المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌ظن وأخواتها: انصب بفعل القلب جزأي ابتدا أفعال هذا الباب قسمان: قلبي: وهو - توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك - جـ ١

[ابن أم قاسم المرادي]

الفصل: ‌ ‌ظن وأخواتها: انصب بفعل القلب جزأي ابتدا أفعال هذا الباب قسمان: قلبي: وهو

‌ظن وأخواتها:

انصب بفعل القلب جزأي ابتدا

أفعال هذا الباب قسمان:

قلبي: وهو ما دل على يقين أو ظن أو عليهما، أو غير قلبي: وهو ما دل على تصيير.

وجميعهما تدخل على المبتدأ والخبر فتنصبهما مفعولين وليس كل فعل قلبي يعمل العمل المذكور، فلذلك قال "أعني أرى".

وهو بمعنى: علم. وقد تكون للظن، وقد اجتمعا في قوله تعالى:{إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا، وَنَرَاهُ قَرِيبًا} 1 أي: يظنونه ونعلمه.

فإن كانت بصرية أو من الرأي أو بمعنى أصاب رئته، تعدت إلى واحد، وإن كانت علمية فستأتي2.

ثم قال: "خال" بمعنى ظن، وقد تكون لليقين، فإن كانت بمعنى تكبر أو ظلع. يقال:"ظلع الفرس" إذا غمز في مشيه فهي لازمة.

ثم قال: "علمت" علم اليقين، فإن كانت بمعنى عرف تعدت إلى واحد وستأتي، وإن كانت بمعنى صار "ذا علم"3 فهي لازمة.

ثم قال: "وجد" بمعنى علم، فإن كانت بمعنى أصاب تعدت إلى واحد وإن كانت بمعنى استغنى أو حزن أو حقد فهي لازمة.

ثم قال: "ظن" لغير المتيقن، وقد تكون بمعنى علم فيما طريقه النظر؛ فإن كانت بمعنى أنهم تعدت إلى واحد وستأتي.

ثم قال: "حسبت" لغير المتيقن، وقد تكون بمعنى علم وهو قليل، فإن كانت من الحسبة -وهي لون- فهي لازمة.

1 سورة المعارج 6، 7.

2 في قول ابن مالك:

ولرأى الرؤيا أنم ما لعلما

3 ج وفي أ، ب "أعلم".

ص: 555

ثم قال: "وزعمت" لغير المتيقن، ومصدرها زَعْم وزُعْم وزِعْم1.

قال السيرافي: الزَّعْم قول يقترن به اعتقاده صح أو لم يصح.

فإن كانت بمعنى كفل أو رأس تعدت إلى واحد تارة بنفسها وتارة بحرف الجر. وإن كانت بمعنى سمن وهزل فهي لازمة.

ثم قال "عد" للظن كقوله:

فلا تعدد المولى شريكك في الغنى2

...............................................

فإن كانت بمعنى "حسب" من "الحسبان"3 تعدت إلى واحد.

ثم قال: "حجا" للظن، وهي غريبة ومضارعها يحجو، فإن كانت بمعنى غلب من المحاجاة، أو قصد أو رد، أو ساق أو كتم تعدت إلى واحد، فإن كانت بمعنى أقام أو بخل فهي لازمة.

1 قال الصبان 2/ 15: "تثليث الزاي كما في القاموس" وفي مختار الصحاح صفحة 293: "بالحركات الثلاث على زاي المصدر".

2 صدر بيت قائله النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي، ولد قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أول مولود للأنصار بعد الهجرة، وهو من قصيدة ميمية من الطويل.

وعجزه:

ولكنما المولى شريكك في العدم

الشرح: "لا تعدد" لا تظن "المولى" يطلق في الأصل على عدة معان، والمراد منه هنا الحليف أوالناصر، "العدم" -بضم العين وسكون الدال- الفقر، يقال: عدم الرجل يعدم بوزن علم يعلم- وأعدم فهو معدوم إذا افتقر.

المعنى: لا تظن أن صديقك هو الذي يشاطرك المودة أيام غناك ويسرك وصفاء حالك، فإنما الصديق الحق هو الذي يلوذ بك ويشاركك أيام فقرك وحاجتك وضيق ذات يدك وتألب الحادثات عليك.

الإعراب: "فلا" ناهية "تعدد" مضارع مجزوم بها وفاعله ضمير مستتر فيه، "المولى" مفعول أول، "شريكك" مفعول ثان والكاف مضاف إليه، "في الغنى" جار ومجرور متعلق بشريكك، "ولكنما" حرف استدراك وماكافة، "المولى" مبتدأ، "شريك" خبر والكاف مضاف إليه، "في العدم" جار ومجرور متعلق بشريك.

الشاهد: في "فلا تعدد المولى شريكك" حيث استعمل المضارع من "عد" بمعنى الظن ونصب به مفعولين: أحدهما "المولى" والثاني: "شريكك".

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص79، وابن هشام 1/ 229، وابن عقيل 1/ 243، والسندوبي، وداود، والأشموني 1/ 157، والسيوطي ص42، وأيضا ذكره في همع الهوامع 1/ 148.

3 ب، ج. وفي أ "الحساب".

