المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وأما المصريون فقد تقدم ما ذكرناه عنهم من الافتتان بالقبور، - إيضاح المحجة في الرد على صاحب طنجة

[حمود بن عبد الله التويجري]

فهرس الكتاب

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌الوجه الرابع:

- ‌الوجه الخامس:

- ‌الوجه السادس:

- ‌الوجه السابع:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌الوجه الرابع:

- ‌الوجه الخامس:

- ‌الوجه السادس:

- ‌الأول:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث

- ‌أحدها:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌الوجه الرابع:

- ‌أحدها:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌أحدها:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌أحدها:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌أحدها:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌الوجه الرابع:

- ‌أحدها:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌الوجه الرابع:

- ‌الوجه الخامس:

- ‌الوجه السادس:

- ‌الوجه السابع:

- ‌الوجه الثامن:

- ‌الوجه التاسع:

- ‌الوجه العاشر:

- ‌أحدها:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌الوجه الرابع:

- ‌الوجه الخامس:

- ‌أحدها:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌الوجه الرابع:

- ‌الوجه الخامس:

- ‌أحدها:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌الوجه الرابع:

- ‌أحدهما:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌أحدها:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌الوجه الرابع:

- ‌الوجه الخامس:

- ‌الوجه السادس:

- ‌أحدها:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌أحدها:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌الوجه الرابع:

- ‌الوجه الخامس:

- ‌الوجه السادس:

- ‌الوجه السابع:

- ‌الوجه الثامن:

- ‌الوجه التاسع:

- ‌الوجه العاشر:

- ‌أحدها:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌الوجه الرابع:

- ‌الوجه الخامس:

- ‌الوجه السادس:

- ‌الوجه السابع:

- ‌الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بدلائل الخيرات بدعة

- ‌المشروع عد التسبيح بالأصابع لا بالسبحة

- ‌أحدها:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌الوجه الرابع:

- ‌الوجه الخامس:

الفصل: وأما المصريون فقد تقدم ما ذكرناه عنهم من الافتتان بالقبور،

وأما المصريون فقد تقدم ما ذكرناه عنهم من الافتتان بالقبور، ودعاء أهلها والالتجاء إليهم في طلب الحاجات وتفريج الكربات وإغاثة اللهفات، وأن البدع والخرافات وأنواع المعاصي والمنكرات كانت فاشية عندهم بكثرة، وأنهم نبذوا حكم الشريعة المحمدية وراء ظهورهم واعتاضوا عنها بالقوانين الوضعية التي هي من حكم الطاغوت والجاهلية، وأنهم افتتنوا بالاشتراكية الخبيثة، مع تمسكهم بالتقاليد الإفرنجية في كل جليل وحقير من أمورهم. إلى غير ذلك مما ذكرناه ولم نذكره مما يطول وصفه.

ومع هذا يقول المصنف عنهم إنهم على الحق، وإنهم الطائفة المنصورة.

ويقول في الشيخ محمد بن عبد الوهاب قدس الله روحه إنه قرن الشيطان، وإنه نشر الفتنة، وإن النجديين هم قرن الشيطان. وهذا من قلب الحقيقة وعكس القضية في كل من الفريقين.

وما أشبه حال المصنف بالذين قال الله تعالى فيهم (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون).

‌الوجه السابع:

أن المصنف قال عن العلماء إنهم كانوا يحملون الأحاديث الواردة في الخوارج على الشيخ محمد بن عبد الوهاب وعلى أصحابه. وهذا الكلام فيه إيهام وتلبيس على من جهل حال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كما أن فيه افتراء على علماء الدين وجوابه أن يقال:

ص: 141

أما علماء الزيغ والضلال، من المفتونين بالقبور وأهل البدع والأهواء ومن شاكلهم فإنهم قد أظهروا العداوة للشيخ محمد بن عبد الوهاب وأصحابه، ورموهم بكل ما يرون أنه يعيبهم ويحط من قدرهم، فقالوا كذباً وزوراً إنهم خوارج، وقالوا إنهم قرن الشيطان، وقالوا إنهم نشروا الفتنة، وقالوا إنهم يبغضون الرسول صلى الله عليه وسلم ، إلى غير ذلك مما بهتوهم به وافتروه عليهم.

وأما علماء الدين فإنهم شهدوا للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى أنه أظهر توحيد الله؛ وجدد دينه ودعا إليه، واعترفوا بعلمه وفضله وهدايته، وأثنوا عليه نظما ونثرا.

فمن ذلك ما قاله عالم اليمن الأمير محمد بن إسماعيل الصنعاني رحمه الله تعالى.

قفي واسألي عن عالم حل سوحها

به يهتدي من ضل عن منهج الرشد

محمد الهادي لسنة أحمد

فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي

لقد أنكرت كل الطوائف قوله

بلا صدر في الحق منهم ولا ورد

وقد جاءت الأخبار عنه بأنه

يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي

وينشر جهراً ما طوى كل جاهل

ومبتدع منه فوافق ما عندي

ص: 142

ويعمر أركان الشريعة هادماً

مشاهد ضل الناس فيها الرشد

أعادوا بها معنى سواع ومثله

يغوث وود بئس ذلك من ود

وقد هتفوا عند الشدائد باسمها

كما يهتف المضطر بالصمد الفرد

وكم عقروا في سوحها من عقيرة

أهلت لغير الله جهراً على عمد

وكم طائف حول القبور مقبل

ويستلم الأركان منهن بالأيدي

لقد سرني ما جاءني من طريقه

وكنت أرى هذي الطريقة لي وحدي

وقال عالم الإحساء حسين بن غنام رحمه الله تعالى:

لقد رفع المولى به رتبة الهدى

بوقت به يعلى الضلال ويرفع

سقاه نمير الفهم مولاه فارتوى

وعام بتيار المعارف يقطع

فأحيا به التوحيد بعد اندراسه

وأقوى به من مظلم الشرك مهيع

سما ذروة المجد التي ما ارتقى لها

سواه ولا حاذى فناها سميدع

ص: 143

وشمر في منهاج سنة أحمد

يشيد ويحيي ما تعفى ويرقع

يناظر بالآيات والسنة التي

أمرنا إليها في التنازع نرجع

فأضحت به السمحاء يبسم ثغرها

وأمسى محياها يضيء ويلمع

وعاد به نهج الغواية طامساً

وقد كان مسلوكاً به الناس تربع

وجرت به نجد ذيول افتخارها

وحق لها بالألمعي ترفع

فآثاره فيها سوام سوافر

وأنواره فيها تضيء وتسطع

وقال العلامة محمد بن علي الشوكاني اليمني رحمه الله تعالى:

إمام الورى علامة العصر قدوتي

وشيخ الشيوخ الحبر فرد الفضائل

محمد ذو المجد الذي عز دركه

وجل مقاماً عن لحوق المطاول

عنيت ابن عبد الوهاب قدوة عصره

سلالة أنجاب زكي الخصائل

عليه من الرحمن أعظم رحمة

تبل ثراه بالضحى والأصائل

ص: 144

لقد أشرقت نجد بنور ضيائه

وقام مقامات الهدى بالدلائل

إمام له شأن كبير ورتبة

من الفضل تثني همة المتطاول

تأخر ميلاداً وفي حلبة العلى

وميدان فخر سابق للأوائل

ويأمر بالمعروف في كل حالة

وعن منكر ينهى وليس بقابل

ولم يأل جهداً في نصيحة مسلم

برأي وتدبير وحسن تعامل

ومن شأنه قمع الضلال ونصره

لمن كان مظلوماً وليس بخاذل

وكم كان في الدين الحنيفي مجاهداً

بماضي سنان دامغ للأباطل

فلولاه لم تحرز رحى الدين مركزاً

ولا اشتد للإسلام ركن المعاقل

ولا كان للتوحيد واضح لاحب

يقيم اعوجاج السير من كل عادل

فما هو إلا قائم في زمانه

مقام نبي في إماتة باطل

ص: 145

وقال الشيخ ملا عمران بن علي بن رضوان، نزيل لنجه من بلاد العجم رحمه الله تعالى، في رده على من عارض الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:

الشيخ شاهد بعض أهل جهالة

يدعون أصحاب القبور الهمد

تاجاً وشمسان ومن ضاهاهما

من قبة أو تربة أو مشهد

يرجون منهم قربة وشفاعة

ويؤملون كذاك أخذاً باليد

ورأوا لعبّاد القبور تقرباً

بالنذر والذبح الشنيع المفسد

ما أنكر القراء والأشياخ ما

شهدوا من الفعل الذي لم يحمد

بل جوزوه وشاركوا في أكله

من كان يذبح للقبور ويفتدي

فأتاهم الشيخ المشار إليه بالنـ

ـصح المبين وبالكلام الجيد

يدعوهم لله أن لا تعبدوا

إلا المهيمن ذا الجلال السرمد

لا تشركوا ملكاً ولا من مرسل

كلا ولا من صالح أو سيد

ص: 146

فتنافروا عنه وقالوا ليس ذا

إلا عجيب عندنا لم يعهد

ما قاله آباؤنا أيضاً ولا

أجدادنا أهل الحجى والسؤدد

إنا وجدنا جملة الآبا على

هذا فنحن بما وجدنا نقتدي

فالشيخ لما أن رأى ذا الشأن من

أهل الزمان اشتد غير مقلد

ناداهم يا قوم كيف جعلتم

لله أنداداً بغير تعدد

قالوا له بل إن قلبك مظلم

لم تعتقد في صالح متعبد

قالوا له غشاش أمة أحمد

وهو النصيح بكل وجه يبتدي

هل قال إلا وحدوا رب السما

وذروا عبادة ما سوى المتفرد

وتمسكوا بالسنة البيضا ولا

تتنطعوا بزيادة وتردد

هذا الذي جعلوه غشاً وهو قد

نطقت به الرسل الكرام لمن هدي

ص: 147

من عهد آدم ثم نوح هكذا

تترى إلى عهد النبي محمد

وكذلك الخلفاء بعد نبيهم

والتابعون وكل حبر مهتد

منهاجهم هذا عليه تمسكوا

من كان مستناً بهم فليقتد

عجباً لمن يتلو الكتاب ويدعي

علم الحديث مسلسلا في المسند

ويقول للتوحيد غشاً: إن ذا

خطر على من قاله فليشهد

ويجدد الإسلام والإيمان معتقداً

بأن الشيخ خير مجدد

ما ذنبه في الناس إلا أنه

هد القباب وتلك سيرة أحمد

لما نفى الإطراء منهم والغلو

قالوا أتيت بذا الجفاء المبعد

لو كان حبك للنبي محققاً

لفعلت فعلتنا لعلك تهتدي

والله قد ذم الغلو فقال (يا

أهل الكتاب) بغلظة وتهددي

إذ قال (لا تغلوا) بنهي لازم

(في دينكم) فالحكم لم يتردد

ص: 148

وكذا الرسول نهى وأخبر أنه

فيه الهلاك لراهب متعبد

عجباً لهم لو كان فيهم منصف

لرأى المحب محمداً لمحمد

من حيث إن الاتباع مقارن

للحب في نص الكتاب الأمجد

قالوا صبأتم نحوه قلنا لهم

الحق شمس للبصير المهتدي

ما بيننا نسب نميل به ولا

حسب يقربنا له بتودد

أيضاً ولا هو جارنا الأدنى الذي

نمتار نعمته ولم نسترفد

لكنها شمس الظهيرة قد بدت

لذوي البصائر فاهتدى من يهتدي

فالعالمون العاملون المنصفون

له أقروا بالفضائل واليد

لكن قليل منهم في عصرنا

كالشعرة البيضا بجلد أسود

فان اعتراكم في الذي قد قاله

شك وريب واختلاف يبتدي

فزنوا بميزان الشريعة قوله

تجدوه حقاً ظاهراً للمقتدي

ص: 149

وقال الشيخ أحمد بن محمد الحفظي اليمني رحمه الله تعالى في أرجوزة له:

حركني لنظمها الخير الذي

قد جاءنا في آخر العصر القذي

لما دعا الداعي من المشارق

بأمر رب العالمين الخالق

وبعث الله لنا مجدداً

من أرض نجد عالماً مجتهداً

شيخ الهدى محمد المحمدي

الحنبلي الأثري الأحمدي

فقام والشرك الصريح قد سرى

بين الورى وقد طغى واعتكرا

لا يعرفون الدين والتهليلا

وطرق الإسلام والسبيلا

إلا أساميها وباقي الرسم

والأرض لا تخلو من أهل العلم

وكل حزب فلهم وليجه

يدعونه في الضيق للتفريجه

وملة الإسلام والاحكام

في غربة وأهلها أيتام

دعا إلى الله وبالتهليله

يصرخ بين أظهر القبيله

ص: 150

مستضعفاً وما له مناصر

ولا له معاون موازر

في ذلة وقلة وفي يده

مهفة تغنيه عن مهنده

كأنها ريح الصبا في الرعب

والحق يعلو بجنود الرب

ولم يزل يدعو إلى دين النبي

ليس إلى نفس دعا أو مذهب

يعلم الناس معاني أشهد

أن لا إله غير فرد يعبد

محمد نبيه وعبد

رسوله إليكم وقصده

أن تعبدوه وحده لا تشركوا

شيئاً به والابتداع فاتركوا

ومن دعا دون الإله أحدا

أشرك بالله ولو محمداً

إن قلتم نعبدهم للقربه

أو للشفاعات فتلك الكذبه

وربنا يقول في كتابه

هذا هو الشرك بلا تشابه

هذي معاني دعوة الشيخ لمن

عاصره واستكبروا عن السنن

ص: 151

وبعد ما استجيب لله فمن

جادل في الله تردى وافتتن

ومن أجاب داعي الله ملك

ومن تولى معرضاً فقد هلك

وثناء العلماء من سائر الأمصار على الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، واعترافهم بعلمه وفضله ونصيحته لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم: كثير جداً.

بل قد اعترف أعداء الإسلام والمسلمين من كتاب النصارى ومؤرخيهم أن الشيخ محمداً وأتباعه أرادوا تجديد الإسلام وإعادته

ص: 152

إلى ما كان عليه في الصدر الأول، كما ستأتي الإشارة إلى ذلك في كلام محمد رشيد رضا، وفيما نقله الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن سند عن الكاتب الأمريكي.

قال محمد رشيد رضا في مقدمة كتاب صيانة الإنسان عن وسوسة دحلان: لم يخل قرن من القرون التي كثرت فيها البدع من علماء ربانيين يجددون لهذه الأمة أمر دينها بالدعوة والتعليم وحسن القدوة، وعدول ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين كما ورد في الأحاديث.

ولقد كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب النجدي من هؤلاء العدول المجددين، قام يدعو إلى تجريد التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده بما شرعه في كتابه وعلى لسان رسوله خاتم النبيين

ص: 153

- صلى الله عليه وسلم وترك البدع والمعاصي وإقامة شعائر الإسلام المتروكة، وتعظيم حرماته المنتهكة المنهوكة.

فنهدت لمناهضته واضطهاده القوى الثلاث قوة الدولة الحكام، وقوة أنصارها من علماء النفاق، وقوة العوام الطغام.

وتصدى للطعن في الشيخ محمد بن عبد الوهاب والرد عليه أفراد من أهل الأمصار المختلفة، منهم رجل من أحد بيوت العلم في بغداد، قد عهدناه يفتخر بأنه من دعاة التعطيل والإلحاد.

وكان أشهر هؤلاء الطاعنين مفتي مكة المكرمة الشيخ أحمد زيني دحلان المتوفي سنة 1304. ألف رسالة في ذلك تدور جميع مسائلها على قطبين اثنين: قطب الكذب والافتراء على الشيخ، وقطب الجهل بتخطئته فيما هو مصيب فيه.

وكنا نسمع في صغرنا أخبار الوهابية المستمدة من رسالة دحلان هذا ورسائل أمثاله فنصدقها بالتبع لمشايخنا وآبائنا ونصدق أن الدولة العثمانية هي حامية الدين ولأجله حاربتهم وخضدت شوكتهم.

وأنا لم أعلم بحقيقة هذه الطائفة إلا بعد الهجرة إلى مصر والاطلاع على تاريخ الجبرتي وتاريخ «الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى» فعلمت منهما أنهم هم الذين كانوا على هداية الإسلام دون مقاتليهم، وأكده الاجتماع بالمطلعين على التاريخ من أهلها ولا سيما تواريخ الإفرنج الذين بحثوا عن حقيقة الأمر فعلموها وصرحوا أن هؤلاء الناس أرادوا تجديد الإسلام وإعادته إلى ما كان عليه في الصدر الأول، وإذاً لتجدد مجده وعادت إليه قوته وحضارته. وإن الدولة العثمانية ما حاربتهم إلا خوفا من تجديد ملك العرب وإعادة الخلافة الإسلامية سيرتها الأولى.

على أن العلامة الشيخ عبد الباسط الفاخوري مفتي بيروت كان ألف كتابا في تاريخ الإسلام ذكر فيه الدعوة التي دعا إليها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وقال إنها عين ما دعا إليه النبيون والمرسلون، ولكنه قال إن الوهابيين في عهده متشددون. وقد عجبنا له كيف تجرأ على مدحهم في عهد السلطان عبد الحميد؟

ورأيت شيخنا محمد عبده في مصر على رأيه في هداية سلفهم وتشدد خلفهم وأنه لولا ذلك لكان إصلاحهم عظيما ورجي أن يكون عاما، وقد ربى الملك عبد العزيز غلاتهم المتشددين منذ سنتين تربية يرجى أن تكون تمهيداً لإصلاح عظيم.

