الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعرب والمبني:
المعرب مشتق من الإعراب، والمبني مشتق من البناء فوجب لذلك أن يقدم بين الإعراب والبناء فالإعراب في اللغة مصدر أعرب، أي: أبان أو أجال أو حسن "أو غير أو أزال"1 عرب الشيء وهو فساده، أو تكلم بالعربية. فهذه ستة معان.
وأما في الاصطلاح ففيه مذهبان: أحدهما أنه لفظي وهو اختيار المصنف ونسبه إلى المحققين، وحده في التسهيل بقوله: الإعراب ما جيء به لبيان مقتضى العامل من الحركة أو حرف أو سكون أو حذف. ا. هـ2.
والثاني: أنه معنوي، والحركات إنما هي دلائل عليه، وهو قول سيبويه واختيار الأعلم3 وكثير من المتأخرين، وحدوه بقولهم: الإعراب تغيير أواخر الكلم لاختلاف العوامل الداخلة عليها لفظا أو تقديرا، والمذهب الأول أقرب إلى الصواب4.
والبناء في اللغة: وضع شيء على شيء "على صفة"5 يراد بها الثبوت.
وأما في الاصطلاح: فقد حده في التسهيل بقوله: ما جيء به لا لبيان مقتضى العامل من شبه الإعراب، وليس حكاية أو اتباعا أو نقلا "أو تخلصا من سكونين"6 فعلى هذا هو لفظي.
1 ج وفي أ، ب "أو غير ذلك أو أزال".
2 التسهيل ص7.
3 هو يوسف بن سليمان بن عيسى النحوي المعروف بالأعلم الشنتمري، كان عالما بالعربية ومعاني الأشعار، حافظا لها مشهورا بإتقانها وضبطها. رحل إلى قرطبة وأخذ عن علمائها وصارت إليه الرحلة في زمانه: فبعدت سمعته.
ومن مؤلفاته: شرح الجمل للزجاجي، وشرح شواهد سيبويه، وشواهد الجمل وغير ذلك. مات بإشبيلية سنة 476هـ ست وسبعين بعد الأربعمائة.
4 قال الأشموني 1/ 19: "لأن المذهب الثاني يقتضي أن التغيير الأول ليس إعرابا لأن العوامل لم تختلف بعد وليس كذلك". ا. هـ.
5 أ، ج.
6 التسهيل ص10.
وقيل: هو لزوم آخر الكلمة حركة1 أو سكونا لغير عامل ولا اعتلال، فعلى هذا هو معنوي2 ثم قال:
والاسم منه معرب ومبني
…
لشبه من الحروف مدني
يعني أن الاسم قسمان: قسم معرب وقسم مبني، ولا واسطة بينهما، وذهب قوم إلى أن الأسماء قبل التركيب موقوفة، لا معربة ولا مبنية، واختاره ابن عصفور3، ومذهب الناظم أنها مبنية4 وسيأتي سبب بنائها.
فإن قلت: قوله "منه معرب ومبني" لا يفهم الحصر.
قلت: لما ذكر أن المبني هو ما أشبه الحرف وأن المعرب هو ما لم يشبه الحرف "عرفه"5 أنه لا واسطة بينهما.
تنبيهات:
الأول: بدأ الناظم بالمعرب "لأن الأصل في الاسم الإعراب"6، وما بني منه فلسبب "أخرجه"7 عن أصله.
1 أ، ج.
2 راجع الأشموني 1/ 19، 20.
3 هو أبو الحسن عليّ بن مؤمن بن عصفور الحضرمي الإشبيلي، حامل لواء العربية في زمانه بالأندلس. أخذ عن الشلوبين ولازمه مدة، ثم كانت بينهما منافرة ومقاطعة، وكان أصبر الناس على المطالعة ولم ينبغ في غير النحو.
وله مؤلفات كثيرة منها: الممتع في التصريف. وكان أبو حيان لا يفارقه، أي الممتع. والمقرب في النحو. توفي سنة 669هـ تسع وستين وستمائة.
4 لشبهها بالحروف المهملة في كونها "لا عاملة ولا معمولة". ا. هـ. خضري ج1 ص26، أقول: وهو الراجح: وقول ابن عصفور: "ليس قولا بواسطة لإمكان حمله على أن المراد غير معربة بالفعل فيوافق قول الزمخشري في الأعداد المسرودة إنها معربة حكما، أي قابلة له إذا ركبت لسلامتها من شبه الحرف وتأثرها بالعوامل إذا دخلت عليها". ا. هـ. خضري ج1 ص26.
5 أ، وفي ب، ج "علم".
6 ب، ج وفي أ "لأنه الأصل في الإعراب".
7 أ، وفي ب، ج "إخراجه".
الثاني: مذهب الجمهور، أن الإعراب إنما جيء به في الاسم ليدل على المعاني المعتَوِرة عليه كقولهم:"ما أحسن زيد" بالرفع في النفي وبالنصب في التعجب وبالجر في الاستفهام، فلولا الإعراب لالتبست هذه المعاني ولا كذلك الأفعال لأن صيغة الفعل تختلف، لاختلاف معانيه، فلذلك كان الإعراب في الاسم أصلا وفي الفعل فرعا. كما سيأتي بيانه.
وذهب قطرب1 إلى أن الإعراب لم يدخل ليفرق بين المعاني، وإنما دخل ليفرق بين الوصل والوقف.
الثالث: لما كان الإعراب في الاسم أصلا لم يحتج إلى بيان سببه.
ولما كان البناء في الاسم على خلاف الأصل احتاج إلى بيان سببه.
فقال: "لشبه من الحروف مدني" يعني أن سبب بناء الاسم، إنما هو شبهه بالحرف، وأما شبه الفعل فليس سببا للبناء عنده بل هو سبب منع الصرف، وكون سبب البناء هو شبه الحرف وحده هو ظاهر مذهب سيبويه.
ثم إن شبه الحرف إنما يقتضي بناء الاسم إذا لم يعارضه معارض يقتضي إعرابه، فإن عارضه "معارض"2 مقتض3 للإعراب ألغي شبه الحرف وأعرب الاسم ترجيحا لمقتضى الإعراب فإنه داعية للأصل.
وإلى ذلك أشار بقوله: "مدني" أي: مقرب، فإن الشبه لا يكون مقربا للاسم من الحرف إلا إذا لم يعارضه معارض، فإن عارضه ما يمنع البناء لم يكن حينئذ مقربا، مثال ذلك "أي" فإنها تكون موصولة وشرطية واستفهامية، وهي في هذه الأحوال مشابهة للحرف كأخواتها، ولكن عارض شبهها للحرف لزومها للإضافة، وكونها بمعنى "كل" مع النكرة وبمعنى "بعض" مع المعرفة فأعربت.
1 هو: محمد بن المستنير أبو عليّ النحوي المعروف بقطرب، لازم سيبويه وكان يدلج إليه، فإذا خرج رآه على بابه، فقال: ما أنت إلا قطرب ليل، فلقب به، وأخذ عن عيسى بن عمرو. وله من التصانيف: العلل في النحو، الغريب في اللغة، ومجاز القرآن، وغير ذلك. توفي ببغداد عام 206هـ ست بعد المائتين.
2 أ.
3 وبالأصل "مقتضي".
ثم اعلم أن شبه الحرف خمسة أنواع: وضعي ومعنوي واستعمالي وافتقاري وإهمالي.
وقد نبه على الوضعي بقوله:
كالشبه الوضعي في اسمي جئتنا
المراد بالشبه الوضعي: كون الاسم على حرف واحد أو حرفين في الوضع "كاسمى جئتنا" وهما التاء ونا فإنهما اسمان بدليل صحة الإسناد إليهما، وهما مبنيان لأن "التاء" على حرف واحد في الوضع و"نا" على حرفين في الوضع، فشابها بذلك الحرف، لأن أصل الحرف، أن يوضع على حرف هجاء أو "على"1 حرفي هجاء.
وأصل الاسم أن يوضع على ثلاثة أحرف فصاعدا، فما وضع من الأسماء على أقل من ثلاثة فقد شابه وضعه "وضع"2 الحرف، فاستحق البناء، وأما ما وضع على أكثر من حرفين ثم طرأ عليه حذف نحو، يد ودم، فهو معرب، لأن له ثالثا في الوضع.
ونبه على المعنوي بقوله:
والمعنوي في متى وفي هنا
المراد بالشبه المعنوي: أن يتضمن الاسم معنى من معاني الحروف فيصير مؤديا لمعنى الحرف.
وذلك ضربان: أحدهما أن يتضمن معنى حرف مستعمل نحو "متى" فإنه مضمن معنى الاستفهام "إذا وقع استفهاما3 ومعنى الشرط إذا وقع شرطا4 ولكل من الاستفهام والشرط حرف مستعمل، فحرف الاستفهام الهمزة وحرف الشرط إن"5.
1 أ، ب.
2 أ، ب.
3 ب، ج.
4 الاستفهام: مثل متى تقوم؟ والشرط مثل: متى تقم أقم. فهي مبنية لتضمنها معنى الهمزة في الأول ومعنى إن في الثاني. ا. هـ. أشموني ج1 ص21.
5 ب، ج.
والثاني: أن يتضمن معنى من معاني الحروف التي لا تليق بغيرها وإن لم يكن لذلك المعنى حرف مستعمل نحو "هنا" فإنه اسم إشارة إلى المكان فبني لتضمنه معنى الإشارة؛ لأنه كالتشبيه والتنبيه والخطاب وغير ذلك من معاني الحروف، ولم يوضع للإشارة حرف يدل عليها.
وإلى "هذين"1 الضربين أشار الناظم "بمثالين"2.
ونبه على الاستعمالي بقوله:
وكنيابة عن الفعل بلا تأثر
وحقيقته: أن يكون الاسم نائبا عن الفعل، أي عاملا عمله، ويكون مع ذلك غير متأثر بالعوامل لا لفظا ولا محلا، والمراد بذلك أسماء الأفعال نحو "دراك" و"نزال" فإنها تلزم النيابة عن أفعالها فتعمل عمله ولا تتأثر بالعوامل، فبنيت لشبهها بالحروف العاملة عمل الفعل، أعني إن وأخواتها، فإنها تعمل عمل الفعل ولا تتأثر بالعوامل3 فلما استعملت أسماء الأفعال استعمال هذه الحروف بنيت.
تنبيه:
ما ذكر من أن أسماء الأفعال لا تتأثر بالعوامل لا لفظا ولا محلا هو مذهب أبي الحسن الأخفش ومن وافقه وعليه بنى الناظم ونسبه في الإيضاح4 إلى الجمهور، وسيأتي بيان ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى5.
1 ج، وفي أ، ب "هذا".
2 أ، وفي ج "بالمثالين".
3 فمثلا ليت ولعل "ألا ترى أنهما نائبتان عن أتمنى وأترجى ولا يدخل عليهما عامل". ا. هـ. أشموني 1/ 21.
4 الإيضاح: هو كتاب في النحو لأبي عليّ الفارسي.
5 فإنها -أي أسماء الأفعال- تعمل نيابة عن الأفعال ولا يعمل غيرها فيها بناء على الصحيح من أن أسماء الأفعال لا محل لها من الإعراب. أشموني 1/ 21.
واحترز بقوله "بلا تأثر" من المصدر الواقع بدلا من فعله كقوله تعالى: {فَضَرْبُ الرِّقَابِ} 1 فإنه ينوب عن الفعل ويتأثر "بالعامل"2 فأعرب لعدم مشابهته الحرف، وكذلك اسم الفاعل ونحوه مما يعمل "عمل الفعل"3 ويتأثر.
ونبه على الافتقاري بقوله: "وكافتقار أصلا".
وحقيقته: أن يكون الاسم مفتقرا إلى اللزوم "كافتقار"4 "الذي" ونحوها من الموصولات إلى جملة فإن لم يكن الافتقار لازما كافتقار النكرة الموصوفة بجملة إلى صفتها لم يكن سببا للبناء لأنه ليس بلازم: وإلى هذا أشار بقوله: "أصلا".
وأما الشبه الإهمالي: فهو أن يكون الاسم غير عامل ولا معمول، كالحروف المهملة، ومثل ذلك الأسماء قبل التركيب، كفواتح السور، فإنها مبنية لشبهها بالحروف المهملة في أنها لا عاملة ولا معمولة.
هذا مذهب الناظم، خلافا لمن قال إنها موقوفة، ولمن قال: إنها معربة حكما5.
فإن قلت: قد أخل بهذا النوع الخامس فلم يذكره.
قلت: قد أشار إليه بكاف التشبيه في قوله: "كالشبه الوضعي" فإنها مشعرة بعدم الحصر ثم قال:
ومعرب الأسماء ما قد سلما
…
من شبه الحرف كأرض وسما
يعني أن المعرب من الأسماء هو ما سلم من شبه الحرف المؤثر.
1 من الآية 4 من سورة محمد.
2 ب، وفي أ، ج "بالعوامل".
3 أ، ج.
4 وبالأصل "كافتقاري".
5 وزاد ابن مالك في الكافية الكبرى نوعا سادسا سماه الشبه اللفظي، وهو أن يكون لفظ الاسم كلفظ حرف، وذلك مثل "حاشا" الاسمية، فإنها أشبهت "حاشا" في اللفظ، وموقوفة: أي لا معربة ولا مبنية. ا. هـ. ابن عقيل 1/ 14، والأشموني 1/ 22.
ومن هنا علم انحصار الاسم في القسمين: ثم مثل المعرب بمثالين وهو "سما""وهو إحدى"1 لغات الاسم الستة2.
ونبه بذلك على أن من المعرب ما يظهر إعرابه نحو "أرض وما يقدر إعرابه نحو"3 سما.
ثم انتقل إلى الفعل فقال:
وفعل أمر ومضي بنيا
…
وأعربوا مضارعا إن عربا
يعني أن الفعل أيضا على قسمين: مبني ومعرب، وأصله البناء "فجاء"4 الأمر والماضي على وفق الأصل.
فأما المضارع فإنه أعرب لشبهه بالاسم في الإبهام والتخصيص ودخول لام الابتداء.
وقيل: لمشابهته في الأولين فقط. وأما لام الابتداء "فإنها"5 دخلت بعد استحقاق الإعراب لتخصيص المضارع بالحال، كما خصصته السين ونحوها بالاستقبال.
وزاد بعضهم في وجوه الشبه جريانه على حركات اسم الفاعل وسكناته والذي ذهب إليه المصنف أن المضارع إنما أعرب لمشابهته بالاسم في أن كلا منهما يعرض له بعد التركيب معان تتعاقب على صيغة واحدة كقولك: "لا تأكل السمك وتشرب اللبن" بجزم تشرب إذا أريد النهي عن كل "واحد"6 منهما، وبنصبه إذا أريد النهي عن الجمع بينهما، وبرفعه إذا أريد النهي عن الأول فقط ويكون الثاني مستأنفا.
1 ب، ج وفي أ "أحد".
2 وهي: اسم بضم الهمزة وكسرها، وسم بضم السين وكسرها، وسما بضم السين وكسرها. ا. هـ. ابن عقيل 1/ 39.
3 ب، ج.
4 ب، ج وفي أ "في".
5 ب، وفي أ، ج "فإنما".
6 أ.
فلما كان الاسم والفعل شريكين في قبول المعاني بصيغة واحدة اشتركا في الإعراب، لكن الاسم ليس له ما يغنيه عن الإعراب؛ لأن معانيه مقصورة عليه، والمضارع قد يغنيه "عن الإعراب"1 تقدير اسم مكانه.
فلهذا جعل "في"2، الاسم أصلا "وفي"3 الفعل المضارع فرعا، وهذا معنى ما ذكره في شرح التسهيل. قال: والجمع بما ذكرته بينهما أولى من الجمع بينهما بالإبهام والتخصيص، ودخول لام الابتداء ومجاراة اسم الفاعل في الحركة والسكون؛ لأن المشابهة بهذه الأمور بمعزل عما جيء الإعراب بخلاف المشابهة التي اعتبرتها.
تنبيهات:
الأول: ذهب الكوفيون إلى أن الإعراب أصل في الأفعال كما أنه أصل في الأسماء. واستدلوا "على ذلك"4 بأن اللبس الذي أوجب الإعراب في الأسماء موجود في الأفعال في بعض المواضع نحو: "لا تأكل السمك وتشرب اللبن" كما تقدم.
وأجاب البصريون بأن النصب في "وتشرب" بأن مضمرة، والجزم على إرادة "لا" والرفع على القطع5.
فلو أظهرت العوامل المضمرة لكانت دالة على المعاني، ولم يحتج إلى الإعراب: وليس كذلك "ما أحسن زيدا" لأن الرافع والناصب "والجار"6 هو أحسن.
وتقدم ما ذكره المصنف من أن المضارع قد يغنيه عن الإعراب تقدير اسم مكانه كقولك: "لا تُعْنَ بالجفاء وتمدح عمرا" فإنه محتمل للمعاني الثلاثة المتقدمة
1 ب، ج.
2 ج.
3 ج.
4 أ.
5 مذهب البصريين أن الإعراب أصل في الأسماء فرع في الأفعال. ا. هـ. ابن عقيل، وهو الصحيح. قال ابن عقيل: قصد مذهب البصريين "والأول هو الصحيح". ا. هـ. 1/ 6.
6 ج وفي أ، ب "الجازم".
في: لا تأكل السمك وتشرب اللبن. ويغني عن الإعراب في ذلك وضع "اسم"1 مكان كل واحد من المجزوم والمنصوب والمرفوع نحو: أن تقول "لا تعن بالجفاء، ومدح عمرو""لا تعن بالجفاء مادحا عمرا""و"2 لا تعن بالجفاء ولك مدح عمرو3.
وحكي عن بعض المتأخرين، أن الفعل أحق بالإعراب من الاسم؛ لأنه وجد فيه بغير سبب فهو4 بذاته بخلاف الاسم فهو "له"5 لا لذاته، فهو فرع، وهذا قول ضعيف6.
