الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلم:
اسم يعين المسمى مطلقا
…
علمه............................
قوله: "اسم" جنس، "ويعين المسمى" مخرج للنكرات، "ومطلقا" مخرج لما سوى العلم من المعارف. فإن العلم يعين مسماه بمجرد الوضع أو بالغلبة لا بقرينة، بخلاف غيره من المعارف، فإنه لا يعينه إلا بقرينة، إما لفظية "كأل" أو معنوية كالحضور والغيبة "في أنت وهو".
وحد أبو عصفور العلم بقوله: الاسم الذي علق في أول أحواله على شيء1 بعينه في جميع أحواله من غيبة وخطاب وتكلم.
فإن قلت: العلم ضربان: شخصي وجنسي.
أما الشخصي: فلا إشكال في صدق هذا التعريف عليه.
وأما الجنسي: فلا يصدق عليه هذا التعريف لأنه "لم يعين مسماه إذ هو"2 في المعنى شائع كاسم الجنس النكرة ولكنه جرى مجرى العلم الشخصي في الأحكام اللفظية.
قلت: "التحقيق"3 أن العلم الجنسي ليس كاسم الجنس في المعنى، بل هو معين لمسماه، فالتعريف صادق عليه، وسيأتي بيان هذا.
واعلم أن العلم الشخصي لا يختص بأولى العلم، بل يوضع لما يحتاج إلى تعيينه من المألوفات، فذلك نوع أمثلته "كجعفر"4 علم رجل "خرنقا" علم امرأة5 "وقرن" علم قبيلة وإليها ينسب أويس القرني6 "وعدن" علم بلد، "ولاحق" علم فرس7 "وشدقم" علم جمل8 "وهيلة" علم شاة9 "وواشق" علم كلب.
1 أ، ج وفي ب "وذلك في المضمرات والحضور في اسم الإشارة بخلاف العلم، فإنه".
2 ب، ج.
3 أ، ج.
4 علم لرجل مخصوص منقول عن اسم النهر الصغير.
5 علم لامرأة شاعرة هي أخت طرفة بن العبد لأمه منقول من ولد الأرنب.
6 اسم قبيلة من مراد، أبوهم قرن بن ردمان.
7 علم فرس كان لمعاوية بن أبي سفيان.
8 اسم فحل من الإبل كان للنعمان بن المنذر.
9 علم شاة لبعض نساء العرب.
ثم قال:
واسما أتى وكنية ولقبا
…
..............................
العلم على ثلاثة أقسام: اسم وكنية ولقب؛ لأنه إن صدر بأب أو أم فهو كنية1، كأبي بكر وأم كلثوم، وإلا فإن أشعر برفعة المسمى أو ضعته2 فهو لقلب "كالصديق والفاروق" في الأول، "وكبطة، وأنف الناقة"3، في الثاني وإن لم يكن كذلك فهو اسم "كزيد وعمرو"4.
وقوله:
..............................
…
وأخرن ذا إن سواه صحبا
"ذا" إشارة إلى اللقب، أي: إذا اجتمع مع اللقب غيره أخر اللقب، وقدم الاسم أو الكنية نحو، قال: أبو بكر الصديق وعمر الفاروق؛ لأن اللقب في الغالب منقول من اسم "غير"5 الإنسان "كبطة" فلو قدم لتوهم السامع، أن المراد مسماه الأصلي، وذلك مأمون بتأخيره.
وندر تقدم اللقب على الاسم في الشعر كقول الشاعر:
أبلغ هذيلا وأبلغ من يبلغها
…
عني حديثا وبعض القول تكذيب
بأن ذا الكلب عمرا خيرهم حسبا
…
ببطن شريان يعوي حوله الذيب6
1 أو ابن، أو بنت، أو أخ، أو أخت: كابن الخطاب.
2 وبالأصل أو ضعته.
3 لقب جعفر بن قريع. وسبب تلقيبه بذلك أن أباه ذبح ناقة وقسمها بين نسائه، فبعثته أمه إلى أبيه ولم يبق إلا رأس الناقة، فقال له أبوه: شأنك به، فأدخل يده في أنف الناقة وجعل يجره فلقب به.
وكانوا يغضبون من هذا اللقب حتى مدحهم الحطيئة:
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم
…
ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا
4 أ، ج.
5 أ، ج وفي ب "عين".
6 هما لجنوب بنت العجلان إحدى شواعر العرب من قصيدة ترثي فيها أخاها عمرو بن العجلان المعروف بذي الكلب، وهي من البسيط.