ص: 556

ثم قال "درى" بمعنى علم، وأكثر ما تستعمل معداة بالباء كقولك "دريت به" فإذا دخلت عليه همزة النقل تعدت إلى واحد بنفسها وإلى ثان بالباء كقوله تعالى:{وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ} 1.

فإن كانت بمعنى ختل تعدت إلى واحد يقال: "درى الذئبُ الصيدَ" إذا استخفى له "ليفترسه"2.

ثم قال: "وجعل اللذ كاعتقد" كقوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} 3 فإن كانت بمعنى صير فستأتي4، وإن كانت بمعنى أوجد كقوله تعالى:{وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} 5 أو بمعنى "أوجب"6 كقولهم: "جعلت للعامل كذا" أو بمعنى ألقى كقولهم "جعلت بعض "المتاع"7 على بعض"، تعدت إلى واحد، وإن كانت للشروع في الفعل فقد تقدمت في أفعال المقاربة.

ثم قال: "هب" بمعنى ظن ولا تستعمل إلا "بلفظ"8 الأمر كقوله:

فقلت أجرني أبا خالد

وإلا فهبني امرأ هالكا9

1 سورة يونس: 16.

2 أ، ج وفي ب "ليصيده".

3 سورة الزخرف: 19.

4 عند قول ابن مالك:

............ والتي كصيرا

أيضا انصب بها مبتدأ وخبرا

5 سورة الأنعام 1.

6 ب، ج وفي أ "وجب".

7 ب، ج وفي أ "متاعي".

8 ب، وفي أ، ج "بصيغة".

9 قائله: ابن همام السلولي، وهو من المتقارب.

الشرح: "أجرني" اتخذني لك جارا تدفع عنه وتحميه، هذا أصله ثم أريد منه لازم ذلك وهو الغياث والدفاع والحماية "أبا خالد" يروى مكانه "أبا مالك"، "هبني" أي: أعددني واحسبني.

المعنى: فقلت: أغثني يا أبا خالد، فإن لم تفعل فظن أني رجل من الهالكين.

الإعراب: "فقلت" فعل وفاعل، "أجرني" فعل أمر وفاعله ضمير مستتر فيه والنون للوقاية والياء مفعول، "أبا" منادى بحرف نداء محذوف، "مالك" مضاف إليه، "وإلا" إن شرطية مدغمة في لا النافية، وفعل الشرط محذوف يدل عليه ما قبله من الكلام وتقديره: وإن لا تفعل مثلا، "فهبني" الفاء واقعة في جواب الشرط هب فعل أمر وفاعله ضمير مستتر فيه والنون للوقاية والياء مفعول أول، "امرأ" مفعول ثان، "هالكا" نعت لامرئ. =

ص: 557

ثم قال: "تعلم" بمعنى اعلم، ولا تستعمل إلا بصيغة الأمر مثل "هب"، فإن كانت أمرا من تعلمت الحساب "ونحوه"1 تعدت إلى واحد وتصرفت ثم انتقل إلى القسم الثاني، وهو ما دل على تصيير فقال:

................. والتي كصيرا

أيضا بها انصب مبتدًا وخبرا

أي: والأفعال التي مثل "صير" وهو ما دل على تحويل كصير وأصار وجعل ورد واتخذ ووهب. حكى ابن الأعرابي: "وهبني الله فداك" أي: جعلني. ولا تستعمل إلا بصيغة الماضي.

ثم قال:

وخص بالتعليق والإلغاء ما

من قبل هب...............

تختص القلبية المتصرفة بالإلغاء والتعليق، ولا "حظ"2 لهب وتعلم في ذلك لعدم "تصريفهما"3، ولا لأفعال التصيير، إذ ليست قلبية. "ولذلك"4. قال:"ما من قبل هب".

وهي أحد عشر فعلا:

والإلغاء هو: ترك العمل لفظا ومعنى لغير مانع، والتعليق ترك العمل لفظا لا معنى لمانع.

= الشاهد: في "فهبني امرأ" فإن "هب" فيه بمعنى الظن وقد نصب به مفعولين أحدهما ياء المتكلم وثانيها "امرأ" والغالب على "هب" بهذا المعنى أن يتعدى إلى مفعولين صريحين كما في بيت الشاهد.

وهب بهذا المعنى فعل جامد لا يتصرف فلا يجيء منه ماض ولا مضارع، بل هو ملازم لصيغة الأمر، فإن كان من الهبة -وهي التفضل بما ينفع الموهوب له- كان متصرفا تام التصرف، قال تعالى:{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ} .

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص79، وابن هشام 1/ 300، والسندوبي، وداود، والأشموني 1/ 157، وابن هشام في المغني 2/ 152، وابن عقيل 1/ 245.

1 أ، ج وفي ب "وغيره".

2 أ، ج وفي ب "خص".

3 ج وفي ب "تصرفها" وفي أ "تصريفهما".

4 أ، ب وفي ج "ولهذا".

ص: 558

فالإلغاء جائز، والتعليق "لازم"1، والمعلق عامل في المحل بخلاف الملغى. تنبيه:

أما اختصاص هذه الأفعال القلبية بالإلغاء فلا إشكال فيه.