الثاني: قد أشاروا إلى علة إعراب الفعل المضارع بتسميته مضارعا والمضارعة المشابهة.
قال بعضهم: المضارعة من لفظ الضرع، فإنه وضع مع الاسم ضرعا واحدا. وزعم ابن عصفور أن المضارعة مقلوبة من "المراضعة"7. ولا ضرورة تدعو إلى ادعاء القلب؛ لأن البناء كامل التصاريف8.
والثالث: لم يتعرض في النظم لما "يبنى"9 عليه الأمر والماضي، وأما الأمر، فإنه يبنى على ما يجزم به لو كان مضارعا، فإن كان صحيح الآخر بني على السكون، وإن كان معتل الآخر، أو ما يرفع بالنون حذف آخره.
وأما الماضي فإنه يبنى على الفتح ما لم يتصل به ضمير مرفوع لمتكلم أو مخاطب أو جمع مؤنث "غائبا"10 فيسكن آخره، فإن اتصل به واو الجمع ضم
1 أ، ج وفي ب الاسم.
2 ب، ج.
3 راجع الأشموني 1/ 24.
4 ج وفي أ، ب "فهذا".
5 ب، ج.
6 قال الشيخ الصبان 1/ 56: "وهو باطل لما علمت من أن سبب الإعراب فيهما توارد المعاني". ا. هـ.
7 ب، ج وفي أ "المضارعة".
8 أ، ج وفي ب "التصرف".
9 ج وفي أ، ب "بني".
10 أ، ب.
آخره، وإنما بني على حركة لشبهه بالمعرف، أعني المضارع في وقوعه صفة وصلة وشرطا "وحالا"1 ونحو ذلك، فكان له بذلك مزية على الأمر، وإنما خص بالفتحة طلبا للخفة وسكن آخره عند اتصال الضمير المرفوع كراهة لتوالي أربع حركات في شيئين هما كشيء واحد؛ لأن الفاعل كجزء من فعله.
وقال في شرح التسهيل: إنما سببه تمييز الفاعل من المفعول في نحو: "أكرمنا وأكرمنا" ثم سلك بالمتصل بالتاء والنون هذا السبيل لمساوتهما "لنا" في الرفع والاتصال وعدم الاعتلال، وضعف قول الجمهور فيما يوقف عليه في كلامه.
الرابع: أجمعوا على أن الماضي مبني، وأما الأمر فمذهب البصريين، أنه مبني كما تقدم.
وذهب الكوفيون إلى أنه معرب مجزوم بلام الأمر المقدرة وهو عندهما مقتطع من المضارع2، ثم أشار إلى أن إعراب المضارع مشروط بألا يتصل به نون التوكيد ولا "نون"3 الإناث بقوله:
من نون توكيد مباشر ومن
…
نون إناث كيَرُعْنَ من فتن
المراد بالمباشر المتصل بالفعل من غير حاجز بينهما، فإذ اتصل بالمضارع نون التوكيد المباشر بني على الفتح نحو "هل تذهبن" واحترز من غير المباشر وهو: ما فصل بينه وبين الفعل ألف اثنين أو واو جماعة أو ياء مخاطبة لفظا أو تقديرا نحو "هل"4 يفعلان، و"هل"5 تفعلُن وهل تفعلِن.
حذفت الواو "والألف"6 والياء لالتقاء الساكنين وبقيت الضمة والكسرة دليلا على ما حذف.
1 ب.
2 عندهم، "اضرب" مجزوم بلام الأمر المقدرة وأصله لتضرب "لأنه" عندهم قطعة من المضارع المجزوم بها فحذفت اللام تخفيفا ثم حرف المضارعة خوف الالتباس بغير المجزوم عند الوقف، ثم يأتي بهمزة الوصل عند الاحتياج إليها. ا. هـ. خضري 1/ 32، وأميل إلى مذهب البصريين لتداوله.
3 ب، ج.
4 ب، ج.
5 أ، ج.
6 أ، ج.
فهذا ونحوه معرب؛ لأن النون لم تباشره.
والضابط: أن ما كان رفعه بالضمة إذا أكد بنون التوكيد بني لتركيبه معها، وما كان رفعه بالنون إذا أكد "بنون التوكيد"1 لم يبن لعدم التركيب؛ لأن العرب لا تركب ثلاثة أشياء2.
تنبيه:
ما ذهب إليه الناظم من التفصيل في نون التوكيد بين المباشر وغيره هو المشهور والمتصور، وذهب الأخفش وطائفة إلى البناء مطلقا، وذهب قوم إلى الإعراب مطلقا3.
وأما نون الإناث فلا تكون إلا مباشرة، فلذلك أطلق لعدم الحاجة إلى التقييد والفعل معها مبني على السكون نحو:"يرعن من فتن" أي يفزعن، والروع:"الفزع".
وفي سبب بنائه مع نون الإناث خلاف، ومذهب سيبويه أنه مبني حملا على الماضي المتصل بها وصححه في شرح التسهيل.
تنبيه:
قال في شرح الكافية: وأما المتصل بنون الإناث فمبني بلا خلاف وليس كذلك، بل ذهب قوم إلى أنه معرب لوجود سبب الإعراب فيه، ومنهم ابن درستويه، وابن طلحة، والسهيلي4 والإعراب عندهم مقدر منع ظهوره ما عرض فيه من الشبه بالماضي5.
1 أ، ب.
2 اعترض بأنهم ركبوها في قوله: لا ماء بارد، ببناء الوصف معها على الفتح وأجيب أن "لا" إنما دخلت بعد تركيب الموصوف والوصف وجعلها كالشيء الواحد، ولا يقاس على باب "لا" غيره فلا يدعى هنا تركيب الفعل مع الفاعل، تم إدخال نون التوكيد. ا. هـ. صبان 1/ 57.
3 راجع الأشموني 1/ 25.
4 هو أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي الأندلسي المالقي، وكان عالما بالعربية واللغة والقراءات، بارعا في ذلك، جامعا بين الرواية والدراية، نحويا مقدما. وصنف الروض الأنف في شرح السيرة، وله بحث في رؤية الله والنبي في المنام. وكان شاعرا مجيدا. وتوفي السهيلي بمراكش سنة 581هـ.
5 "في صيرورة النون جزءا منه". ا. هـ. خضري 1/ 32.
ثم انتقل1 إلى الحرف فقال:
وكل حرف مستحق للبنا
هذا أمر مجمع عليه، إذ ليس فيه مقتضى الإعراب قالوا: لأن الحرف لا يتصرف "ولا يتعاقب"2 عليه في المعاني ما يحتاج "به"3 إلى الإعراب.
واعترض: بأن من الحروف ما يكون لمعان كثيرة نحو "من".
وأجيب: بأن الحرف: إنما جيء به في الأصل ليدل على معنى واحد ليس غيره.
وقوله:
والأصل في المبني أن يسكنا
يعني أن الأصل في كل مبني من الاسم والفعل والحرف، أن يبنى على السكون؛ لأنه أخف فلا يعدل عنه إلا لسبب؛ لأن الأصل عدم الحركة فوجب استصحابه ما لم يمنع منه مانع فيعدل إلى الحركة.
ثم قال:
ومنه ذو فتح وذو كسر وضم
أي: ومن المبني صاحب فتح وصاحب كسر وصاحب ضم، فعلم بذلك أن المبني على أربعة أقسام، وأن أنواع البناء أربعة: ضم وكسر وفتح ووقف وهو السكون.
تنبيهات:
الأول: قد تقرر أن الأصل في المبني أن يسكن فما بني "منه"4 على حركة فلسبب ترك الأصل لأجله.
وأسباب البناء على حركة خمسة: الأول التقاء الساكنين نحو: "أمس".
والثاني: كون الكلمة على حرف واحد كبعض المضمرات.
1 ج وفي أ، ب "النقل".
2 ب وفي أ "ولا يتعقب" وفي ج "ولا يعتقب".
3 ب.
4 أ.
والثالث: كون الكلمة عرضة لأن "يبدأ"1 بها كلام الابتداء "وياء الجر"2.
والرابع: كون الكلمة لها أصل في "التمكن"3 نحو "أول".
والخامس: الشبه بالمعرب نحو "ضرب""فإنه"4 شابه المضارع فبني على الفتح كما سبق.
الثاني: لتخصيص المبني ببعض الحركات أسباب، فأسباب الفتحة ستة:
الأول: مجرد طلب التخفيف نحو "أين".
الثاني: شبه محلها "بما اكتنف"5 هاء التأنيث نحو "بعلبك".
الثالث: مجاورة الألف نحو "أيان".
الرابع: كونها حركة "الأصل"6 نحو: "يا مضار""ترخيم"7 مضار8 اسم مفعول.
والخامس: الفرق بين معنى أداة واحدة نحو: "يالزيد لعمرو".
والسادس: الإتباع9.
وأسباب الكسرة سبعة:
الأول: التقاء الساكنين نحو "أمس".
والثاني: مجانسة العمل نحو "ياء" الجر ولامه.
1 أ، ج وفي ب "يبتدأ".
2 أ، ج.
3 أ، ج وفي ب "التمكين".
4 أ، ج وفي ب "لأنه".
5 أ، وفي ب، ج "بما هو في كنف".
6 ب، ج.
7 أ، ج وفي ب "تفخيم".
8 في الأصل "مضارر".
9 نحو كيف، بنيت على الفتح إتباعا لحركة الكاف؛ لأن الياء بينهما ساكنة والساكن حاجز غير حصين. ا. هـ. أشموني 2/ 26.
والثالث: الحمل على المقابل نحو: لام الأمر، فإنها كسرت حملا على لام الجر؛ لأنها في الأفعال نظيرتها في الأسماء.
والرابع: الإشعار بالتأنيث نحو "أنتِ".
والخامس: كونها حركة الأصل نحو "يا مضار" ترخيم مضار1 اسم فاعل.
والسادس: الفرق بين أداتين نحو لام الجر. كسرت فرقا بينها وبين لام الابتداء في نحو: "لموسى عبد".
والسابع: الإتباع2.
وأسباب الضمة ستة:
الأول: أن تكون في الكلمة كالواو في نظيرتها "كنحن"، فإن نظيرتها "هو".
الثاني: شبه المبني بما هي فيه كذلك نحو: اخشوا "القوم"3.
والثالث: ألا يكون للكلمة حال الإعراب نحو "قبل وبعد".
والرابع: شبه المبني بما لا يكون له الضم حال الإعراب نحو "يا زيدُ".
والخامس: كونها حركة الأصل نحو "يا تحاج" ترخيم "تحاجج"4 مصدر تحاج. إذا سمي به.
والسادس: الإتباع5.
واعلم أن ما حرك لغير التقاء الساكنين فحقه الفتح لخفته، لا يعدل عنه غالبا إلا لسبب من الأسباب المذكورة، وما خرج عن هذا فهو شاذ.
الثالث: قد فهم مما سبق أن الاسم إذا بني على السكون، ففيه سؤال واحد، لم بني؟ ولا يقال: لم سكن؟ لأنه الأصل.
وإذا بني على الحركة، ففيه ثلاثة أسئلة:
1 في الأصل مضارر.
2 نحو ذه وته -بالكسر- في الإشارة للمؤنثة. أشموني 1/ 26.
3 ب، ج وفي "أ "اليوم".
4 ب، وفي أ، ج "تحاج".
5 كمنذ.
لم بني؟ ولم حرك؟ ولم كانت الحركة كذا؟
وأما الفعل والحرف، فإن بنيا على السكون فلا سؤال فيهما، وإن بنيا على حركة فسؤالان:
لم حركا؟ ولم كانت الحركة كذا1.
وقوله:
كأين أمس حيث والساكن كم
تمثيل لأنواع المبني "فأين" مثال لما بني على الفتح، وهو اسم لدخول حرف الجر عليه، وبني لتضمنه معنى الهمزة في الاستفهام، ومعنى أن الشرطية في الشرط، "وحرك لالتقاء الساكنين"2 وفتح تخفيفا للكسرة. وجيرِ3 وأمس مثال لما بني على الكسر، وهو اسم لدخول حرف الجر وحرف التعريف عليه في نحو "بالأمس" ولصحة الإسناد إليه، وبني عند أهل الحجاز لتضمنه معنى حرف التعريف؛ لأنه معرفة بغير أداة ظاهرة، وحرك لالتقاء الساكنين وكسر على أصل التقائهما.
وقال السهيلي: من كسر "أمس" في كل حال فإنما "شبه بما"4 سمي بالفعل، وفيه ضمير محكي "نحو"5 من هذا، عن الكسائي "وحيث" مثال لما بني على الضم، وهو اسم لدخول "من" عليه في نحو:{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} 6 وبني عند غير فقعس7، لافتقاره إلى جملة افتقارا لازما، وضم على أشهر اللغات، لشبهه بالغايات، ووجه الشبه "أنها كانت"8 مستحقة للإضافة إلى المفرد كسائر أخواتها، فمنعت "من"9 ذلك. كما منعت "قبل وبعد" الإضافة.
1 راجع الأشموني 1/ 26، 27.
2 أ، ج.
3 قال ابن هشام في المغني 1/ 109: "جيرِ بالكسر على أصل التقاء الساكنين كأمس، وبالفتح للتخفيف كأين وكيف: حرف جواب بمعنى نعم
…
".
4 أ، ج.
5 ب، ج.
6 سورة البقرة 150.
7 فقعس قبيلة من فصحاء قبيلة بني أسد.
8 ب، ج وفي أ "أنها لما كانت".
9 أ، ج.
وذهب الزجاج إلى أن "حيث" موصولة وليست مضافة فهي بمنزلة "الذي"، و"كم" مثال لما بني على السكون وهو اسم لدخول حرف الجر عليه، وبني لشبهه بالحرف في الوضع أو لتضمن "كم"1 الاستفهامية معنى الهمزة والخبرية معنى "رب" التي للتكثير.
وقيل في سبب بناء "كم"2 الخبرية غير هذا، مما يذكر في باب "كم"3.
ولما ذكر أنواع البناء أخذ يذكر أنواع الإعراب، وهي أربعة: الرفع والنصب والجر والجزم.
وعن المازني أن الجزم ليس بإعراب، وهذه ثلاثة أقسام:
قسم يشترك فيه المعربان: الاسم المتمكن والفعل المضارع، وهو الرفع والنصب، تقول "زيدٌ يهابُ" و"إن زيدًا لن يهابَ".
وقسم يختص بالاسم وهو الجر: "مررتُ بزيد".
وقسم يختص بالفعل وهو الجزم نحو "لم يهبْ"4.
وإلى هذا أشار بقوله:
والرفع والنصب اجعلن إعرابا
إلى آخره، وهو واضح.
"وإنما اختص الجر بالاسم؛ لأن كل مجرور مخبر عنه من جهة المعنى ولا يخبر إلا عن الاسم"5، وإنما اختص الجزم بالفعل، ليكون فيه6 كالعوض من الجر في الاسم.
1 أ، ب.
2 ب.
3 قال المرادي في باب كم: "
…
وأما الخبرية، فقيل: لشبهها بها -أي بالاستفهامية- وقيل: حملا على رب، وإن كانت للتقليل؛ لأن الشيء يحمل على نقيضه كما يحمل على نظيره"، قلت: والتقليل بالشبه الوضعي كاف في بنائها.
4 أ، ج وفي ب "لم يذهب".
5 أ، ج.
6 أ، ب.
وقيل غير ذلك، مما لا فائدة في ذكره هنا.
وقد أشار بقوله: "كما قد خصص"1 إلى علة تخصيص الفعل بالجزم ثم قال:
فارفع بضم وانصبن فتحا وجر
…
كسرا كذكر الله عبده يسر
واجزم بتسكين............
…
..........................
يعني: أن أصل الإعراب أن يكون بالحركات والسكون، فأصل الرفع أن يكون بضمة. وأصل النصب أن يكون بفتحة، وأصل الجر أن يكون بكسرة، وأصل الجزم أن يكون بالسكون، إذ لا حظ له في الحركات، فكان حظه حذفها.
وقد مثل الرفع والنصب والجر "ذكرُ اللهِ عبدَهُ يسُرّ".
ثم قال:
...... وغير ما ذكر
…
ينوب................
فأشار إلى أن الإعراب بغير ما ذكر من الحركات والسكون "نائب"2 عن المذكور فينوب عن "الضمة"3 الواو والألف والنون، وعن الفتحة الألف والياء والكسرة وحذف النون.
وعن الكسرة الياء والفتحة، وعن السكون حذف الحرف.
فللرفع أربع علامات، وللنصب خمس علامات، وللجر ثلاث علامات، وللجزم علامتان.
فهذه أربع عشرة علامة: أربعة أصول، وعشرة تنوب عن تلك الأصول، وسنذكر مواضع النيابة مفصلة إن شاء الله تعالى.
ثم مثل ما أعرب بغير ما ذكر عن طريق النيابة بقوله: "نحو جا أخو بني نمر""فأخو" مرفوع بالواو نيابة عن الضمة، و"بني" مجرور بالياء نيابة عن الكسرة.
واعلم أن الغالب في الاسم، إما حركة، وفي الفعل إما حرف وإما حذف، فنيابة الحرف عن الحركة في الاسم تكون في ثلاثة مواضع:
الأسماء الستة، والمثنى، والمجموع على حده.
1 ب.
2 ب، ج وفي أ "نابت".
3 أ، ب.
إعراب الأسماء الستة:
فبدأ بالأسماء الستة؛ لأن المفرد سابق1 "على المثنى"2 والمجموع فقال:
وارفع بواو وانصبن بالألف
…
واجرر بياء ما من الأسما أصف
أي الذي سأصفه لك من "الأسماء"3 يعين الأسماء الستة.