الشرح: "هذيلا" اسم قبيلة، "بطن شريان" -بكسر الشين وسكون الراء- اسم مكان، وقيل واد، وأصله اسم شجرة تعمل منه القسي، والشريان بفتح الشين الحنظل، يعوي حوله الذيب كناية عن موته.
الإعراب: "بأن": الباء حرف جر، أن: توكيدية ناصبة، "ذا" اسم أن، "الكلب" مضاف =
وفي بعض نسخ الألفية:
وذا جعل آخرا إن اسما صحبا
وما سبق أولى؛ لأن هذه النسخة لا يفهم حكم اللقب مع الكنية1.
ثم قال:
وإن يكونا مفردين فأضف
…
حتما........................
أي: إذا كان اللقب والمصاحب له مفردين أضيف الاسم إلى اللقب نحو: "هذا سعيد كرز"2 على تأويل الأولى المسمى؛ لأن المعوض للإسناد إليه والثاني بالاسم، والمعنى "هنا"3 مسمى هذا اللقب.
وقوله "حتما" هو مذهب جمهور البصريين؛ لأنهم لا يجيزون "في المفردين إلا الإضافة"4.
وأجاز الكوفيون وبعض البصريين: الاتباع أيضا بدلا أو عطف بيان والقطع إلى النصب بإضمار فعل، وإلى الرفع بإضمار مبتدأ، وإلى هذا ذهب التسهيل5.
= إليه "عمرا" بدل أو عطف بيان، "خيرهم" نعت لعمرو والضمير مضاف إليه، "حسبا" تمييز، "ببطن" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر أن، "شريان" مضاف إلى بطن. وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالباء. والجار والمجرور متعلق بقوله "أبلغ" في البيت الذي قبله، "يعوي" فعل مضارع، "حوله" حول: ظرف متعلق به والضمير مضاف إليه، "الذيب" فاعل يعوي. وجملة الفعل والفاعل في محل نصب حال من عمرو، ويجوز أن تكون الجملة في محل رفع خبر أن ويكون الجار والمجرور متعلقا بمحذوف حال من "عمرو".
الشاهد: في "ذا الكلب عمرا" حيث قدمت اللقب وهو قولها "ذا الكلب" على الاسم وهو قولها "عمرا" والقياس أن يكون الاسم مقدما واللقب مؤخرا فلو أتت بما يقتضيه لقالت: "بأن عمرا ذا الكلب".
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن عقيل 1/ 65 والأصطهناوي، وداود، والأشموني 1/ 59 والسندوبي، وقد اقتصر على بيت الشاهد وكذا السيوطي ص17.
1 لأن الأول، نص في أنه إنما يجب تأخير اللقب إذا صحب الاسم ومفهومه أنه لا يجب ذلك مع الكنية.
2 كرز هو في الأصل خرج الراعي، ويطلق على اللئيم والحاذق.
3 أ، وفي ب، ج "هذا".
4 أ، ج وفي ب "في المفرد غير ذلك أعني الإضافة".
5 وإلى رأيهم أميل "وهذا هو الحق وجرى عليه في التسهيل". صبان 1/ 110، راجع التسهيل ص30.
وقال في شرحه: لم يذكر سيبويه1 فيهما إلا الإضافة؛ لأنها على خلاف الأصل، فبين استعمال العرب لها، إذ لا مسند لها إلا السماع، بخلاف الإتباع والقطع فإنهما على الأصل.
تنبيه:
جواز الإضافة مقيد بعدم المانع فإن كان في الاسم مانع منها لم يضف ولو كانا مفردين نحو "الحارث كرز" فإن "أل" تمنع الإضافة.
وقوله:
وإلا أتبع الذي ردف
أي: وإن لم يكونا مفردين فشمل ذلك المركبين نحو "عبد الله أنف الناقة" والاسم المفرد مع اللقب المركب، نحو:"زيد عائد الكلب" وعكسه "عبد الله بطة".
فالحكم في هذه الصور الثلاث، امتناع الإضافة، ووجوب الإتباع أو القطع "بوجهيه"2.
ولم يذكر القطع هنا، وكذلك لم يذكر الشارح، بل قال فلا بد من الإتباع3 وقد ذكره في التسهيل.
ثم قال:
ومنه منقول كفضل وأسد
…
وذو ارتجال كسعاد وأدد
العلم قسمان: منقول ومرتجل.
فالمنقول: هو ما استعمل قبل العلمية لغيرها "كفضل" فإنه منقول من المصدر "وأسد" فإنه منقول عن اسم عين.
