الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
المرادي المعروف بابن أم قاسم:
نسبه:
هو الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ أبو محمد بدر الدين المعروف بابن أم قاسم المرادي المصري المولد المغربي المحتد الفقيه المالكي النحوي اللغوي1.
مولده:
لم أر مؤرخا تعرض لتاريخ ميلاده، وهذا شأن بعض العلماء حيث لم يعثروا له على تاريخ يحدد مولده.
ولكن ذكر السيوطي أنه "ولد بمصر"2، وغيره: المصري المولد3.
تسميته بابن أم قاسم:
نسبة إلى جدته من أبيه كانت تعيش في بلاد المغرب في مدينة أسفى الساحلية الواقعة على المحيط الأطلنطي في المغرب، ولكن شاءت الأقدار أن ينتقل ولدها إلى مصر فصحبته، وكانت هذه المرأة على جانب كبير من الخلق والتدين والصلاح، فالتف الناس حولها وأجلوها وأكرموها واحترموها، ووضعوها في مكان يليق بها فخارا وإكبارا.
وكان اسمها زهراء، ولاعتقادهم فيها حينما وفدت من المغرب سموها بالشيخة.
فلما ولد الحسن المرادي في مصر وشب، وكان أكثر الناس التفافا بجدته، وكان أكثر حبا وتقربا وملازمة لها، لقبوه بها وقرنوا اسمها باسمه، فصار اسمها عنوانا عليه وشهرته تابعة لها يعرف ويتميز به عن غيره.
1 راجع: بغية الوعاة للسيوطي ص226، وحسن المحاضرة ص230، وطبقات القراء لابن الجزري ج1 ص227، والدرر الكامنة ج2 ص16 رقم 1546، وشذرات الذهب ج6 ص160، وروضات الجنات ص225.
2 راجع: حسن المحاضرة للسيوطي ص230.
3 راجع: طبقات القراء ج1 ص227، وشذرات الذهب ج6 ص160، وروضات الجنات ص225.
"المعروف بابن أم قاسم وهي جدته أم أبيه واسمها زهراء، وكانت أول ما جاءت من المغرب عرفت بالشيخة فكانت شهرته تابعة لها". ا. هـ1.
وقيل: إن هذه المرأة ليست جدته، إنما هي امرأة من بيت العز والسلطان والملك أحبت الحسن لخلقه وتقواه وحسن معاملته منذ صغره، وتبنته وادعت أنه ابنها واشتهر بذلك اسمه باسمها.
"الشهير بابن أم قاسم لامرأة تبنته تدعى أم قاسم من بيت السلطان". ا. هـ2.
تسميته بالمرادي:
باطلاعي على كتب المؤرخين لم أعثر على سبب تسميته بالمرادي، ولعل المؤرخين لم يهتموا بهذه التسمية فأهملوا سببها.
وأقول: ربما يكون نسبة إلى قبيلة مراد باليمن أو نسبة إلى جد له يسمى المرادي.
علمه:
ابن أم قاسم النحوي:
هو اللغوي التصريفي البارع، كان ابن أم قاسم في النحو نابغة من نوابغه، أغرم به منذ صغره، وشغف بالتدوين والتصنيف.
فهو الإمام الذي خدم هذا الفن أكثر عمره واشتهر اسمه وطار صيته، حيث كان الحاجة في هذا العصر أدعى إلى نشاط حركتي التدوين والتصنيف، فبرزت شخصيته النحوية بروزا لا نظير له، وانكب وسهر الليالي على كتب السابقين فتأثر بهم، وأخذ ما حلي له من اليواقيت النحوية وأزهاره الباسمة، فكانت نتيجة اطلاعه على آراء السابقين ومصنفاتهم، أنه أصبح علما من الأعلام القادرين على
1 راجع: بغية الوعاة ص226، والدرر الكامنة ج2 ص116، رقم 1546، وشذرات الذهب ج6 ص160، وروضات الجنات ص225.
2 راجع: الدرر الكامنة لابن حجر ج2 ص116 رقم 1546.
تخطي الصعاب، والبروز إلى الوجود في ثوب قشيب يحقق للنحو كل آماله وأمانيه.
فنراه في كتبه نقل عن السابقين واهتم برأيهم واعتمد عليهم وناقش رأيهم في بعض المسائل، وليس هذا فحسب، بل إنه تتلمذ على رجال عظام من أئمة النحو وكبرائهم أمثال أبي عبد الله الطنجي، والسراج الدمنهوري وأبي زكريا الغماري، والشيخ أبي حيان.
"وأخذ العربية عن أبي عبد الله الطنجي والسراج الدمنهوري وأبي زكريا الغماري وأبي حيان". ا. هـ1.