واعلم أن في إعراب هذه الأسماء الستة عشرة مذاهب قد ذكرتها في غير هذا المختصر وأقواها مذهبان: أنا أذكرهما.
الأول مذهب سيبويه، والفارسي، وجمهور البصريين، أنها معربة بحركات مقدرة في الحروف واتبع "فيها"4 ما قبل الآخر للآخر.
فإذا قلت: "قام أبو زيد" فأصله أبو زيد. ثم اتبعت حركة "الباء"5 لحركة الواو فصار أبو زيد، فاستثقلت الضمة على الواو فحذفت.
وإذا قلت: "رأيت أبا زيد" فأصله أبو زيد. فقيل: تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا، وقيل: ذهبت حركة الباء ثم حركت إتباعا لحركة الواو، ثم انقلبت الواو ألفا.
قيل: وهذا أولى "ليتوافق النصب مع الرفع"6، والجر في الإتباع.
وإذا قلت: "مررتُ بأبي زيد" فأصله بأبَوِ زيد، فأتبعت حركة الباء بحركة الواو فصار بأبُوِ زيد، فاستثقلت الكسرة على الواو فحذفت كما حذفت الضمة، ثم قلبت الواو ياء لسكونها بعد كسرة كما قلبت في نحو "ميزان".
هذا "تقدير"7 المذهب الأول. وذكر في التسهيل أنه الأصح8.
1 فبدأ بالأسماء الستة لأنها أسماء مفردة، والمفرد سابق المثنى والمجموع؛ ولأن إعرابها على الأصل في الإعراب بالفرع من كل وجه. ا. هـ. أشموني 1/ 28.
2 أ، وفي ب، ج "للمثنى".
3 أ، ج وفي ب "الأسماء الستة".
4 أ، ب وفي ج "فيهما".
5 ج وفي أ، ب "البناء".
6 ب، ج وفي أ "ليتوافق الرفع مع النصب والجر".
7 أ، ب وفي ج "تقدير".
8 وإليه أميل، وراجع التسهيل ص8.
والثاني: مذهب قطرات والزيادي1، والزجاجي2 من البصريين، وهشام3 من الكوفيين في أحد "قوليه"4 ومن وافقهم أن إعراب هذه "الأسماء"5 بالأحرف المذكورة.
قال في شرح التسهيل: وهذا أسهل المذاهب وأبعدها عن التكلف6.
قلت: ولكنه مستلزم للخروج عن الأصل، إذ أصل الإعراب أن يكون بالحركات ولعدم النظير، إذ ليس في المفردات ما يعرب بالحروف غير هذه الأسماء، ولبقاء "فيك" و"ذي مال" على حرف واحد؛ لأن الإعراب زائد فلا يوجد ذلك في المعربات إلا شذوذا بخلاف المذهب الأول.
فإن قلت: ظاهر كلامه هنا موافقة قطرب ومن ذكر معه في أن إعراب هذه الأسماء بالحروف.
قلت: يحتمل أن يكون وافق القائل بذلك هنا، ويحتمل أن يكون تسامح في جعله الإعراب بالأحرف، لكون الحركات هنا لا تظهر والحروف مفيدة ما تفيد
1 وهو إبراهيم بن سفيان بن سليمان بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن زياد بن أبيه أبو إسحاق الزيادي: قال ياقوت الحموي: كان نحويا لغويا راوية، قرأ على سيبويه كتابه، ولم يتمه، وروى عن أبي عبيدة والأصمعي وكان يشبه به في معرفة الشعر ومعانيه، وكان شاعرا ذا دعابة وفرح، صنف النقط والشكل وشرح ثلث سيبويه، والأمثال، وغير ذلك.
وله في جارية سوداء:
ألا حبذا حبذا حبذا
…
حبيب تحملت فيه الأذى
ومات سنة 249هـ تسع وأربعين ومائتين.
2 هو أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي، أصله من "نهاوند" ثم انتقل إلى بغداد ولزم أبا إسحاق إبراهيم الزجاج، حتى برع في النحو وإليه ينسب، وصنف كثيرا من الكتب، منها كتاب الجمل في النحو -صنف بمكة- والإيضاح في علل النحو، والكافي. توفي بطبرية سنة 340هـ أربعين وثلاثمائة.
3 هو أبو عبد الله هشام بن معاوية الضرير النحوي الكوفي، أحد أعيان أصحاب الكسائي. صنف كتاب مختصر النحو. وتوفي سنة 209هـ تسع ومائتين.
4 ب وفي أ، ج "قوله".
5 أ، ج وفي ب "الأشياء".
6 راجع الأشموني 1/ 31.
الحركات لو ظهرت، وأراد "بذلك"1 التقريب على المبتدئ، كما فعل كثير من المصنفين مع اعترافهم بصحة مذهب سيبويه.
ويؤيد حمله على التسامح نصه في التسهيل على أن إعرابها بالحركات هو الأصح وقوله:
من ذاك ذو إن صحبة أبانا
شرع في ذكر الأسماء الستة، وبدأ "بذو" لأنها لا تفارق الإعراب بالأحرف "وقيد إعرابها بأن تبين"2 معنى الصحبة احترازا من "ذو" الموصولة في لغة طيئ3 فإنها مبنية على "الأعرف"4.
وقوله:
والفم حيث الميم منه بانا
يعني أن "الفم"5 من الأسماء التي تعرب بالأحرف إن بانت6 منه الميم أي: زالت وفارقت فتقول "هذا فوك. ورأيت فاك. ونظرت إلى فيك" وإن كان بالميم ففيه عشر لغات:
نقصه، وقصره، وتضعيفه، كل منها مع فتح الفاء أو كسرها أو ضمها، فهذه تسعة، والعاشرة، إتباع فائه لميمه وأفصحها "فتح"7 فائه منقوصا.
وقوله:
أب أخ حم كذاك....
أي: ترفع بالواو وتنصب بالألف وتجر بالياء، والحم: هو أبو الزوج ونحوه من أقاربه وقد يطلق على أقارب الزوجة.
1 أ، ج وفي ب "بقوله".
2 ج وفي أ "وقيدها بأن تفهم" وفي ب "وقيدها بأن تبين".
3 من أشهر القبائل اليمنية وأعظمها شأنا، ومساكنها الجبلان في وسط نجد ومن أطيب بلاده، وكان لبلادهم شأن عظيم في حكم التجارة في شمال بلاد العرب.
4 ج وفي أ، ب "الأعراب".
5 ب، ج وفي أ "القسم".
6 ب، ج وفي أن "وإن".
7 أ، ب.
وقوله: "وهن" أي كذلك، وأخره "لوقوع"1 الخلاف فيه، فإن الفراء أنكر إعرابه بالأحرف2 وهو محجوج بنقل سيبويه، وأيضا فإن إعرابه بالأحرف قليل، والأحسن فيه التزام النقص، وهو حذف لامه، وجعل الإعراب على عينه "كيد" ومنه قوله عليه الصلاة والسلام:"من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهَنِ أبيه، ولا تكنوا" 3 وإلى هذا أشار بقوله:
والنقص في هذا الأخير أحسن
أي: أحسن من الإعراب "بالأحرف"4 وجرت عادة "كثير"5 من النحويين أن "يذكروا"6 "الهن" مع هذه الأسماء منبهين على قلة إعرابه بالأحرف، فيوهم ذلك "مساواته"7 لَهُنَّ.
قال في شرح التسهيل: ومن لم ينبه على قلته فليس بمصيب، وإن حظي من الفضل بأوفر نصيب.
والهن: كناية عن اسم جنس، قال في الصحاح8 كلمة كناية "ومعناها"9 شيء.
1 ب، ج وفي أ "لوقع".
2 أي: أنكر الفراء إتمامه، وهو محجوج بنقل سيبويه: الإتمام عن العرب، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. ا. هـ. أشموني 1/ 29.
3 تعزى: انتمى وانتسب. عزاء الجاهلية: هو أن يقول الرجل: يا لفلان. ليخرج الناس معه للقتال في الباطل، أعضوه بهن أبيه: فعل أمر من أعض. أي: قولوا له: اعضض على قبل أبيك الذي تنتسب إليه، ولا تجيبوه استهزاء به. ولا تكنوا، لا تذكروا كناية الذكر وهي الهن، بل اذكروا اسمه الصريح.
هو حديث صحيح عن أبي، رواه أحمد في مسنده، والنسائي، وابن حبان في صحيحه، والطبراني في الكبير.
الشاهد: في "الهن" فإنه استعمل منقوصا معربا بالحركات الظاهرة. وإذا استعمل الهن غير مضاف كان منقوصا بالإجماع.
4 ب، ج.
5 ب، ج وفي أ "كثيرة".
6 ب، ج وفي أ "يذكر".
7 ب وفي أ، ج "مساوة".
8 هو كتاب للجوهري رتبه في ثمانية وعشرين بابا، وكل باب منها ثمانية وعشرون فصلا على حسب حروف المعجم وترتيبها 2/ 567.
9 ب وفي أ، ج "معناه".
فتقول: "هذا هنك" أي: شيئك. وقال ابن الدهان1: هو كناية عما "يقلل"2 وكثرة الكناية به عن الفرج.
ثم قال:
وفي أب وتالييه يندر
أي: يندر التزام النقص في "أب" وتالييه. وهما: أخ وحم.
ومنه قوله3:
بأبه اقتدى عدى في الكرم
…
ومن يشابه أبه فما ظلم
فالوجه الراجح في "هن" هو المرجوح في "أب" وتالييه.
1 هو سعيد بن المبارك، المعروف بابن الدهان. قال ياقوت: من أهل واسط، قدم بغداد فأقام بها وقرأ على هبة الله، وكان مولده سنة أربع وتسعين وأربعمائة في ليلة الجمعة حادي عشرين رجب، وكان إماما في النحو، وصنف شرح الإيضاح في أربعين مجلدة وشرح اللمع لابن جني في عدة مجلدات، والدروس في النحو، وغير ذلك، وتوفي بالموصل ليلة عيد الفطر سنة 569 تسع وستين وخمسمائة.
2 أ، ب وفي ج "يتعلل".
3 البيت لرؤبة بن العجاج يمدح عدي بن حاتم، وهو من الرجز المسدس.
الشرح: "بأبه اقتدى عدي": أراد به عدي بن حاتم الطائي وهو صحابي جليل. "الظلم" وضع الشيء في غير محله، وهذا البيت نظم فيه الشاعر المثل السائر:"من أشبه أباه فما ظلم".
المعنى: أن عدي بن حاتم اقتدى بأبيه حاتم الطائي في الجود والكرم، فمن يشابه أباه، ويحاكيه في صفاته فما ظلم في هذا الاقتداء؛ لأنه أتى بالصواب ووضع الشيء في محله.
الإعراب: "بأبه" جار ومجرور متعلق باقتدى. "اقتدى عدي" فعل وفاعل "في الكرم" جار ومجرور متعلق باقتدى أيضا "ومن" اسم شرط "يشابه" فعل مضارع فعل الشرط وفاعله مستتر فيه "أبه" مفعول به ومضاف إليه "فما" الفاء واقعة في جواب الشرط وما نافية "ظلم" فعل ماض فاعله مستتر فيه، والجملة في محل جزم جواب الشرط.
الشاهد فيه: هو أن الأب قد استعمل فيه في الموضعين بحذف اللام معربا بالحركات، فهذا لغة العرب.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص12، ابن عقيل 1/ 22، وابن دواد، والسندوبي، والاصطنهاوي، والمكودي ص11، وابن هشام 1/ 22، والسيوطي في شرحه ص9، وفي همع الهوامع 1/ 29.
وأنكر بعضهم نقص "حم" وقد حكاه الفراء، وحكى أبو زيد1 نقص أخ. ثم ذكر لغة ثالثة في أب وتالييه فقال:
وقصرها من نقصهن أشهر
يعني أن القصر في "أب" وتالييه، وهو التزام الألف مطلقا، وجعل الإعراب بالحركات المقدرة "في الألف"2 أشهر من النقص فيها.
أما قصر الحم فكثير، ومن قصر الأب قول الراجز3:
إن أباها وأبا أباها
…
قد بلغا في لمجد غايتاها
1 هو: سعيد بن أوس بن ثابت بن زيد بن النعمان بن مالك بن ثعلبة بن الخزرج أبو زيد الأنصاري، كان إماما نحويا صاحب تصانيف أدبية لغوية. قال السيرافي: كان أبو زيد يقول كما قال سيبويه. ومن تصانيفه: لغات القرآن، وغريب الأسماء، وغير ذلك، توفي سنة 215 خمس عشرة ومائتين، وقيل: أربع عشرة، عن ثلاث وتسعين سنة بالبصرة.
2 أ، ب.
3 البيت: نسبه العيني لأبي النجم العجلي. ونسبه الجوهري لرؤبة بن العجاج ونسبه أبو زيد في نوادره لبعض أهل اليمن، والبيت من الرجز.
الشرح: "إن أباها" أي: أبا "ريا" لأن قبله:
واها لريا ثم واها واها
…
هي المنى لو أننا نلناها
"المجد": الكرم والمراد "بالغايتين" المبتدأ والنهاية والضمير في "غايتاها" للمجد وأنث باعتبار المنزلة.
الإعراب: "إن" حرف توكيد ونصب "أباها" اسم إن منصوب بفتحة مقدرة على الألف. ويحتمل أن يكون منصوبا بالألف نيابة عن الفتحة كما هو المشهور، "وأبا" معطوف على اسم إن، "أباها": مضاف إليه. "قد" حرف تحقيق "بلغا" فعل ماض وألف الاثنين فاعله. والجملة في محل رفع خبر إن "في المجد" جار ومجرور متعلق بالفعل قبله "غايتاها" مفعول به لبلغ على لغة من يلزم المثنى الألف.
الشاهد: لزوم الألف في "أباها" على لغة القصر في الأسماء الستة، وهو صريح في "أبا" الثالثة؛ لأنه مضاف إليه. أما الأولى والثانية فبالقرينة؛ لأن التلفيق في اللغات بعيد.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص13، وابن عقيل 1/ 23، والشاطبي، والسندوبي، والأشموني 1/ 29، وابن هشام 1/ 33، وفي المغني 1/ 111، والسيوطي في شرحه للألفية ص9، وفي همع الهوامع 1/ 39، وفي شرح المفصل لابن يعيش 1/ 53، وفي خزانة الأدب رقم 559، والإنصاف 1/ 11.
ومن قصر الأخ قولهم: "مكره أخاك لا بطل"1.
تنبيهات:
الأول: قد اتضح بما ذكر في هذه الأرجوزة أن الأسماء الستة على ثلاثة أقسام:
قسم ليس فيه إلا لغة واحدة وهو الإعراب بالأحرف، وذلك "ذو" بمعنى صاحب و"فم" بلا ميم.
وقسم فيه لغتان: النقص ثم الإعراب بالأحرف وهو "هن".
وقسم فيه ثلاث لغات: الإعراب بالأحرف ثم القصر ثم النقص، وهو:"أب وأخ وحم".
الثاني: زاد في التسهيل في "أب" التشديد فيكون فيه أربع لغات، وفي "أخ" التشديد، و"أخو" بإسكان الخاء، فيكون فيه خمس لغات، وفي حم حموا كقرو، وحمئا كقرء2 وحمأ كخطأ.
فيكون فيه ست "لغات"3، 4.
الثالث: مذهب سيبويه أن "ذو" بمعنى صاحب وزنها فعل بالتحريك، ولامها ياء.
1 ورد هذا في مجمع الأمثال ج2 ص308 رقم 4117 وقال هذا من كلام أبي حنش خال بيهس الملقب بنعامة، حين قال له خاله وقد بلغه أن ناسا من أشجع في غار يشربون وهم قاتلون إخوته: هل لك في غار فيه ظباء؟ لعلنا نصيب منها، وانطلق به حتى أقامه على فم الغار، ثم دفعه في الغار فقال ضربا أبا حنش. فقال بعضهم: إن أبا حنش لبطل. فقال أبو حنش: مكره أخاك لا بطل. يريد أنه محمول على ذلك لا أن في طبعه شجاعة.
يضرب لمن يحمل على ما ليس من شأنه.
الشاهد: في "أخاك" فإنه مقصور معرب بالحركات المقدرة على الألف.
2 القرو -بفتح القاف وسكون الراء وبالواو- يطلق على القصد والتتبع وقدح من خشب، والقرء -بفتح القاف وسكون الراء- وبالهمز يطلق على الجمع والحيض والطهر وقد تضم قافه.
3 ب.
4 راجع التسهيل لابن مالك ص8.
ومذهب الخليل أن وزنها فَعْل -بالإسكان- ولامها واو، فهي من باب قوة1.
وقال ابن كيسان2: محتمل للوجهين جميعا.
وفوك: وزنه عند الخليل وسيبويه فَعْل -بفتح الفاء وإسكان العين- وأصله فوه ولامه هاء.
وذهب الفراء إلى "أن"3 وزنه فُعل بضم الفاء.
وأب وأخ وحم وهن وزنها عند البصريين فَعَل -بالتحريك- "ولاماتها"4 واو بدليل تثنيتها بالواو.
وذهب بعضهم إلى أن لام "حم" ياء من الحماية؛ لأن أحماء المرأة يحمونها وهو مردود بقولهم في التثنية حموان، وفي إحدى لغاته حمو.
وذهب الفراء إلى أن وزن "أب وأخ وحم" فعل -بالإسكان- ورد عليه بسماع "قصرها"5 وبجمعها على أفعال.
وأما "هَنٌ" فقال بعضهم لا أعرف ما يدل على أن أصله التحريك، واستدل الشارح على ذلك بقولهم:"هنة وهنوات"6 وقد استدل "به"7 بعض شراح
1 ما عينه ولامه واو بقطع النظر عن حركة الفاء وأصله ذوو، حذفت الثانية اعتباطا ونقلت حركة الإعراب إلى الواو الأولى. ا. هـ. صبان 1/ 65.