وأما التعليق فيشاركهن فيه مع الاستفهام غيرهن من أفعال القلوب نحو: "عرف ونظر وتفكر"، وكذلك "سأل وأبصر" وما بمعناهما.

وقوله:

....... والأمر هب قد ألزما

كذا تعلم.............

يعني: أنهما ألزما صيغة الأمر، فلا يستعمل بهما ماض ولا مضارع لعدم تصريفهما.

وقوله:

............. ولغير الماض من

سواهما اجعل كل ماله زكن

يعني: أن غير الماضي كالمضارع والأمر من سوى "هب وتعلم" يعمل عمل الماضي، فينصب المفعولين ويجوز فيه الإلغاء والتعليق ولهذا قال:"كل ماله زكن".

أي: كلما علم للماضي من الأحكام.

وقوله:

وجوز الإلغاء لا في الابتدا

فهم من قوله: "وجوز" أن الإلغاء ليس بواجب بل جائز، ولما كان جوازه مشروطا بتوسط الفعل أو تأخره قال:"لا في الابتدا" فشمل ثلاث صور:

الأولى: أن يتأخر عن المفعولين نحو: "زيد قائم ظننت" فهذه يجوز فيها الإلغاء والإعمال، والإلغاء أرجح.

الثانية: أن يتوسط بين المفعولين نحو: "زيد ظننت قائم" فهذه يجوز فيها الأمران على السواء. وقيل: الإعمال أرجح.

الثالثة: أن يتقدم على المفعولين ولا يبتدأ به بل يقدم عليه شيء نحو: "متى ظننت زيد فاضل" فهذه يجوز فيها الأمران، والإعمال أرجح، خلافا لمن منع الإلغاء.

1 أ، ج وفي ب "واجب".

ص: 559

فإن تقدم الفعل على المفعولين ولم يتقدمه شيء، فمذهب البصريين أنه يمتنع الإلغاء، وهو مفهوم قوله:"لا في الابتدا".

وذهب الكوفيون والأخفش إلى جوازه، لكن الإعمال عندهم أرجح، وقد أجازه في التسهيل بقبح1 وقال في شرحه: حكم سيبويه "بقبح"2 إلغاء المتقدم نحو: "ظننت زيد قائم" وبتقليل قبحه بعد معمول الخبر نحو: "متى ظننت زيد "قائم"؟ "3، وفي درجته الإلغاء في نحو "زيد أظن أبوه قائم".

ثم قال:

وانو ضمير الشان أو لام ابتدا

في موهم إلغاء ما تقدما

يعني: أنه إذا ورد ما يوهم الإلغاء للمتقدم نحو: "ظننت زيد قائم" وجب عند من منع إلغاءه تأويله على أحد تأويلين:

الأول: نية ضمير الشأن فيكون هو المفعول الأول والجملة بعده هي المفعول الثاني وعلى هذا يكون الفعل باقيا على عمله.

والثاني: نية لام الابتداء المعلقة، ويكون التقدير:"ظننت لزيد قائم"، والفعل على هذا معلق، وعلى هذا حمل سيبويه قوله:

....................................

وإخال أنِّي لاحق مستتبع4

1 التسهيل ص71.

2 أ، ج وفي ب "بفتح".

3 أ، ج وفي ب "قائما".

4 عجز بيت قائله: أبو ذؤيب الهذلي من قصيدة يرثي بها أولادا له خمسة ماتوا بالطاعون. وصدره:

فغبرت بعدهم بعيش ناصب

الشرح: "غبرت" -بالغين المعجمة- بمعنى لقيت، ومنه الغابرين، وروي مكانه "بقيت" و"ناصب" من النصب -بفتحتين- وهو التعب، "إخال" بكسر الهمزة على الأفصح بمعنى ظن "مستتبع" مستحق.

الإعراب: "فغبرت" فعل وفاعل، "بعدهم" ظرف زمان متعلق بالفعل، ومضاف إليه، "بعيش" متعلق بمحذوف في محل نصب من تاء الفاعل، "ناصب" صفة عيش مجرور مثله، "وإخال" مضارع مرفوع معلق عن العمل لفظا لوجود لام الابتداء بعده تقديرا، والفاعل مستتر وجوبا: أنا، "أني" حرف مشبه بالفعل والياء اسمه، "لاحق" خبره وفيه ضمير مستتر هو فاعله "مستتبع" خبر ثان لإن وهو أولى من جعله صفة للاحق وفيه ضمير مستتر تقديره أنا فاعله. على كونه اسم فاعل، ونائب فاعل على كونه اسم مفعول. وجملة أن واسمها وخبرها في محل نصب سدت مسد مفعولي "إخال".

الشاهد: في "وإخال أني لاحق" حيث علق الفعل "إخال" بلام الابتداء المضمرة، والأصل أني لاحق، فحذفت اللام بعد ما علقت "إخال" وبقي الكسر بعد حذفها كما كان مع وجودها فهو مما نسخ لفظه وبقي حكمه.

مواضعه: ذكره ابن هشام في مغني اللبيب 1/ 191، والسيوطي في همع الهوامع 1/ 153.

ص: 560

بالكسر على تقدير: أني للاحق.

