليه السلام

- ‌الأباطيل المتعلقة بشخص النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌أولاً: قصة الغرانيق

- ‌ثانياً: سحر النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ثالثاً: هل النبي صلى الله عليه وسلم مصاب بالصرع

- ‌القرآن والمسيحية

- ‌أولاً: القرآن وألوهية المسيح

- ‌ثانياً: هل امتدح القرآن النصارى

- ‌ثالثاً: من أتباع المسيح

- ‌رابعاً: سؤال أهل الكتاب

- ‌خامساً: التوثيق المزعوم لكتب أهل الكتاب في القرآن

- ‌سادساً: هل الذكر المحفوظ هو كتب أهل الكتاب

- ‌سابعاً: هل نسب القرأن إلى المسيح صفة الخالقية

- ‌الأخطاء المزعومة في القرآن الكريم

- ‌أولاً: العين الحمئة

- ‌ثانياً: مريم أخت هارون

- ‌ثالثاً: هل القلوب العاقلة في الصدور

- ‌رابعاً: النجوم التي ترجم بها الشياطين

- ‌خامساً: هل القرآن يشجع على فعل المعاصي

- ‌سادساً: الجنة والخمر

- ‌سابعاً: هل أخطأ القرآن في ذكر السامري في عهد موسى

- ‌ثامناً: هل أخطأ القرآن بذكر هامان المصري

- ‌تاسعاً: هل يؤمن اليهود برسالة المسيح عليه السلام

- ‌الأخطاء اللغوية المزعومة في القرآن الكريم

- ‌أولاً: الأخطاء النحوية المزعومة في القرآن

- ‌ثانياً: الأخطاء البيانية المزعومة

- ‌المسألة السادسة: هل يعود الضمير على غير مذكور في السياق

- ‌المسألة السابعة: هل في القرآن ما هو لغو ولا معنى له

- ‌التناقضات المزعومة في القرآن الكريم

- ‌سوء الفهم لبعض آيات القرآن الكريم وألفاظه

- ‌المرأة في القرآن

- ‌أولاً: القوامة وظلم الزوجة

- ‌ثانياً: الأمر بضرب الزوجة

- ‌ثالثاً: تعدد الزوجات

- ‌رابعاً: حقوق المرأة والميراث

- ‌خامساً: شهادة المرأة

- ‌سادساً: طلاق المرأة

- ‌الرق والاسترقاق في القرآن الكريم

- ‌خاتمة

- ‌أهم المصادر والمراجع

الفصل: ‌ثالثا: الكتاب المعجز:

‌ثالثاً: الكتاب المعجز:

ولو عدنا ثانية إلى الفرض بأن القرآن من تأليف النبي صلى الله عليه وسلم وإنشائه؛ لتبين لنا استحالة هذا الفرض بمجرد النظر في نظم القرآن وأسلوبه ومقارنته مع أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه المدون في كتب السنة والحديث، ليقيننا أنه لا يمكن لأديب أن يغير أسلوبه أو طريقته في الكتابة بمثل تلك المغايرة التي نجدها بين القرآن والسنة.

ولو شئنا أن نضرب لذلك مثلاً، فنقارن بين بيان القرآن وأسلوبه وبين كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فكلاهما كلام بليغ، لكن شتان بين كلام الباري وكلام عبده.

فقوله: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله

» (1) كلام عربي فصيح، لكن شتان بينه وبين قول الله عز وجل:{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ الله آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} (مريم: 77 - 84)، فبين القولين من تباين الأسلوب وجزالته ما لا يخفى على العوام؛ فضلاً عن أرباب الفصاحة والبيان.

وإذا كان القرآن من تأليف النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف نجح في تأليف هذا الذي ذهل لبلاغته أرباب اللغة ورواد الأدب والبيان؟ كيف جرُأ على تحديهم بالإتيان بمثله؟ ولماذا لم ينسبه إلى نفسه فيحوز شرف تأليفه وإبداعه؟ أما كان من الأوفق له أن ينسبه لنفسه ويتحدى به الآخرين، ولن يعارضه أحد في أنه صاحبه؟!

(1) أخرجه البخاري ح (1)، ومسلم ح (1907).

ص: 47

لقد جعل الله القرآنَ الكريم أعظم وأدوم معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، فهو معجزته في كل عصر وحين، وقد تحدى من قال بأنه من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم، فدعاهم إلى الإتيان بمثله، فكلام البشر يقارع ويضارع، وأما كلام الرب فلا يماثل ولا يكافأ.

