الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل القرآن الكريم من إنشاء محمد صلى الله عليه وسلم
-؟
قالوا: القرآن ليس وحي الله، بل هو من إنشاء محمد وإبداعه!.
والجواب: أن هذه دعوى تحتاج إلى دليل، كما أن القول بنزول القرآن من الله على النبي صلى الله عليه وسلم دعوى تحتاج أيضاً إلى دليل، فنحن أمام خيارين: أولهما أن القرآن من كلام الله. والآخر أنه من إنشاء النبي صلى الله عليه وسلم.
ولو فرضنا ـ جدلاً ـ صحة الخيار الثاني، فإنا نتساءل: لماذا يؤلف مدعي النبوة هذا السِفر العظيم وتلك اللوحة البيانية المذهلة ثم ينسبه إلى غيره.
ولماذا يتحدى العالمين أن يأتوا بمثله؟ وكيف له أن يحيط بأخبار الأولين وأن يتوصل إلى علوم الآخرين؟ وكيف تنبأ بالغيوب الكثيرة التي ملأت صفحات كتابه، ومنها ما تحقق في حياته، ومنها ما يشهد وقوعه بصدقه إلى قيام الساعة.
ثم لو كتب مدعٍ ما كتاباً، فماذا ترانا نتوقع أن نجد فيه؟
لو أطلق الواحد منا خياله محاولاً تصور كتاب يكتبه مدع كاذب؛ فإنه سيجد الكثير مما ينبه العقلاء - ولو بعد حين - إلى بشريته، وأنه من صناعة إنسان، وهذا ليس بالعسير، فالبشر يكتبون بمعايير البشر وقدراتهم، ووفق أحاسيسهم ورغباتهم وعلومهم وموضوعاتهم.
إن نظرة فاحصة لآي القرآن ستنبئ عن إلهية منزل القرآن؛ إذ هو في موضوعاته يتسامى بعيداً عن اهتمامات البشر وما يجول في أذهانهم، فحديثه يدور حول موضوعات لا يطرقها البشر عادة ولا يقدرون على الإنشاء فيها، كالحديث عن صفات الله وأسمائه وأفعاله، وعن اليوم الآخر وأهواله وجنته وناره، والحديث عن التاريخ القديم والمستقبل البعيد.
وفي مقابل ذلك لا نجد أي مشاعر إنسانية يحملها القرآن في صفحاته، فلا
يظهر فيه حزن الاستضعاف المكي، ولا نشوة النصر المدني، لا نجد فيه أي حديث يتعلق بآلام النبي صلى الله عليه وسلم وأفراحه وآماله وتطلعاته، فكما لا يتحدث القرآن عن موت زوجه خديجة وعمه أبي طالب في عام الحزن؛ فإنه لا يذكر شيئاً عن زواجه أو ميلاد أولاده أو وفاتهم أو غير ذلك من الأمور الشخصية المتعلقة بزوجاته أو أصحابه، فالقرآن غير معني بتسجيل السير والحكايات، لذلك لم يرد فيه ذكر اسم زوجة من زوجاته أو ابن من أبنائه وبناته، بل ولا اسم عدو من أعدائه، ولا صاحب من أصحابه، خلا أبا لهب وزيداً رضي الله عنه.
بل إن القرآن لم يذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم في صفحاته إلا خمس مرات، بينما ذكر عيسى عليه السلام باسمه خمساً وعشرين مرة، وذكر موسى بما يربو على المائة مرة؛ ليبرهن لكل قارئ أنه كتاب الله، وليس كتاب محمد صلى الله عليه وسلم (1).
وإذا شئنا مزيداً من البيان فلننظر إلى الكتب التي يؤمن بها اليهود والنصارى اليوم؛ فإنا نجدها مليئة بما يدل على بشريتها، بما تحكيه من هموم البشر وآلامهم وآمالهم ورغباتهم، وذلك باب يطول تتبعه، وحسبك من القلادة ما أحاط العنق.
أرسل يوحنا في رسالته المقدسة عند النصارى كلمات تبين عواطفه ومشاعره الإنسانية، فيقول: " غايس الحبيب الذي أحبه بالحق، أيها الحبيب في كل شيء أروم أن تكون ناجحاً وصحيحاً
…
سلام لك، يسلم عليك الأحباء، سلم على الأحباء بأسمائهم" (يوحنا (3) 1 - 14).
وأما بولس فكتب إلى صديقه تيموثاوس رسالته التي أضحت عند النصارى جزءاً من كتابهم المقدس، فيقول فيها: "الرداء الذي تركته في تراوس
(1) هذه الملاحظة دفعت أستاذ الرياضيات في جامعة الظهران الدكتور الكندي غاري مِلر لاعتناق الإسلام في عام 1977م.
عند كابرس أحضره متى جئت، والكتب أيضاً لاسيما الرقوق .... سلم على ريسكا وأكيلا وبيت أنيسي فورس، اراستس بقي في كورنثوس، وأما تروفيمس فتركته في ميليتس مريضاً، بادر أن تجيء قبل الشتاء
…
" (تيموثاوس (2) 4/ 13 - 21)، فمثل هذا الإنشاء والمعاني الإنسانية لا تجده في القرآن العظيم.
وفي مقابله يمكننا من خلال تفحص النص القرآني الوقوف على عشرات الشواهد التي تثبت أن هذا القرآن ليس من إنشاء محمد صلى الله عليه وسلم ولا تأليفه، بل هو كلام الله تبارك وتعالى المنزل عليه صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا الصدد نقف مع أربعة أنواع من الآيات الدالة على ذلك، وهي:
- آيات عتاب النبي صلى الله عليه وسلم.
- آيات تتعلق بأحداث تشهد بوحي القرآن عليه.
- إعجاز القرآن الكريم.
- إخبار القرآن بالغيوب.
وفيما يلي تفصيل ذلك.