2 هو محمد بن إبراهيم بن كيسان النحوي. قال الخطيب: كان يحفظ المذهب البصري والكوفي في النحو؛ لأنه أخذ عن المبرد وثعلب، وكان أبو بكر بن مجاهد يقول: إنه أنحى منهما، وكان يجتمع على بابه نحو مائة رأس من الدواب للرؤساء والأشراف الذين يقصدونه.
ومن تصانيفه:
1 المهذب في النحو.
2-
والمختار في علل النحو.
3-
وما اختلف فيه البصريون والكوفيون، وغير ذلك.
قال الخطيب: مات لثمان خلون من ذي القعدة سنة 299هـ تسع وتسعين ومائتين.
3 ب.
4 أ، ج وفي ب "ولامها".
5 أ، ب وفي ج "قصر".
6 راجع الشارح ص12.
7 في نسخة "ج".
الجزولية1 واعترض ابن إياز2 بأن فتحة النون في "هنة" تحتمل أن تكون لها التأنيث، وفي "هنوات" لكونه مثل "جفنات" ففتح لجمعه بالألف والتاء، وإن كانت العين ساكنة في الواحد، وقد حكى بعضهم في جمعه "أهناء" فبه "يستدل"3 على أن وزنه فَعَل بالتحريك. وهذا موضع اختصار4.
ثم أشار إلى شرط إعراب هذه الأسماء بالأحرف المذكورة فقال:
وشرط ذا الإعراب أن يضفن لا
…
لليا كجا أخو أبيك ذا اعتلا
فاحترز: مما لم يضف منها نحو "أب" فإنه يعرب بحركات ظاهرة، وكلها تفرد إلا "ذو" فإنها ملازمة للإضافة.
وإذا أفرد "فوك" عوض من واوه ميم، وقد ثبتت الميم في الإضافة كقوله5:
1 ألف الجزولية أبو موسى عيسى بن عبد العزيز الجزولي، وجزولة بطن من البربر، وكان إماما في العربية لا يشق غباره مع جودة التفهيم وحسن العبارة، ولزم ابن بري بمصر وأخذ عنه العربية جماعة: منهم الشلوبين وابن معط، وله حاشية على الجمل للزجاجي، ومات سنة 607هـ سبع بعد الستمائة.
2 هو الحسين بن بدر بن إياز بن عبد الله أبو محمد العلامة جمال الدين، كذا ساق نسبه ابن رافع في تاريخ بغداد، وقال: كان أوحد زمانه في النحو والتصريف، قرأ على التاج الأرموي.
وله شرح الضروري لابن مالك، والإسعاف في مسائل الخلاف، والمحصول في شرح الفصول لابن معط، توفي ببغداد سنة 681هـ إحدى وثمانين بعد الستمائة.
3 ب، ج. وفي أ "سبتدل".
4 راجع الأشموني 1/ 30.
5 قائله: رؤبة العجاج، وهو من قصيدة طويلة موجزة.
وصدره:
كالحوت لا يلهيه شيء يلهمه
الشرح: "يلهمه" أي يبتلعه من اللهام فعال من لهمت الشيء ألهمه إذا ابتلعه، ومنه سمي الجيش لهاما. ظمآن: أي عطشان.
وفي مجمع الأمثال ج2 ص421 رقم 4713 "يضرب لمن عاش بخيلا مثريا".
الإعراب: يصبح: فعل مضارع ناقص وفمه ضمير مستتر يعود إلى الحوت وهو اسمه "ظمآن" خبره "وفي البحر فمه" الواو للحال والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم. فمه: مبتدأ مؤخر. والهاء مضاف إليه. والجملة في محل نصب على الحال. =
يصبح ظمآن وفي البحر فمه
ولا تختص بالضرورة خلافا لأبي عليّ1، ولقوله عليه الصلاة والسلام:"لخلوف فم الصائم عند الله أطيب من ريح المسك"2.
واحترز مما أضيف منها إلى ياء المتكلم، فإنه يعرب بحركات مقدرة "نحو"3:"هذا أخي" وكلها تضاف إلى الياء إلا "ذو" فإنها لا تضاف إلى مضمر، وإنما تضاف إلى اسم جنس ظاهر غير صفة وما خالف ذلك فهو نادر4.
ويشترط في إعراب هذه الأسماء بالأحرف مع الشرطين المذكورين شرطان آخران:
= الاستشهاد فيه: "فمه" حيث أثبت الشاعر الميم في حالة الإضافة وليس ذلك لضرورة خلافا لأبي عليّ: قال أبو عليّ في البغداديات: "قد اضطر الشاعر فأبدل من العين الميم في الإضافة كما أبدلها منها في الإفراد فقال: وفي البحر فمه. وهذا الإبدال في الكلام إنما هو في الإفراد دون الإضافة، فأجرى الإضافة مجرى المفرد في الشعر للضرورة هذا كلامه". ا. هـ. خزانة الأدب 2/ 216. أقول: ولا التفات إلى قوله: بدليل الحديث.
مواضعه: ذكره في شرح الألفية للأشموني 1/ 31، وابن مالك في التسهيل ص9، والشاهد رقم 325 في خزانة الأدب، والسيوطي في همع الهوامع ج1 ص40، ومجمع الأمثال.
1 هو: الحسن بن أحمد الإمام أبو عليّ الفارسي النحوي المشهور، وكان واحد زمانه في علم العربية. أخذ عنه الزجاج وابن السراج، وبرع في طلبته جماعة كابن جني وعليّ بن عيسى وغيرهما، وكان متصلا بعضد الدولة حتى كان يقول: أنا غلام أبي عليّ في النحو.
ومن مؤلفاته العظيمة كتاب الحجة في التعليل لقراءات القرآن.
وتوفي ببغداد سنة 377هـ سبع وسبعين وثلاثمائة.
2 "لخلوف" بضم الخاء وقد تفتح ولكن الفتح لغة شاذة كما في تحفة ابن حجر بل قيل: خطأ: تغير رائحة الفم من أثر الصيام لخلو المعدة من الطعام.
"أطيب عند الله
…
إلخ": كناية عن تقريب الله تعالى الصائم من رضوانه وعظيم نعمه، وهو حديث صحيح عن أبي هريرة وأبي سعيد معا، ورواه أحمد في مسنده ومسلم والنسائي والبخاري.
3 ب، ج وفي أ "ونحوه".
4 كإضافته إلى العلم في نحو: "أنا الله ذو بكة" وإلى الجملة نحو: "اذهب بذي تسلم" أي: اذهب في وقت صاحب سلامة، وفي نكت السيوطي أن إضافته إلى العلم قليلة وإلى الجملة شاذة، وفي يس أنه أضيف إلى الضمير شذوذا. ا. هـ. صبان 1/ 66.
أن تكون مفردة، فإن ثنيت أو جمعت أعربت إعراب المثنى والمجموع وأن تكون مكبرة، فإن صغرت أعربت بالحركات.
فإن قلت: فقد أهمل هذين الشرطين.
قلت: قد علق الحكم على ما لفظ به، وقد لفظ بها مفردة مكبرة، فاكتفي بذلك.
ثم مثل ما أضيف إلى غير الياء بقوله: "جاء أخو أبيك ذَا اعتلا" وهو واضح.
إعراب المثنى:
ثم انتقل إلى الموضع الثاني من مواضع نيابة "الحرف عن الحركة"1 فقال:
بالألف ارفع المثنى وكلا
المثنى: هو الاسم الدال على اثنين في زيادة في آخره "صالحة"2 للتجريد وعطف مثله عليه كقولك: "زيدان ورجلان" فإنه يصلح فيهما ذلك نحو "زيد وزيد ورجل ورجل".
وللتثنية ثمانية شروط:
الأول: الإفراد، فلا يجوز تثنية المثنى والمجموع على حدة ولا الجمع الذي لا نظير له في الآحاد اتفاقا، وأما غيره من جموع التكسير فظاهر كلام المصنف جواز تثنيته.
وقال غيره: إن تثنية الجمع واسم الجنس غير مقيسة.
الثاني: الإعراب، فلا يثنى المبني، وأما قولهم:"منان ومنَيْن" فليست الزيادة فيهما للتثنية بل للحكاية يدل على ذلك "حذفهما"3 وصلا، وأما "يا زيدان ولا
1 أ، ج وفي ب "الحرف عن الحركات".
2 ج وفي أ، ب "صالحا".
3 ب، ج وفي أ "حذفها".
رجلين" فإنما ثني قبل البناء، وأما "هذان واللذان" ونحوهما فصيغ وضعت للمثنى، "وليست"1 من المثنى الحقيقي عند المحققين.
الثالث: عدم التركيب، فلا يثنى المركب تركيب إسناد اتفاقا، وكذا ما في حكمه كأنما مسمى به، واختلف في تثنية المركب تركيب مزج نحو:"بعلبك وسيبويه" وصحح أكثرهم المنع لشبهه بالمحكي ولعدم السماع.
وأما الأعلام المضافة نحو: "أبي بكر" فيستغنى فيها بتثنية المضاف "وجمعه"2 عن تثنية المضاف إليه وجمعه، وأجاز الكوفيون تثنيتهما "معا"3 وجمعهما "معا"4 فتقول:"أبَوا البكرين وآباء البكرين".
الرابع: التنكير. فلا يثنى العلم باقيا على علميته، بل إذا أريد تثنيته قدر تنكيره، ولذلك لا تثنى الكنايات عن الأعلام نحو "فلان وفلانة" فإنها لا تقبل التنكير.
الخامس: أن يكون قابلا لمعنى التثنية. فلا تثنى الأسماء الواقعة على ما لا ثاني له في الوجود "كشمس وقمر" إذا قصدت الحقيقة.
السادس: اتفاق اللفظ، وأما نحو:"القمرين" في الشمس والقمر فمن باب التغليب5.
السابع: اتفاق المعنى، فلا يجوز تثنية المشترك والحقيقة والمجاز، هذا مذهب أكثر المتأخرين. قال في شرح التسهيل: والأصح الجواز، وممن صرح بجواز ذلك أبو بكر بن الأنباري6.
1 أ، ب وفي ج"وليس".
2 ب، ج.
3 ج.
4 ب.
5 قال السيوطي في الهمع 1/ 41 "وهذا النوع مسموع يحفظ ولا يقاس عليه". ا. هـ.
6 هو الإمام أبو بكر محمد بن القاسم بن الحسن الأنباري النحوي اللغوي. قال الزبيدي: كان من أعلم الناس بالنحو على مذهب الكوفيين وبالأدب وأكثرهم حفظا للغة، وكان ممن يرى القياس في النحو ويقول: النحو كله قياس ومن أنكر القياس فقد أنكر النحو. وتوفي ابن الأنباري ليلة النحر سنة 327هـ سبع وعشرين وثلاثمائة ببغداد.
الثامن: ألا يستغنى بتثنية غيره عن تثنيته نحو: "سواء" فإن أكثرهم لا يثنيه استغناء بتثنية سي فقالوا: "سيان" ولم يقولوا: "سواءان" على أن أبا زيد حكاه عن العرب.
وما أعرب إعراب المثنى وهو مخالف لمعناه بقصد التكثير نحو: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} 1.
أو الإفراد نحو: "البحرين" أو موافق له ولم يصلح للتجريد نحو: "اثنين واثنتين".
أو صلح للتجريد وعطف مباينه عليه لا عطف مثله نحو: "القمرين" في الشمس والقمر، و"العمرين" في أبي بكر وعمر. فهو ملحق بالمثنى.
وقد أشار في النظم إلى أربعة ألفاظ الحقت بالمثنى فأعربت إعرابه، وليست من المثنى حقيقة وهي "كلا، وكلتا، واثنان، واثنتان".
أما "كلا وكلتا" فهما اسمان "مفردا اللفظ مثنيا المعنى"1 بدليل الإخبار عنهما بالإفراد تارة مراعاة للفظ وبالتثنية تارة مراعاة للمعنى وقد اجتمع الأمران في قوله3:
كلاهما حين جد الجري بينهما
…
قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي
1 سورة الملك: 4.
2 أ، ج وفي ب "مفردان في اللفظ مثنيان في المعنى".
3 البيت قائله الفرزدق، وهو من البسيط.
الشرح: "كلاهما" يعني كلا الفرسين، "حين جرى الجري" أي حين اشتد الجري وقوي بين الفرسين. وهذا من الإسناد المجازي، وأصله جدا في الجري، أي: اجتهدا فيه، "قد أقلعا" أي: قد كفا عنه. "رابي" اسم فاعل من ربا يربو ربوا، وهو النفس العالي، وربا الفرس إذا انتفخ من عدو أو فزع.
الإعراب: "كلاهما" مبتدأ ومضاف إليه. "حين": ظرف متعلق بأقلعا "جد الجرى": فعل وفاعل، والجملة في محل جر بإضافة حين إليها "بينهما" ظرف متعلق بجد "أقلعا" فعل وفاعل، والجملة في محل رفع خبر المبتدأ "وكلا" الواو للحال. كلا: مبتدأ "أنفيهما" مضاف إليه "رابي" خبر المبتدأ وهو اسم فاعل فيه ضمير مستتر.
الاستشهاد فيه: في موضعين. الأول: أنه اعتبر معنى "كلا" وثنى الخبر حيث قال "قد أقلعا"، والثاني: أنه اعتبر لفظ "كلا" ووحد الخبر حيث قال "رابي".
مواضعه. ذكره ابن الناظم في شرحه للألفية ص14، والأشموني أيضا 1/ 33، وابن هشام في المغني 1/ 172، وابن يعيش في شرح المفصل 1/ 64، والسيوطي في همع الهوامع 1/ 41، والخصائص 1/ 421، 3/ 314.
وقيل: هذا البيت قيل في ابنة جرير وبعلها تندرا.
ولكونهما مفردي اللفظ مثنى المعنى، أعربا إعراب المفرد في موضع "وأعربا"1 إعراب المثنى في موضع. فأعربا مع الظاهر إعراب "المفرد"2 المقصور بحركات مقدرة، ومع المضمر إعراب المثنى بالألف رفعا وبالياء جرا ونصبا.
ولما كان الإعراب بالحروف فرعا عن الإعراب بالحركات، والإضافة إلى المضمر فرعا عن الإضافة إلى المظهر، جعل الفرع مع الفرع والأصل مع الأصل "تحصيلا لكمال المناسبة"3.
وإلى هذا أشار بقوله:
إذا بمضر مضاف وصلا
أي: إذا وصل "كلا" بمضمر حال كونه مضافا إلى ذلك المضمر، فمضافا حال من الضمير المستكن في وصل وهو ضمير "كلا".
وقوله: "كلتا كذاك" يعني مثل "كلا" في أن إعرابها إعراب المثنى مشروط بالإضافة إلى الضمير.
تنبيهات:
الأول: حكى الفراء "كلا وكلتا" ثلاث لغات:
الأولى: أن يعربا مع الظاهر إعراب المقصور ومع المضمر إعراب المثنى كما "تقدم"4.
والثانية: أن يعربا إعراب المثنى مع الظاهر والمضمر ونسبها إلى كنانة.
والثالثة: أن يعربا إعراب المقصور مع النوعين أيضا وجعل من ذلك قول بعضهم: "كلاهما وتمرا"5، 6 بالألف.
1 ب وفي "أ "أعرب" فيهما.
2 ب، ج وفي أ "المقدر".
3 أ.
4 أ، ب.
5 ب، ج وفي أ "تمرات".
6 قال سيبويه 1/ 142 "ومن ذلك قول العرب: كليهما وتمرا، فهذا مثل قد كثر في كلامهم واستعمل وترك ذكر الفعل لما كان قبل ذلك من الكلام كأنه قال: أعطني كليهما وتمرا =
الثاني: ما تقدم من أن "كلا وكلتا""مفردا اللفظ مثنيا المعنى"1 هو مذهب البصريين، وذهب الكوفيون إلى أنهما من قبيل المثنى لفظا ومعنى.
ويرده أمور منها الإخبار عنهما بالمفرد في الكلام الفصيح كما تقدم.
وزعم البغداديون: أن "كلتا"2 قد نطق لها بمفرد في قول الراجز:
في كلت رجليها سلامى واحدة3
…
..........................................
= ومن العرب من يقول: كلاهما وتمرا كأنه قال: كلاهما لي ثابتان وزدني تمرا".
وفي مجمع الأمثال للميداني رقم 3079 "كلاهما وتمرا، ويروى: كليهما" أول من قال ذلك عمرو بن حمران الجعدي
…
جعله أبوه راعيا يرعى له الإبل فبينما هو يوما يرعى إذ رفع إليه رجل قد أضر به العطش واللغوب، وعمرو قاعد وبين يديه زبد وتمر وتامك -السنام- فدنا منه رجل فقال: أطعمني من هذا الزبد والتامك، فقال عمرو: نعم، كلاهما وتمرا، فأطعم الرجل حتى انتهى وسقاه لبنا حتى روي
…
فذهبت كلمته مثلا، ورفع "كلاهما" أي: لك كلاهما، ونصب تمرا على معنى أزبدك تمرا. ومن روى كليهما فإنما نصبه على معنى: أطعمك كليهما وتمرا
…
ا. هـ. ملخصا.
1 أ، ج وفي ب "مفردان في اللفظ مثنيان في المعنى".
2 ج وفي أ، ب "كلا".
3 قال العيني: قائله راجز من الرجاز لم أقف على اسمه -يصف نعامة- من الرجز المسدس.
وتمامه: كلتاهما مقرونة بزائده.
الشرح: "في كلت رجليها" الضمير عائد على النعامة أي: في إحدى رجليها "سلامى" بضم السين وتخفيف اللام وفتح الميم على وزن حبارى هي العظام التي تكون بين كل مفصلين من مفاصل الأصابع من اليد والرجل.