لكن العرب على فصاحتهم وبيانهم عجزوا عن الإتيان بسورة من مثله رغم التحدي القرآني المستفز لهممهم والتي تؤزه شدة الكراهية والعداوة له والحرص على الطعن فيه والتماس أي زلل فيه أو خطأ، وأعيتهم الحيل في ذلك، وهم يسمعونه يصدع بين ظهرانيهم:{أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} (الطور:33 - 34).

فلما أعجز المشركين أن يأتوا بمثل جميعه، تحداهم القرآن بأقل منه؛ أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات من عندهم تضارع القرآن وتماثل بيانه {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ الله إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (هود: 13).

فلما عجزوا عن الإتيان بعشر سور من مثله تحداهم القرآن أن يأتوا بسورة واحدة تضارعه في بيانه وإحكامه: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ الله إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة: 23).

ويبلغ التحدي القرآني غايته حين يخبر القرآن أن عجز المشركين عن محاكاته والإتيان بمثله عجز دائم لا انقطاع له، فيقول:{فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا} (البقرة: 24)، وأن نتيجة التحدي النهائية هي خسارة أعداء القرآن والزاعمين بشريته {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} (الإسراء: 88).

كما قرر القرآن التحدي في صورة أخرى كان يذكرهم بها كرَّة بعد كرَّة، وهي الحروف المقطعة التي تبدأ فيها تسع وعشرون سورة من سور القرآن {ذَلِكَ

ص: 48

الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} (البقرة: 1)، {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} (ص: 1)، {حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ الله الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (غافر: 1 - 2)، فهذه الآيات وأمثالها تقول للعرب: القرآن مكون من هذه الحروف، وهي حروف شعركم ونثركم، فهاتوا مثله يا من تدعون أنه من كلام محمد صلى الله عليه وسلم.

قال ابن كثير: "إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بياناً لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنه من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها، ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وعظمته"(1).

وهذا التحدي الإلهي قائم ما دام الليل والنهار، ولئن عجز عنه أرباب اللغة زمن جزالتها، فإنه لن يقدر عليه أولئك المتطفلون اليوم على موائد العلم والأدب والذين يحاولون محاكاة القرآن بالمضحك من القول والسخيف من المعاني، وسفاسف المعارف.

فحين أراد مسيلمة معارضة القرآن فضحه الله وأخزاه، فكان قوله محلاً لسخرية العقلاء وإعراض البلغاء، فقد قال:"يا ضفدع، نقي كما تنقين، لا الماء تدركين، ولا الشراب تمنعين، لنا نصف الأرض، ولقريش نصف الأرض، ولكنّ قريشاً قوم يعتدون"(2).

وقال أيضاً معارضاً القرآن: " ألم تر كيف فعل ربك بالحبلى، أخرج من بطنها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشى .. أوحي إلي أن الله خلق النساء أفراجاً، وجعل الرجال لهن أزواجاً، فنولج فيهن قعساً إيلاجاً، ثم نخرجها إذا

(1) تفسير القرآن العظيم، ابن كثير (1/ 60).

(2)

ذكره الطبري في تاريخه (2/ 506)، وابن بطة في الإبانة الكبرى ح (2423)، وابن حبان في الثقات (2/ 176).

ص: 49

نشاء إخراجاً، فينتجن لنا سخالاً إنتاجاً" (1).

وشرع الأديب ابن المقفع في معارضة القرآن، وكان من أفصح أهل زمانه، ثم مرَّ بصبي يقرأ:{وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ} (هود: 44) فرجع فمحى ما عمل، وقال: أشهد أن هذا لا يعارض، وما هو من كلام البشر (2).

ومثله صنع يحيى بن حكم الغزال بليغ الأندلس في زمنه، فحُكي أنه رام معارضة القرآن، فنظر في سورة الإخلاص ليحذو على مثالها وينسج على منوالها، فعجز وقال:"فاعترتني منه خشية ورِقَّة حملتني على التوبة والإنابة"(3).