1 قال سيبويه ج3 ص49: "إذا لقبت مفردا بمفرد أضفته إلى الألقاب وهو قول أبي عمرو ويونس والخليل، وذلك قولك: هذا سعيد كرز
…
". ا. هـ.
2 ب، ج وفي أ "بوجهين" أي: القطع. "
…
ويجوز القطع إلى الرفع أو النصب". ابن عقيل 1/ 67.
3 قال الشارح ص29: "وأما إذا لم يكن الاسم واللقب مفردين فلا بد من الإتباع سواء كانا مركبين نحو: هذا عبد الله أنف الناقة أو أحدهما مركبا، نحو هذا زيد عائد الكلب وهذا عبد الله بطة".
والمرتجل1: بخلافه "كسعاد" وهو علم امرأة "وأدد" وهو علم رجل2.
تنبيهات:
الأول: ذهب بعضهم إلى أن الأعلام كلها منقولة، وبعضهم إلى أنها كلها مرتجلة، والمشهور الأول.
الثاني: قال بعضهم: تقسيم العلم إلى منقول ومرتجل، إنما هو بالنسبة إلى الأعم الأغلب، وإلا فالذي علميته بالغلبة لا منقول ولا مرتجل.
الثالث: المنقول، إما من مصدر "كفضل" أو اسم عين "كأسد" أو اسم فاعل "كحارث" أو اسم مفعول "كمسعود" أو صفة مشبهة "كسعيد" أو فعل ماض "كشمر" علم على فرس3. أو مضارع "كيزيد" أو جملة من فعل وفاعل ظاهر "كبرق نحره" أو مضمر بارز "كأطرقا".
في قول الشاعر:
على أطرقا باليات الخيام
…
إلا الثمام وإلا العصي4
1 من الارتجال وهو الابتكار وهذا التقسيم للعلم من حيث وضعه، وهو ما استعمل من أول الأمر علما.
2 أبو قبيلة من اليمن، وهو أدد بن زيد بن كهلان بن سبأ بن حمير.
3 راجع الأشموني 1/ 60.
4 قائله: أبو ذؤيب خويلد بن خالد الهذلي، وهو جاهلي إسلامي، توفي في خلافة عثمان رضي الله عنه بطريق مكة. وقيل: إنه مات بمصر منصرفا من إفريقية وكان غزاها مع عبد الله بن الزبير. وهو من قصيدة يائية من المتقارب.
الشرح: "أطرقا" -بفتح الهمزة وسكون الطاء وكسر الراء- اسم موضع من نواحي مكة من منازل كعب بن خزاعة قال أبو عمرو: "أطرقا" اسم لبلد بعينه. مأخوذ من فعل الأمر وفيه ضمير علامته الألف، كأن سالكه سمع نبأة فقال لصاحبيه. أطرقا "باليات" جمع بالية من البلى -بكسر الباء- يقال: بلي يبلى إذا خلق "الخيام" جمع خيمة وهي عند العرب بيت من عيدان، "الثمام" بضم الثاء -بزنة غراب- نبت ضعيف يحشى به خصائص البيوت ويستر به جوانب الخيمة. "العصي" بكسر العين جمع عصا. وأراد بها قوائم الخيمة.
المعنى: عرفت ديار المحبوبة على هذه المفازة قد بليت خيامها إلا ثمامها وعصيها فإنها بقيت وما بليت. =
أو مستتر "كيزيد" في قول الراجز:
نبئت أخوالي بني يزيد
…
ظلما علينا لهم فديد1
= الإعراب: "على أطرقا" جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الديار وأطرقا: مجرورة بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها الحكاية، "باليات" حال ثانية من الديار، "الخيام" مضاف إليه، "إلا" أداة استثناء لأنه مستثنى من كلام تام موجب، ومن رفع فإنما عمد إلى أنه مبتدأ خبره محذوف والتقدير إلا الثمام باقية أو لم تبل أو نحو ذلك. "وإلا" الواو عاطفة إلا زائدة، "العصي" معطوف على الثمام. والقصيدة تروى مرفوعة القوافي وتروى ساكنتها فمن رواها ساكنة جاز لك عليه أن تجعلها على محملي "الثمام" في روايتيه، ومن رواها مرفوعة فإن كان الثمام مرفوعا فالأمر بين وإن كان منصوبا كان محمله على المعنى، وبيان ذلك أنه لما حكم على الديار بالبلى ثم استثنى منها الثمام كان كأنه قال: بليت الديار وبقي الثمام فاستساغ أن يعطف عليه بالرفع؛ لأنه مرفوع في المعنى وليس الرفع بالعطف على المعنى وإن كان المعطوف عليه غير مرفوع لفظا ببدع في كلامهم.