فهؤلاء كانت لهم اليد الطولى على ابن أم قاسم حيث نبغ وتقدم واشتهر في فن النحو فتأثر واقتدى بهم وسار على طريقهم.
ولكن بالبحث رأيت أنه لم ينقل في كتبه عن شيوخه إلا عن شيخه أبي حيان. وأعلل ذلك بأنه كان من أفاضل الشيوخ وكان آخرهم، وأكثر ملازمة له "عن جماعة آخرهم أبو حيان". ا. هـ2.
وهكذا كان شأن ابن أم قاسم يتقلب هنا وهناك لينال الحظ الوفير من اللسان العربي القديم، وأغلب الظن أنه كان في منطقة شمال القاهرة حيث دفن هناك.
وفعلا أصبح نحويا بارعا نال إعجاب الجميع، وكان من أكابر عصره، نهل الكثير من مؤلفاته التي لا ينضب معينها سواء كانوا في عصره أم بعده، وجميع مؤلفاته مصادر وثيقة لدى النحاة، ولقوة حرصه على تعلم النحو خرجت كتبه إلى الوجود مزهوة بنفسها بما فيه من معان فياضة وآراء سديدة، فلذلك كثر الناقلون عنه.
"ورأيت بخط العلامة شهاب الدين الأبذي ما صورته: قال محمد بن أحمد
1 راجع: بغية الوعاة ص226، حسن المحاضرة للسيوطي 230، وطبقات القراء ج1 ص227، والدرر الكامنة ج2 ص116 رقم 1546، شذرات الذهب ج6 ص160، روضات الجنات ص225.
2 راجع طبقات القراء لابن الجزري ج1 ص227 رقم 1038.
ابن حيدر الأنصاري معرفا للشيخ المرادي أنه شرح الجزولية والكافية الشافية والتسهيل، والفصول لابن معط، والحاجبية النحوية والعروضية
…
". ا. هـ1.
ابن أم قاسم الفقيه:
لم يكن المرادي حبيس فن واحد فقد كان مع ذلك فقيها في المذهب المالكي. درس الفقه وأتقنه، ونبغ فيه حتى صار إليه ناس للفتيا يعتدون برأيه، ويأتمرون بقوله، حتى إنه كان يجلس في بعض الأمكنة لمنح الناس درسه، والانتفاع به في أحكام الشريعة، وذلك لأنه تلقى عن علم من أعلام المذهب المالكي وهو الشرف المغيلي المالكي، فبث فيه روحه ولقنه أحكام الفقه وشرائعه.
"والفقه عن الشيخ شرف الدين المغيلي الملاكي". ا. هـ2.
فلم يلبث ابن أم قاسم أن بث روح الشريعة بين جلسائه ومستمعيه في أماكن خاصة فاستفاد منه الجميع وانتفعوا به.
ولكن لم يثبت أن ألف كتبا في الفقه المالكي.
ابن أم قاسم الأصولي:
لم يكتف ابن أم قاسم بالنحو والفقه المالكي بل نبغ أيضا في علم الأصول، فكان أصوليا ماهرا متينا فيه مجيدا، فكان لا يضن بعلمه ولا يبخل به على أحد.
هذا أدبه وعادته؛ لأنه كان تقيا ورعا محبا للخير للناس عامة، وذلك أنه تلقى على شيخ من شيوخ الأصول، وهو الشيخ شمس الدين بن اللبان.
"والأصول عن الشيخ شمس الدين بن اللبان". ا. هـ3.
1راجع: الدرر الكامنة لابن حجر ج2 ص116 رقم 1546.
2 راجع: بغية الوعاة للسيوطي ص226، وطبقات القراء لابن الجزري ج1 ص227، والدرر الكامنة ج2 ص116 رقم 1546، وشذرات الذهب ج6 ص160، وروضات الجنات ص225.
3 راجع: بغية الوعاة للسيوطي ص226، وطبقات القراء لابن الجزري ج1 ص227، الدرر الكامنة ج2 ص116 رقم 1546، وشذرات الذهب ج6 ص160، وروضات الجنات ص225.
ومع تفوقه لم يرد أنه صنف في علم الأصول، فهو كغيره من العلماء يتناولون جميع الفنون وينبغون في فن ويشتهرون به.
ابن أم قاسم المقرئ:
وأيضا نبغ ابن أم قاسم في القراءات، وتفنن فيها وتبحر وأجاد، وكان له مجلس يفد إليه الكثير لتعلم القراءات والاقتداء به، كما اقتدى هو بعلم من أعلام القراء الذي اتبع طريقه واهتدى بهديه، وهو الشيخ مجد الدين إسماعيل.