ومن أجاز إلغاء المتقدم لم يحتج إلى تأويل ذلك.

قال في شرح التسهيل: وتقدير ضمير الشأن أو اللام المعلقة في نحو: "ظننت زيد قائم" أولى من الإلغاء. ا. هـ1.

ومن منع الإلغاء في نحو: "متى ظننت زيد قائم" حمل ما أوهم ذلك على أحد التأويلين أيضا كقوله:

.........................................

أني رأيت ملاك الشيمة الأدب2

ثم انتقل إلى التعليق فقال:

والتزم التعليق قبل نفي ما

1 التسهيل ص71.

2 عجز بيت: قال العيني: قائله بعض الفزاريين، ووقع في حماسة أبي تمام منصوب القافية "الأدبا".

وصدره:

كذاك أدبت حتى صار من خلقي

وهو من البسيط.

الشرح: "كذاك" الكاف اسم بمعنى مثل وهو الأحسن في مثل هذا التعبير واسم الإشارة يراد به مصدر الفعل المذكور، وتقدير الكلام: تأديبا مثل ذلك التأديب أدبت وذلك التأديب الذي عبر عنه في البيت السابق له وهو قوله:

أكنيه حين أناديه لأكرمه

ولا ألقبه والسوأة اللقب

"ملاك" بكسر الميم وفتحها بزنة كتاب قوام الشيء وما يجمعه، "الشيمة" بكسر الشين الخلق وجمعها شيم، ويروى مكان "رأيت""وجدت".

المعنى: أدبت أدبا مثل ذلك الأدب حتى صرت أعتقد أن رأس الأخلاق وقوام الفضائل هو الأدب.

الإعراب: "كذاك" جار ومجرور متعلق بمحذوف يقع مفعولا مطلقا لأدبت، والتقدير: تأديبا مثل هذا التأديب أدبت "أدبت" فعل ماض مبني للمجهول والتاء نائب فاعل =

ص: 561

فعلم من قوله "والتزم" أن التعليق لازم بخلاف الإلغاء.

ثم ذكر المعلقات وهي ستة: "ما" النافية، كقوله تعالى:{وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} 1.

"وإن" أختها كقوله تعالى: {وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلَا} 2 "ولا" النافية، ذكره النحاس، ومن أمثلة ابن السراج "أحسب لا يقوم زيد" ولم يعدها المغاربة من المعلقات.

"ولام" الابتداء. نحو: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ} 3 على أظهر الأوجه و"لام" القسم: نحو:

ولقد علمت لتأتين منيتي

إن المنايا لا تطيش سهامها4

= "حتى" ابتدائية، "صار" فعل ماض ناقص، "من خلقي" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر صار مقدم، "أني" حرف توكيد ونصب والياء اسمها، "رأيت" فعل وفاعل والجملة في محل رفع خبر أن وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر اسم صار، "ملاك" مبتدأ، "الشيمة" مضاف إليه، "الأدب" خبر المبتدأ.

الشاهد: في "رأيت ملاك الشيمة الأدب" فإن ظاهر أنه ألغى "رأيت" مع تقدمه لأنه لو أعمله لقال "رأيت ملاك الشيمة الأدباء" بنصب "ملاك" و"الأدب" على أنهما مفعولان ولكنه رفعهما فقال الكوفيون: هو على الإلغاء والإلغاء مع التقدم جوازه مع التوسط والتأخر، وقال البصريون: ليس كذلك، بل هو من باب التعليق ولام الابتداء مقدرة الدخول على "ملاك".

مواضعه: ذكره من شراح الألفية ابن الناظم ص81، وابن هشام 1/ 320، وابن عقيل 1/ 251، والمكودي ص47، والأشموني 1/ 160، والسيوطي ص43، وأيضا ذكره في الهمع 1/ 153.

1 سورة فصلت 48.

2 سورة الإسراء 52.

3 سورة البقرة 102.

4 هو للبيد بن ربيعة العامري من قصيدة طويلة من الكامل.

الشرح: "منيتي" المنية: الموت، وأصلها فعيلة بمعنى مفعولة من منى يمني بوزن رمى، ومعناه قدر، ولحقتها التاء لأنها قد صارت اسما، "لا تطيش" لا تخيب بل تصيب المرمى دائما، "سهامها" السهام: جمع سهم.

المعنى: إني موقن أنني سألاقي الموت حتما، لأن الموت نازل بكل إنسان لا يفلت منه أحد أبدا.

الإعراب: "ولقد" اللام موطئة للقسم، قد حرف تحقيق، "علمت" فعل ماض وفاعل =

ص: 562

ولم يعد بعضهم لام القسم والاستفهام بالحرف نحو: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} 1 وبالاسم نحو: {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا} 2.

والمضاف إلى اسم الاستفهام مثله في ذلك نحو: "علمت غلام أيهم عندك"3.

واعلم أن الجملة بعد المعلق في موضع نصب؛ لأنه عامل في المعنى.

فإن قلت: ما معنى تعلق العلم بالاستفهام في نحو: "علمت أزيد عندك أم عمرو؟ ".