الشاهد: في "أطرقا" فإنه اسم علم منقول من فعل الأمر.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية الأشموني 1/ 60 والشاطبي.
1 قال العيني: قائله رؤبة بن العجاج، وهو من الرجز المسدس.
الشرح: "نبئت" بالتضعيف وبالبناء للمجهول أعلمت وأخبرت، "أخوالي" جمع خال وهو أخ الأم "يزيد" بالياء هكذا وقع في رواية النحويين ومنهم الزمخشري. وقال ابن يعيش: صوابه بالتاء من فوق وهو اسم رجل تنسب إليه الثياب التزيدية، ويزيد من الأسماء المعروفة لدى العرب، "ظلما" هو وضع الشيء في غير محله أو منعه من محله، "فديد" الصياح والجلبة.
المعنى: أخبرت أن أخوالي بني يزيد يرفعون الصوت عاليا بظلمنا.
الإعراب: "نبئت" فعل ونائب فاعل، وهو مفعوله الأول "أخوالي" مفعول ثان وياء المتكلم مضاف إليه، "بني" بدل من أخوالي، "يزيد" مضاف إليه مجرور بكسرة مقدرة على آخره منع من ظهورها حركة الحكاية، "ظلما" مفعول لأجله أو حال بتأويل المشتق أي: ظالمين، "علينا" جار ومجرور متعلق بقوله "ظلما" أو بقوله "فديد" الآتي، "لهم" جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم "فديد" مبتدأ مؤخر، وجملة المبتدأ والخبر في محل نصب مفعول ثالث لنبئت.
الشاهد: "في يزيد" حيث سمي به وأصله فعل مضارع من "زاد" مشتمل على ضمير مستتر فيه فنقل من الجملة المؤلفة من فعل وفاعل إلى العلمية، وهو مرفوع على الحكاية؛ لأن القوافي مرفوعة.
مواضعه: ذكره من شراح الألفية: ابن الناظم ص30، وابن هشام 1/ 92، والأشموني 1/ 60، والشاطبي، وداود، وابن يعيش في شرح المفصل 1/ 28، والشاهد 39 في خزانة الأدب.
كذا أنشده الزمخشري1 بالياء المثناة من تحت2.
قال ابن يعيش3: صوابه بالتاء المثناة من فوق وهو اسم رجل4 وإليه تنسب الثياب التزيدية5.
قال في شرح التسهيل: ولم يرد عن العرب علم منقول من مبتدأ أو خبر6 ولا من فعل أمر دون إسناد إلا "إصمت" اسما للفلاة الخالية.
فإن من العلماء من زعم أنه منقول من الأمر بالصمت، وذلك عندي غير صحيح من وجهين:
أحدهما: أنه متى كان من "أصمت" فالأمر منه مفتوح الهمزة، وإن كان من "صمت" فالأمر منه مضموم الميم "وإصمت" بخلاف ذلك والمنقول لا يغير7.
والثاني: أنه قد قيل فيه "أصمتة"8 بتاء التأنيث ولو كان فعل أمر لم تلحقه هاء التأنيث. وإذا انتفى كونه منقولا من فعل أمر ولم يثبت له استعمال في غير العلمية تعين كونه مرتجلا.
واعترض بأنه أمر من "صمت يصمت" بكسر الميم.
والجواب عن "لحاق"9 التاء أنهم أرادوا أن يعلموا بذلك كونه فارق موضعه من الفعلية.
1 هو أبو القاسم محمود بن عمر جار الله الزمخشري نسبة إلى "زمخشر" من أعمال خوارزم كان واسع العلم غاية في الذكاء وقوة القريحة متفننا في كل علم، وجاور بمكة فلقب بجار الله، وكانت له رجل من خشب وله مصنفات كثيرة منها الكشاف في التفسير والمفصل في النحو، وأطواق الذهب، والأحاجي النحوية، ومات سنة 538 ثمان وثلاثين وخمسمائة.
2 راجع الأشموني 1/ 60.
3 هو أبو البقاء يعيش بن عليّ بن يعيش الحلبي النحوي، وكان من كبار أئمة العربية ماهرا في النحو والتصريف، وقد غالب فضلاء حلب وتصدر للإقراء بها زمانا وشاع ذكره وصنف كتاب "المفصل" المعروف. ومات سنة 643هـ ثلاث وأربعين وستمائة.
4 أ، ج.
5 راجع شرح المفصل 2/ 28.