"كلتاهما" الضمير للرجلين. "مقرونة بواحدة" أي: من السلاميات، وروى "قد قرنت" مكان "مقرونة"، "وفي كلت" خبر مقدم، "سلامى" مبتدأ مؤخر، "زائده" صفة.
ويروى البيت:
في كلت رجليها سلامى زائده
…
كلتاهما مقرونة بواحده
الإعراب: "في "كلت" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم "رجليها" مضاف إلى كلت "سلامى" مبتدأ مؤخر "واحده" نعت لسلامى "كلتاهما" مبتدأ "مقرونة" خبر المبتدأ "بزائده" جار ومجرور متعلق بمقرونة.
الشاهد: في كلت رجليها، استدل به البغداديون على أن "كلت" تجيء للواحدة و"كلتا" للمثناة. =
وليس بصحيح، بل أراد "في كلتا" فحذف الألف للضرورة.
الثالث: "كلا" عند البصريين فعل نحو معي "وألفها"1 عن واو بدليل إبدالها "تا" في "كلتا" وقيل عن ياء لقول سيبويه: إنه لو سمي بها وثنيت لانقلبت ياء، ووزن "كلتا" فعلى كذكرى وألفها للتأنيث والتاء بدل "من"2 لام الكلمة، وهو إما واو3 وهو اختيار ابن جني أو ياء4 وهو اختيار أبي عليّ، وذهب الجرمي5 إلى أن التاء زائدة للتأنيث وهو ضعيف، لأن تاء التأنيث لا تقع حشوا ولا بعد ساكن غير الألف.
الرابع: المنقول عن البصريين أن قلب ألف كلا وكلتا مع المضمر "ياء"6 ليس هو للعامل7 وإنما هو بالحمل على "لدى وعلى" وذلك لأنهما ملازمان للإضافة فأشبها في النصب "لدى" وأشبها في الجر "على" ففعلوا "بكلا وكلتا" في النصب والجر، ما فعلوا بلدى وعلى فقلبوا ألفها ياء، إذا أضيفا إلى مضمر،
= وفي مختار الصحاح ص604 في كلتا: وقال الفراء هو مثنى ولا يتكلم منه بواحد ولو تكلم به لقيل: كل وكلت وكلان وكلتان واحتج بقول الشاعر:
في كلت رجليها سلامى واحده
أي في إحدى رجليها وهذا القول ضعيف عند أهل البصرة والألف في الشعر محذوفة للضرورة، والدليل على كونه مفردا قول جرير: كلا يومي أمامة يوم صد. أنشدنيه أبو عليّ.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الشاطبي والأشموني 1/ 32 وذكره السيوطي في همع الهوامع ج1 ص41، والشاهد رقم 13 من خزانة الأدب، والإنصاف 2/ 260، 263.
1 ب، وفي أ، ج "ألفه".
2 ب، وفي أ، ج "عن".
3 وأصلها "كلوى".
4 وإنما قلبت تاء لتأكيد التأنيث.
5 هو: أبو عمر صالح بن إسحاق الجرمي البصري، مولى جرم بن ربان، وجرم من قبائل اليمن. قال الخطيب: كان فقيها عالما بالنحو واللغة، دينا ورعا، قدم بغداد وأخذ عنه الأخفش ويونس والأصمعي وحدث عنه المبرد قال: كان الجرمي في زمانه. وله كتاب: الأبنية ومختصر في النحو، ومات سنة 225هـ خمس وعشرين ومائتين.
6 ب.
7 أ، ب وفي ج "العامل".
ولم يقلبوها إذا أضيفا إلى ظاهر1 كما أن ألف "لدى وعلى" لا تقلب مع الظاهر.
وأما الرفع فبقيت الألف مع الظاهر والمضمر؛ لأنها لم تشبه في الرفع ما تنقلب ألفه.
قال الخليل: ومن لا يقلب ألف "لدى وعلى" إذا أضيفا إلى المضمر، يقول:"رأيت كلاهما أو مررت بكلاهما" فيجعلهما من المضمر على حالهما مع الظاهر، وضعف الناظم "إعراب"2 هذا المذهب، وجعل "إعرابها"3 بالحرفين كالمثنى، واستدل بلغة كنانة.
وأما "اثنان واثنتان" فيعربان إعراب المثنى بلا شرط، ولذلك شبههما بما هو مثنى حقيقة لئلا يتوهم أنهما مثل "كلا وكلتا" في اشتراط الإضافة إلى المضمر.
فقال:
........... اثنان واثنتان
…
كابنين وابنتين يجريان
أي: يجريان مجرى ابنين وابنتين بلا شرط، ثم قال:
وتخلف اليا في جميعها الألف
…
جرا ونصبا........................
يعني أن الياء تخلف الألف. أي: تحل محلها في جميع ما تقدم وهو المثنى والألفاظ الملحقة به جرا ونصبا نحو: "مررت بالزيدين، ورأيت الزيدين".
وقدم الجر لأن النصب محمول عليه في الياء التي هي أخت الكسرة، وإنما حمل عليه لاشتراكهما في أن كلا منهما فضلة، ولهذا لم يحمل على الرفع؛ لأنه عمدة وقوله:
........ بعد فتح قد ألف
1 قال السيوطي في الهمع 1/ 40: "وبعض العرب يجريهما مع الظاهر مجراهما مع المضمر في الإعراب بالحرفين وعزاها الفراء إلى كنانة".
2 أ، ب.
3 ب، ج وفي أ "إعرابها".
سبب فتح ما قبل هذه الياء الإشعار بأنها خلقت الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا.
تنبيهات:
الأول: في المثنى وما ألحق به لغة أخرى وهو لزوم الألف رفعا ونصبا وجرا، وهي لغة بني الحارث بن كعب1 وقبائل أخر، وأنكرها المبرد2 وهو محجوج بنقل الأئمة3 "وهو"4 أحسن ما خرج عليه قراءة:{إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} 5.
الثاني: مذهب الناظم أن إعراب المثنى والمجموع على حدة بالحروف كما هو ظاهر كلامه في النظم، وصرح بذلك في التسهيل، وهو مذهب قطرب وطائفة من المتأخرين، ونسب إلى الزيادي والزجاجي. قيل: وهو مذهب الكوفيين6.
وذهب سيبويه7 ومن تبعه إلى أن الإعراب مقدر في الألف والياء فتقدر في الألف الضمة، وفي الياء الفتحة والكسرة، فإعراب المثنى عندهم بالحركات. وفي إعراب المثنى مذاهب لا نطول بذكرها.
1 من أشهر القبائل اليمنية وأعظمها شأنا إبان ظهور الإسلام، وكانت تسكن نجران. شهرت بالغنى والجمال والقوة.
2 هو أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأودي إمام العربية ببغداد في زمانه، أخذ عن الجرمي والمازني وقرأ عليهما كتاب سيبويه، وكان غزير العلم حسن المحاضرة فصيحا بليغا ثقة، صاحب نوادر، وقيل في سبب تلقيبه بالمبرد: إن المازني حين صنف كتابه "الألف واللام" سأل المبرد عن دقيقه وعويصه فأجابه بأحسن جواب فقال له: قم فأنت المبرد -أي المثبت للحق- فحرفه الكوفيون وفتحوا الراء، وله مؤلفات منها: الكامل في الأدب، والمقتضب في النحو من ستة أجزاء مخطوطة بدار الكتب، وشرح شواهد الكتاب.
ومات سنة 286هـ ست وثمانين ومائتين في خلافة المعتضد ودفن بالكوفة.
3 راجع الأشموني 1/ 23.
4 أوفي ب، ج "هي".
5 سورة طه 63 "قراءة نافع".
6 وإليه أميل.
7 ج1 ص4 الكتاب، وقوله ظاهر في أن الألف والياء حرفا إعراب.
المجموع على حد المثنى:
ثم انتقل إلى الموضع الثالث من مواضع النيابة1 وهو المجموع على حد المثنى فقال:
وارفع بواو وبيا اجرر وانصب
…
سالم جمع عامر ومذنب
لما كان الجمع على قسمين: جمع تكسير، وهو ما تغير فيه بناء واحده لفظا أو تقديرا،
وجمع سلامة، وهو خلافه.
احترز عن جمع التكسير بقوله: "سالم جمع".
ثم السالم قسمان: مذكر ومؤنث.
فاحترز عن المؤنث بإضافة الجمع إلى المذكر، أعني "عامرا ومذنبا" فالذي يرفع بالواو وينصب ويجر بالياء هو جمع المذكر السالم.
وهو قسمان: اسم، وصفة.
فالاسم لا يجمع هذا الجمع إلا بأربعة شروط: الذكورية والعلمية والعقل والخلو من تاء التأنيث المغايرة لما في نحو: "عدة وثبة" علمين.
والصفة لا تجمع هذا الجمع إلا بأربعة "شروط"2: الذكورية والعقل والخلو من تاء التأنيث وقبول تاء التأنيث عند قصد معناه.
"واحترزت"3 بهذا الأخير من فعلان فعلى نحو: سكران وأفعل فعلاء4 نحو أحمر، وما اشترك فيه المذكر والمؤنث نحو:"صبور" فلا يجمع شيء من ذلك بالواو والنون لعدم قبوله لتاء التأنيث.
فمثال الاسم "الذي"5 اجتمعت فيه الشروط "عامر" فتقول: "جاء العامريون ورأيت العامريين ومررت بالعامريين".
1 أوفي ب، ج "نيابة الحرف".
2 ب، ج.
3 أ، ج وفي ب "واحترز".
4 في "أ" أفعل فعلى.
5 أ، ب وفي ج "التي".
ومثال الصفة التي اجتمعت فيها الشروط "مذنب" فتقول: "جاء المذنبون ورأيت المذنبين ومررت بالمذنبين".
وقد اكتفى الناظم بالمثالين عن ذكر هذه الشروط طلبا للاختصار، وأشار للقياس عليهما بقوله:"وشبه ذين".
فشبه عامر كل اسم مذكر "علم"1 عاقل خال من تاء التأنيث، وشبه مذنب: كل وصف مذكر عاقل خال من تاء التأنيث: قابل لتاء التأنيث.
فإن قلت: قد زاد في التسهيل في شروط الاسم شرطين آخرين:
أحدهما: أن يكون غير مركب تركيب إسناد أو مزج.
والآخر: أن يكون غير معرب بحرفين2 فلم ترك ذكرهما؟
قلت: هذان شرطان لصحة مطلق الجمع ولا خصوصية لهما بهذا الجمع "المذكور"3.
تنبيهات:
الأول: لم يشترط الكوفيون الخلو من تاء التأنيث، فأجازوا جمع "طلحة" بالواو والنون، ولا قبول الصفة لتاء التأنيث مستدلين بقول الشاعر:
منا الذي هو ما إن طر شاربه
…
والعانسون ومنا المرد والشيب4
1 ب، ج.
2 راجع التسهيل ص13.
3 أ، ج.
4 قائله: هو أبو قيس بن رفاعة الأنصاري كذا قاله ابن السيرافي في شرح أبيات الإصلاح لابن السكيت، وقال البكري: اسمه دينار وقال أبو عبيد: أحسبه جاهليا، وقال القالي في أماليه، هو قيس بن رفاعة، وقال الأصبهاني: قائل هذا البيت أو قيس بن الأسلت الأوسي، وهو من البسيط.
الشرح: "طر شاربه" -بفتح الطاء- معناه نبت شاربه. "والعانسون" جمع عانس وهو من بلغ حد التزوج ولم يتزوج مذكرا كان أو مؤنثا. "والمراد": بضم الميم جمع أمرد، "والشيب" -بكسر الشين المعجمة- جمع أشيب وهو المبيض رأسه.
الإعراب: "منا" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم "الذي" اسم موصول مبتدأ مؤخر. "هو" مبتدأ. "ما" نافية. "إن" زائدة. "طر" فعل ماض. "شاربه" فاعل والهاء مضاف =
فجمع عانسا "بالواو والنون"1 وهو من الصفات المشتركة.
ولا حجة في البيت لشذوذه.
الثاني: ما جعل علما من الثلاثي المعوض من "فائه"2 تاء التأنيث كعدة أو من لامه كثبة فإنه يجوز جمعه بالواو والنون وبالألف والتاء، ما لم يكسر قبل العلمية كشفة، فيلزم تكسيره أو يعتل ثانيه "كدية"3 فيلزم جمعه بالألف والتاء.
وإلى هذا أشار في التسهيل بتقييده التاء بالمغايرة لما في "عدة وثبة" علمين4.
الثالث: اعلم أن التصغير قائم مقام الوصف، فلذلك لو صغر نحو:
"رجل وغلام" جمع الواو والنون مع أنه ليس بعلم ولا صفة، وذلك لكون التصغير وصفا في المعنى.
ثم أشار إلى ما ألحق بهذا فأعرب إعرابه بقوله:
.......... وبه عشرونا
…
وبابه ألحق والأهلونا
أولوا وعالمونا عليونا
…
وأرضون شذ والسنونا
= إليه: وجملة الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ وجملة المبتدأ والخبر لا محل لها صلة الموصول. "والعانسون" معطوف على الاسم الموصول. "ومنا المراد" جملة من مبتدأ وخبر على قياس السابقة معطوفة عليها. "والشيب" معطوف على المرد.
الاستشهاد فيه: في قوله "والعانسون" فإن الكوفيين جوزوا جمع الصفة بالواو والنون مع كونها غير قابلة للتاء محتجين بهذا.
وعند الجمهور فيه شذوذان: الأول إطلاق العانس على الذكر، والأكثر إطلاقه على المرأة، وإنما الأشهر استعماله في المؤنث، والثاني جمعه بالواو والنون.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الشاطبي والأشموني 1/ 35، وذكره ابن هشام في المغني 2/ 6، والسيوطي في همع الهوامع 1/ 45.
1 ب.
2 ب، ج وفي أ "فائدة".
3 أ، ب.
4 التسهيل ص13.
وهو أربعة أقسام: اسم جمع وجمع تكسير، وجمع تصحيح لم يستوف الشروط، ومفرد هو جمع في الأصل.
فالأول: عشرون وبابه. ونعني ببابه سائر العقود إلى التسعين.
و"أولو" و"عالمون" فهذه كلها أسماء جموع ألحقت بجمع المذكر السالم في إعرابه؛ لأن هذه لا واحد لها من لفظها، وليس "العالمون" جمع عالم لأن العالم عام والعالمون خاص بمن يعقل، وإنما هو اسم جمع. قاله المصنف.
والثاني: أرضون وسنون وبابه "فهذه"1 جموع تكسير لتغير واحدها. أعربت إعراب جمع لمذكر السالم.
الثالث: أهلون، فإنه جمع أهل وأهل، فهو مستوفي الشروط إذ هو ليس علما ولا صفة. فأهلون جمع تصحيح لم يستوف الشروط.
وجعل بعضهم "أرضين وسنين" من هذا النوع.
والرابع: عليون، وهو اسم لأعلى الجنة. كأنه في الأصل فعلى من العلو، فجمع جمع من يعقل وسمي به، وفي تمثيله بهذه الألفاظ تنبيه على نظائرها، وباب سنين "الذي"2 أشار له بقوله "وبابه" هو ما عوض من لامه هاء التأنيث ولم يكسر3 فهذا النوع شاع فيه جمع بالواو والنون رفعا وبالياء والنون جرا ونصبا4، وهو ثلاثة أنواع:
مفتوح الفاء نحو: "سنة".
ومكسور الفاء نحو: "مائة".
ومضموم الفاء نحو: "ثبة" وهي الجماعة.
فلام "سنة" واو أو هاء على اللغتين، ولام "مائة" ياء، ولام "ثبة" واو، وقيل: ياء من ثبيت أي جمعت، وأما الثبة التي هي وسط الحوض فمحذوفة العين
1 أ، ب وفي ج "ففيه".
2 أ، ب وفي ج "الذين".
3 أي تكسيرا يعرب معه بالحركات.
4 هي لغة أهل الحجاز علياء وقيس.
من "ثاب يثوب"1 إذا رجع، وقيل: بل محذوفة اللام أيضا من ثبيت، فما كان مفتوح الفاء كسرت فاؤه نحو:"سنين"، وقد حكي ضم "سينه"2، وما كان مكسور الفاء لم يغير "نحو"3 "مئين"، وما كان مضموم الفاء فوجهان الكسر والضم نحو:"ثيين" فإن كسر استغني عن هذا الاستعمال نحو: "شفة" إلا ما ندر.
وقوله:
.... ومثل حين قد يرد
…
ذا الباب.................
يعني أن باب سنين قد يستعمل مثل حين فجعل إعرابه بالحركات على النون منونة4 ولا تسقطها الإضافة وتلزم الياء5 فتقول: "هذه سنين وصحبته سنينا "وما رأيته"6 منذ سنين" وفي الحديث، في رواية: $"اللهم اجعلها عليهم سنينًا كسنين يوسف"7، ومنه قول الشاعر:
دعاني من نجد فإن سنينه
…
لعبن بنا شيبا وشيبتنا مردا8
1 أ، ب وفي ج "باب يثوب".
2 أ، ب وفي ج "سنة".
3 ج.
4 هذا إذا لم يكن أعجميا وإلا فيعرب على النون من غير تنوين إعراب ما لا ينصرف مثل "قنسرين" كورة بالشام.
5 لبعض بني تميم وبني عامر.
6 ب.
7 هذا دعاء على أهل مكة بالجدب والقحط وقد استجاب الله دعاءه حتى ساء حالهم.
وروي "كسني" يوسف، بحذف النون للإضافة وسكون الياء مخففة فقد تكلم بهما النبي أو بأحدهما ورواه الرواة بهما، أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم من حديث طويل عن ابن مسعود.
8 البيت للصمة بن عبد الله الطفيل شاعر إسلامي بدوي من شعراء الدولة الأموية. وهو من الطويل.