وظهرت في العصر الحديث محاولات سخيفة لتقليد القرآن ومحاكاته، لم يزد صانعوها على محاكاة أسلوب القرآن وطريقته في البيان مع تغيير بعض الألفاظ بطريقة تدعو للضحك، وتستدعي الشفقة، ومن ذلك أن القس أنيس شروش يحكي عن جهد قامت به مجموعة من المفكرين في القدس، وقد عملوا خلال ست عشرة سنة على إعادة صياغة الإنجيل على نحو أسلوب القرآن، فكان مما تحذلقوا فيه بعد هذه السنين: "بسم الله الرحمن الرحيم. قل يا أيها الذين آمنوا إن كنتم تؤمنون بالله حقاً فآمنوا بي ولا تخافوا. إن لكم عنده جنات نزلاً. فلأسبقنكم إلى الله لأعدها لكم، ثم لآتينكم نزلة أخرى، وإنكم لتعرفون السبيل إلى قبلة العليا.

فقال له توما الحواري: مولانا إننا لا نملك من ذلك علماً. فقال له عيسى: أنا هو الصراط إلى الله حقاً، ومن دوني لا تستطيعون إليه سبيلاً، ومن عرفني فكأنما عرف الله، ولأنكم منذ الآن تعرفونه وتبصرونه يقيناً، فقال له فيليب

(1) ذكره الطبري في تاريخه (2/ 499).

(2)

انظر: الشفا بتعريف حقوق المصطفى، القاضي عياض (1/ 275).

(3)

انظر المصدر السابق (1/ 275).

ص: 50

الحواري: مولانا أرنا الله جهرة تكفينا، فقال عيسى: أو لم تؤمنوا بعد، وقد أقمت معكم دهراً؟ فمن رآني فكأنما رأى الله جهراً ".

وقد عقب القس على هذا الكلام الركيك الذي استمروا في إعادة صياغته خمس عشرة سنة بقوله: "إنه نص جميل بلغة عربية جميلة "(1).

وقد تكامل هذا الجهد السخيف، حين أصدروا ما سمي بـ "الفرقان الحق"، وأقتبس منه بعض الفقرات لأؤنس بها القارئ الكريم:"باسم الآب الكلمة الروح الإله الواحد الأوحد * يا أيها الذين كفروا من عبادنا الضالين إنكم لتقولون قولاً لَغْواً ما كان شعراً ولا نثراً ولا قولاً سديداً * إنْ هو إلا لغوٌ مردَّدٌ ترديداً * يرغِّب التابعين ترغيباً ويهدد المعرضين تهديداً * حَسُنَ وقعاً في نفوس عبادنا الضالين واستمرأه الجاهلون * سمٌّ في دسمٍ ولكن أكثرهم لا يشعرون فلا يَبْغُون عنه محيداً"(2).

ويحكي الدكتور إبراهيم خليل قصة طبيب مصري مسيحي استفزه تحدي القرآن، فعزم على إنشاء كتاب يجيب فيه التحدي، ويسميه:"وانتهت تحديات القرآن".

وسعياً لتحقيق ذلك كتب الطبيب المصري رسالة أرسل صورة منها إلى ألفي عالم أو معهد أو جامعة ممن تخصصوا بالدراسات العربية والإسلامية في مختلف أنحاء العالم يدعوهم لمساعدته في إنجاز هذا الكتاب المهم، وكان مما سطره في خطابه قوله: "القرآن يتحدى البشرية في جميع أنحاء العالم في الماضي والحاضر والمستقبل بشيء غريب جداً، وهو أنها لا تستطيع تكوين ما يسمى بالسورة

(1) القرآن والكريم والكتاب المقدس، أيهما كلام الله؟ أحمد ديدات وأنيس شروش، ص (101 - 102).

(2)

(الفرقان الحق)، منشور على شبكة الإنترنت.

ص: 51

باللغة العربية

السورة رقم 112، وهي من أصغر سور القرآن، ولا يزيد عدد كلماتها عن 15 كلمة، ويتبع ذلك أن القرآن يتحدى البشرية بالإتيان بـ (15) كلمة لتكوين سورة واحدة كالتي توجد بالقرآن

سيدي: أعتقد أن مهاجمة هذه النقطة الهامة والخطيرة، وذلك بالإتيان بأكبر عدد ممكن من السور كالتي توجد، أو - آمل أن تكون - أفضل من تلك الموجودة بالقرآن سيسبب لنا نجاحاً عظيماً لإقناع المسلمين بأنا قبلنا هذه التحديات، بل وانتصرنا عليهم

فهل تتكرم يا سيدي مشكوراً بإرسال 15 كلمة باللغة العربية أو أكثر من المستوى البياني الرفيع مكوناً جملة كالتي توجد في القرآن .. ".