6 قال الأشموني 1/ 60: "لكنه بمقتضى القياس جائز". ا. هـ.
7 راجع الصبان 1/ 112.
8 ج وفي ب "صمتت" وفي أ "اصمتت".
9 أ، ب وفي ج "إلحاق".
وزاد بعضهم في المنقول منقولا من صوت وعني بذلك "ببَّه" وهو ابن لبعض بني هاشم: وهو عبد الله بن الحارث بن نوفل، وهو منقول من الصوت، كانت أمه ترقصه به وهو صبي وذلك قولها:
لأنكحن ببه، جارية خدبه، مكرمة محبه، تجب أهل الكعبه1.
قال ابن مالك: والصحيح أن "ببَّه" منقول من قولهم للغلام السمين ببه.
قال ابن خالويه2: إن "ببَّه" هو الغلام السمين فيكون منقولا من الصفة.
1 قائلته: هي هند بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية وكانت لقبت به ابنها في صغره ترقصه وتقول: لأنكحن
…
وابنها هو عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب والي البصرة.
الشرح: "ببَّه" في الأصل الأحمق كذا قاله الخليل، ويقال للشاب الممتلئ البدن نعمة ببه، وقال الجوهري: ببه هو لقب عبد الله بن الحارث.
"خدبه": بكسر الخاء المعجمة وفتح الدال وتشديد الباء أرادت بها الجارية المشتدة الممتلئة اللحم، ويقال للبعير الشديد الصلب خدب، "تجب" بضم الجيم أي تغلب أهل الكعبة في الحسن والجمال، يقال: جبه إذا غلبه، وجبت فلانة النساء إذا غلبتهن بالحسن.
الإعراب: "لأنكحن" اللام للتأكيد، وأنكحن جملة من الفعل والفاعل، وهو من الإنكاح. "ببه" مفعول أول "جارية" مفعول ثان، وليس مجيء المفعولين لفعل واحد مقتصرا على أفعال القلوب وهذا باب ليس فيه عدد محصور، إنما الفرق أن أفعال القلوب يكون المفعول الثاني عين الأول وفي غيرها غير الأول نحو أعطيت زيدا درهما، "مكرمة محبة" صفة بعد صفة للجارية، "تجب" فعل مضارع والفاعل ضمير، "أهل" مفعول به، "الكعبة" مضاف إليه والجملة صفة أخرى.
الشاهد: في "لأنحكن ببه" فإنه علم منقول من الصوت وهو ببه، فإنه منقول من الصوت الذي كانت هند ترقصه به.
مواضعه: ذكره الشاطبي في شرحه للألفية، وابن يعيش في شرح المفصل 1/ 23، والسيوطي في همع الهوامع 1/ 72، والخصائص 1/ 217.
2 أبو عبد الله الحسين بن محمد، نشأ بهمذان ووفد إلى بغداد، وأخذ عن ابن الأنباري وابن دريد، وغيرهما، وله مع المتنبي مناظرات، كان كوفي النزعة قصير الباع في النحو طويله في اللغة، يشهد بذلك ما ساقه في انتصاره لثعلب عند رده الاعتراضات العشرة التي فند بها الزجاج نصف كتابه "الفصيح" وذكر ردود ابن خالويه للسيوطي في الأشباه والنظائر.
ومن مؤلفاته في العربية "ليس".
توفي بحلب سنة 370هـ سبعين وثلاثمائة.
وقال في الصحاح: يقال للأحمق الثقيل "ببه" وهو أيضا لقب لعبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب والي البصرة. قال الفرزدق:
وبايعت أقواما وفيت بعهدهم
…
وببه قد بايعته غير نادم1
واسم جارية، وقال لأنكحن ببه، جارية خدبة، مكرمة محبة، تجب أهل الكعبة. ا. هـ2.
وقد وهم في استشهاده في الرجز على أنه اسم جارية؛ لأن "ببه" في الرجز هو اللقب لعبد الله بن الحارث كما تقدم وأنشده بفتح الهمزة في قوله: "لأنحكن" والصواب ضمها، وأنشد "تجب أهل الكعبة""بفتح التاء وكسر الجيم"3 أي تغلبهم حسنا، يقال: جب القوم إذا غلبهم والله أعلم. ثم قال:
وجملة وما بمزج ركبا
…
ذا إن بغير ويه تم أعربا
العلم قسمان: مفرد نحو: "زيد" ومركب وهو ثلاثة أقسام:
تركيب إسناد: وهو ما كان جملة في الأصل نحو: "برق نحره" وتقدم أنه لم يسمع النقل من الجملة الاسمية ولو سمي بها لجاز.