الشرح: "دعاني" اتركاني. يخاطب به خليله ومن عادة العرب أنهم يخاطبون الواحد بصيغة التثنية كما في قول امرئ القيس: قفا نبك
…
وتفعل العرب ذلك للتعظيم، أو خطاب لاثنين حقيقة.
"نجد" اسم للبلاد التي أعلاها تهامة واليمن وأسفلها العراق، وأولها من ناحية الحجاز ذات عرق إلى ناحية العراق "سنينه" جمع سنة، والمراد العام المجدب، "شيبا" بكسر الشين =
ومن أصحاب هذه اللغة من يسقط التنوين.
وقوله: "وهو عند قوم يطرد".
يعني أن إجراء سنين وبابه مجرى حين يطرد عند قوم من العرب، وقد يستعمله غيرهم على وجه الشذوذ كما في الحديث المذكور.
وإنما اختص هذا النوع بهذه المعاملة لخلوه من شروط جمع التصحيح وشبهه بالتكسير في عدم سلامة نظم واحده.
وقوله: "ونون مجموع" نحو: "الزينين والمسلمين".
"وما به التحق" نحو "عشرين" وما ذكر معه "فافتح" أي: فلزمه الفتح للفرق بينه وبين نون التثنية.
= جمع أشيب، وهو المبيض من الرأس "شيبتنا": من شيب -بالتشديد يشيب تشييبا- "مردا" جمع أمرد، وهو الذي لم تنبت لحيته.
المعنى: اتركاني يا خليلي من ذكر هذه البلاد، فإن ما وقع فيها من مشاق الجدب جعلنا أضحوكة ونحن شيوخ، وشيبتنا أهوالها ونحن مرد.
الإعراب: "دعاني" فعل أمر وألف الاثنين فاعله والنون للوقاية، والياء مفعول به "من نجد": متعلق بدعا، "فإن" الفاء للتعليل إن: حرف توكيد ونصب، "سنينه" اسم إن منصوب بالفتحة الظاهرة والهاء مضاف إليه، "لعبن" فعل ماض ونون النسوة فاعله. والجملة في محل رفع خبر إن، "بنا" جار ومجرور متعلق بلعب، "شيبا" حال من الضمير المجرور بالباء، "وشيبتنا" الواو عاطفة والجملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل رفع معطوفة على الجملة الواقعة خبر إن، "مردا" حال من المفعول الذي هو ضمير المتكلم ومعه غيره.
الشاهد فيه: على إجراء سنين مجرى حين في الإعراب بالحركات والتزام النون مع الإضافة، ولو لم يجعل الإعراب بالحركة على نون الجمع لحذف النون وقال: فإن سنيه. واعلم أن هذه لغة بني عامر، فإنهم يعربون المعتل اللام بالحركات في النون كما في غسلين ويقولون هذه سنين ورأيت سنينا وأقمت بسنين، وعلى هذا ما جاء في قوله عليه الصلاة والسلام:"اللهم اجعلها عليهم سنينًا كسنين يوسف"، وتميم أيضا يجعلون الإعراب في النون ولكن لا ينونونها فيقولون: سنينُ وسنينَ وسنينِ جره بالكسر ولا تسقط النون ههنا ولو عند الإضافة؛ لأنها نزلت منزلة نون مسكين.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص19، وابن هشام 1/ 41، وابن عقيل 1/ 31، والشاطبي، وداود، والسندوبي، والأشموني 1/ 37، والمكودي 1/ 12.
"وقل من بكسره نطق" يعني في الضرورة وليس بلغة.
ومنه قول الشاعر1:
...........................
…
وأنكرنا زعانف آخرين
وقول الآخر2:
...............................
…
وقد جاوزت حد الأربعين
1 البيت لجرير بن عطية بن الخطفي وهو قصيدة نونية يخاطب بها فضالة العربي وهو من الوافر.
وصدر البيت:
عرفنا جعفرا وبني أبيه
وقد ذكر البيت كله في النسخة ب، ج.
الشرح: "جعفر" هو ابن ثعلبة بن يربوع أخو عريس بن ثعلبة "بني أبيه" أي بني أبي جعفر. "زعانف" بفتح الزاي المعجمة والعين المهملة جمع زعنفة وهي طرف الأديم أو هدب الثوب أو القصير، وأراد بهم الأدعياء.
المعنى: عرفنا جعفرا وإخوته لعظمهم، وأنكرنا غيرهم لأنهم أدعياء وليس لهم أصل معروف.
"الإعراب": عرفنا: فعل وفاعل ومفعول "وبني أبيه" معطوف على جعفر ومضاف إليه "وأنكرنا زعانف": جملة من فعل وفاعل ومفعول معطوفة على الجملة السابقة. "آخرين" صفة لزعانف منصوب بالياء؛ لأنه جمع مذكر سالم.
الشاهد: قوله "آخرين" حيث كسر النون فيها، ونون الجمع حقها الفتح وكسر النون جائز بعد الياء فقط وقيل: لغة وهو الراجح، فقد بنى الشاعر كلامه على هذه اللغة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص17، وابن هشام 1/ 49، وابن عقيل 1/ 33 والشاطبي، وداود، والسندوبي، والاصطهناوي، والأشموني 1/ 29، والسيوطي في همع الهوامع 1/ 49، والشاهد رقم 597 في خزانة الأدب.
2 البيت قائله: سحيم بن وثبل الرياحي من مقطوعة له في ديوان جرير وكان عبدا حبشيا وكان فصيحا بليغا وكان قد اتهم ببنت مولاه فقتله. وهو من الوافر.
وصدر البيت:
وماذا يبتغي الشعراء مني
وقد ذكر البيت كله في النسختين ب، ج ففي ب بهذه الرواية وفي ج:
وماذا يدري الشعراء مني
الشرح: قوله "وماذا يبتغي" أي وماذا تطلب، وأنشده الزمخشري والجوهري: وماذا يدّري الشعراء بتشديد الدال المهملة. يقال: ادراه يدريه إذا ختله وخدعه.
الإعراب: "وماذا" ما: اسم استفهام مبتدأ، وذا: اسم موصول بمعنى الذي في محل رفع خبر، "يبتغي" فعل مضارع، "الشعراء" فاعله، "مني" جار ومجرور متعلق بيبتغي والجملة لا محل لها من الإعراب صلة الموصول، "وقد" الواو حالية وقد حرف تحقيق، "جاوزت" فعل وفاعل، "حد" مفعول به، "الأربعين" مضاف إليه مجرور بالياء المكسورة ما قبلها تحقيقا المفتوح ما بعدها تقديرا، وقيل مجرور بالكسرة الظاهرة لأنه عومل معاملة حين في جعل الإعراب على النون. =
وقال في شرح التسهيل: ويجوز أن يكون كسر نون الجمع وما ألحق به لغة1.
وقوله "ونون ما ثني" نحو: "الزيدين""والملحق به" نحو: "اثنين""بعكس ذاك استعملوه". أي: بعكس نون الجمع فينكسر لالتقاء الساكنين وقل من نطق بفتحه، إلا أن فتح نون المثنى لغة حكاها الكسائي والفراء ولكنهما حكياها مع الياء لا مع الألف2 وأجازها بعضهم مع الألف، واستدل بقول الراجز:
أعرف منها الجيد والعينانا3
…
.................................
= الشاهد: في قوله "الأربعين" فإنه كسر النون فيه، وكان الأصل فتحها ولكن كسرها للضرورة ويجوز أن يكون أجراه مجرى الحين فأعربه بالحركات.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية ابن الناظم ص17، وابن هشام 1/ 50، وابن عقيل 1/ 34، والأشموني 1/ 29، والسيوطي 1/ 11، والمكودي ص13، وداود، والشاطبي، والسندوبي، والاصطهناوي، وذكره ابن يعيش في شرح المفصل 4/ 11، والشاهد 586 في خزانة الأدب، وذكره السيوطي في همع الهوامع 1/ 49، والمبرد في المقتضب 3/ 332.
1 قال الأشموني 1/ 39: "وجزم به في شرح الكافية". ا. هـ.
2 "كقوله:
على أحوذيين استقلت عشية
…
فما هي إلا لمحة وتغيب
أشموني 1/ 39.
3 البيت: قيل: إن قائله لا يعرف كما زعم العيني، وقيل: هو لرؤبة بن العجاج، والصحيح أنه لرجل من ضبة كما قال المفضل، وهو من الرجز المسدس.
وعجز البيت:
ومنخرين أشبها ظبيانا
وقد ذكر البيت كله في نسخة ب وأيضا في نسخة ج إلا أن رواية صدره في ج:
أعرف منها الأنف والعينانا
الشرح: "الجيد" بكسر الجيم العنق، وجمعه أجياد، "ظبيانا" اسم رجل بعينه، وليس تثنية ظبي، "منخرين" بفتح النون أو بكسرها على التلفيق بين اللغات مثنى منخر، وأصله: مكان النخير، واستعمل في الأنف.
المعنى: أعرف من سلمى جيدها وعينيها، ومنخريها اللذين يشبهان منخري هذا الرجل.
الإعراب: "أعرف" فعل مضارع فاعله مستتر فيه "منها" جار ومجرور متعلق بأعرف "الجيد" مفعول به، "والعينانا" معطوف عليه، "ومنخرين" معطوف عليه أيضا، "أشبها" فعل ماض وألف الاثنين فاعل، "ظبيانا" مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة على أنه مفرد أو هو على لغة من يلزم المثنى بالألف والجملة من الفعل وفاعله في محل نصب صفة لمنخرين.
الشاهد فيه: قوله "والعينانا" حيث فتح الشاعر فيه نون التثنية والقياس كسرها وقيل الشاهد أيضا في قوله: "ظبيانا" وادعى أن ظبيان تثنية ظبي وإليه مال الهروي حيث قال في الذخائر: والتقدير أشبها منخري ظبيين فجعله تثنية ظبي، وليس هذا بصحيح. وقيل: البيت مصنوع. أي: غير عربي فلا يستشهد به.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن هشام 1/ 47، وابن عقيل 1/ 36، وداود والشاطبي، والسندوبي، والاصطنهاوي، والأشموني 1/ 39، والسيوطي ص12، والمكودي ص13، وذكر في المفصل 3/ 129.
وحكى الشيباني1 أن ضم نون المثنى لغة، يعني إذا كان بالألف، وحكي عن العرب "هما خليلان".
ولما فرغ من نيابة الحرف عن الحركة انتقل إلى نيابة الحركة "عن"2 حركة أخرى، وذلك في موضعين:
الأول: جمع المؤنث السالم، فإنه ينصب بالكسرة نيابة عن الفتحة3 فحمل نصبه على جره كما حمل نصب المذكر السالم على جره، وضابطه: ما جمع بألف وتاء مزيدتين.
وإليه أشار بقوله:
وما بتا وألف قد جمعا
…
يكسر في الجر وفي النصب معا
فإن قلت: لِمَ لَمْ يقيد الألف والتاء بكونهما زائدتين؟
قلت: تعليق الباء بقوله جمع يغني عن "التقييد"4، إذ المراد ما دل على جمعيته بألف وتاء. "ونحو أبيات" مما تاؤه أصلية وقضاة مما ألفه منقلبة عن أصل لم يدل على جمعيته بالألف والتاء5.
1 هو إسحاق بن مرار أبو عمرو الشيباني الكوفي. قال الخطيب: كان أبو عمر راوية أهل بغداد واسع العلم باللغة والشعر ثقة في الحديث كثير السماع نبيلا فاضلا عالما بكلام العرب حافظا للغاتها، صنف كتاب الجيم والنوادر، وغريب المصنف وغير ذلك. مات سنة ست أو خمس ومائتين وقد بلغ مائة سنة وعشر سنين.
2 ج وفي أ، ب "على".
3 "خلافا للأخفش في زعمه أنه مبني في حالة النصب، وهو فاسد إذ لا موجب لبنائه، وجوز الكوفيون نصبه بالفتحة مطلقا، وهشام فيما حذفت لامه، ومنه قول بعض العرب: "سمعت لغاتهم" ومحل هذا القول ما لم يرد إليه المحذوف، فإن رد نصب بالكسرة كسنوات وعضوات". ا. هـ. ج1 ص40.
4 ب، ج وفي أ "التنبيه".
5 أ.
فإن قلت: لم لم يذكر علامة رفعه؟
قلت: لأنه بالضمة على الأصل.
ثم ذكر ما ألحق بجمع المؤنث السالم فقال:
كذا أولات والذي اسما قد جعل
…
كاذرعات فيه ذا أيضا قبل
يعني: أن أولات يكسر في جره ونصبه كالجمع المذكور، وهو اسم جمع؛ لأنه لا واحد له من لفظه فهو في المؤنث نظير أولو في المذكر.
وقوله:
....... والذي اسما قد جعل
يعني: أن ما كان مجموعا بألف وتاء ثم سمي به فجعل اسما مفردا، فإنه يعرب بعد التسمية على اللغة الفصحى بما كان يعرب به قبلها، فيكسر في الجر والنصب وينون.
وقد مثله بأذرعات "وهو بالذال المعجمة"1 اسم موضع2 فتقول: "رأيت أذرعات ومررت بأذرعات" فيستوي جره ونصبه ونحوه "عرفات".
ومن العرب من يمنعه التنوين ويجره وينصبه بالكسرة كما سبق "ومنهم"3 من يمنعه الصرف فيجره وينصبه بالفتحة ولا ينون.
فإن قلت: لم نون أذرعات وعرفات ونحوهما على اللغة الفصحى، وحقهما منع الصرف للتأنيث والعلمية؟
قلت: ليس تنوينهما للصرف؛ وإنما هو تنوين المقابلة وقد تقدم بيانه.
فإن قلت: قد ذكر حكم المجموع بالألف والتاء -إذا سمي به- فما حكم المثنى والمجموع على حدة إذا سمي بأحدهما؟
قلت: أما المثنى ففيه لغتان:
الأولى: أن يعرب بعد التسمية بما كان يعرب به قبلها.
والثانية: أن يجعل مثل: "عمران" في التزام الألف وإعرابه على النون إعراب ما لا ينصرف.
1 أ، ج.
2 بلدة بالشام.
3 ب، ج.
وأما المجموع على حدة ففيه أربعة أوجه:
الأول: أن يعرب بعد التسمية بما كان يعرب به قبلها.
والثاني: أن يجعل "كغسلين" في التزام الياء وجعل الإعراب "على"1 نون مصروفا، ولم يذكر سيبويه غير هذين الوجهين2.
والثالث: أن يجعل "كهارون" في التزام الواو وجعل الإعراب على النون غير مصروف للعلمية وشبه العجمة.
والرابع: التزام الواو وفتح النون مطلقا، ذكره السيرافي، وزعم أن ذلك صحيح من لسان العرب.
تنبيهات:
الأول: جعل المثنى "كعمران" والمجموع "كغسلين" أو "هارون" مشروط ألا يتجاوزا سبعة أحرف، فإن تجاوزا السبعة لم يعربا بالحركات3، وقد تنبه على ذلك في التسهيل4.
الثاني: ما تقدم من أن المثنى إذا جعل بعد التسمية "كعمران" يمنع الصرف، قيده ابن جني بغير "ذان وتان" مسمى بهما، فإنهما يصرفان إذ الألف "هنا"5 لم تقع وقع الألف الزائدة. وفي حواشي مبرمان6 منع صرف "ذان"7 قال: لأن في آخره زيادتين.
1 ب وفي أ "في".
2 ج2 ص8 الكتاب.
3 فإن تجاوزها كأشيهبايين تعين الوجه الأول. أشموني 1/ 41.
4 قال في التسهيل ص255: "أو جعل المثنى وموافقه كعمران والمجموع وموافقه كغسلين أو حمدان أو هارون ما لم يجاوزا سبعة أحرف".
5 ب، ج.
6 هو: أبو بكر بن محمد بن عليّ العسكري، سمع من المبرد وأكثر من الأخذ عن الزجاج، وبعد وصيته في النحو إلا أنه كان غير وقور. ضنينا بالتعليم إلا مع الجزاء المرضي له.
من مؤلفاته النحوية: شرح شواهد سيبويه، وشرح كتاب سيبويه ولم يتم، وشرح كتاب الأخفش، والتلقين. وتوفي سنة 345هـ خمس وأربعين وثلاثمائة.
7 ب، وفي أ، ج "هذان".
والموضع الثاني من "موضعي"1 نيابة الحركة عن حركة أخرى. ما لا ينصرف وهو كل اسم شابه الفعل من كونه فرعا من وجهين كما سيتحقق في موضعه.
فهذا يجر بالفتحة نيابة عن الكسرة، فحمل جره على نصبه؛ لأنه لما شابه الفعل منع التنوين والجر بالكسرة.
وإلى هذا أشار بقوله:
وجر بالفتحة ما لا ينصرف
فشمل ذلك: المفرد والجمع المكسر نحو: "مررت بأحمد، وصليت في مساجد".
وسكت عن رفعه ونصبه، "لأنهما الأصل"2.
وقوله:
ما لم يضف أو يك بعد أل "ردف"
يعني: فإنه يجر حينئذ بالكسرة نحو: "مررت بأحسن القوم وبالأحسن".
وشمل قوله: "أل" المعرفة كما مثل، والموصولة نحو:
ما أنت باليقظان ناظره إذا
…
نسيت بما تهواه ذكر العواقب3
1 أ، ب وفي ج "مواضع".
2 أ، ب وفي ج "لأنها الأصل".
3 البيت: قال العيني في شرح الشواهد ج1 ص215: لم أقف على اسم قائله، وبالبحث لم أعثر له على قائل. وهو من الطويل. وأنشده بعضهم: وما أنت -بالواو- ولكن الرواية الصحيحة بدون الواو كما قال العيني.