قلت: هذا كلام صورته الاستفهام، وليس المراد به الاستفهام؛ لأنه مستحيل الاستفهام عما أخبر أنه يعلمه، وإنما المعنى علمت الذي هو عندك من هذين الرجلين.

= "لتأتين" اللام واقعة في جواب القسم وتأتي فعل مضارع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، "منيتي" فاعل مرفوع بضمة مقدرة على ما قبل ياء المتكلم، وياء المتكلم مضاف إليه، والجملة لا محل لها من الإعراب جواب القسم، "إن" حرف توكيد ونصب، "المنايا" اسم إن منصوب بفتحة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر، "لا" حرف نفي، "تطيش" فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، "سهامها" فاعل وضمير الغائبة مضاف إليه والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر إن.

الشاهد: في "علمت لتأتيني منيتي" على أن لام الابتداء علقت علمت عن العمل أي منعته من الاتصال بما بعده والعمل في لفظه؛ لأن ما له صدر الكلام لا يصح أن يعمل ما قبله فيما بعده.

مواضعه: ذكره من شراح الألفية ابن الناظم ص82، والمكودي ص47، والسيوطي ص44، وأيضا ذكره في همع الهوامع 1/ 154، وابن هشام 2/ 1543، وأيضا ذكره في مغني اللبيب 2/ 57، وقطر الندى ص325، وشذور الذهب ص279، والأشموني في شرحه للألفية 1/ 161، والشاهد رقم 716 من خزانة الأدب، وسيبويه ج1 ص456.

1 سورة الأنبياء 109.

2 سورة طه 71.

3 "من المعلقات أيضا لعل نحو: "وإن أدري لعله فتنة لكم" ذكر ذلك أبو علي في التذكرة، ولو الشرطية كقوله:

وقد علم الأقوام لو أن خاتما

أراد ثراء المال كان له وفر

وإن التي في خبرها اللام نحو: "علمت إن زيدا لقائم" ذكر ذلك جماعة من المغاربة

". ا. هـ. أشموني 1/ 161.

ص: 563

قال سيبويه1 ما نصه: "كما أنك إذا قلت: قد علمت أزيد ثم أم عمرو وأردت أن تخبر أنك قد علمت أيهما ثم". ا. هـ.

وحكى الشلوبين عن بعض المتأخرين: أن هذا الكلام على حذف مضاف، وأن المراد علمت جواب هذا الكلام، وكان يفتي به ويراه في بعض أقرائه.

واعلم أن كلام العرب ثلاثة أقسام:

الأول: مطابقة اللفظ للمعنى وهو الأكثر.

والثاني: غلبة اللفظ للمعنى نحو: "أظن أن تقوم" أجمعوا على جوازه، ومنع الأكثر "أظن قيامك" والمعنى واحد، لاشتمال "أن تقوم" على المسند والمسند إليه بخلاف "قيامك".

والثالث: غلبة المعنى للفظ نحو مسألتنا، وغلب فيها جانب المعنى وإن كان اللفظ استفهاما.

وقوله:

لعلم عرفان وظن تهمه

تعدية لواحد ملتزمه

الأصل في "علم" تعلقها بالنسب الخبرية وهي المتعدية إلى مفعولين، وقد ترد بمعنى العرفان متعلقة بالمفرد فتتعدى إلى واحد، كقوله تعالى:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} 2.

وأما "ظن" فإن كانت للتردد في وقوع الخبر فهي المتعدية إلى "اثنين"3، وكذلك إن استعملت لليقين، وإن كانت للتهمة تعدت إلى واحد كقولك:"ظننت زيدا على المال" أي: اتهمته، ومنه:{وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} 4.

فإن قلت: قد ترد "علم"5 لازمة إذا كانت من العلمة6 ولم ينبه على ذلك.

1 ج1 ص120.

2 سورة النحل 78.

3 أ، ج وفي ب "مفعولين".

4 سورة التكوير 24.

5 ب، ج وفي أ "علمة".

6 إذا انشقت شفته العليا.

ص: 564

قلت: قد أخرجه بقوله أول الباب: "انصب بفعل القلب"، وبقوله هنا:"لعلم عرفان".

فإن قلت: كان ينبغي أن يقيد سائر أفعال الباب كما قيد علم وظن.

قلت: لما كان الأصل "علم وظن" فإن غيرهما لا يعمل حتى يكون بمعناهما اكتفى بتقييدهما.

وأيضا فقد خرج من قوله: "انصب بفعل القلب" نحو: "رأى" بمعنى أبصر أو أصاب الرئة.

وحسب بمعنى صار أحسب وغير ذلك مما يدل على معنى غير قلبي.

ثم قال:

ولرأى الرؤيا انم ما لعلما

طالب مفعولين من قبل انتمى

الرؤيا مصدر رأى الحلمية، فقيد الفعل بإضافته إلى مصدره.

يعني: "أن "رأى" الحلمية تتعدى إلى مفعولين كعلم لكونها مثلها في أنها إدراك بالحس الباطن ومنه: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} 1 خلافا لمن منع تعديها إلى اثنين، وجعل ثاني المنصوبين حالا ويرده وقوعه معرفة في قوله:

أراهم رفقتي حتى إذا ما

تجافى الليل وانخزل انخزالا2

1 سورة يوسف 36.