1 هو من الطويل، وقائله الفرزدق.
الشرح: "بايعت" من المبايعة وهي المعاقدة، والمعاهدة كأن كل واحد من المتبايعين باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه، وطاعته ودخيلة أمره.
"ببه" أراد به الفرزدق عبد الله بن الحارث.
الإعراب: "بايعت" فعل ماض والتاء فاعل، "أقواما" مفعوله، "وفيت بعهدهم" جملة حالية بتقدير قد أي: حال كوني قد وفيت بعهدهم.
فإن قلت: كيف يكون وافيا بعهدهم في حال المبايعة والوفاء لا يكون إلا بعدها؟
قلت: هذه من الأحوال المنتظرة المقدرة، والتقدير: مقدرا الوفاء على مبايعتي.
"وببه" مبتدأ، "بايعته" فعل ماض والتاء فاعل والهاء مفعوله والجملة في محل رفع خبر المبتدأ.
الشاهد: في "ببه" أنه علم منقول من الصوت كما سبق.
مواضعه: ذكره الشاطبي في شرحه للألفية.
2 1/ 2 صحاح.
3 ب، وج وفي أ "بفتح الهمزة في قوله لأنكحن وكسر التاء".
وتركيب مزج: وهو كل اسمين جعلا اسما واحدا منزلا ثانيهما منزلة هاء التأنيث نحو: "بعلبك".
وتركيب إضافة1: "كامرئ القيس".
فالإسنادي يحكى2 ولا يعرب مطلقا. قال في التسهيل: وربما أضيف صدر ذي الإسناد إلى "عجزه"3 إن كان ظاهرا. ا. هـ4.
فتقول على هذا: "جاءني برق نحره" بالإضافة، قال بعضهم: وهذا لا يقاس عليه.
والمزجي: إن ختم بويه بني على الكسر على الأشهر، وقد يعرب غير منصرف، وإن لم يختم بويه، أعرب غير منصرف على الأشهر، وقد يبنى تشبيها بخمسة عشر، وقد يضاف صدره إلى عجزه.
وقد علم حكم المزجي من قوله: "ذا إن بغير ويه ثم أعربا" وذا إشارة إلى المزجي.
فإن قلت: أبهم في قوله: "أعرب" إذ لم يبين أنه غير منصرف.
قلت: قد نبه عليه في موضعه من باب ما لا ينصرف5.
وأما الإضافي فقد ذكره في قوله:
وشاع في الأعلام ذو الإضافه
…
كعبد شمس وأبى قحافه
1 هو كل اسمين نزل ثانيهما منزل التنوين مما قبله وذلك لأن الجزء الأول يعرب والثاني يلتزم حالة واحدة كالتنوين.
2 أي: على ما كان عليه قبل التسمية فيعرب بحركات مقدرة على آخره للحكاية.
3 أ، ب وفي ج "عجزهما".
4 التسهيل ص30.
5 المركب المزجي: حكم الأول أن يفتح آخره كبعلبك وحضرموت، إلا إن كان ياء فيسكن كمعديكرب وإلا فلا.
وحكم الثاني أن يعرب بالضمة والفتحة نصبا وجرا إعراب ما لا ينصرف للعلمية والتركيب إلا إن كان كلمة "ويه" فيبنى على الكسر كسيبويه وعمرويه. ا. هـ. ابن هشام في أوضح المسالك ج1 ص69.
والإضافي: ضربان: كنية كأبي قحافة، وغير كنية كعبد شمس، وقد نبه على النوعين بالمثالين.
وأشار بقوله: "شاع" إلى أن المضاف أكثر "أقسام"1 المركب إذ "منه"2 الكنى ولا تخفى كثرتها.
فإن قلت: مقتضى ما ذكر انحصار المركب في الأنواع الثلاثة، وأن ما عداها مفرد.
وقد صرح بذلك في التسهيل حيث قال: وما عري من إضافة وإسناد ومزج مفرد، وما لم يعرَ مركب. ا. هـ3. وليس الأمر كما قال؛ لأنه يرد عليه "أشياء"4 كثيرة من المركب نحو: ما تركب من حرفين "كأنما" أو حرف واسم نحو: "يا زيد" أو حرف وفعل نحو: "قد قام".
قلت: عن ذلك جوابان: أحدهما أنه إنما تعرض لذكر ما ورد عن العرب من المركب وأما تركيب الحرفين وما ذكر معه فلم يرد عن العرب بالتسمية به.