الشرح: "باليقظان" أي: بالحذر، "ناظره" الناظر من المقلة السوداء. "نسيت" النسيان -بكسر النون- خلاف الذكر والحفظ، وبفتح النون. الكثير النسيان للشيء. "تهواه" من هوى يهوى إذا أحب، "والعواقب" جمع عاقبة، وعاقبة كل شيء آخره.
المعنى: ما أنت بالرجل الذي يقظ ناظره إذا غطى هواك على بصيرتك بسبب محبتك له ونسيت ذكر عواقب ما يئول إليه أمرك.
الإعراب: "ما" نافية حجازية أو تميمية، "أنت" اسم ما على الأول ومبتدأ على الثاني. وعليهما فهو في محل رفع، "باليقظان" الباء زائدة اليقظان: خبر ما أو خبر المبتدأ وهو منصوب بفتحة مقدرة على الأول ومرفوع بضمة مقدرة على الثاني وعليهما فإنما منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد، "ناظره" فاعل يقظان لأنه صفة مشبهة والهاء ضمير الغائب مضاف إليه وقيل: إن خبر ما أو خبر المبتدأ هو "أل" في اليقظان لأنها اسم موصول بمعنى الذي. والصفة المشبهة مع فاعلها صلته، "إذا" ظرف لما يستقبل من الزمان تضمن معنى الشرط، "نسيت" جملة من الفعل والفاعل في محل جر بإضافة إذا إليها "بمن تهواه" الباء للسببية ومن اسم موصول في محل جر بها وجملة "تهواه" لا محل لها صلة الموصول. والجار والمجرور متعلق بقوله: نسيت، "ذكر" مفعول به لنسيت "العواقب" مضاف إليه. وجواب إذا محذوف دل عليه سابق الكلام وتقديره: إذا نسيت ذكر العواقب بسبب من تهواه فما أنت باليقظان ناظره.
الشاهد: في قوله "ما أنت باليقظان" فإنه انصرف لوجود الألف واللام وانجر بالكسرة وأن الألف واللام فيه موصولة كالتي تدخل على اسمي الفاعل والمفعول.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 1/ 42، والشاطبي.
والزائد نحو:
رأيت الوليد بن اليزيد مباركا1
…
....................................
وقال في التسهيل: ما لم يصحب الألف واللام أو بدلهما2 يعني الألف والميم في لغة أهل اليمن كقول الشاعر:
......................................
…
تبيت بليل أمأرمد اعتاد أولقا3
1 البيت: لابن ميادة واسمه الرماح بن أبرد، وهو شاعر مقدم من مخضرمي شعراء الدولتين وهو من قصيدة يمدح بها الوليد بن اليزيد بن عبد الملك بن مروان. وهو من الطويل.
وعجزه:
شديدا بأعباء الخلافة كاهله
وورد في النسختين أ، ج الشطر الأول، وفي ب البيت كله وروي فيه "وجدنا الوليد".
الشرح: "رأيت" بمعنى أبصرت، ويجوز أن تكون بمعنى علمت، "الوليد" الوليد بن اليزيد بن عبد الملك بن مروان، "أعباء" جمع عبء -بكسر العين- أثقال، والمراد أمور الخلافة الشاقة، وروي أحناء جمع حنو -بكسر الحاء- وهو حنو السرج والقتب، وحنو كل شيء اعوجاجه، "كاهله" ما بين الكتفين.
المعنى: أبصرت هذا الرجل في حال كونه مباركا شديدا كاهله يتحمل أمور الخلافة الشديدة، شبهه بالجمل الحمول، وشبه الخلافة بالقتب وأراد أنه يحمل شديد أمور الخلافة.
الإعراب: رأيت بمعنى أبصرت فعل وفاعل، "الوليد" مفعول به، "ابن" صفة، "اليزيد" مضاف إليه، "مباركا" حال من المفعول أو مفعول ثان إذا جعلت رأيت بمعنى علمت، "شديدا" معطوف على مباركا بإسقاط حرف العطف، "بأعباء" جار ومجرور متعلق بقوله شديدا، وأعباء مضاف، و"الخلافة" مضاف إليه، "كاهله" فاعل شديد لأنه صفة مشبهة تعمل عمل الفعل، والهاء ضمير الوليد مضاف إليه.
الشاهد: في "الوليد بن اليزيد" حيث أدخل الشاعر فيهما الألف واللام بتقدير التنكير فيهما، وهي في الحقيقة زائدة، قاله العيني 1/ 222.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 1/ 42، والأصطهناوي، والشاطبي، وابن هشام رقم 119 في خزانة الأدب، والسيوطي في همع الهوامع 1/ 24، والإنصاف 1/ 198.
2 التسهيل ص8.
3 البيت: قال العيني في شرح الشواهد الكبرى ج1 ص222: قائله بعض الطائيين ولم =
وقوله "رَدِف" معناه تبع.
فإن قلت: إذا أضيف ما لا ينصرف أو دخلته "أل""و"1 الجر بالكسرة فهل يسمى منصرفا؟
قلت: فيه خلاف مشهور2.
= أقف على اسمه، وهو من الطويل. وصدره:
أأن شمت من نجد بريقا تألقا
وفي النسختين أ، ج ذكر الشطر الثاني وفي ب كله.
الشرح: "أأن شمت" من شمت البرق أشيمه شيما إذا نظرته أين يصوب، "بريقا" أي لمعانا، تألقا -بتشديد اللام- يقال تألق البرق إذا لمع، "بليل امأرمد" أراد بليل الأرمد والميم أبدلت من اللام، وهو لغة أهل اليمن كما في قوله صلى الله عليه وسلم:"ليس من امبر امصيام في امسفر" ، "أولقا" الأولق، المجنون، والبيت من المقلوب.
المعنى: ألئن لاح لك من هذه الجهة أدنى بريق بت بليلة رجل أرمد اعتاده الجنون.
الإعراب: "أأن" الهمزة للاستفهام و"أن" قال العلامة الصبان: يحتمل أن تكون مصدرية حذفت قبلها لام التعليل للاستفهام و"أن" تكون شرطية أتي بجوابها مرفوعا لأن فعل الشرط ماض. ا. هـ. قلت: وعلى الأول فهمزتها مفتوحة، وعلى الثاني فهمزتها مكسورة، والذي ينساق إلى ذهني أن الأول أحسن معنى وأقرب لمراد الشاعر، "شمت" فعل ماض وفاعله، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف قياسا والجار والمجرو متعلق بقوله "تبيت" الآتي، "من نجد" متعلق بشمت، "بريقا" مفعول به لشمت، "تألقا" فعل ماض والألف للإطلاق والفاعل ضمير مستتر يعود إلى "بريق" والجملة في محل نصب صفة لبريق، "تبيت" فعل وفاعل، "بليل" جار ومجرور متعلق بتبيت "أمأرمد" مضاف إليه، "اعتاد" فعل ماض وفاعله ضمير مستتر يعود إلى أمأرمد، "أولقا" مفعول به لاعتاد والجملة من الفعل والفاعل في محل نصب حال من أمأرمد أو هي في محل جر صفة له لأن المحلى بأل الجنسية معرفا لفظا في قوة النكرة.
الشاهد: في قوله: "بليل أمأرمد" فإن أرمد لا ينصرف، ولكن لما دخله الميم التي هي عوض اللام على لغة أهل اليمن انجر بالكسرة كما ينجر فيما إذا دخله اللام نحو:"مررت بالأحسن".
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 1/ 42، والسيوطي في همع الهوامع 1/ 41.
1 أ، ب.
2 "إذا أضيف أو تبع "أل" يكون باقيا على منعه من الصرف، وهو اختيار جماعة، وذهب جماعة منهم: المبرد، والسيرافي، وابن السراج إلى أنه يكون منصرفا مطلقا "وهو الأقوى" واختار الناظم في نكته على مقدمة ابن الحاجب أنه إذا زالت منه علة فمنصرف نحو بأحمدكم، وإن بقيت العلتان فلا، نحو "بأحسنكم". ا. هـ. أشموني 1/ 42.
وأميل إلى تحقيق الناظم "والتحقيق تفضيل الناظم". ا. هـ. صبان 1/ 85.
والتحقيق: أنه إن زالت إحدى علتيه بالإضافة أو "أل" فمنصرف نحو "مررت بأحمدِكم" وإلا فغير منصرف نحو: "مررت بأحسَنِكم".
ولبيان ذلك موضع هو أليق به، المفهوم من قوة كلامه في النظم أنه باق على منع صرفه.
ولما فرغ من مواضع النيابة في الأسماء أخذ يذكر مواضع النيابة في الأفعال، وقد تقدم أن النائب في الفعل شيئان: الحرف والحذف.
فالحرف هو النون تنوب عن الضمة، والحذف حذف النون وحروف العلة، "فحذف النون ينوب عن الفتحة والسكون"1 وحذف حروف العلة ينوب عن السكون.
وبدأ بمواضع النون فقال:
واجعل لنحو يفعلان النونا
…
رفعا وتدعين وتسألونا
فنحو "يفعلان" هو كل فعل اتصل به ألف اثنين مخاطبين أو غائبين نحو: "أنتما تفعلان" وهما يفعلان سواء كان ضميرا كما مثل به، أو حرفا نحو "يفعلان الزيدين" في لغة طيئ وأزد شنوءة2.
وقوله: "رفعا" هو مفعول ثان لقوله: "واجعل" أي: صيِّر، وهو تصريح "بأن الرفع بالنون"3 كما هو مذهب الجمهور خلافا لمن زعم أن الإعراب في هذه الأمثلة بحركات مقدرة على لام الفعل.
وقوله "وتدعين" أي: ونحو "تدعين" وهو كل فعل اتصل به ياء "المخاطبة".
وقوله "وتسألون" أي نحو "تسألون"، وهو كل فعل اتصل به واو جمع مخاطبين أو غائبين، نحو:"أنتم تفعلون وهم يفعلون" وسواء أكانت ضميرا كما مثل به أو حرفا نحو: "يفعلون الزيدون" في اللغة المشار إليها.
1 ب، ج.
2 حي من اليمن ويقال: أسد بالسين وهو أفصح "أسد شنوءة".
3 ب، ج وفي أ "بأن النون".
وقوله:
وحذفها للجزم والنصب سمه
أي: وحذف النون علامة للجزم والنصب كقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} 1.
وقد مثل بقوله:
كلم تكوني لترومي مظلمه
"فتكوني" مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون "وترومي" منصوب بأن مضمرة بعد لام الجحود وعلامة نصبه حذف النون أيضا.
وبدأ بالجزم؛ لأن النصب محمول على الجزم في علامته، فإن الجزم أحق بالحذف فحمل النصب عليه كما حصل على الجر في الأسماء.
وقوله: "مظلمه" يجوز فيه فتح اللام وكسرها، والفتح هو القياس.
إعراب المعتل من الأسماء والأفعال:
ولما أنهى القول في "بيان"2 إعراب الصحيح من الأسماء والأفعال، شرع في إعراب المعتل من الأسماء والأفعال، فقال:
وسم معتلا من الأسماء ما
…
كالمصطفى والمرتقي مكارما
فأشار بالمثال الأول إلى كل اسم حرف إعرابه ألف لازمة، وبالثاني إلى كل اسم حرف إعرابه "ياء لازمة قبلها كسرة".
فكلا النوعين يسمى معتلا وليس في الأسماء ما حرف إعرابه واو لازمة قبلها ضمة3.
"ثم أشار"4 إلى أن هذين النوعين وإن اشتركا في الاعتلال، فإن لكل "واحد"5 اسما خاصا وحكما غير حكم الآخر فقال:
1 سورة البقرة 24.
2 ج.
3 أ، ب.
4 أ، ب.
5 أ، ب.
فالأول الإعراب فيه قدرا
…
جميعه وهو الذي قد قصرا
يعني بالألف ما حرف إعرابه ألف لازمة كالمصطفى "وإنما"1 قدر فيه الإعراب جميعه أعني الرفع والنصب والجر، لتعذر تحريك الألف.
فإذا قلت: "جاء الفتى" فعلامة رفعه ضمة مقدرة في الألف تعذرا.
وإذا قلت: "رأيت الفتى" فعلامة نصبه فتحة مقدرة في الألف تعذرا.
وإذا قلت: "مررت بالفتى" فعلامة جره كسرة مقدرة في الألف تعذرا.
وقوله: "وهو الذي قد قصرا" إشارة إلى أن هذا النوع يسمى في الاصطلاح مقصورا؛ لأنه منع المد، ويقابله الممدود، ولذلك لا يسمى نحو "يسعى" مقصورا إذ ليس في الفعل ممدود.
وقيل: سمي مقصورا؛ لأنه قصر عن ظهور الحركات، والقصر المنع.
"والثان منقوص" يعني بالثاني: ما حرف إعرابه ياء لازمة تلي كسرة كالمرتقي.
وسمي منقوصا؛ لأنه تحذف لامه للتنوين نحو "داع ومرتق".
وقيل لأنه نقص "فيه"2 بعض الحركات وظهر فيه بعضها.
ونصبه ظهر نحو قوله تعالى: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} 3.
ذلك لخفة الفتحة4.
ورفعه ينوى نحو قوله تعالى: {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} 5 فعلامة رفعه ضمة مقدرة في الياء استثقالا لا تعذرا لإمكان النطق بها، وقد ظهر في الضرورة كقول الشاعر:
1 أ، ب وفي ج "وأما".
2 أ، ب.
3 سورة الأحقاف: 31.
4 "ومن العرب من يسكن الياء في النصب أيضا. قال الشاعر:
ولو أن واش باليمامة داره
…
وداري بأعلى حضرموت اهتدى ليا
قال أبو العباس المبرد: "وهو من أحسن ضرورات الشعر؛ لأنه حمل حالة النصب على حالتي الرفع والجر". ا. هـ. أشموني 1/ 44.
5 سورة القمر: 6.
وعن الفرزدق شر العروق
…
خبيث الثرى كابي الأزند1
وقوله: كذا أيضا يجر. أي: يجر بالكسرة "منوية"2 كما رفع بضمة "منوية"3 لثقل الضمة والكسرة على الياء كقوله تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ} 4 فعلامة جره كسرة مقدرة في الياء استثقالا، لا "تعذرا"5 لإمكان النطق بها كقول جرير:
فيوما يوافين الهوى غير ماضيٍ6
…
.........................................
1 البيت قائله جرير بن عطية يهجو فرزدقا وهو من قصيدة دالية وهو من المتقارب.
الشرح: "عرق الفرزدق" أراد به أصله، يعني أصل الفرزدق أشر الأصول، "خبيث الثرى" بالثاء المثلثة خبيث التربة، وأراد به الأصل أيضا، "وكابي الأزند" من كبا الزند إذا لم تخرج نار، والأزند -بضم النون- جمع زند.
قال الجوهري: "الزند" العود الذي تقدح به النار وهو الأعلى والزند السفلى فيها ثقب.
الإعراب: "وعرق" مبتدأ، "الفرزدق" مضاف إليه، "شر" خبره، "العروق" مضاف إليه، "خبيث" خبر بعد خبر، "الثرى" مضاف إليه، ويجوز أن تكون خبر مبتدأ محذوف أي: هو خبيث الثرى، ويجوز أن تنصب على الذي، "كابي" خبر بعد خبر ويجوز أن تكون خبر مبتدأ محذوف، "الأزند" مضاف إليه.
الشاهد: في "كابي الأزند" أنه إذاكانت الياء مضمومة فإن علامة الرفع هي الضمة المقدرة في الياء ويجعلون ذلك لأجل الاستثقال لا لأجل تعذر إمكان النطق بها وهنا ظهرت الضمة ولكنه محمول على الضرورة.
مواضعه: ذكره السيوطي في همع الهوامع 1/ 53.
2 أ، ب في ج "منونة".
3 أ، ب وفي ج "منونة".
4 سورة البقرة 186.
5 ب.
6 البيت من قصيدة طويلة لجرير بن عطية يهجو بها الأخطل، وهو من الطويل.
وتمامه: ويوما ترى منهن غولا تغول، وقد ذكر البيت كله في النسخة ب.
الشرح: "يوافين الهوى" يجازين الهوى، وهو من المجازاة بالزاي المعجمة، "غير ماضي" من مضى يمضي، "غولا" بضم الغين وهو من السعالي جمع سعلاة وهي أخبث الغيلان، "تغول" أصله تتغول فحذفت إحدى التاءين كما في {نَارًا تَلَظَّى} وهو من تغولت الإنسان الغول. أي: ذهبت به وأهلكته.
المعنى: أنه يصف النساء بأنهن يوما يجازين العشاق بوصل مقطع، ويوما يهلكنهم بالصدود والهجران. =
ثم انتقل إلى المعتل من "الأفعال"1 فقال:
وأي فعل آخر منه ألف
…
أو واو أو ياء فمعتلا عرف
أي: شرطية وبعدها "كان" التامة مقدرة وآخر منه مبتدأ وألف خبره والجملة خبر كان.
وقوله: "فمعتلا عرف" جواب الشرط، ويحتمل أن تكون "كان" المقدرة ناقصة وآخر اسمها وألف خبرها ووقف عليه بحذف التنوين على لغة ربيعة2.
ويجوز أن تكون "أي" موصولة على مذهب من أجاز إضافتها إلى النكرة.
