الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حقائق الإيمان - قصص السابقين - أحكام تشريعية - توجيهات للمجتمع المسلم - معالجة قضايا في العصر النبوي - وصف اليوم الآخر وما يتعلق به).
وينحصر المشترك بين موضوعات القرآن وموضوعات الكتاب المقدس في ثلاثة محاور (حقائق الإيمان - قصص السابقين - الأحكام التشريعية).
لكن نظرة فاحصة ستكشف التباين الكبير بين حديث القرآن وحديث الكتاب المقدس في هذه الموضوعات الثلاثة، وهو ما نفصله بإذن الله.
أ. حقائق الإيمان بين القرآن والكتاب المقدس
الكتب التي ينزلها الله يتوقع قارئها جميعاً أن تركز على حقائق الإيمان الرئيسة كالتعريف بالله وأنبيائه وملائكته وكيفية عبادته، ومن البدهي أن تتطابق هذه الكتب، لوحدة مصدرها، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بدعاً عن إخوانه الأنبياء، بل جاء لبيان المعاني ذاتها التي بعثهم الله للدعوة إليها، وفي مقدمة ذلك توحيد الله والتعريف به وبصفاته {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 25)، والتحذير من الشرك {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ} (الزمر: 65 - 66)، فهذه حقائق أطبق الأنبياء على ذكرها، ولا يتصور خلو دعوة نبي منها، فالتشابه بينها لازم لها، وهو دليل وحدة أصلها، وأما الاختلاف بينها في التعريف بهذه الحقائق فذاك دليل تحريف بعضها، وأنه ليس من عند الله تعالى.
والسؤال: هل يتشابه القرآن مع الكتاب المقدس فيما يتعلق بحقائق الإيمان؟
للإجابة عن هذا السؤال نكتفي بعرض مسألة واحدة من مسائل الإيمان وهي أهمها، مسألة التعريف بالله وصفاته، ليقيس القارئ الشاهد على الغائب.
وفي التعريف بالله وصفاته يتشابه الكتابان (القرآن والكتاب المقدس) بقدر
ما يحويه الكتاب المقدس من الحق، ويفترقان بقدر ما تحويه هذه الكتب من الشوائب والتحريف بسبب التدخل البشري فيها.
ولا ريب أن في الكتاب المقدس اليوم مجموعة من النصوص التي تعظم الله وتتحدث عن وحدانيته، فأصول هذه الكتب من عند الله، وهذه الحقائق الإيمانية الصحيحة بقايا آثار الأنبياء في هذا الكتاب، فتطابق القرآن معها دليل على وحدة المصدر، وهو الله عز وجل، ولا يعني بالضرورة أن القرآن نقل منها؛ إذ التشابه لا يدل بالضرورة على النقل، فقد تطابق الإنجيليون الأربعة (متى ومرقس ولوقا ويوحنا) في الكثير من نصوصهم مع أسفار العهد القديم، ولم يزعم أحد من مثيري الأباطيل عن القرآن أنهم كانوا ينقلون من العهد القديم أو من بعضهم البعض.
وإزاء التطابق بين القرآن والكتاب المقدس في بعض المعاني فإنه يمكن للمتابع رصد الكثير من التفاصيل المختلفة بين الكتابين، وهو ما يُحيل أن يكون أحدُهما مصدراً للآخر، فالله - بحسب القرآن الكريم - إله عظيم بائن من خلقه، مستو على عرشه استواء يليق بجلاله، لا ندرك كُنه ذاته ولا كيفية صفاته {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى: 11)، بينما هو بحسب الكتاب المقدس إله يخالط مخلوقاته، فيتجسد في صور بشرية، وينزل إلى الأرض، ويمشي فيها " هو ذا الرب يخرج من مكانه، وينزل ويمشي على شوامخ الأرض"(ميخا 1/ 3)، ويركب على الملائكة الكروبيم في تنقلاته " طأطأ السماوات ونزل، وضباب تحت رجليه، ركب على كروب، وطار، ورئي على أجنحة الريح
…
" (صموئيل (2) 22/ 10 - 11)، وقد نزل مرة إلى باب خيمة الاجتماع، فكلم موسى وجهاً لوجه "ويكلم الرب موسى وجهاً لوجه، كما يكلم الرجل صاحبه" (الخروج 33/ 11).
وإذا كان الله عز وجل منزهاً - بحسب القرآن - عن الطعام والشراب والنقائص فإن الكتاب المقدس يزعم أن الرب زار إبراهيم وأكل عنده بعض اللحم مع اللبن (انظر التكوين 18/ 8).
وإذا كان القرآن ينزه الله سبحانه وتعالى عن الشبيه والمثيل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الشورى: 11)، {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} (الإخلاص: 3)، فإنه في الكتاب المقدس أشبه ما يكون بالإنسان الذي خلقه مشابهاً له "وقال الله: نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" (التكوين 1/ 26).
ووصفه سفر دانيال بصفات الإنسان الجسدية، فشعر رأسه أبيض وملابسه كذلك بيضاء"وجلس القديم الأيام، لباسه أبيض كالثلج، شعر رأسه كالصوف النقي، وعرشه لهيب نار"(دانيال 7/ 9)، وله عينان وأجفان (انظر المزمور 11/ 4)، وله شفتان ولسان (انظر إشعيا 30/ 27 - 28)، وله رجلان رآهما بنو إسرائيل (انظر الخروج 24/ 9)، وأيضاً له فم وأنف يخرج منهما دخان ونار "صعد دخان من أنفه، ونار من فمه"(المزمور 18/ 9).
وقد مشى في الجنة، حتى سمع آدمُ وحواءُ وقعَ خطواته:"وسمعا صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار "(التكوين 3/ 8).
والله - بحسب القرآن - لا يُرى في الدنيا {لَاّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الأنعام: 103)، وهذا خلاف المفهوم التوراتي الذي يزعم أن موسى رآه وجهاً لوجه (انظر الخروج 33/ 11)، كما رآه يعقوب حين صارعه بعد أن عبر وادي يبوق، فسمى المكان "فينئيل"، وهي كلمة عبرانية معناها (وجه الله) "قائلاً: لأني نظرت الله وجهاً لوجه، ونجيت نفسي" (التكوين 32/ 30).
وإذا كان الله تعالى يصف نفسه في القرآن بأنه على كل شيء قدير؛ فإن سفر