الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعاً: حقوق المرأة والميراث
قالوا: القرآن يغبن المرأة حين يجعل لها من الميراث نصف ما للرجل، وفي ذلك انتقاص من أهلية المرأة، ومعاملتها على أنها نصف إنسان!! ..
والجواب: سبق بيان صور التساوي بين الجنسين في الإنسانية، ورأينا تساويهما في المنزلة عند الله وجزائه وعقابه، واستقر لدينا أن التفاضل بينهما إنما هو لدواع مادية بحتة، فالأصل في المسألة قوله صلى الله عليه وسلم:«إنما النساء شقائق الرجال» (1).
وقبل أن نقف على سبب اختلاف الذكور عن الإناث في المواريث أود تذكير الطاعنين على القرآن بأن كتبهم المقدسة تحرم المرأة من الميراث كلية حال وجود أشقاء لها "فكلم الرب موسى قائلاً
…
أيما رجل مات وليس له ابن؛ تنقلون ملكه إلى ابنته" (العدد 27/ 8)، ويفهم من السياق التوراتي - الذي يؤمن به اليهود والنصارى - أن وجود الابن يمنع توريث الابنة (وانظر يشوع 17/ 1 - 3).
وحين جاء الإسلام كان عرب الجاهلية يحرمون المرأة من الميراث، يقول عمر:(والله إن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمراً؛ حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم)(2)، فألغى الإسلام شرعة الجاهلية، وأحل بدلاً عنه نظام الإرث الإسلامي المبني وفق قواعد ثلاثة:
أولاً: مراعاة درجة القرابة بين الميت والوارث، فكلما اقتربت الصلة بالميت زاد النصيب في الميراث، وكلما ضعفت الصلة قلَّ النصيب في الميراث، دونما اعتبار لجنس الوارثين، فابنة المتوفى تأخذ أكثر من والد المتوفى أو جده أو أخيه، وهي تنال نصف التركة لو ورثت مع الأب والأم.
(1) أخرجه الترمذي ح (113)، وأبو داود ح (236)، وأحمد ح (25663).
(2)
أخرجه البخاري ح (4913).
ثانياً: مراعاة موقع الجيل الوارث من التتابع الزمني للأجيال، فالأجيال الناشئة تقدم على الأجيال الكبيرة، لأنها تستقبل الأعباء والنفقات من دراسة وزواج وإنفاق على الأبناء، بعكس الكبار الذين غالباً ما تخف نفقاتهم، ومرة أخرى لا أثر للذكورة والأنوثة، فبنت المتوفى ترث (النصف) أي أكثر من أم المتوفى وأبيه، وحتى لو كان الأب هو مصدر الثروة التي للابن.
ثالثاً: مراعاة العبء المالي الذي سيتحمله الوارث، وفق قاعدة الغُنم بالغُرم، فكلما كانت الأعباء عليه أكثر فإنه يرث أكثر، وبسبب هذا يتفاوت الذكر والأنثى، لأن الأعباء المالية على الذكر أكثر، فالذكر مكلف بإعالة الأنثى؛ زوجة كانت أم أختاً أم بنتاً، فهي ترث من أبيها، ويرعاها أخوها وزوجها وابنها (1).
ولو شئنا أن نضرب مثلاً بأخ وأخت ورثا عن أبيهما، فلو ورث الذكر عن أبيه 100 ألف والأنثى 50 ألفاً، فالأخ مطلوب منه أن ينفق على عائلته كساء وغذاء وسكناً، بينما أخته مكفولة النفقة في بيت زوجها، وإذا كان الأخ يدفع مهراً، فإن الأخت تأخذ مهراً، علاوة على النفقات الأخرى التي يختص بها الرجال دون النساء، كتحمل دفع دية قتل الخطأ مع العصبة والأقارب، فهذا وأمثاله واجب على الأخ دون أخته الوارثة لنصف ما ورث.
وهكذا، حين جعل الله للذكر مثل حظ أنثيين من الميراث لم يقض بذلك لهوان النساء أو ظلمهن، بل قسم المال ووزعه تقسيماً مادياً بحتاً يتناسب والمسئوليات المنوطة بكل منهما في المجتمع والأسرة.
ثم إن الحالات التي ترث فيها المرأة نصف الرجل لا تعدو ثلاث حالات (2):
(1) انظر: المفصل في الرد على شبهات أعداء الإسلام، [كتاب إلكتروني].
(2)
ندوات علمية حول الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان في الإسلام، رابطة العالم الإسلامي، ص (140 - 141).
أ) أولاد المتوفى، فالذكور يرثون ضعف الإناث، لقوله تعالى:{يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} (النساء: 11).
ب) التوارث بين الزوجين، حيث يرث الزوج من زوجته ضعف ما ترثه هي منه، لقوله تعالى:{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (النساء: 12).
ج) يأخذ أبو المتوفى ضعف زوجته (أم المتوفى) إذا لم يكن لابنهما وارث، فيأخذ الأب الثلثين وزوجته الثلث.
وفي مقابل هذه الحالات الثلاث فإن الأنثى ترث مثل الذكر في حالات، كما في مسألة الكلالة {وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ} (النساء: 12).
كما قد قضى عمر بالتساوي بين الأخوة لأم ذكوراً وإناثاً، قال الزهري:"ولا أرى عمر قضى بذلك حتى علم ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذه الآية التي قال الله تعالى: {فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ} (النساء: 12) "(1).
ومرة أخرى ساوى القرآن بين الوالدين في إرثهما من ولدهما؛ إذا كان له ولد {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ} (النساء: 12).
وهناك أحوال كثيرة ترث الأنثى فيها أكثر من الرجل، فتقدم الابنة مثلاً على الأب والأخ والعم والخال، بل قد ترث هي، ولا يرثون.
وهكذا فالتفاوت في قسم الميراث بين الذكور والإناث ليس مطرداً، وهو متعلق بمنظومة الإسلام الاجتماعية ومقتضياتها في توزيع المسؤوليات والنفقات،
(1) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (3/ 888).
ووفق هذه الالتزامات يتوزع الإرث بين الذكور والإناث.
ونختم الرد على هذه الأُبطولة بشهادة المستشرق غوستاف لوبون، حيث يقول:"والإسلام قد رفع حال المرأة الاجتماعي وشأنها رفعاً عظيماً بدلاً من خفضها، خلافاً للمزاعم المكررة على غير هدى، والقرآن قد منح المرأة حقوقاً إرثية أحسن مما في أكثر قوانيننا الأوربية".
ويقول: "وتعد مبادئ الميراث التي نص عليها القرآن بالغة العدل والإنصاف .. ويظهر من مقابلتي بينها وبين الحقوق الفرنسية والإنجليزية أن الشريعة الإسلامية منحت الزوجات - اللائي يُزعم أن المسلمين لا يعاشرونهن بالمعروف - حقوقاً في الميراث لا نجد مثلها في قوانيننا"(1).
(1) حضارة العرب، غوستاف لوبون، ص (389، 401).