وللتوثيق أورد الدكتور إبراهيم خليل صورة الخطاب وعناوين الجهات (2000 عنوان) التي أرسل إليها، وتكررت محاولة الطبيب المسيحي أربع مرات طوال سنة 1990م، فكانت محصلة ثمانية آلاف رسالة أرسلها إلى 2000 جهة أو شخصية علمية؛ أن وصلت إليه ردود اعتذار باهتة عرض الدكتور إبراهيم خليل صورها في كتابه، منها اعتذار كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن، فقد كان ردها:"آمل أن نتفهم أن كُليتنا وأعضاءها يرفضون الخوض في المنازعات الدينية، وبالتالي فإنه لا يمكننا إجابة طلبك ".

وأما رد إذاعة حول العالم التنصيرية (مونت كارلو) فكان: " الموضوع الذي طرحته موضوع هام، لكننا كإذاعة لا نحب أن ندخل في حمى وطيس هذه المعركة، إذ لا نظن أنها تخدم رسالة الإنجيل، فرسالتنا هي رسالة محبة، وليست رسالة تحدي

".

وأما رد الأب ليو من الفاتيكان فكان مثيراً للشفقة: "بوصفنا مسيحيين فنحن لا نقبل بالطبع أن يكون القرآن هو كلام الله على الرغم من إعجابنا به؛ حيث يعتبر القمة في الأدب العربي .. هناك نقطة عملية تعوق مسألة الإتيان

ص: 52

بسورة من مثل القرآن، وهي: من ذا الذي سيحكم على هذه المحاولة إن تمت بالفعل

"، ولذلك اعتذر عن إجابة طلبه.

وأعاد الطبيب القبطي مراسلة جميع معاهد ومؤسسات الفاتيكان طالباً إجابة التحدي، وعرض أن يكون هو شخصياً الحكم بين القرآن والفاتيكان، وطلب من الأب " ليو" في الفاتيكان أن ينقل أي جزء مكون من 15 كلمة من الكتاب المقدس ليعارض بها القرآن، فكانت الإجابة صمت مطبق لا يشبهه إلا صمت أصحاب القبور (1)، ليصدق فيهم جميعاً قول الله تعالى:{قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} (الإسراء: 88).

لقد اعترف أعداء القرآن - قديماً- بعظمة القرآن رغم عدائهم له، وذلَّت رقابهم لما سمعوه من محكم آياته، فها هو الوليد بن المغيرة سيد قريش وسابقها إلى محاربة النبي صلى الله عليه وسلم يسمعه وهو يقرأ قوله تعالى:{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل: 90)، فيقول قولته المشهورة:"والله إنَّ لقولِه الذي يقولُ لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإنه لمثمرٌ أعلاه، مغدِقٌ أسفلُه، وإنه ليعلو وما يُعلى، وإنه ليَحطِم ما تحته"(2).

ولما جاء عتبة بن ربيعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم سمعه يقرأ أوائل سورة فصلت، فرجع إلى قريش قائلاً: "إني واللهِ قد سمعت قولاً ما سمعتُ بمثلِه قط، والله ما هو

(1) انظر: لماذا أسلم صديقي؟ إبراهيم خليل، ص (67 - 111).

(2)

السيرة النبوية، ابن كثير (1/ 499).

ص: 53

بالشعر ولا السحر ولا الكهانة، يا معشر قريش: أطيعوني واجعلوها بي، خلّوا بين هذا الرجل وبينَ ما هو فيه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعتُ نبأ" (1).

وأما عمر بن الخطاب فقصة إسلامه مشهورة حين دخل على أخته فوجدها تقرأ في سورة طه، فلما قرأ فواتح السورة؛ رقّ قلبه ودخل في الإسلام، وأصبح عمرُ الفاروقَ الذي فرق الله به بين الحق والباطل.

وأما جبير بن مطعم رضي الله عنه فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيء أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوااتِ وَالأَرْضَ بَل لَاّ يُوقِنُونَ أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ} قال: (كاد قلبي أن يطير)، وفي رواية:(وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي)(2).

وأما الطفيل الدوسي فقدم مكة، فحذرته قريش من سماع القرآن، وقالوا: وإنما قوله كالسحر، يفرق بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمنه ولا تسمعن منه شيئاً.

يقول الطفيل: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئاً، ولا أكلمه حتى حشوت في أذني كرسفاً [قطناً]؛ فَرَقاً [خوفاً] من أن يبلغني شيء من قوله، وأنا لا أريد أن أسمعه.

