الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سادساً: طلاق المرأة
قالوا: القرآن ظلم المرأة حين أذن بالطلاق بين الزوجين، والمفروض أن تكون الحياة الزوجية على التأبيد، وقالوا بأنه ظلم المرأة حين جعل الطلاق بيد الرجل، دون المرأة.
والجواب: أن الطلاق شرعة موجودة عند كل الأمم بلا استثناء، وما من أمة ولا شرعة إلا وأباحت الطلاق ولجأت إليه كحل لا مفر منه في إنهاء الخلافات المستعصية بين الأزواج، فالعهد القديم يبيح الطلاق، والعهد الجديد كذلك يبيح الطلاق بعلة الزنا، وإن حرمه فيما عدا ذلك، لكن هذا التحريم أدى إلى مفسدة عظمى، فكان سبباً في انتشار الزنا والعلاقات المحرمة بدون زواج، حيث يعيش الرجل مع المرأة سنين طويلة قبل أن يتزوجا، ولا يمنعهما عن الزواج إلا خشية وقوع الفراق، فلا يتزوجان إلا بعد أن ينجبا عدداً من الأبناء، ويتأكدا من ديمومة زواجهما واستغنائهما عن الانفصال.
إن الطلاق ضرورة اجتماعية معروفة في الشرائع قبل الإسلام، وهي مقررة اليوم في كافة القوانين المدنية، فكيف يطالب المرء بإمساك زوجة لا يطيقها، وقد قيل:"إن من أعظم البلايا مصاحبة من لا يوافقك ولا يفارقك".
ويقرر الإسلام أن الأصل في الحياة الزوجية الديمومة التي تحرسها المودة والرحمة التي يجعلها الله بين الزوجين {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم: 21)، فقد رغب القرآن في ديمومة النكاح، وحثَّ الزوج في الإبقاء على العلاقة الزوجية حتى حال الكراهية بين الزوجين {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} (النساء: 19).
كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم الزوج بحسن تبعل المرأة، وجعل ذلك ميزاناً لخيريته بين المؤمنين:«خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي» (1)، وأوصاه بالمحافظة على رباط الزوجية وإن وجد في زوجته ما يكره، فليأنس بغيره مما يحب:«لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر» (2).
وكره الإسلام الطلاق ففي المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق» (3)، ورغم ضعف إسناده فمعناه صحيح، وهو أمر لا يخفى على من تدبر الآية التي جعلت التفريق بين الزوجين بعض كيد السحرة والشياطين:{فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} (البقرة: 102)، فلا يليق بالمسلم أن يوافق مراده مراد الشياطين بلا حاجة ماسة لذلك.
ولحماية الأسرة من الوصول إلى الفراق بالطلاق أوجب الإسلام حسن العشرة بين الزوجين حتى في حال الكراهية {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} (النساء: 19)، وخيَّر الزوج بعد طلقتين بين المعروف والإحسان {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (البقرة: 229).
وشرع القرآن للزوجين إصلاح ما يفسد بينهما من علاقة، وحثهما على وأد الشقاق والنفور بكل طريق يؤدي إلى الصلح {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلَا جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (النساء: 128)، فإذا لم يستطع الزوجان أن يصلحا ما بينهما بنفسيهما ولم يحققا الوفاق بوسائلهما الخاصة؛ فإن الله يأمرهما بعرض الأمر على مجلس عائلي يتكون من
(1) أخرجه الترمذي ح (3895)، وابن ماجه ح (1977).
(2)
أخرجه مسلم ح (1469).
(3)
أخرجه أبو داود ح (2178)، وابن ماجه ح (2018)، وفي إسناده ضعف.
حكمين، أحدهما من أهله، والآخر من أهلها، ليبحثا أسباب الشقاق، ويسعيا لإحلال الصفاء والوئام محل النفور والخصام:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفّقِ الله بَيْنَهُمَا} (النساء: 35).
فإن استحالت الحياة بين الزوجين فإن الإسلام أذن للزوج بطلاق المرأة مرتين من غير أن يخرجها من بيتها قبل انتهاء عدتها، وأن يكون طلاقه لها في طهر لم يجامعها فيه، فهذا الشرط يمنع الطلاق حال الحيض وامتناع العشرة الزوجية، وهو شرط لا يتحقق في الحياة الزوجية إلا مع النُفْرة الشديدة المانعة لديمومة الحياة الأسرية.
ويضع القرآن للمطلقة حقاً على زوجها، وهو المتعة {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ} (البقرة: 241)، وهو مبلغ من المال يجبر فيه خاطرها ولم يحدد القرآن مقداره، بل قال:{وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ} (البقرة: 263).
وقد وضع الإسلام - كما الشرائع السابقة - الطلاق بيد الرجل لحكم لا تخفى:
أولاً: عاطفية المرأة تؤدي إلى تسرعها في الأمور، بينما الرجل بعقليته الغالبة أقدر على تحمل مثل هذا القرار والتروي في اتخاذه.
ثانياً: الطلاق يحمل الزوج تبعات مالية كخسارة ما دفعه من مهر مقدم، وما يلزمه من مهر مؤجل ونفقة العدة وأجرة الرضاعة والحضانة إن كان له طفل أو أطفال من زوجته المطلقة، وهذا كله مما يحمل الزوج على التأني وعدم العجلة في تطليق زوجته، وربما تزول أسباب طلاقها في حالة تأنيه وعدم عجلته، إضافة إلى أن الخسائر المالية ستلحق به بسبب قراره، لا بسبب قرار يتخذه غيره.
ويحفظ الإسلام للمرأة حقوقها المالية حين الطلاق، فلا يجيز للزوج أن يأخذ شيئاً مما أعطاها إياه؛ ولو كان كثيراً {وَإِنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} (النساء: 20).
وإذا كان القرآن يعطي الزوج قرار الطلاق فإنه يجيز للمرأة أن تطلب من القاضي أن يطلقها من زوجها بعد أن تبدي الأسباب الموجبة لذلك، كما يجيز فقهاء الإسلام لها أن تشترط في عقدها حقها في طلاق نفسها إن شاءت، فإذا رضي الزوج بهذا الشرط وانعقد العقد بهذا الشرط؛ صار لها حق تطليق نفسها؛ بإرادتها.
كما يعطيها القرآن فرصة معادلة للطلاق للتخلص من رباط الزوجية، وهي الخلع الذي تردُّ فيه بعضاً مما دفعه الزوج، وتحصل على طلاقها {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (البقرة: 229)، فهذا يحفظ للزوج حقه المالي، ويحفظ لها حقها في فسخ النكاح الذي ترى أنها تتضرر به.
لذا لما جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ترغب في طلاق زوجها قالت: إني لا أعتب عليه في خلق ولا في دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال لها صلى الله عليه وسلم:«أتردين عليه حديقته؟» [كان مهراً أعطاها إياه] قالت: نعم، فقال صلى الله عليه وسلم لثابت:«اقبل الحديقة، وطلقها تطليقة» (1).
وفي كل ما سبق ما يبرئ ساحة شريعة القرآن من غبن النساء الذي ألحقه الزاعمون به، ويؤكد واقعية هذه الشريعة ومثاليتها في آن واحد.
(1) أخرجه البخاري ح (5272).