الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجمع العثماني:
وفي عهد عثمان الخليفة الثالث للنبي صلى الله عليه وسلم قدم حذيفة بن اليمان إلى الخليفة يشكو اختلاف المسلمين في القراءة بسبب جهل الكثيرين بالحكمة من الأحرف السبعة والإذن بالقراءة بها، لأن الله نزل القرآن بها جميعاً، فجعل بعضهم يقول: إن حرفه أصح من حرف غيره، وحصل بينهم مراء في الأحرف، وهي كلها قرآن منزل من الله، سهَّل الله بها القراءة على الناس الذين لم يعتادوا على لغة قريش، يقول حذيفة:(يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى)(1).
فاستشار عثمان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في إعادة نسخ القرآن وفق لغة قريش التي نزل بها القرآن أول مرة، فوافقوه في ذلك، يقول علي بن أبي طالب: إن عثمان قال: (فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد أن يكون كفراً. قلنا: فماذا ترى؟ قال: نرى أن نجمع الناس على مصحف واحد، فلا تكون فرقة، ولا يكون اختلاف. قلنا: فنعم ما رأيت)(2).
وكوَّن عثمان رضي الله عنه لجنة عمادها أربعة من حفاظ القرآن، ثم أضاف إليها ما جعل أعضائها اثني عشر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يقول كثير بن أفلح:(لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلاً من قريش والأنصار، فيهم أُبي بن كعب وزيد بن ثابت)(3).
وبدأت اللجنة بنسخ مصحف أبي بكر وكتابته وفق لسان قريش، يقول حذيفة: (فأرسل عثمان إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف؛ ننسخها في
(1) أخرجه البخاري ح (4988).
(2)
أخرجه ابن أبي داود في كتاب المصاحف ح (77)، وصحح إسناده ابن حجر في الفتح (9/ 18).
(3)
أخرجه أبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف ح (88).
المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنما نزل بلسانهم) (1).
وفي رواية الترمذي أن الكتبة اختلفوا في كيفية كتابة كلمة واحدة فقط، يقول حذيفة:(فاختلفوا في "التابوت" و" التابوه "، فقال القرشيون بالأول، وقال زيد بالثاني، فرفعوا اختلافهم إلى عثمان، فقال: اكتبوه بالتابوت، فإنه نزل بلسان قريش)(2).
وتكامل الجمع العثماني بإجماع من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر عثمان بإرسال نسخ من المصحف المجموع إلى الأمصار، كما أمر من كان عنده شيء من صحف القرآن أن يحرقها، يقول حذيفة:(حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف؛ رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق)(3).
ففعل الصحابة وامتثلوا ذلك، واتفقوا على صحة صنيع عثمان، يقول الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه:(يا أيها الناس، لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلا خيراً في المصاحف وإحراق المصاحف، فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا جميعاً، والله لو وليت لفعلت مثل الذي فعل)(4).
(1) أخرجه البخاري ح (3506).
(2)
أخرجه الترمذي ح (3104).
(3)
أخرجه البخاري ح (4988).
(4)
أخرجه أبو بكر ابن أبي داود في كتابه المصاحف ح (77)، وابن شبة في تاريخ المدينة المنورة (3/ 996).
وامتثال الصحابة وفعلهم إقرارٌ لعثمان على صحة جمعه وإعادته نسخ مصحف أبي بكر، ولو كان في فعله شائبة لثاروا عليه، ومن المعلوم أن عثمان لم يأمر عماله بمتابعة الناس في بيوتهم ومعرفة من أحرق ومن لم يحرق، فقد فعل المسلمون ذلك بمحض إرادتهم واختيارهم.
وهكذا وثق النص القرآني كتابة، فاجتمع ذلك إلى توثيقه بحفظ الحفاظ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وتناقلت الأمة في أجيالها نص القرآن الكريم، يحفظه الألوف منهم في كل عصر، ويولونه من العناية ما لا مثيل له في أمة من الأمم.