2 هو لعمرو بن أحمر الباهلي، من قصيدة يذكر فيها جماعة من قومه فارقوه ولحقوا بالشام فصار يراهم مناما، وهو من الوافر.

الشرح: "رفقتي" بكسر الراء جمع رفيق، والرفقة: الجماعة ينزلون جملة ويرتحلون جملة، "تجافى" انطوى وارتفع، "انخزل" انقطع من الخزل وهو القطع، ومادته خاء وزاي معجمتان ولام.

"تجافى الليل وانخزل انخزالا" كنايتان عن الظهور وبيان ما كان بهما من أمر هؤلاء.

المعنى: أرى هؤلاء مجتمعين معي مناما، حتى إذا زال الليل واستيقظت لا أرى شيئا.

الإعراب: "أراهم" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنا، والضمير مفعول أول، "رفقتي" مفعول ثان، "حتى" ابتدائية، "إذا" ظرفية، "ما" زائدة، "تجافى" فعل ماض، "الليل" فاعل، "وانخزل" عطف على تجافى، "انخزالا" منصوب على المصدرية.

الشاهد: في "أراهم رفقتي" حيث أعمل "أرى" -من الرؤيا- من مفعولين أحدهما الضمير المتصل به والثاني قوله: "رفقتي" ورأى بمعنى علم.

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص83، وابن هشام 1/ 309، وابن عقيل 1/ 254، والسندوبي، والمكودي ص48، والأشموني 1/ 163، والسيوطي في الهمع 1/ 150.

ص: 565

وإنما قيد علم بقوله: "طالب مفعولين" لئلا يعتقد أنه أحال على علم العرفانية ويقال: "نميت الرجال إلى أبيه نميا" نسبته، "وانتمى" هو انتسب.

قيل: وليس قوله: "رأى الرؤيا" بنص على المراد؛ لأن الرؤيا تستعمل مصدر لرأى مطلقا حلمية كانت أو يقظية، ولكن المشهور استعمالها مصدرا للحلمية1.

ثم قال:

ولا تجز هنا بلا دليل

سقوط مفعولين أو مفعول

الحذف "هنا"2 ضربان: اختصار، واقتصار؛ فالاختصار: حذف لدليل، والاقتصار: حذف لغير دليل.

فأما حذف مفعولي هذا الباب، أو حذف أحدهما اختصارا فهو جائز.

فمن حذفهما اختصارا قول الكميت:

بأي كتاب أم بأية سنة

ترى حبهم عارا عليّ وتحسب3

1 راجع الأشموني 1/ 163.

2 ب، ج.

3 هو للكميت بن زيد الأسدي، من قصيدة هاشمية يمدح فيها آل الرسول صلى الله عليه وسلم وهو من الطويل.

الشرح: "ترى حبهم" رأى ههنا من الرأي بمعنى الاعتقاد، مثل أن تقول رأي أبو حنيفة حل كذا، ويمكن أن تكون رأي العلمية بشيء من التكلف "عارا" العار: كل خصلة يلحقك بسببها عيب ومذمة "تحسب" أي: تظن، من الحسبان.

المعنى: يا من تعيب على حب أهل البيت، على أي كتاب تستند؟ أم بأية سنة تسترشد في ذلك.

الإعراب: "بأي" جار ومجرور متعلق بترى، "كتاب" مضاف إليه، "أم" عاطفة، "بأية" جار ومجرور معطوف على الأول، "سنة" مضاف إليه، "ترى" فعل مضارع وفاعله مستتر فيه، "حبهم" مفعول أول وهم مضاف إليه، "عارا" مفعول ثان، "على" جار ومجرور متعلق بعار، "وتحسب" فعل مضارع وفاعله مستتر فيه، ومفعولاه محذوفان يدل عليهما الكلام السابق، والتقدير وتحسب حبهم عارا عليَّ.

الشاهد: في "تحسب" حيث حذف المفعولين لدلالة سابق الكلام عليهما، والتقدير: تحسب حبهم عارا عليَّ.

مواضعه: ذكره من شراح الألفية ابن هشام 1/ 323، وابن عقيل 1/ 254، والأشموني 1/ 164، والسندوبي، وداود، والمكودي ص48، وذكره السيوطي في همع الهوامع 1/ 152.

ص: 566

ومن حذف الأول اختصارا، قوله تعالى:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا} 1 أي: ما يبخلون به هو خيرا لهم.

ومن حذف الثاني اختصارا قول عنترة:

ولقد نزلت فلا تظني غيره

مني بمنزلة المحب المكرم2

أي: فلا تظني غيره واقعا "مني"3.

ومنع ابن ملكون4 "شيخ الشلوبين"5 حذف أحدهما اختصارا6 وليس بصحيح7.

1 آل عمران 180.

2 قائله: عنترة بن شداد العبسي من معلقته المشهورة، وهو من الكامل.

الشرح: "المحب" بفتح الحاء، بمعنى المحبوب، اسم مفعول من أحب، وهو القياس، ولكنه قليل في الاستعمال، والأكثر أن يقال اسم المفعول محبوب أو حبيب، مع أنهم هجروا الفعل الثلاثي، "المكرم" على صيغة المفعول من الإكرام.