وأن علماء السنة في الهند واليمن قد بلغهم كل ما قيل في هذا الرجل فبحثوا وتثبتوا كما أمر الله تعالى فظهر لهم أن الطاعنين فيه مفترون لا أمانة لهم، وأثنى عليه فحولهم في عصره وبعد عصره وعدوه من الأئمة المصلحين المجددين للإسلام ومن فقهاء الحديث كما نراه في كتبهم، ولا تتسع هذه المقدمة لنقل شيء من ذلك انتهى.

والتشدد الذي أشار إليه إنما وقع في بعض الأعراب في زمن يسير. فأما الحاضرة وكثير من البادية فكانوا على الطريقة السلفية ولم يكن فيهم تشدد كما يزعمه بعض الناس، فإطلاق

ص: 154

التشدد على العموم متعقب على من ادعاه، كما لا يخفى على من له أدنى معرفة بحال أهل نجد.

وقال محمد رشيد رضا في هامش صيانة الإنسان: من المعلوم بالتواتر أن الشيخ رحمه الله تعالى جدد الإسلام في نجد وغير نجد.

وقال أيضاً في مقدمة رسائل العلامة الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى: لا نعرف في تاريخ الإسلام شعباً دخل في جميع الأطوار التي دخل فيها الإسلام في نشأته الأولى: غربة وجهاداً وهجرة وحجاجاً وقوة، غير هذا الشعب النجدي.

فقد ظهر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في وقت كان حال أهله شراً من حال المشركين وأهل الكتاب في زمن البعثة، من شرك وخرافات وبدع وضلالات وجهالة غالبة، فدعا إلى عبادة الله وحده والرجوع إلى أصل الإسلام الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، فعاداه في بلاده الأكثرون ووالاه فيها الأقلون، فنصر الله تعالى أولياءه من أمراء آل سعود وأتباعهم على أعدائهم.

ثم تصدى لعداوتهم الترك وأعوانهم فكانت الحرب سجالا بينهم، وعاقب الله السعوديين زمناً ما بما كان من تخاذل بينهم وتقصير في إقامة بعض سنن الله في دولتهم، ثم كانت العاقبة الحسنى لهم عندما تابوا من ذنبهم ورجعوا إلى وحدتهم واعتبروا

ص: 155

بقول الله تعالى (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) وقوله في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما ظهر عليهم المشركون في غزوة أحد (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم) وقوله تعالى (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم).

امتحن الله النجديين بتصدي الترك لعدواتهم وتأليب العرب وشرفاء الحجاز والمصريين عليهم لئلا يعيدوا ملك العرب وسلطانهم الذي سلبوه منهم، فحاربوهم باسم الإسلام، ونشروا الكتب والفتاوى في رميهم بالكفر والابتداع، وقد اغتر كثيرون بما فعلوه باسم الإسلام، وشايعهم عليه أفراد وجماعات هم دون الخوارج الذين خرجوا على الإمام أمير المؤمنين الخليفة الرابع للرسول صلى الله عليه وسلم وكفروه وتبرؤوا منه، ودون الذين بغوا عليه وحاربوه مع معاوية، نعم هم دونهم علماً بالدين وعملا به. بل كفرهم وقاتلهم أخلاط منهم المسلم والكافر والزنديق والمنافق، وعسكر لا يقيم الصلاة ولا يؤدي الزكاة ولا يحرم ما حرم الله ورسوله، من الخمر والزنا واللواط وأكل أموال الناس بالباطل والقتال لطاعة الرؤساء ولو في معصية الله تعالى.

بهذا كان علماؤهم وأمراؤهم في حال تشبه حال مسلمي الصدر الأول: في مقاومة المشركين الذين يدعون غير الله ويجعلون لله أنداداً كالذين جاهدهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي مقارعة تاركي الصلاة ومانعي الزكاة كالذين قاتلهم أبو بكر الخليفة الأول رضي الله عنه، وفي مجالدة البغاة كالذين قاتلهم الخليفة الرابع علي رضي الله عنه،

ص: 156

وفي مجادلة المبتدعين من الروافض والجهمية كالذين ناضلهم الإمام أحمد وإخوانه أئمة السنة بالحجة.

فأعادوا نشأة الإسلام العملية سيرتها الأولى في الصدر الأول من ولاية وبراءة وهجرة وجهاد بالسيف والسنان، وبالحجة والبرهان. على حين صارت النصوص الخاصة بهذه الأحوال منسية أو كالمنسية عند غيرهم من شعوب الإسلام ودوله، لا يتعلق بها عمل من الأعمال ولا حكم من الأحكام.

وقد عده أحمد أمين في كتابه يوم الإسلام من المجددين للدين وقال: كان من بني تيم ظهر في أواخر القرن الثامن عشر - أي الميلادي - وكان أهم مبادئ إصلاحه الرجوع إلى القرآن الكريم والسنة النبوية، ودافع عن مبدأ الأخذ بالحديث والاعتماد عليه اعتمادا كليا عكس ما فعله الفقهاء السابقون من أخذهم بالرأي، واقتنع بمذهب أحمد بن حنبل في اعتماده على الحديث، ودرس مؤلفات ابن تيمية، وأعاد الرجم للزاني والزانية واكتسبت تعاليمه أنصارا كثيرين وأبطل الأضرحة وهدمها، وحرم لبس الحرير، وأي زينة وزخرف في المساجد، كما تشدد في تحريم المسكرات وتحريم التدخين، إلى أن قال إصلاحات محمد بن عبد الوهاب هي إصلاحات دينية لا دنيوية انتهى.

