الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأباطيل المتعلقة بما في القرآن عن أنبياء الله تعالى
الأنبياء رسل الله إلى خلقه من الجن والإنس، وهم صفوته منهم، وحملة رسالاته ووحيه إليهم، اختارهم الله واصطفاهم لهذه المهمة الشريفة من بين سائر عباده {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آلله خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} (النمل: 59)، فهم أبرُّ أهل الأرض، وأكرمهم، وأجلهم، عصمهم الله من الكفر، ونزههم عن مقارفة الكبائر بتوفيقه وهدايته {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} (يوسف: 24)، فالرسول على قدر المرسِل.
لكنهم صلوات ربي وسلامه عليهم - رغم عصمة الله لهم من الكبائر والخسائس - فإنهم كسائر بني آدم، بشر يصيبون ويخطئون، وينالهم ما يصيب غيرهم من عوارض البشرية، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«لا ينبغي لأحد أن يقول: أنا خير من يحيى بن زكريا، ما هم بخطيئة» . قال عبد الله بن عمرو راوي الحديث: أحسبه قال: «ولا عملها» (1)، وفي رواية ابن عباس، وفيها ضعف:«ما من أحد من ولد آدم إلا قد أخطأ، أو هم بخطيئة، ليس يحيى بن زكريا» (2)، فالحديث يفيد عصمة نبي الله يحيى دون سواه من الأنبياء عن الصغائر التي تجوز في حقهم، وكما قال ابن بطال فإن المسلمين "اختلفوا، هل يجوز وقوع الذنوب منهم؟ فأجمعت الأمة على أنهم معصومون في الرسالة، وأنه لا تقع منهم الكبائر .. وقال أهل السنة: جائز
(1) أخرجه البزار في مسنده ح (2351)، وقال الهيثمي:"رواه البزار، ورجاله ثقات". مجمع الزوائد، الهيثمي (8/ 142).
(2)
أخرجه أحمد ح (2294)، وأبو يعلى ح (2544)، والطبراني في معجمه الكبير ح (12933)، والحاكم في مستدركه (2/ 647)، وقد ضعفه العلماء لأجل علي بن زيد، وهو ضعيف عند الجمهور. مجمع الزوائد، الهيثمي (8/ 142).
وقوع الصغائر من الأنبياء" (1).
وقد ذكر القرآن الكريم وقوع بعض الأنبياء في صغائر الذنوب، وذكر استغفارهم الله وتوبتهم منها، ومنه قوله تعالى عن أبينا آدم:{وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} (طه:121 - 122)، وقوله على لسان إبراهيم عليه السلام:{وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} (الشعراء: 82)، وقوله عن النبي صلى الله عليه وسلم:{لِيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} (الفتح: 2)، فهم بشر يخطئون، لكنهم - عليهم الصلاة والسلام- أعرف الناس بربهم، وأخوفهم له، وأسرعهم إليه توبة، وأقلهم مواقعة لمعصيته، فـ "الله تعالى قد أخبر بوقوع ذنوب من بعضهم، ونسبها إليهم، وعاتبهم عليها، وأخبروا بذلك عن نفوسهم، وتنصلوا منها، واستغفروا منها وتابوا .. وكل ذلك مما لا يزري بمناصبهم، وإنما تلك الأمور التي وقعت منهم على جهة الندور [أي كانت نادرة]، وعلى جهة الخطأ والنسيان، أو تأويل دعا إلى ذلك، فهي بالنسبة إلى غيرهم حسنات، وفي حقهم سيئات بالنسبة إلى مناصبهم، وعلو أقدارهم؛ إذ قد يؤاخذ الوزير بما يثاب عليه السائس، فأشفقوا من ذلك في موقف القيامة، مع علمهم بالأمن والأمان والسلامة"(2).
وهذه الذنوب الصغائر يُغض عنها، فتطوى لندرتها؛ فإنها تغور في بحور حسنات الأنبياء الذين سبقوا إلى الله بالعمل الصالح {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (الأنبياء:90).
وإزاء هذا التصور الإسلامي لمقام النبوة تثور مفاهيم باطلة؛ يزعم أصحابها
(1) شرح ابن بطال (10/ 439)، وقد خالف الخوارج والمعتزلةُ أهلَ السنة والحق، فقالوا بعصمة الأنبياء عن الصغائر، كما شذَّ الرافضة حين ادعوا عصمة الأنبياء قبل النبوة.
(2)
الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (11/ 255).
فيها أن القرآن أساء فيها إلى أنبياء الله الكرام، وانتقص من أقدارهم، والعجب كل العجب أن هذه الغيرة المزعومة على الأنبياء صدرت ممن تطفح كتبه بنسبة الكفر والكبائر من الذنوب والإثم إلى الأنبياء، ففي توراتهم التي يؤمن بها كل من اليهود والنصارى أن نوحاً عليه السلام سكر وظهرت عورته أمام أبنائه (انظر التكوين 9/ 25 - 26)، وأن لوطاً أسكرته ابنتاه، وضاجعتاه، وأنجبتا منه (انظر التكوين 19/ 30 - 37)، وأن هارون عليه السلام صنع العجل الذهبي لبني إسرائيل ليعبدوه من دون الله (انظر الخروج 32/ 2 - 4)، وأنه وأخاه موسى عليهما السلام خانا الله (انظر التثنية 32/ 51)، ولم يؤمنا به (انظر العدد 20/ 12).
ولا تخص التوراة النبي موسى بالأمر بقتل النساء والأطفال (انظر العدد 31/ 14 - 18)، بل تنسب هذا الفعل المريع الشنيع إلى وصيه النبي يوشع بن نون (انظر يشوع 6/ 20 - 24)، وإلى نبي الله داود الذي تزعم الأسفار أنه لم يكتف بقتل النساء والأطفال، بل عمد إلى نشر أعدائه الفلسطينيين بالمناشير، وحطم عظامهم بالفؤوس قبل أن يحرقهم في الأفران (انظر صموئيل (2) 12/ 31) و (الأيام (1) 20/ 3).
وقد نال هذا النبيَّ الكريم الأواب (داود)، وابنَه الحكيم سليمان النصيبُ الأكبر من الجرح والسوء، فيذكر سفر صموئيل أنه رقص حتى تكشفت عورته أمام عبيده (انظر صموئيل (2) 6/ 14 - 20)، وأنه قتل مائتين من الفلسطينيين، وقطع غُلُفهم ليقدمها مهراً لزوجته ميكال ابنة الملك شاول (انظر صموئيل (1) 18/ 27)، وأنه حين تولى الملك ضاجع زوجة قائده أوريا، فحبلت منه، فدفع زوجها إلى الموت ليستر على فعلته (انظر صموئيل (2) 11/ 2 - 26).
وأما ابنه النبي الحكيم سليمان؛ ففي التوراة - التي يؤمن بها الطاعنون في القرآن الكريم - أن نساءه الوثنيات أملن قلبه إلى آلهتهن في شيخوخته، فبنى معابد