المعنى: والله لقد نزلت أيتها المحبوبة مني منزلة الشيء المحبوب المكرم فلا تظني غير ذلك واقعًا.

الإعراب: "ولقد" الواو للقسم واللام للتأكيد وقد حرف تحقيق، "نزلت" فعل وفاعل، "فلا" ناهية، "تظني" فعل مضارع مجزوم بحذف النون وياء المخاطبة فاعل، "غيره" مفعول أول والمفعول الثاني محذوف، "مني" جار ومجرور متعلق بقوله "نزلت"، "بمنزلة" مثله، "المحب" مضاف إليه، "المكرم" صفة له.

الشاهد: في "فلا تظني غيره" حيث حذف المفعول الثاني اختصارًا، والتقدير فلا تظني غيره واقعًا وهو جائز عند جمهور النحاة خلافا لابن ملكون.

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن هشام 1/ 324، ابن عقيل 1/ 255، والأشموني 1/ 164، المكودي ص48، والسندوبي، والسيوطي ص44، وأيضا ذكره في همع الهوامع ج1 ص152، وداود، وخزانة الأدب الشاهد 200 والخصائص 2/ 116.

3 ب، ج.

4 هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن ملكون الخضرمي الإشبيلي، قال ابن الزبير: أستاذ نحوي جليل، روى عن أبي الحسن شريح وأبي مروان بن محمد، وروى عنه ابن خروف والشلوبين، وألف شرح الحماسة، والنكت على تبصرة الصيمري، وغير ذلك، مات سنة أربع وثمانين وخمسمائة من الهجرة.

5 أ.

6 قياسا على باب كان.

7 جواز الحذف هو رأي جمهور النحويين -وهو الرأي السديد- واستدلوا على رأيهم بأمرين: الأول: هو رد على ابن ملكون أن مرفوع كان كالفاعل وخبرها كالحدث فلذلك امتنع الحذف هناك، الثاني: ورود السماع. ا. هـ. السيوطي 1/ 152 بتصرف.

ص: 567

وأما حذف أحدهما اقتصارا فلا يجوز؛ لأن أصلهما مبتدأ وخبر.

واختلف في حذفهما معا اقتصارا على مذاهب المنع1 والجواز به قال الأكثر2، والجواز3 في "ظننت"، وما في معناها، والمنع في "علمت"، وما في معناها، وهو مذهب الأعلم.

والجواز4 إن وجدت فائدة كقولهم: "من يسمع يخل"5 فلو لم يقارن الحذف قرينة تحصل بسببها فائدة لم يجز، كاقتصارك على "أظن" إذ لا يخلو الإنسان من ظن ما ولا من علم وهذا اختيار المصنف في غير هذا الكتاب ونسبه إلى سيبويه والمحققين ممن يدرى كلامه كابن خروف وابن طاهر6 والشلوبين وظاهر كلامه هنا إطلاق المنع.

ثم قال:

وكتظن اجعل تقول إن ولي

مستفهما به ولم ينفصل

اعلم أن القول وفروعه مما يتعدى إلى مفعول واحد، ومفعوله له إما مفرد وهو نوعان: مفرد معناه جملة نحو: "قلت شعرا"، ومراد به مجرد اللفظ7 نحو:

1 وعليه الأخفش والجرمي ونسبه ابن مالك لسيبويه والمحققين، لعدم الفائدة إذ لا يخلو الإنسان من ظن ما وعلم ما وإليه أميل. ا. هـ. همع.

2 وعليه أكثر النحويين، وصححه ابن عصفور لقوله تعالى:{أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى} أي: يعلم. ا. هـ. همع.

3 مذهب الأعلم واستدل بحصول الفائدة في الأول دون الثاني والإنسان قد يخلو من الظن ولا يخلو من علم. ا. هـ. همع 1/ 152.

4 عليه أبو العلاء بن إدريس.

5 أي: يظن مسموعه حقا وجعله بعضهم من الحذف لدليل، لدلالة يسمع على الأول وحالة التخاطب على الثاني، وورد في مجمع الأمثال للميداني رقم 4012، والمعنى من يسمع أخبار الناس ومعايبهم يقع في نفسه عليهم المكروه. ا. هـ.

6 وهو محمد بن أحمد بن طاهر الأنصاري الإشبيلي، قال ابن الزبير: نحوي، مشهور، حافظ، بارع، اشتهر بتدريس الكتاب فما دونه، وله على الكتاب طرر مدونة مشهورة اعتمدها تلميذه ابن خروف في شرحه وكان يرحل إليه في العربية موصوفا فيها بالحذق والنبل، وكان من حذاق النحويين وأئمة المتأخرين وولد في أشبيلية ومات في عشر الثمانين وخمسمائة.

7 أي مفردا يراد به مجرد اللفظ.

ص: 568

{يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} 1 أي: يطلق عليه هذا الاسم، ولو كان يقال:"مبنيا للفاعل"2 لنصب إبراهيم، خلافا لمن منع هذا النوع، وممن أجازه ابن خروف وصاحب الكشاف3.

