الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثّاني
في شروط الولاة والحكم، ومَنْ يَصْلُح للولاية
وهي تنقسم إلى قسمين:
شروط عامة:
في كل أحدٍ منهم مشترطة معتبرة لجميعهم، وكل أحد منهم من الخليفة، والسلطان، والقاضي، والنائب، والأمير، وكل أحد منهم، وهي أشياء:
الأول منها: العقل، فلا تصح ولايةُ مجنون مطلقاً، وهو مَنْ لا عقلَ له؛ لأن الحكم، والقيامَ بالأمور يحتاج إلى عقل، والعاقلُ هو من عرفَ خالقَه ونفسَه، وميَّز بين المخلوقات، فعرف السماء من الأرض، والبغلَ من الحمار، والرجلَ من المرأة، وعرف ما يضرُّ وما ينفع، والممكنَ والممتنعَ والضروري، ومن لم يعرف ذلك، فهو مجنون لا يجري عليه حكمُ التكليف، ولا تجوز ولايته، وإن عرف البعضَ دونَ بعض، فناقصٌ، ولا تجوز ولايته، وإن كان في وقت دون وقت، أو يُصْرَع في بعض الأحيان، فاختلف في جواز ولايته، والمختار الذي [عليه] الأكثر: لا تجوز ولايته.
الثاشي: الإسلام: إن كانت الولاية على مسلمين، أو على مَنْ فيهم من المسلمين؛ لقول الله عز وجل:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141]، وقوله عليه السلام:"الإسْلَامُ يَعْلُو، ولا يُعْلَى"(1)، ولأمره عليه السلام بالسمع والطاعة، "إلا أن تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً، عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فيهِ بُرْهانٌ"(2)، وهو مشترَط في كل والٍ.
فأما إن كان بلدَ كفار لا مسلمَ فيه، فهل يجوز أن يولّى عليهم كافرٌ، أو يجعل عريفاً عليهم؟ هذا أمر مختلف فيه.
الثالث: الذكورية، وهو أمر مشترَطٌ في السلطان والقاضي، وكلِّ أحدٍ من الولاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يُفْلِحُ قُوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً"(3)، والمرأة ناقصة عقل ودين، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم (4).
(1) رواه الروياني في "مسنده"(783) مختصراً، والدارقطني في "سننه"(3/ 252)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 205) عن عائذ بن عمرو رضي الله عنه. وحسنه الحافظ في "فتح الباري"(3/ 220).
(2)
رواه البخاري (6647)، كتاب: الفتن، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: سترون بعدي أموراً تنكرونها، ومسلم (1709)، كتاب: الإمارة، باب: وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
(3)
رواه البخاري (4163)، كتاب: المغازي، باب: كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر عن أبي بكرة رضي الله عنه، وعنده:"لن يفلح" بدل "لا يفلح".
(4)
روى البخاري (298)، كتاب: الحيض، باب: ترك الحائض الصوم، ومسلم (79)، كتاب: الإيمان، باب: بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات
…
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا بلفظ: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن".
الرابع: البلوغ؛ لأن الصغير لا يقوم به أمر، وهو مشترَطٌ في السلطان والقاضي، وكلِّ أحدٍ من الولاة، لأن الصغير لا يقدر على القتال، وعقلُه ناقص، وليس بمكلَّف، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه عُرِضَ عليه [عبدُ الله بنُ عمرَ] ليكون من جملة العسكر والجيش، فلم يُجِزْه (1)، وقد تَعَوَّذَ من إِمْرَة الصبيان (2)، وذلك يدلُّ على عدم جوازها، وسواء كان مُميِّزاً، أو دون التمييز، وسواء كان مراهقاً، أو دون ذلك؛ لهذا الحديث.
فأما مَنْ هو دونَ التمييز، فلا خلاف فيه، وأما المميز والمراهق، فاختلف فيه، وجمهور أهل العلم على المنع، وأنه لا تصحُّ له ولاية.
الشرط الخامس: الحرية في الإمام والقاضي، وقد اختلف فيها:
فقال جمهور أهل العلم إنها شرط، لأن العبد على يده يدٌ، وربما احتاج إلى سفر ونحوه، فمنعه سيدُه، وهو مشتغل بخدمة سيدِه وحقوقه، فلا يقدر على التفرغ لأمور المسلمين وأحكامهم.
(1) رواه البخاري (2521)، كتاب: الشهادات، باب: بلوغ الصبيان وشهادتهم، ومسلم (1868)، كتاب: الإمارة، باب: بيان سن البلوغ عن ابن عمر رضي الله عنهما ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه، ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني.
(2)
رواه الإمام أحمد في "مسنده"(2/ 326)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (37235) عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ:"تعوذوا بالله من رأس السبعين وإمارة الصبيان"، قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 22): رجاله رجال الصحيح، غير كامل بن العلاء، وهو ثقة.
وعند الحنفية: لا تشترط الحرية، واحتجوا لذلك بالحديث:"وَإِنْ تأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ"(1)، وفي حديث:"اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَلَوْ لِعَبْدٍ حَبَشِيٍّ"(2).
والجوابُ عن ذلك: أنه جعله من باب المبالغة.
الشرط السادس: أن يكون بصيراً، فلا تجوز ولايةُ أعمى عند جمهور أهل العلم، لأن الحاكم يحتاج إلى النظر في جميع أموره، فإن طرأ عليه العمى بعد ولايته، هل ينعزل بذلك؟
ذكر القاضي أبو يعلى من أئمة أصحابنا: أنه ينعزل بذلك.
قال في "الأحكام السلطانية": فأما ذهابُ البصر، فيمنعُ من عقدها واستدامَتِها، لأنه يُبطل القضاء، ويمنع من جواز الشهادة، فأولى أن يمنع من صحة الإمامة (3).
الشرط السابع: السمع، فلا تصح ولاية الأطرش الذي لا يسمع
(1) رواه بهذا اللفظ: البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 114) بدون لفظ: "حبشي". وذكره النووي في "الأذكار"(ص: 327) بهذا اللفظ وعزاه لأبي داود والترمذي.
قلت: رواه أبو داود (4607)، والترمذي (2676)، عن العرباض بن سارية رضي الله عنه نحوه.
(2)
رواه البخاري (661)، كتاب: الجماعة والإمامة، باب: إمامة العبد والمولى عن أنس رضي الله عنه، ولفظه:"اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل حبشي كأن رأسه زبيبة".
(3)
انظر: "الأحكام السلطانية" لأبي يعلى (ص: 21).