الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأما في زماننا وما قبله فهذه الطائفة متفرقة في أقطار الأرض كما يشهد له الواقع من حال هذه الأمة منذ فتحت الأمصار في عهد الخلفاء الراشدين إلى اليوم، ولا يختص بها مصر من أمصار المسلمين دون المصر الآخر.
ولكنها تكثر في بعض الأماكن أحيانا ويعظم شأنها ويظهر أمرها ببركة الدعوة إلى الله تعالى وتجديد الدين، كما وقع ذلك في الشام في زمان شيخ الإسلام ابن تيمية وأصحابه رحمة الله عليهم، وكما وقع ذلك في الجزيرة العربية في زمان شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وأولاده وأحفاده رحمة الله عليهم أجمعين، ولم يزل أهل الجزيرة العربية في بركة من تجديدهم إلى اليوم.
الوجه الخامس:
أن الذين يقاتلون في الملاحم التي ستكون في آخر الزمان ويقاتلون الدجال أيضا هم العرب: من سكان الجزيرة العربية. وليسوا بالذين ينتسبون إلى العربية، وهم بعيدون من أرضها، ولم يتحقق نسبهم إليها.
والدليل على ذلك: ما رواه الحاكم في مستدركه عن حسان بن عطية عن ذي مخمر - رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن أخي النجاشي - أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «تصالحون الروم صلحاً آمناً حتى تغزون أنتم وهم عدواً من ورائهم، فتنصرون وتغنمون وتنصرفون حتى تنزلوا بمرج ذي تلول، فيقول قائل من الروم: غلب الصليب، ويقول قائل من المسلمين: بل الله غلب، فيتداولانها بينهم فيثور المسلم إلى صليبهم وهو منهم غير
بعيد فيدقه، فيثور الروم إلى كاسر صليبهم فيقتلونه، ويثور المسلمون إلى أسلحتهم فيقتتلون، فيكرم الله عز وجل تلك العصابة من المسلمين بالشهادة، فيقول الروم لصاحب الروم: كفيناك حد العرب، فيغدرون فيجتمعون للملحمة، فيأتونكم تحت ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً» قال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه.
والمقصود من هذا الحديث قول الروم لصاحبهم: كفيناك حد العرب، وأنهم يغدرون ويجتمعون للملحمة، وهذا يدل على أن الملحمة الكبرى تكون بين العرب وبين الروم، واسم العرب إذا أطلق فإنما يراد به سكان الجزيرة العربية لا غيرهم.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا فيقاتلونهم، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله، ويفتح الثلث لا يفتنون أبداً فيفتتحون قسطنطينية، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم، فيخرجون - وذلك باطل - فإذا جاؤا الشام خرج، فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فأمهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو
تركه لانذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده، فيريهم دمه في حربته».
وروى ابن ماجه والطبراني والحاكم في مستدركه عن عمرو بن عوف رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تقوم الساعة حتى تكون رابطة من المسلمين ببولان، يا علي - قال المزني يعني علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لبيك يا رسول الله، قال: اعلم أنكم ستقاتلون بني الأصفر، ويقاتلهم من بعدكم من المؤمنين، ثم يخرج إليهم روقة المسلمين أهل الحجاز الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم حتى يفتح الله عليهم قسطنطينية ورومية بالتسبيح والتكبير» الحديث. قال ابن الأثير وابن منظور: فيخرج إليهم روقة المؤمنين أي خيارهم وسراتهم، وهي جمع رائق، من راق الشيء: إذا صفا وخلص.
وفي هذا الحديث والحديث قبله: دليل على أن أهل الجزيرة العربية هم الذين يقاتلون في الملاحم ويقاتلون الدجال.
وفي الصحيحين ومسند الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في بني تميم: «هم أشد أمتي على الدجال» وبنو تميم: قبيلة كبيرة من قبائل العرب في الجزيرة العربية.
وفي المسند أيضا عن عكرمة بن خالد قال: حدثني فلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: نال رجل من بني تميم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: «لا تقل لبني تميم إلا خيرا فإنهم أطول الناس رماحا على الدجال» إسناده صحيح على شرط مسلم.
وروى البزار في مسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وذكر بني تميم فقال - «هم ضخام الهام، ثبت الأقدام، نصار الحق في آخر الزمان، أشد قوماً على الدجال» .
وفي سنن ابن ماجه عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أكثر خطبته حديثا حدثناه عن الدجال - فذكر الحديث بطوله وفيه - فقالت أم شريك بنت أبي العكر: يا رسول الله فأين العرب يومئذ؟ قال «هم قليل، وجلهم يومئذ ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى بن مريم، فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى ليقدم عيسى يصلي، فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول: تقدم فصل فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم، فإذا انصرف قال عيسى عليه السلام: افتحوا الباب؛ فيفتح ووراءه الدجال، معه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلى وساج، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء، وينطلق هاربا، ويقول عيسى عليه السلام: إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها، فيدركه عند باب اللد الشرقي فيقتله فيهزم الله اليهود؛ فلا شيء مما خلق الله يتوارى به يهودي، إلا أنطق الله ذلك الشيء، لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة - إلا الغرقدة فإنها من شجرهم لا تنطق - إلا قال: يا عبد الله المسلم هذا يهودي فتعال اقتله» .