والثاني: أن تركيب الحرفين وما ذكر معه شبيه بتركيب الإسناد لأن حكمه أن يحكى ولا يعرب كتركيب الإسناد، فاكتفي بذكر تركيب الإسناد؛ لأن هذا ملحق به.
ثم قال:
ووضعوا لبعض الأجناس علم
…
كعلم الأشخاص لفظا وهو عم
هذا هو الضرب الثاني من ضربي العلم الجنسي، وإنما قال:"لبعض الأجناس"؛ لأنهم لم يضعوا لجميعها، وإنما وضعوا العلم الجنسي لبعض الأجناس التي لا تؤلف غالبا كالسباع والوحوش، وربما جاء في بعض المألوفات "كأبي المضاء"5 لجنس الفرس.
1 أ، ب وفي ج "أسماء".
2 أ، ج وفي ب "فيه".
3 التسهيل ص30.
4 أ، ج وفي ب "أسماء".
5 أ، ج وفي ب "كأبي المضي".
وقوله: كعلم الأشخاص لفظا. يعني أن العلم الجنسي يساوي الشخصي في أحكامه اللفظية فإنه لا يضاف ولا يدخل عليه حرف التعريف، ولا ينعت بالنكرة، ولا يقبح مجيئه مبتدأ، ولا انتصاب للنكرة بعده على الحال، ولا يصرف منه ما فيه سبب زائد على العلمية "كأسامة" فساوى في ذلك كله العلم الشخصي.
وقوله: وهو عم. يعني أنه فارق العلم الشخصي من جهة المعنى بعمومه إذ ليس بعض الأشخاص أولى به من بعض.
ألا ترى أن "أسامة" صالح لكل أسد بخلاف العلم الشخصي.
فإن قلت: فما الفرق بينه وبين اسم الجنس النكرة من جهة المعنى؟
قلت: ذهب قوم إلى أن أسامة لا يخالف في معناه دلالة أسد، وإنما يخالفه في أحكام لفظية وإنما أطلق عليه أنه معرفة مجازا.
وهذا معنى ما ذكره ابن مالك في باب المعرفة والنكرة من شرح التسهيل، فإنه ذكر فيه أن أسامة ونحوه نكرة معنى معرفة لفظا وأنه في الشياع كأسد.
وأقول: تفرقة الواضع بين "أسامة" و"أسد" في الأحكام اللفظية "تؤذن"1 بفرق من جهة المعنى.
ومما قيل في ذلك: أن "أسدا" وضع ليدل على شخص معين، وذلك الشخص لا يمتنع أنه يوجد منه أمثال فوضع "أسدا"2 على الشياع في جملتها، ووضع أسامة لا بالنظر إلى شخص بل على معنى الأسدية المعقولة التي لا يمكن أن توجد خارج الذهن3 ولا يمكن أن يوجد منها اثنان أصلا في الذهن، ثم صار "أسامة" يقع على الأشخاص لوجود ما هو ذلك المعنى المفرد الكلي في الأشخاص.
والتحقيق في ذلك: أن تقول: اسم الجنس هو الموضوع للحقيقة الذهنية من حيث هي هي "فأسد" موضوع للحقيقة من غير اعتبار قيد معها أصلا، وعلم
1 ب، ج وفي أ "توزن".
2 أ.
3 أ، ب وفي ج النفس بدل الذهن.
الجنس "كأسامة" موضوع للحقيقة باعتبار حضورها الذهني الذي هو نوع شخصي لها مع قطع النظر عن إفرادها، ونظيره المعرف باللام التي للحقيقة والماهية.
وبيان ذلك: أن الحقيقة الحاضرة في الذهن، وإن كان عامة بالنسبة إلى أفرادها، فهي باعتبار حضورها فيه أخص من مطلق الحقيقة، فإذا استحضر الواضع صورة "الأسد" ليضع لها فتلك الصورة الكائنة في ذهنه جزئية بالنسبة إلى "مطلق صورة الأسد"1.
فإن هذه الصورة واقعة لهذا الشخص في زمان ومثلها يقع في زمان آخر "أو في ذهو آخر"2. والجميع يشترك في مطلق صورة الأسد، فإن وضع لها من حيث خصوصها فهو علم الجنس أو من حيث عمومها فهو اسم الجنس.