وقال محمد رشيد أيضا في مقدمة مجموعة الحديث النجدية:

وقد كان مما استعمل الله به الشيخ محمد بن عبد الوهاب مجدد

ص: 157

الدين في نجد وما حولها أن أحيا مدارسة السنة النبوية فيها للاهتداء بها لا لمجرد التبرك بألفاظها، ولا لأجل الاستقلال فيها دون ما كتب المحدثون والفقهاء في شرحها والاستنباط منها بل نرى من هداهم الله تعالى بدعوته وأنقذهم من الجاهلية التي عادت إلى أكثر أهل جزيرة العرب ما زالوا يحيون كتب فقه شيخ السنة الأكبر الإمام أحمد رضي الله عنه، مع خيار كتب التفسير والحديث لغير الحنابلة من علماء السنة فكانوا من أجدر المسلمين بلقب أهل السنة.

وقال الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن سند، في رده على الراوي العراقي: لقد نهض الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى نهضة أكرم بها من نهضة، وقد بلغ من أمر تلك النهضة أن عرفها الباحثون في علل رقي الأمم وانحطاطها حتى من غير علماء الإسلام.

وإليك نظرية أحد علماء الغرب في تلك النهضة الإصلاحية التي نهض بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

قال لو ثروب ستودارد الأمريكي في كتابه حاضر العالم الإسلامي المترجم إلى اللغة العربية بقلم الأستاذ عجاج نويهض- الفصل الأول من الكتاب، في اليقظة الإسلامية -:

في القرن الثامن عشر - أي الميلادي - كان العالم الإسلامي قد بلغ من التضعضع أعظم مبلغ ومن التدلي والانحطاط أعمق دركة، فاربدجوه وطبقت الظلمة كل صقع من اصقاعه، ورجاً من أرجائه، وانتشر فيه فساد الأخلاق والآداب وتلاشى ما كان باقيا من آثار التهذيب العربي،

ص: 158

واستغرقت الأمم الإسلامية في اتباع الأهواء والشهوات، وماتت الفضيلة في الناس، وساد الجهل وانطفأت قبسات العلم الضئيلة.

وانقلبت الحكومات الإسلامية إلى مطايا استبداد وفوضى واغتيال فليس يرى في العالم الإسلامي في ذلك العهد سوى المستبدين الغاشمين كسلطان تركيا وآخر ملوك المغول في الهند يحكمون حكما واهناً فاشي القوة متلاشي الصبغة، وقام كثير من الولاة والأمراء يخرجون على الدولة التي هم في حكمها وينشؤون حكومات مستقلة ولكن مستبدة كحكومة الدولة التي خرجوا عليها، فكان هؤلاء الخوارج لا يستطيعون إخضاع من في حكمهم من الزعماء هنا وهناك، فكثر السلب والنهب، وفقد الأمن، وصارت السماء تمطر ظلماً وجوراً.

وجاء فوق جميع ذلك رجال الدين المستبدون يزيدون الرعايا إرهاقا فوق ارهاق، فغلت الأيدي، وقعد عن طلب الرزق، وكاد العزم يتلاشى في نفوس المسلمين، وبارت التجارة بوراً شديداً، وأهملت الزراعة أي إهمال.

وأما الدين فقد غشيته غاشية سوداء، فألبست الوحدانية التي علمها صاحب الرسالة الناس سجفا من الخرافات وقشور الصوفية، وخلت المساجد من أرباب الصلوات، وكثر عدد الأدعياء الجهلاء وطوائف الفقراء والمساكين، يخرجون من مكان إلى مكان يحملون في أعناقهم التمائم والتعاويذ والسحات، ويوهمون الناس بالباطل والشبهات، ويرغبونهم في الحج إلى قبور الأولياء، ويزينون للناس التماس الشفاعة من دفناء القبور.

ص: 159

وغابت عن الناس فضائل القرآن فصار يشرب الخمر والأفيون في كل مكان، وانتشرت الرذائل، وهتكت ستر الحرمات على غير خشية واستحياء. ونال مكة المكرمة والمدينة المنورة ما نال غيرهما من سائر مدن الإسلام، فصار الحج المقدس الذي فرضه الله تعالى وفرضه النبي صلى الله عليه وسلم على من استطاعه ضربا من المستهزآت.

وعلى الجملة فقد بدل المسلمون غير المسلمين، وهبطوا مهبطا بعيد القرار فلو عاد صاحب الرسالة إلى الأرض في ذلك العصر ورأى ما كان يدهى الإسلام لغضب وأطلق اللعنة على من استحقها من المسلمين كما يلعن المرتدون وعبدة الأوثان.

وفيما العالم الإسلامي مستغرق في هجعته ومدلج في ظلمته، إذا بصوت قد دوى من قلب صحراء شبه الجزيرة مهد الإسلام، يوقظ المؤمنين ويدعوهم إلى الإصلاح والرجوع إلى سواء السبيل والصراط المستقيم. فكان الصارخ هذا الصوت إنما هو المصلح المشهور محمد بن عبد الوهاب الذي أشعل نار الوهابية فاشتعلت واتقدت واندلعت ألسنتها إلى كل زاوية من زوايا العالم الإسلامي، ثم أخذ هذا الداعي يحض المسلمين على إصلاح النفوس واستعادة المجد الإسلامي القديم والعز التليد، فتبدت تباشير صبح الإسلام ثم بدت اليقظة الكبرى في عالم الإسلام.

ولد محمد بن عبد الوهاب في نجد الواقعة في قلب الصحراء العربية حوالي سنة ألف وسبعمائة ميلادي؛ وكانت نجد في ذلك

ص: 160

العصر على انحطاط العالم الإسلامي وتدليه أنقى البلدان إسلاما وأطهر الأقطار دينا. وإذ كان منذ أول شأنه شديد الميل إلى الاطلاع والتفقه في الدين، لسرعان ما اشتهر ذكره وذاع اسمه فعرف بعلم وافر، قواماً على التقوى فحج إلى مكة في أوائل عمره وطلب العلم في المدينة المنورة، وساح إلى كثير من البلاد المجاورة حتى فارس، ثم عاد إلى نجد مشتعلا غضباً دينياً لما رآه بأم عينه من سوء حالة الإسلام فصحت عزيمته على القيام بدعوة الإصلاح.