لكن الله أبى إلا أن يسمعه وهو في الطواف بعض القرآن فقال لنفسه: "واثكل أمي، والله إني لرجل لبيب شاعر، ما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذي يأتي به حسناً قبلتُه، وإن كان قبيحاً تركتُه".

(1) أخرجه البيهقي في الدلائل (2/ 202)، وابن إسحاق في السيرة (1/ 187).

(2)

أخرجه البخاري ح (4854) و (4023).

ص: 54

فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستمع القرآن، ثم ما لبث أن أسلم (1).

ومثله خبر الشاعر لبيد بن ربيعة العامري، وهو من فحول شعراء الجاهلية، وصاحب إحدى المعلقات السبعة، سأله عمر بن الخطاب يوماً: أنشدني من شعرك، فقرأ له سورة البقرة، فقال: إنما سألتك عن شعرك، فقال: ما كنت لأقول بيتاً من الشعر بعد إذ علمني الله البقرة وآل عمران (2).

وفي العصر الحديث أيضاً شهد المنصفون من المستشرقين بعظمة القرآن، وسجلت كلماتُهم بحقه المزيدَ من الإعجاب والدَّهش من نظمه وبيانه ومضمونه، ومنه قول المستشرق فون هامر في مقدَّمة ترجمته للقرآن:"القرآن ليس دستورَ الإسلام فحسب، وإنما هو ذِروة البيانِ العربي، وأسلوبُ القرآن المدهش يشهد على أن القرآنَ هو وحيٌ من الله، وأن محمداً قد نشر سلطانَه بإعجاز الخطاب، فالكلمةُ [أي القرآنُ] لم يكن من الممكن أن تكونَ ثمرةَ قريحةٍ بشرية".

وأما فيليب حتّي فيقول في كتابه "الإسلام منهج حياة": "إن الأسلوب القرآني مختلف عن غيره، إنه لا يقبل المقارنة بأسلوب آخر، ولا يمكن أن يقلد، وهذا في أساسه هو إعجاز القرآن .. فمن جميع المعجزات كان القرآن المعجزة الكبرى".

وأما جورج حنا فيقول في كتابه "قصة الإنسان": "إذا كان المسلمون يعتبرون أن صوابية لغة القرآن هي نتيجة محتومة لكون القرآن منزلاً ولا يحتمل التخطئة، فالمسيحيون يعترفون أيضاً بهذه الصوابية، بقطع النظر عن كونه منزلاً أو موضوعاً، ويرجعون إليه للاستشهاد بلغته الصحيحة كلما استعصى عليهم أمر من أمور اللغة".

(1) انظر: سيرة ابن هشام، ص (382).

(2)

الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البر (3/ 1335).

ص: 55

ويقول الفيلسوف الفرنسي هنري سيرويا في كتابه "فلسفة الفكر الإسلامي": "القرآن من الله بأسلوب سام ورفيع لا يدانيه أسلوب البشر".

وأما المستشرق بلاشير فلم يألُ جهداً في الطعن في القرآن ومعاداته في كتابه "القرآن"، لكن الحقيقة غلبته، فقال:"إن القرآن ليس معجزة بمحتواه وتعليمه فقط، إنه أيضاً يمكنه أن يكون قبل أي شيء آخر تحفة أدبية رائعة؛ تسمو على جميع ما أقرته الإنسانية وبجَّلته من التحف".

وقال المؤرخ ول ديورانت: " ولغة القرآن هي اللغة العربية الفصحى الخالصة، وهو غني بالتشبيهات والاستعارات القوية الواضحة والعبارات الخلابة التي لا توائم ذوق الغربيين. وهو بإجماع الآراء خير كتاب، وأول كتاب في الأدب النثري العربي".

وبهرت جزالة القرآن وروعة أساليبه المستشرق الشهير، الأديب غوته، فسجل في ديوانه "الديوان الشرقي للشاعر الغربي" هذه الشهادة للقرآن:"القرآن ليس كلام البشر، فإذا أنكرنا كونه من الله، فمعناه أننا اعتبرنا محمداً هو الإله".

وقال: "إن أسلوب القرآن محكم سام مثير للدهشة .. فالقرآن كتاب الكتب .. وأنا كلما قرأت القرآن شعرت أن روحي تهتز داخل جسمي"(1).

(1) انظر هذه الشهادات وغيرها: قالوا عن الإسلام، عماد الدين خليل (52، 58 - 59، 75، 145)، وقصة الحضارة، ول ديورانت (13/ 52).

ص: 56