"قرأ القراءات على العلامة مجد الدين إسماعيل ابن الشيخ تاج الدين محمد البناكتي". ا. هـ1.
وثبت أنه ألف كتابا صغير الحجم، في وقف حمزة على الهمز في مصنف وذكر فيه احتمالات أكثرها لا يصح
…
". ا. هـ2.
وأخيرا:
كان مجيدا في تصنيفه متفننا فيه "وصنف وتفنن وأجاد". ا. هـ3.
ورأيت أن الأيدي لم تمتد إلى تحقيق مخطوطاته القيمة إلا في هذه الآونة، مع قوتها واتساع مداركها وتزويدها بالمعلومات الهامة.
فمد البعض يده إلى تحقيق الجنى الداني في حروف المعاني، والآخر إلى شرح التسهيل.
وبعون الله سأعمل على تحقيق شرحه لألفية ابن مالك.
خلقه: كان ابن أم قاسم على خلق كبير صالحا متدينا تقيا ورعا يخاف الله
1 راجع طبقات القراء لابن الجزري ج1 ص227 رقم 1038.
2 راجع طبقات القراء لابن الجزري ج1 ص227 رقم 1038.
3 راجع: بغية الوعاة للسيوطي ص226، وطبقات القراء لابن الجزري ج1 ص227، والدرر الكامنة ج2 ص16، رقم 1546، وشذرات الذهب ج6 ص160، وروضات الجنات ص225.
ويخشاه، كثير المروءة والتواضع غير مزاحم على المناصب، فقد وصل إلى ما وصل إليه من العلم والإجادة فيه دون أن يرتقي منصبا من المناصب.
وكان متعبدا حسن الشمائل كثير المحاسن، عظيم الوقار والسكينة محمود السيرة جليل القدر ظاهر الخشوع كثير القناعة معظما عند الخاصة والعامة، حسن العشرة رحب الصدر، متقربا إلى الله عز وجل وليا من أوليائه يكثر من قراءة القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان تقيا صالحا". ا. هـ1.
رؤيته للنبي صلى الله عليه وسلم:
وكان دائما يجالس الناس ويحاضرهم في مسجد مصر القديمة وكانت له كرامات ظهرت على وجه البسيطة، فلقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه يحثه ويحضه على عمل الخير لرغبة الناس فيه وقربهم منه.
"وله كرامات كثيرة منها أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال له: يا حسن اجلس. نفع الناس بمكان المحراب بجامع مصر العتيق بجوار المصحف". ا. هـ2.
أسرة المرادي المعروف بابن أم قاسم:
ما وصل إلين من كتب المؤرخين من أخبار هذه الأسرة لا يعدو مجرد إشارات عابرة، ولم يثبت أن المرادي حدثنا في هذا الشأن بما يضيء جوانبه ويظهر معالمه، ومن ثم لا نعرف ما إذا كان المرادي تزوج وأنجب أم لا.
وكان ما انتهى إليه من حديث آبائه وأجداده، ما قيل عن جدته كما سبق "المعروف بابن أم قاسم وهي جدته من أبيه، واسمها زهراء، وكانت أول ما جاءت من المغرب عرفت بالشيخة
…
". ا. هـ.
شخصية المرادي:
أعني بالشخصية هنا ما يمتاز به ابن أم قاسم من صفاته الخلقية والجسمية؛ أما الخلقية فقد ذكرتها.
1 شذرات الذهب ج6 ص160، روضات الجنات ص225.
2 الدرر الكامنة لابن حجر 2/ 116 رقم 1546 تحقيق الأستاذ محمد سيد جاد الحق.
وأما الجسمية: فلم يرد في كتب المؤرخين ما يصور لنا هذه الصفة.
وكنت أود وأتمنى أن أقدم صورة واضحة لأسرة المرادي وبيئته التي عاش فيها وأن أظفر بالنصوص التي تعطينا ملامح وشخصية المرادي، ولكن لم يرد من ذلك شيء حتى يفسح الطريق لرسم صورته.
ويبدو أن هذا الأمر لم يكن يشغل بال الأقدمين من المؤرخين، وربما كان الحديث عن خاصة أسرته وبيئته يعد عندهم من لغو القول.
ففات بذلك علينا أشياء ثمينة لها أثرها الفعال في تحقيق شخصيته.
أما شخصيته العلمية: فتنصب في مؤلفاته وشروحه التي ركن إليها المتأخرون ونهلوا من معينها واستندوا على أقواله واعتدوا بآرائه ونقلوها عنه.
فهذا يدل على سعة مداركه وشخصيته العلمية الهامة التي تمثلت في هذه المؤلفات.