وفي كلام سيبويه إيماء إلى هذا الفرق، فإنه قال في باب ترجمته: هذا باب من المعرفة يكون فيه الاسم الخاص شائعا في "الأمة"3 ليس واحد منه بأولى من الآخر، ما نصه: إذا قلت هذا أبو الحارث "إنما"4 تريد هذا الأسد أي: هذا الذي سمعت باسمه أو عرفت "أشباهه"5 ولا تريد أن تشير إلى شيء "قد عرفته بعينه قبل ذلك كمعرفته زيدا"6 ولكنه أراد هذا الذي كل واحد من أمته له هذا الاسم7. ا. هـ.
فجعله بمنزلة المعرف "باللام"8 التي للحقيقة.
وقال ابن مالك بعد ذكره كلام سيبويه: هذا جعله خاصا شائعا في حالة واحدة.
1 أ، ج.
2 أ، ج.
3 هذه عبارة الكتاب 1/ 263، وفي الأصل "هذا باب من المعرفة يكون الاسم الخاص فيه شائعا في أمته".
4 في كتاب سيبويه "فأنت".
5 ب، ج والكتاب، وفي أ "أشبابه".
6 في الكتاب ج1 ص263، وفي الأصل "قد عرفته بمعرفته كزيد".
7 كتاب سيبويه ج1 ص263.
8 أ، ج وفي ب"بالألف واللام".
فخصوصه باعتبار تعيينه الحقيقة في الذهن، وشياعه باعتبار أن لكل شخص من أشخاص نوعه قسطا من تلك الحقيقة في الخارج.
ثم شرع في تمثيله فقال:
من ذاك أم عريط للعقرب
…
وهكذا ثعالة للثعلب
علم الجنس ضربان: عيني ومعنوي.
فالعيني يكون اسما نحو: "شبوة" للعقرب، و"ثعالة" للثعلب، ويكون كنية نحو:"أم عريط" للعقرب، "وأبي الحصين" للثعلب.
والمعنوي مثل: "برة وفجار" فبرة علم للمبرة، وفجار علم للفجرة.
قال النابغة:
أنا اقتسمنا خطتينا بيننا
…
فحملت برة واحتملت فجار1
1 البيت: من قصيدة للنابغة الذبياني، واسمه زياد بن معاوية، وسببها أن زرعة بن عمرو ابن خويلد كان قد لقي النابغة بسوق عكاظ فأشار عليه أن يحرض قومه على قتال حلفائهم من بني أسد فأبى النابغة ذلك، ثم بلغه أن زرعة يتهدده فقالها يهجوه. وهي من الكامل.
الشرح: "أنا اقتسمنا خطتينا" بفتح همزة أنا؛ لأنه مفعول لعلمت في البيت قبله. ا. هـ. صبان 1/116: أي: كانت لي ولك خطتان فأخذت أنا البرة وأخذت أنت الفاجرة والخطة: القصة والخصلة، "برة" اسم علم وضع من البر فلم يصرفه؛ لأنه معرفة مؤنث، لأنه اسم للخطة. "فجار" اسم معدول عن الفجور معرفة فبناؤه كما في حذام وقطام.
فإن قلت: لم قال، في الإخبار عن نفسه فحملت، وفي الإخبار عن نفس زرعة احتملت؟
أقول: أراد النابغة أن يهجو زرعة بكثرة غدره وإيثار الفجور فذكر اللفظة التي يراد بها الكثيرة خاصة، لتكون أبلغ في الهجو، ولو قال: حملت فجار لاحتمل إلا يكون غدرا لا مرة واحدة.
الإعراب: "أنا" أن حرف توكيد ونصب ونا: اسمها، "اقتسمنا" فعل وفاعل، "خطتينا" مفعول به ونا: مضاف إليه. والجملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل رفع خبر أن، "بيننا" ظرف متعلق باقتسم والضمير مضاف إليه، "فحملت" الفاء عاطفة، حملت: فعل وفاعل، "برة" مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة، "واحتملت" الواو عاطفة. احتملت: فعل وفاعل. "فجار" مفعول به على الكسر في محل نصب.
الشاهد: في "برة وفجار" فإنهما من أعلام الجنس المعنوي، فإن برة علم للمبرة، وفجار علم للفجور.
وإلى هذا أشار بقوله:
ومثله برة للمبره
…
كذا فجار علم للفجره
وفجار، علم مؤنث مبني على الكسر مثل حذام.
تنبيه:
لما كان للعلم الجنس خصوص من وجه وشياع من وجه جاء في بعضه عن العرب وجهان:
إعطاؤه حكم المعارف، وإعطاؤه حكم النكرات، وطريق ذلك السماع.
ومن المسموع فيه الوجهان "فينة"1، وغدوة وبكرة وعشية.
1 أ، ج.