فقضى سنين عديدة راحلا من بلاد إلى بلاد في شبه الجزيرة فبشر بالدعوة موقظا النفوس، حتى استطاع بعد جهاد طويل أن يجعل محمد بن السعود وهو أكبر أمراء نجد وأعلى زعمائهم كعبا وشأنا يقبل الدعوة ويدخل فيها فاكتسب ابن عبد الوهاب بذلك مكانة أدبية عالية ومنزلة اجتماعية رفيعة وقوة حربية لا يستهان بها فاستفاد من ذلك استفادة جليلة قد مكنته من بلوغ غايته وإدراك غرضه.

فتكونت على التوالي وحدة دينية سياسية في جميع الصحراء العربية شبيهة بتلك الوحدة التي أنشأها صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم وفي الواقع فإن المنهج الذي نهجه ابن عبد الوهاب يشبه شبها كبيراً ذاك الذي نهجه الخلفاء الراشدون كأبي بكر وعمر.

ولما مات سنة ألف وسبعمائة وسبعة وثمانين - أي ميلادية - خلفه ابن السعود فكان خير خليفة للمصلح الإسلامي الكبير،

ص: 161

واقتفى الوهابيون آثار خلافة الراشدين، وعلى ما كان في يد ابن السعود من القوى الحربية العظيمة فإن ذلك ما كان ليصرفه عن أن يكون على الدوام نازلا على رأي الجماعة وشوراها، فلم يمتهن حرية اتباعه وبني قومه.

وكانت حكومته على عنفها مكينة عادلة فانقطع التعدي، وأمن الناس السرقات، وانتشر الأمن وسادت الطمأنينة والراحة وعكف على العلم والتهذيب، فكان في كل واحة مدرسة، وفي كل قبيلة بدوية عدد من المعلمين.

وبعد أن أخضع ابن السعود نجداً وتم له الأمر في كاملها أخذ يستعد ليقوم بعمل أكبر، ألا وهو إخضاع جميع العالم الإسلامي ونشر الإصلاح فيه فجعل نصب عينيه في المقام الأول تحرير الأماكن المقدسة الحجازية، فكر على الحجاز في صدر القرن التاسع عشر - أي الميلادي - بمقاتلته الشجعان المشتعلين غيرة دينية، وكان له ما أراد من الاستيلاء على الأماكن المقدسة، فلم تستطع قوة الوقوف في وجه الوهابيين وهم يحملون على الترك، والترك في نظرهم أهل الارتداد والجحود، ومغتصبو الخلافة اغتصابا وحقها أن تكون أبداً في العرب.

وبينما كان ابن السعود سنة ألف وثمانمائة وأربعة عشر - أي ميلادية - يعد العدة لفتح سوريا وهمته متينة، كان يخيل إلى العالم منه أن الوهابين متدفقون على الشرق تدفقا وصانعون ما شاء الله من الإصلاح في الإسلام، غير أن ذلك ما قدر ليكون.

ص: 162

فلما أيقن سلطان تركيا أنه لا يستطيع القضاء على الوهابيين استصرخ بطلا من مشاهير الأبطال وهو محمد علي واستكفاه أمر القضاء عليهم، وكان هذا المقدام الألباني سيد مصر وأميرها واقفا حق الوقوف على قدرة أوربا وشدة بأسها وتفوقها فدعا إليه ضباطا من أهل الغرب فنظموا له جيشا قويا ودربوه تدريباً على الطراز الغربي، وجهزوه بمعدات الأسلحة الغربية، وكان غالب هذا الجيش مؤلفا من المقاتلة الألبانيين الأشداء.

فسرعان ما أجاب محمد علي نداء السلطان فأيقن حينئذ أن الوهابيين على شدة غيرتهم الدينية وحماستهم لن يستطيعوا بعد الوقوف بوجه البنادق والمدافع الأوربية يطلق عيارها جنود مجربون، وما هي إلا مدة قصيرة حتى استردت الأماكن المقدسة الحجازية ورد الوهابيون على أعقابهم فانقلبوا إلى الصحراء، فاختفت الإمبراطورية الوهابية الوليدة للحال اختفاء أو أرخي الستار على الدور السياسي الوهابي.

بيد أن خاتمة هذا الدور السياسي كانت فاتحة الدور الديني فقد ظلت نجد بؤرة تشتعل فيها نار الغيرة الدينية، ومنبثق النور تنبعث منه الأشعة الوهاجة إلى كل ناحية من نواحي الأرض.

وما فتئ الوهابيون منذ قضي على قوتهم السياسية يبثون روح الحركة الدينية في مئات الألوف من الحجيج الوافدين كل عام إلى مكة والمدينة من كل قطر من أقطار العالم الإسلامي، فيقتبس هؤلآء ناراً وهابية ثم يعودون إلى أوطانهم يشعلون بها

ص: 163

ما استطاعوا إشعاله في سبيل الإصلاح.

وهكذا قد استطاع الوهابيون أن يبذروا بذورا تلاها الاختمار الشديد للثورة الدينية في كل فج إسلامي، حتى بلغت دعوتهم الدينية أقصى المعمور، فقام في شمال الهند الزعيم الوهابي المغالي السيد أحمد مستنفراً مسلمي بنجاب، وأنشأ دولة وهابية، فكان هذا الزعيم يعد عدته لفتح سائر شمالي الهند فحالت منيته بينه وبين ذلك، واضمحلت الدولة الوهابية الهندية سنة ألف وثمانمائة وثلاثين - أي ميلادية - غير أنه لما جاء الإنكليز يفتحون البلاد عانوا الأمرين من بقايا النار الوهابية الكامنة في الرماد، وظلت هذه النار مخبوءة إلى ما شاء الله فكانت عاملا من عوامل الثورة الهندية، ثم استطار من شررها ما تناول أفغانستان وسائر القبائل الهندية عند الحدود الشمالية الغربية فاشعلها أيما إشعال- إلى أن قال -:

فالدعوة الوهابية إنما هي دعوة إصلاحية خالصة بحتة غرضها إصلاح الخرق ونسخ الشبهات وإبطال الأوهام، ونقض التفاسير المختلفة والتعاليق المتضاربة التي وضعها أربابها في عصر الإسلام الوسطى، ودحض البدع وعبادة الأولياء.