وإما جملة فيحكى به ويكون في موضع مفعوله، وقد يجري مجرى الظن فينصب المبتدأ والخبر مفعولين بشروط أربعة عند أكثر العرب:

الأول: أن يكون بلفظ المضارع، والثاني: أن يكون مصدرا بتاء الخطاب.

والثالث: أن يكون بعد استفهام، والرابع: ألا يفصل بينه وبين الاستفهام بغير ثلاثة أشياء: بينها بقوله:

بغير ظرف أو كظرف أو عمل

فالظرف نحو: "أعندك" تقول: زيدا "قائما"4 وشبه الظرف هو المجرور نحو: "أفي الدار تقول: عمرا جالسا".

والعمل: هو المعمول، ونعني به: أحد المفعولين كقوله:

أجهالا تقول بني لؤي5

...........................

فالفصل بهذه الثلاثة مغتفر، ولهذا قال:

وإن ببعض ذي فصلت يحتمل

فإن فقد شرط من هذه الشروط تعينت الحكاية.

فإن قلت: لم ينص على الشرطين الأولين.

1 سورة الأنبياء: 60.

2 أ، ب وفي ج "مسمى الفاعل".

3 هو الزمخشري وتقدمت ترجمته.

4 أ، وفي ب، ج "مقيما".

5 صدر بيت، قائله: الكميت بن زيد الأسدي من قصيدة يمدح فيها مضر ويفضلهم على أهل اليمن.

وعجزه:

لعمرو أبيك أم متجاهلينا

من الوافر.

الشرح: "أجهالا" بضم الجيم وتشديد الهاء جمع جاهل ويروى مكانه "أنواما" جمع نائم. "تقول" بمعنى تظن، "بني لؤي" أراد بهم قريشا، ولؤي: من أجداد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو تصغير "لأي" وهو الثور الوحشي، "لعمر أبيك" قسم ويمين، "متجاهلينا" المتجاهل: الذي يتصنع الجهل ويتكلفه وليس به جهل، والذين رووا في صدر البيت "أنواما" يروون ههنا "متناومين"، والمتناوم: الذي يتصنع النوم.

المعنى: أتظن قريشا جاهلين حين استعملوا في ولاياتهم اليمنيين وآثروهم على المضريين؟ أم تظنهم عالمين بحقيقة الأمر مقدرين سوء النتائج غير غافلين عما ينبغي العمل به، ولكنهم يتصنعون الجهل ويتكلفون الغفلة لمآرب لهم في أنفسهم؟ =

ص: 569

قلت: نبه عليهما بالمثال.

وزاد السُّهيلي: شرطا آخره، وهو ألا يتعدى باللام نحو:"أتقول لزيد عمرو منطلق" فتتحتم الحكاية.

وزاد في التسهيل: أن يكون حاضرا1 وفي شرحه بأن يكون مقصودا به الحال "فعلى هذا لا ينصب مقصودا به المستقبل"2، ولم يشترط غيره وفيه نظر.

فإن قلت: إعمال القول "عمل الظن"3 بالشروط المذكورة واجب أم جائز؟ قلت: بل جائز والحكاية جائزة.

فإن قلت: إذا عمل القول عمل الظن "فهل"4 هو باق على معناه أو صار بمعنى الظن؟

قلت: فيه خلاف، والظاهر أنه مضمن معنى الظن.

ثم قال:

وأجري القول كظن مطلقا

عند سليم نحو قل ذا مشفقا

لغة سليم إجراء القول مجرى الظن في العمل مطلقا، أي بلا شرط من الشروط المذكورة، حكاها سيبويه5 فيقولون:"قلت زيدا قائما وقل ذا مشفقا".

= الإعراب: "أجهالا" الهمزة للاستفهام جهالا مفعول ثان مقدم، "تقول" فعل مضارع وفاعله ضمير مستتر فيه، "بني" مفعول أول، "لؤي" مضاف إليه، "لعمر" اللام لام الابتداء "عمر" مبتدأ والخبر محذوف، "أبيك" مضاف إليه والكاف مضاف إليه، "أم" عاطفة "متجاهلينا" معطوف على قوله "جهالا".

الشاهد: في "أجهالا تقول بني لؤي" حيث أعمل تقول عمل "تظن" فنصب مفعولين: أحدهما "جهالا" والثاني "بني لؤي" مع أنه فصل بين أداة الاستفهام وهي الهمزة والفعل، بفاصل وهو "جهالا" وهذا الفصل لا يمنع الإعمال؛ لأنه معمول الفعل.

مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص84، وابن هشام 1/ 231، وابن عقيل 1/ 258، والأشموني 1/ 164، وداود، والمكودي 48، والسندوبي، والأصطهناوي، والسيوطي ص45، وذكره في الهمع 1/ 157، والشاهد رقم 716، من خزانة الأدب، وسيبويه ج1 ص63.

1 التسهيل ص74.

2 أ، ج.

3 ب، ج.

4 أ، ب وفي ج "فهو".

5 قال سيبويه ج1 ص63: "وزعم أبو الخطاب وسألته عنه غير مرة أن ناسا من العرب يوثق بعربيتهم وهم بنو سليم يجعلون باب قلت أجمع مثل ظننت". ا. هـ.

ص: 570