= الإعراب: "فيوما" منصوب على الظرفية بالفعل بعده، "يوافين" فعل مضارع ونون النسوة فاعله، "الهوى" مفعول به، "غير" قال العيني: هو مفعول ثان أو منصوب على أنه صفة لمصدر محذوف يقع مفعولا مطلقا أي يوافين وفاء غير نافذ. ا. هـ. وعندي أنه على أية حال صفة لموصوف محذوف غير أنك لو قدرت ذلك المحذوف مصدرا كان مفعولا مطلقا كما قدره، ولو قدرته اسما غير مصدر كان مفعولا ثانيا أي يجازين الهوى حديثا غير نافذ أو ما في معنى ذلك، "ماضيٍ" مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة، "غير" من الألفاظ المتوغلة في الإبهام فلا تفيده الإضافة تعريفا ومثلها لفظ مثل وما أشبهها، "ويوما" الواو عاطفة يوما منصوب على الظرفية بالفعل بعده. وقول العيني: إنه معطوف على يوما الأول خطأ؛ لأن الواو عطفت هذه الجملة كلها على الجملة السابقة وإلا لكان اليومان معمولين للفعل السابق، وذلك لم يذهب إليه أحد، "ترى" فعل مضارع وهي بصرية أولى من أن تكون علمية وفاعله ضمير مستتر فيه، "منهن" جار ومجرور متعلق بترى، "غولا" مفعول به، "تغول" فعل مضارع فاعله ضمير الغول المستتر فيه. والجملة في محل نصب صفة لغولا وإن جعلت علمية كانت هذه الجملة في محل نصب على أنها مفعول ثان.
الشاهد: في "غير ماضيٍ" حيث حركت الياء في الماضي للضرورة، والقياس إسكانها لأنه اسم فاعل من مضى يمضي كقاض من قضى يقضي، فبعد الإعلال يصير ماض فتحذف منه الياء ويكتفي بالتنوين.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الشاطبي والأشموني في 1/ 44 وفي سيبويه 1/ 59.
1 أ، ب وفي ج "الألف".
2 إحدى الشعبتين العظيمتين اللتين تتفرع إليهما العرب العدنانية والثانية مضر.
وحاصل البيت: أن كل فعل آخره ألف نحو: "يخشى" أو واو نحو: "يدعو" أو ياء نحو: "يرمي" فهو معتل قد عرف بهذا الاسم، ولا يقال منقوص ولا مقصور "إلا في الأسماء"1.
وقوله:
فالألف انو فيه غير الجزم
يعني بغير الجزم الرفع والنصب نحو: "زيد يسعى، ولن يسعى" فعلامة رفعه ضمة مقدرة وعلامة نصبه فتحة مقدرة.
وكل ما قدر في الألف فهو على سبيل التعذر، وإنما استثني الجزم؛ لأنه يظهر بحذف الألف كما سيأتي2.
وقوله:
وأبدِ نصب ما كيدعو يرمي
أي "ويظهر"3 نصب المعتل بالواو "كيدعو" والمعتل بالياء "كيرمي" فتقول: "لن يدعو، ولن يرمي" لخفة الفتحة.
وقوله:
والرفع فيهما انو........
يعني: في المعتل بالواو والياء نحو: "زيد يدعو ويرمي" فعلامة رفعهما ضمة مقدرة في الواو والياء استثقالا كما سبق في المنقوص.
وقوله:
.......... واحذف جازما
…
ثلاثهن...................
يعني: الألف، والواو، والياء، تحذف الثلاثة للجازم نحو:"لم يخش ولم يرم ولم يغز".
والتحقيق: أن الحذف عند الجازم، لأنه فرع، إذا كان حرف العلة بدلا من همزة نحو:"يقرأ" فإن قدر دخول الجازم قبل الإبدال وجب إقراره4 وإن قدر دخوله بعد الإبدال فقد ذكر ابن عصفور فيه وجهين: الإثبات والحذف، ومنع بعضهم الحذف.
1 أ، ج وفي ب "إلا في غير الأسماء".
2 وأما الجزم فيظهر؛ لأنه يحذف له الحرف الأخير. ا. هـ. ابن عقيل 1/ 45.
3 ج وفي أ، ب "وأظهر".
4 قال ابن هشام في التوضيح: "هو إبدال قياسي"، لأنك حينئذ تقلب الهمزة الساكنة حرف علة من جنس حركة ما قبلها.
وقوله: "تقض حكما لازما" يعني في غير ضرورة الشعر، وأما في الضرورة فقد تثبت هذه الأحرف ويقدر الجزم. كقول الشاعر:
ألم يأتيك والأنباء تنمي1
…
...............................
وكقول الآخر:
.................................
…
........ لم تهجو ولم تدع2
1 البيت: هو مطلع قصيدة لقيس بن زهير بن جذيمة العبسي. يعرض فيها بالربيع بن زياد وكانت بينهما شحناء، والقصيدة دالية ومن الوافر.
وعجز البيت:
بما لاقت لبون بني زياد
وقد ذكر البيت كله في نسخة ب وفي أ، ج الشطر الأول.
الشرح: "الأنباء" جمع نبأ وهو الخبر، "تنمي" -بفتح التاء- تزدد وتنتشر، "لبون" ذات اللبن وفي رواية "قلوص" بفتح القاف وضم اللام هي الناقة الشابة، "بني زياد" الربيع بن زياد وإخوته.
المعنى: ألم يبلغك ما جرى لنياق بني زياد وهم المغاوير الذين يخشاهم الشجعان؟ والحال أن أخبارهم ملأت البقاع وعرفها القاضي والداني.
الإعراب: "ألم" الهمزة للاستهفام، لم نافية جازمة، "يأتيك" فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف الحركة المقدرة على الياء إجراء للمعتل مجرى الصحيح والكاف ضمير المخاطب في محل نصب مفعول به، "والأنباء": الواو للحال، الأنباء مبتدأ، "تنمي" فعل مضارع فاعله مستتر فيه والجملة في محل رفع المبتدأ وجملة المبتدأ وخبره في محل نصب على الحال، "بما" اختلف العلماء في الباء على أقول كثيرة وطال بينهم الجدل في أمرها.
وأظهر ما ذهبوا إليها أنها زائدة وما: اسم موصول فاعل يأتي، "ولاقت" فعل ماض والتاء للتأنيث، "لبون" فاعل، "بني زياد" مضاف إليه، والجملة من الفعل والفاعل لا محل لها صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره "لاقته" وزيادة الباء في الفاعل هنا ضرورة شعرية.
الشاهد: في "ألم يأتيك" حيث أثبت الشاعر فيه حرف العلة وهو الياء مع الجازم للضرورة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني 1/ 46، والشاطبي، والسندوبي، وابن هشام 1/ 55، وأيضا في المغني 1/ 100، وذكره السيوطي في همع الهوامع 1/ 52، وابن يعيش في شرح المفصل 7/ 24، والشاهد 636 في خزانة الأدب، وكتاب سيبويه ج2 ص59.
2 قال العيني في شرح الشواهد ج1 ص234: لم أقف على اسم قائله، وفي نشأة النحو ص59 قائله أبو عمرو بن العلاء للفرزدق، وهو من البسيط.
وتمامه:
هجوت زبان ثم جئت معتذرا
…
من هجو زبان..................
وقد ذكر البيت كله في نسخة ب، وفي أ، ج اكتفي بالشاهد. =
وقول الآخر:
...........................
…
ولا ترضَّاها ولا تملَّق1
ومنع بعضهم إثبات الألف وهو اختيار ابن عصفور.
وسبب هذا الخلاف، اختلافهم فيما حذفه الجازم، فقيل: الضمة المنوية فعلى هذا لا فرق بين الألف وأختيها، وقيل: الضمة الظاهرة. لفظ بها ضرورة ثم حذفت، فعلى هذا لا يجوز في الألف2، إذ لا يمكن فيها ذلك.
= الشرح: "زبان" -بفتح الزاي وتشديد الباء الموحدة- اسم رجل، واشتقاقه من الزبب وهو طول الشعر وكثرته.
الإعراب: "هجوت" فعل وفاعل والتاء في رواية أكثر النحاة مفتوحة على أنها ضمير المخاطب. وهي فيما رواه المرتضى مضمومة على أنها للمتكلم، "زبان" مفعول به، "ثم" حرف عطف، "جئت" فعل وفاعل والجملة معطوفة على الجملة السابقة، "معتذرا" حال من الفاعل، "من هجو" جار ومجرور متعلق بمعتذر، "زبان" مضاف إليه، "لم" نافية جازمة، "تهجو" مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف الحركة المقدرة على الواو، "ولم" الواو عاطفة ولم نافية جازمة، "تدع" فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه السكون وحرك بالكسر للروي.
الشاهد: في "لم تهجو" حيث أثبت الشاعر الواو مع الجازم للضرورة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: الأشموني: 1/ 46، والشاطبي، وذكره السيوطي في همع الهوامع 1/ 52، وابن يعيش في شرح المفصل 10/ 104، والإنصاف 1/ 16، والخصائص 1/ 323، 327.
1 قائله رؤبة بن العجاج الراجز، وهو من الرجز المسدس.
وصدره:
إذا العجوز غضبت فطلق
وقد ذكر البيت كله في نسخة ب وفي أ، ج الشطر الثاني.
المعنى: إذا غضبت العجوز وخاصمتك فطلقها ولا ترفق بها.
الإعراب: "إذا" للشرط، "العجوز" مرفوع بفعل يفسره الظاهر بعده أي: إذا غضبت العجوز، "غضبت" فعل ماض والتاء للتأنيث والفاعل ضمير مستتر تقديره هي، "فطلق" الفاء واقعة في جواب الشرط وطلق: فعل أمر وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت، "ولا ترضاها" جملة من الفعل والفاعل والمفعول عطف على قوله فطلق، "ولا تملق" جملة عطف على قوله ولا ترضاها أصله ولا تتملق فحذفت إحدى التاءين.
الشاهد: في قوله: "ولا ترضاها" حيث أثبت الشاعر فيه الألف. وقدر الجزم تشبيها بالياء في قول الآخر: ألم يأتيك، وذلك للضرورة.
مواضعه: ذكره الشاطبي في شرحه للألفية، والسيوطي في همع الهوامع 528، وابن يعيش في شرح المفصل 10/ 106، والشاهد رقم 635 من خزانة الأدب.
2 أ، ب وفي ج "الأفعال".
وقد ذهب قوم إلى أن هذه الحروف الثابتة إشباع1 وقد حذفت الحروف الأصلية للجازم، وقد ورد في الضرورة أيضا تقدير نصب الياء والواو -مثال الياء- قول الشاعر:
ما أقدر الله أن يدني على شحط
…
من داره الحزن ممن داره صول2
ومثال الواو قوله:
......................................
…
أبى الله أن أسمو بأم ولا أب3
1 فمثلا أشبعت الفتحة ترض فنشأت ألف والكسرة في يأتك فنشأت ياء والضمة في تهج فنشأت واو وأما {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} فلا نافية، لا ناهية، أي: فلست تنسى. ا. هـ. أشموني 1/ 46 بتصرف.
2 البيت لحندج بن حندج المري، وهو من قصيدة لامية، وهو من البسيط.
الشرح: "أن يدني" من دنا يدنو إذا قرب "على شحط" بالشين المعجمة والحاء المهملة، أي: على بعد من شحط يشحط بفتح الشين وسكون الحاء، وهنا حركت الحاء للضرورة "داره الحزن" بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي المعجمة، وهو اسم موضع ببلاد العرب، والحزن في الأصل ما غلظ من الأرض "صول" بضم الصاد المهملة وسكون الواو اسم موضع قاله الجوهري.
الإعراب: "ما" تعجبية مبتدأ "أقدر" فعل ماض فاعله ضمير مستتر فيه وجوبا "الله" منصوب على التعظيم وجملة الفعل والفاعل في محل رفع خبر المبتدأ "أن" حرف مصدري ونصب "يدني" فعل مضارع منصوب بفتحة مقدرة على الياء، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف: أي على إدنائه، والجار والمجرور متعلق بأقدر "على شحط" جار ومجرور متعلق بيدني وعلى بمعنى مع، "من" اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به ليدني، "داره الحزن" جملة من مبتدأ وخبر لا محل لها صلة الموصول، "ممن" جار ومجرور متعلق بيدني أيضا "داره صول" جملة من مبتدأ وخبر لا محل لها صلة من المجرورة في قوله "ممن".
الشاهد: في قوله "أن يدني" حيث أثبت الشاعر الياء في ساكنة مع تقدير النصب وهو قليل.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية 1/ 45.
3 قاله عامر بن الطفيل بن مالك، كان سيد بني عامر في الجاهلية، وهو من قصيدة بائية من الطويل.
وصدره:
فما سودتني عامر عن وراثة
وذكر البيت في نسخة ب، أوفي ج "العجز".
الشرح: "فما سودتني" من السيادة، "أن أسمو" من السمو والعلو والارتفاع، "عامر" أراد بني عامر القبيلة، فلذلك أنث الفعل المسند إليها؛ لأنه كان سيد بني عامر، "عن وراثة" =
وقد ورد أيضا في الضرورة إظهار رفعهما مثال الياء. قوله:
...........................................
…
تساوي عنزي غير خمس دراهم1
ومثال الواو قوله:
إذا قلت عل القلب يسلو قيضت
…
هواجس لا تنفك تغريه بالوجد1
= أن سيادته من نفسه لأجل كرمه وشجاعته لا أنها وراثة عن آبائه "أبى الله" من الإباء، وهو شدة الامتناع "بأم ولا أب"، أي من جهة الآباء والأمهات وزاد كلمة لا -تأكيدا للنفي- وقدم الأم على الأب لأجل القافية.
الإعراب: "فما" نافية "سودتني" فعل ماض والتاء للتأنيث والنون للوقاية والياء مفعول به "عامر" فاعل "عن وراثة" متعلق بسود "أبى الله" فعل وفاعل "أن" مصدرية ناصبة "أسمو" فعل مضارع منصوب بفتحة مقدرة على الواو وفاعله ضمير المتكلم المستتر "بأم" جار ومجرور متعلق بأسمو "ولا" الواو عاطفة، لا زائدة لتأكيد النفي المستفاد من معنى العامل وهو أبي "أب" معطوف على أم.
الشاهد: في قوله "أن أسمو" حيث سكن الشاعر الواو مع النصب، لأن الحق أن يقال أن أسمو بنصب الواو، ولكنه سكنها للضرورة.
مواضعه: ذكره الأشموني في شرحه للألفية1/ 45، والخصائص 2/ 342.
1 قال العيني 1/ 247 في شرح الشواهد، هذا البيت أنشده الفراء ولم يذكر قائله، وقال أبو حيان: لا يعرف قائله بل لعله مصنوع. وقيل: قائله رجل من الأعراب وبحثت فلم أعثر له على قائل -وهو من قصيدة ميمية- من الطويل.
وصدره:
فعوضني عنها غناي ولم تكن
وقد ذكر البيت في نسخة ب وفي ج "العجز".
وحكاية الأعرابي أن عبد الله بن العباس خرج يريد معاوية بن أبي سفيان فأصابته سماء فنظر إلى نويرة عن يمينه فقال لغلامه: هيا بنا إليها فلما أتياها إذا شيخ ذو هيئة رحب به وذبح له شاة هي معيشة أهله فأعطاه خمسمائة دينار عوضا عن الشاة.
الإعراب: "فعوضني" الفاء للعطف وعوضني فعل ماض والفاعل ضمير مستتر عائد إلى عبد الله والنون للوقاية والياء مفعول به، "عنها" متعلق بالفعل، "غناي" مفعول ثان لعوض، "ولم" حرف نفي، "تكن" فعل مضارع من كان الناقصة واسمها ضمير والجملة وقعت حالا، "تساوي" فعل مضارع من ساوى، "عنزي" فاعل والياء مضاف إليه، "غير" مفعول به والجملة خبر كان في محل نصب، "خمس" مجرور بالإضافة وكذلك "دراهم".
الشاهد: في قوله "تساوي" حيث أبرز الشاعر فيه الضمة على الياء للضرورة.
مواضعه: ذكره السيوطي في همع الهوامع 1/ 53.
2 لم يذكر له العيني قائلا -ولم أعثر له على قائل- وهو من الطويل. =
وربما قدر في "السعة"1 نصب الياء كقراءة بعضهم {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} 2 وجزمها كقراءة قنبل3 {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} 4 ونصب الواو كقراءة بعضهم5 {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي} 6.
وبسط الكلام على ذلك لا يليق بهذا المختصر. والله أعلم.
= الشرح: "عل" أي لعل القلب وهي لغة في لعل "يسلو" من سلوت عنه سلوا إذا برد قلبه من هواه، "قيضت" أي: سلطت، قال تعالى "وقيضنا لهم قرناء""هواجس" جمع هاجسة من هجس في صدري شيء إذا حدث، والهاجس الخاطر، "تغريه" من الإغراء وهو التحريض. "بالوجد" وهو شدة الشوق.
الإعراب: "إذا" للشرط، "قلت" فعل وفاعل وقعت فعل الشروط، "عل" لغة في لعل، "القلب" اسم لعل، "يسلو" جملة في محل رفع خبر عل والجملة مقول القول، "قيضت" فعل ماضي مبني للمجهول، "هواجس" نائب فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة، "لا تنفك" من الأفعال الناقصة واسمها ضمير مستتر يرجع إلى الهواجس، "تغريه" فعل مضارع والفاعل ضمير والضمير المنصوب مفعوله، وهو يرجع إلى القلب والجملة في محل نصب خبر لا تنفك، "بالوجد" جار ومجرور متعلق بالفعل، ولا تنفك إلى آخره في محل الرفع على أنها صفة لهواجس.
الشاهد: في قوله يسلو حيث أظهر الضمة على الواو فدل هذا على أن المحذوف عند دخول الجازم هو الضمة الظاهرة التي كانت على الواو، وهذا رأي بعض النحاة.
مواضعه: ذكره السيوطي في همع الهوامع 1/ 53.
1 أ، ب وفي ج "السبعة".
2 سورة المائدة 89.
3 هو: أبو عمرو محمد بن عبد الرحمن المخزومي المكي الملقب بقنبل، كان إماما في القراءة ضابطا متقنا انتهت إليه مشيخة الإقراء بالحجاز ورحل إليه الناس من الأقطار وهو من أصحاب ابن كثير، وتوفي بمكة سنة 291هـ.
4 سورة يوسف: 90.
5 أ، ب.
6 سورة البقرة: 237.