وعلى الجملة هي الرجوع إلى الإسلام والأخذ به على أوله وأصله، ولبابه وجوهره، أي أنها الاستمساك بالوحدانية التي أوحى الله بها إلى صاحب الرسالة صافية ساذجة، والاهتداء والائتمام بالقرآن المنزل مجردا.

ص: 164

وأما ما سوى ذلك فباطل وليس في شيء من الإسلام.

ويقتضي ذلك الاعتصام كل الاعتصام بأركان الدين وفروضه وقواعد الآداب كالصلاة والصوم وغير ذلك، والكون على السذاجة التامة في أحوال المعيشة، وتحريم اتخاذ الملابس الحريرية والتأنق في الأطعمة وشرب الخمر والتبغ - أي الدخان - وغير ذلك، مما بعضه من أسباب السرف، وبعضه الآخر من المضار المفسدة لسلامة العقل.

انتهى ما يقتضي إيراده هنا مما كتبه ذلك الأجنبي عن الإسلام من الشهادة الصحيحة، والاعتراف بفضل نهضة الإصلاح الوهابية التي لم تحصر في قطر من أقطار الإسلام ولا شعب من شعوبه، بل عم أصل نفعها وهدايتها سائر الأقطار والشعوب الإسلامية.

فما أشبه ذلك بأمر هرقل قيصر الروم وأبي سفيان القرشي حين اطلع قيصر على كتاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي دعاه به إلى الإسلام وجرت قصة محادثة قيصر مع أبي سفيان وقول قيصر لأبي سفيان إن صدقت فسيملك محمد ما تحت قدمي، فيخرج أبو سفيان وهو يقول لقد أمِر أمر ابن أبي كبشة، فقد أصبح يخافه ملك بني الأصفر.

فما أشبه الليلة بالبارحة فقد اعترف بفضل الوهابية وإصلاح نهضتها أعداء الإسلام من العلماء، كما اعترف قيصر بصحة الرسالة. وأنكر فضل الوهابية أدعياء العلم من المسلمين الجغرافيين كما جحد فضل الرسالة الأقربون من العرب. والفضل

ص: 165

ما شهدت به الأعداء انتهى باختصار من كتاب البراهين الإسلامية. على إبطال المزاعم الراوية.

وقال كارل بروكلمان الألماني في كتابه تاريخ الشعوب الإسلامية ما ملخصه: ولد في نجد المرتفعة في قلب الجزيرة محمد بن عبد الوهاب من قبيلة تميم ما بين أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر - أي الميلادي - فنشأ محباً للعلم واقفا نفسه على دراسة الفقه والشريعة، وقصد إلى عواصم الشرق الإسلامي طلبا للعلم في مدارسها، ودرس فقه أحمد بن حنبل الذي دافع في شدة وثبات عن مبدأ الأخذ بالحديث والاعتماد عليه اعتمادا كليا ضد نزعة الفقهاء السابقين إلى الأخذ بالرأي، ثم إنه درس مؤلفات ابن تيمية الذي كان قد أحيا تعاليم ابن حنبل.

والواقع أن دراسته لآراء هذين الإمامين انتهت به إلى الإيقان عن أن الإسلام في شكله السائد في عصره مشرب بالمساوئ فلما آب إلى بلده الأول سعى أول ما سعى إلى أن يعيد إلى العقيدة والحياة الإسلاميتين صفاءهما الأصلي - إلى أن قال -حتى إذا انفضت فترة قصيرة اكتسبت تعاليمه أنصارا ومريدين وذكر أنه أقام حد الرجم ونهى عن لبس الحرير وحرم أيما تزيين أو زخرفة للمساجد والأضرحة، بل لقد توسع في فهم التحريم الإسلامي لمختلف ضروب المسكر فحرم تدخين التبغ الذي أعلن جميع الفقهاء من الحنابلة وغير الحنابلة معارضتهم له أول دخوله إلى بلاد الشرق، قال والواقع أن هذا المصلح لم يكن يتمتع من خصب

ص: 166

الأفكار أو الابتكار بأكثر مما كان يتمتع به الرسول نفسه انتهى.

المقصود من كلامه.

وقال فيكتور فيندي الصحفي السويدي في مقال له منشور في جريدة البلاد عدد 1904 وتاريخ 13 المحرم سنة 1385 هـ ما نصه:

ورب سائل يسأل هل للمملكة دستور؟ فأقول له نعم فإن دستورها هو القرآن، ويرجع الفضل في ذلك إلى الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب المصلح الديني الأكبر الذي قام في القرن الثامن عشر الميلادي بحملة شعواء على المسلمين المتهاونين في دينهم والذي بينه وبين آل سعود منذ ذلك التاريخ أوثق الوشائج ويبدو التمسك بأهداب الدين وبتعاليمه واضحا في كل مكان وفي مواسم مثل شهر الصيام في رمضان. أو في موسم الحج عندما يفد الحجيج إلى مكة من كل بقاع المعمورة انتهى المقصود من كلامه

هنا إضافة بخط اليد لم تفهم

وفيما ذكرته من ثناء علماء المسلمين وعلماء أهل الكتاب على الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى كفاية في رد ما قاله المصنف وأمثاله فيه من الزور والبهتان. ويعلم من ذلك ما عليه علماء أهل الكتاب الذين ذكرنا أقوالهم من تحري الصدق وأداء الأمانة فيما كتبوه عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى بخلاف المصنف وأمثاله من أهل الزيغ والإلحاد فإنهم قد كذبوا فيما قالوه في حق الشيخ وأصحابه ولم يؤدوا الأمانة في ذلك، فبعداً لمن كان الكفار أصدق منهم مقالا وأوثق في أداء الأمانة.

ص: 167

فصل

وفي صفحة (78):

ذكر المصنف في جملة ما أنكره على الملاحدة العصريين أنهم دقوا الأبواب بالليل على عدة بيوت كان أهلها مجتمعين لذكر الله تعالى وبعضهم للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بدلائل الخيرات فأسكتوهم.

والجواب أن يقال إن كان الاجتماع لذكر الله تعالى على نحو ما يذكر عن الصوفية من اجتماع الجماعة ورفعهم أصواتهم جميعا بالتهليل، فهذا من البدع التي ينبغي النهي عنها.

وقد أنكر ابن مسعود وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهما على الذين اجتمعوا للذكر على صفة لم يفعلها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعد ابن مسعود رضي الله عنه فعلهم ذلك من البدع.

فروى الطبراني في الكبير عن عمرو بن سلمة قال كنا قعودا على باب ابن مسعود رضي الله عنه بين المغرب والعشاء، فأتى أبو موسى رضي الله عنه فقال اخرج إلينا أبا عبد الرحمن، فخرج ابن مسعود رضي الله عنه فقال: أبا موسى ما جاء بك هذه الساعة؟

قال لا والله إلا أني رأيت أمراً ذعرني وإنه لخير، ولقد ذعرني وإنه لخير، قوم جلوس في المسجد ورجل يقول سبحوا كذا وكذا، احمدوا كذا وكذا. قال فانطلق عبد الله وانطلقنا معهم حتى أتاهم فقال: ما أسرع ما ضللتم وأصحاب رسول الله

ص: 168

- صلى الله عليه وسلم أحياء، وأزواجه شواب، وثيابه وأبنيته لم تغير، أحصوا سيئاتكم فأنا أضمن على الله أن يحصي حسناتكم.

وروى الدارمي عن عمرو بن يحيى قال سمعت أبي يحدث عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا لا فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعاً فقال له أبو موسى يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفاً أمراً أنكرته ولم أر والحمد لله إلا خيراً، قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه، قال رأيت في المسجد قوماً حلقا جلوساً ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى فيقول كبروا مائة فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة فيهللوا مائة، ويقول سبحوا مائة فيسبحون مائة، قال فماذا قلت لهم قال: ما قلت لهم شيئاً انتظار رأيك وانتظار أمرك قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء. ثم مضى ومضينا حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا يا أبا عبد الرحمن حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد صلى الله عليه وسلم أو مفتتحو باب ضلالة؟ قالوا: والله يا

ص: 169

أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه.

وروى عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد الزهد والطبراني وأبو نعيم في الحلية وأبو الفرج ابن الجوزي واللفظ له عن أبي البختري قال: أخبر رجل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن قوماً يجلسون في المسجد بعد المغرب، فيهم رجل يقول كبروا الله كذا وكذا وسبحوا الله كذا وكذا واحمدوا الله كذا وكذا، قال عبد الله فإذا رأيتهم فعلوا ذلك فأتني فأخبرني بمجلسهم، فأتاهم فجلس فلما سمع ما يقولون قام فأتى ابن مسعود رضي الله عنه فجاء، وكان رجلا حديداً فقال: أنا عبد الله بن مسعود والذي لا إله غيره لقد جئتم ببدعة ظلماء، أو لقد فضلتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علما، عليكم بالطريق فالزموه ولئن أخذتم يميناً وشمالا لتضلن ضلالا بعيداً. وفي رواية الطبراني فأمرهم أن يتفرقوا.

وروى محمد بن وضاح أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حدث أن ناساً يسبحون بالحصى في المسجد فأتاهم وقد كوم كل رجل منهم كومة من حصى فلم يزل يحصبهم بالحصى حتى أخرجهم من المسجد وهو يقول لقد أحدثتم بدعة ظلماء أو لقد فضلتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علما.

وقد أمر الله تعالى بإخفاء الذكر ونهى عن رفع الصوت بذلك فقال تعالى (واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخفية ودون الجهر من القول) وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أنكر رفع الصوت بالذكر

ص: 170

ونهى عن ذلك، كما في الصحيحين وغيرهما عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أو قال: لما توجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرفوا على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم» .

وإذا علم هذا فالإنكار على الذين كانوا يرفعون أصواتهم بالذكر هو الصواب، بدليل ما ذكرنا من الآية وحديث أبي موسى رضي الله عنه.

وأيضا فإن رفع الصوت بالذكر حتى تسمع أصوات الذاكرين في الأسواق وهم من داخل البيوت فيه مراءاة للناس، أو هو مظنة للمراءاة ومشابهة للمرائين. والرياء حرام لأنه من الشرك بالله تعالى وقد قال الله تعالى (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا). وما كان مظنة للرياء ومشابهة المرائين فأقل أحواله الكراهة؛ قاله شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى.

وقد روى الإمام أحمد وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه والبيهقي في شعب الإيمان عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «خير الذكر الخفي، وخير الرزق ما يكفي. وأيضا فإن الذكر الذي تجتمع له الصوفية لم يكن من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا من فعل أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين.

ص: 171

وقد روى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» . وفي رواية لأحمد ومسلم وللبخاري تعليقا مجزوما به «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» .

وروى الإمام أحمد أيضاً وأهل السنن وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي في تلخيصه.

وقال حذيفة رضي الله عنه كل عبادة لا يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها، فإن الأول لم يدع للآخر مقالا، فاتقوا الله يا معشر القراء وخذوا ممن كان قبلكم. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم، كل بدعة ضلالة. رواه الدارمي وابن وضاح. وفي رواية لابن وضاح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: اتبعوا آثارنا ولا تبتدعوا فقد كفيتم.

وروى ابن وضاح أيضاً عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: اتبعوا سبلنا ولئن اتبعتمونا لقد سبقتم سبقاً بعيداً ولئن خالفتمونا لقد ضللتم ضلالا بعيداً.

ص: 172