المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المقالة الثالثة في الاجتهاد وما يتبعه من التقليد والإفتاء - تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه - جـ ٤

[أمير باد شاه]

الفصل: ‌المقالة الثالثة في الاجتهاد وما يتبعه من التقليد والإفتاء

بِمُوجب هَذِه الشَّرَائِع مستمرا إِلَى أَن يظْهر النَّاسِخ وَأثبت هَذِه الْأَسْبَاب أحكاما ثَابِتَة مستمرة إِلَى ظُهُور نواقضها (شرعا) فعلى هَذَا بَقَاؤُهَا أَيْضا مَنْصُوص عَلَيْهِ كأصل ثُبُوتهَا، فَلَا حَاجَة إِلَى التَّمَسُّك بالاستصحاب (وَاعْلَم أَن مدَار الْخلاف) فِي كَون الِاسْتِصْحَاب حجَّة أَولا (على أَن سبق الْوُجُود مَعَ عدم ظن الانتفاء هَل هُوَ دَلِيل الْبَقَاء) أَولا (فَقَالُوا) أَي الشَّافِعِيَّة وَمن وافقهم (نعم فَلَيْسَ الحكم بِهِ) أَي بالاستصحاب حكما (بِلَا دَلِيل. و) قَالَ (الْحَنَفِيَّة لَا، إِذْ لَا بُد فِي الدَّلِيل من جِهَة يسْتَلْزم بهَا) الْمَطْلُوب (وَهِي) أَي الْجِهَة المستلزمة لَهُ (منتفية فتفرعت الخلافيات) بَين الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة (فيرث الْمَفْقُود) من مَاتَ مِمَّن يَرِثهُ فِي غيبته (عِنْده) أَي الشَّافِعِي باستصحاب حَيَاته الْمُوجبَة لاسْتِحْقَاق الْإِرْث (لَا عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة، لِأَن الْإِرْث من بَاب الْإِثْبَات، وحياته بالاستصحاب لَا توجب اسْتِحْقَاقه (وَلَا يُورث لِأَنَّهُ) أَي عدم الْإِرْث (دفع) لاسْتِحْقَاق الْإِرْث فَيثبت الِاسْتِصْحَاب (وعَلى مَا حققنا) من أَنه لَيْسَ حجَّة أصلا، فَإِن الدّفع اسْتِمْرَار عَدمه الْأَصْلِيّ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (عَدمه) أَي الْإِرْث (أُصَلِّي لعدم) ثُبُوت (سَببه) أَي الْإِرْث (إِذْ لم يثبت مَوته) أَي الْمَفْقُود (وَلَا صلح على إِنْكَار) إِذْ لَا صِحَة لَهُ مَعَ إِنْكَار الْمُدَّعِي عَلَيْهِ عِنْد الشَّافِعِي (لإِثْبَات اسْتِصْحَاب بَرَاءَة الذِّمَّة) يَعْنِي أَن فَائِدَة الصُّلْح حُصُول بَرَاءَة ذمَّة الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ وَهُوَ حَاصِل بِدُونِ الصُّلْح، وَلَا شكّ أَن بَرَاءَة الذِّمَّة هُوَ الأَصْل فالاستصحاب الَّذِي هُوَ إبْقَاء مَا كَانَ على مَا كَانَ يثبتها فَلَا يَتَرَتَّب على هَذَا الصُّلْح فَائِدَة وَلَا صِحَة للمعقود بِدُونِ الْفَائِدَة فَلَا صلح على الْإِنْكَار، وَهَذَا الِاسْتِصْحَاب حجَّة للْمُدَّعِي عَلَيْهِ على الْمُدَّعِي لإِثْبَات بَرَاءَة ذمَّة الْمُدَّعِي عَلَيْهِ عِنْد من يحْتَج بِهِ فِي الْإِثْبَات (كاليمين) أَي كَمَا أَن الْيَمين لإِثْبَات بَرَاءَة الذِّمَّة (وَصَحَّ) الصُّلْح على الْإِنْكَار (عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة، لِأَن الِاسْتِصْحَاب لَا يصلح حجَّة للإثبات فَلَا يثبت بَرَاءَة ذمَّة الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بالاستصحاب (وَلم تجب الْبَيِّنَة على الشَّفِيع) على إِثْبَات ملك الْمَشْفُوع بِهِ لإنكار المُشْتَرِي الْملك الْمَشْفُوع بِهِ للشَّفِيع عِنْد الشَّافِعِي لِأَنَّهُ متمسك بِالْأَصْلِ، فَإِن الْيَد دَلِيل الْملك فِي الظَّاهِر والتمسك بِالْأَصْلِ يحصل للدَّفْع والإلزام جَمِيعًا عِنْده (وَوَجَبَت) الْبَيِّنَة الْمَذْكُورَة (عِنْدهم) أَي الْحَنَفِيَّة، لِأَن التَّمَسُّك بِالْأَصْلِ لَا يصلح للالزام إِلَى غير ذَلِك من الخلافيات قد فرغ من المبادئ والأدلة السمعية وَشرع فِي مبَاحث الِاجْتِهَاد فَقَالَ:

‌الْمقَالة الثَّالِثَة فِي الِاجْتِهَاد وَمَا يتبعهُ من التَّقْلِيد والإفتاء

(هُوَ) أَي الِاجْتِهَاد (لُغَة بذل الطَّاقَة) أَي استفراغ الْقُوَّة بِحَيْثُ يحس بِالْعَجزِ عِنْد الْمَزِيد (فِي تَحْصِيل ذِي كلفة) أَي مشقة، يُقَال: اجْتهد فِي حمل الصَّخْرَة

ص: 178

وَلَا يُقَال اجْتهد فِي حمل النواة (وَاصْطِلَاحا: ذَلِك) أَي بذل الطَّاقَة (من الْفَقِيه) وَقد مر تَفْسِيره فِي أول الْكتاب (فِي تَحْصِيل حكم شَرْعِي ظَنِّي) فبذلها من غَيره كالعامي خَارج عَن الِاجْتِهَاد وَخرج أَيْضا بذل طَاقَة الْفَقِيه فِي غير حكم كالعبادة مثلا، وبذله طاقته فِي حكم غير شَرْعِي من حسي أَو عَقْلِي، وَإِنَّمَا قَالَ ظَنِّي لِأَن الْقطعِي لَا اجْتِهَاد فِيهِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهِ. وَفِي قَوْله حكم إِشْعَار بِأَن استغراق الْأَحْكَام لَيْسَ بِشَرْط فِي تحقق حَقِيقَة الِاجْتِهَاد كَمَا لَا يلْزم إحاطة الْمُجْتَهد جَمِيع الْأَحْكَام ومداركها بِالْفِعْلِ، لِأَن ذَلِك خَارج عَن طوق الْبشر (وَنفي الْحَاجة إِلَى قيد الْفَقِيه) كَمَا ذكره التَّفْتَازَانِيّ (للتلازم بَينه) أَي بَين الْفَقِيه (وَبَين الِاجْتِهَاد) فَإِنَّهُ لَا يصير فَقِيها إِلَّا بِهِ وَلذَا لم يذكرهُ الْغَزالِيّ والآمدي (سَهْو لِأَن الْمَذْكُور) فِي التَّعْرِيف إِنَّمَا هُوَ (بذل الطَّاقَة لَا الِاجْتِهَاد) وَكَيف يذكر الِاجْتِهَاد فِي تَعْرِيف نَفسه، وَكَأن المُصَنّف أغمض عَن هَذَا (وَيتَصَوَّر) بذل الطَّاقَة (من غَيره) أَي الْفَقِيه (فِي طلب حكم) شَرْعِي، وَلَا يبعد أَن يُقَال بذل الوسع لَا يتَحَقَّق إِلَّا بتحصيل جَمِيع مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ استنباط ذَلِك الحكم، وَعند ذَلِك يصير مُجْتَهدا فِيهِ فَتَأمل (وشيوع) إِطْلَاق (الْفَقِيه لغيره) أَي الْمُجْتَهد (مِمَّن يحفظ الْفُرُوع) إِنَّمَا هُوَ (فِي غير اصْطِلَاح الْأُصُول، ثمَّ هُوَ) أَي هَذَا التَّعْرِيف لَيْسَ تعريفا للِاجْتِهَاد مُطلقًا، بل هُوَ (تَعْرِيف لنَوْع من الِاجْتِهَاد) وَهُوَ الِاجْتِهَاد فِي الحكم الشَّرْعِيّ العملي الظني (لِأَن مَا) يَقع من بذل الوسع (فِي العقليات) من الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الاعتقادية (اجْتِهَاد) عِنْد الْأُصُولِيِّينَ (غير أَن الْمُصِيب) فِيهَا من الْمُخَالفين (وَاحِد) بِاتِّفَاق المصوبة والمخطئة (والمخطئ آثم، وَالْأَحْسَن) فِيهَا تعميمه (أَي التَّعْرِيف بِحَيْثُ يعم العمليات والاعتقاديات ظنية كَانَت أَو قَطْعِيَّة (بِحَذْف) قيد (ظَنِّي) من التَّعْرِيف. (ثمَّ يَنْقَسِم) الِاجْتِهَاد (من حَيْثُ الحكم) الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ (إِلَى) اجْتِهَاد (وَاجِب (عينا على) الْمُجْتَهد (الْمَسْئُول) عَن حكم حَادث (إِذا خَافَ) أَي الْمُجْتَهد (فَوت الْحَادِثَة) أَي فَوت آداء مَا وَجب على المستفتى فِي تِلْكَ الْحَادِثَة على غير الْوَجْه الشَّرْعِيّ، حَال عَن الْحَادِثَة: أَي وُقُوعهَا على خلاف الشَّرْع فَإِنَّهُ يتَعَيَّن حِينَئِذٍ على الْمَسْئُول الِاجْتِهَاد فِيهَا فَوْرًا لِأَن حِوَالَة المستفتى إِلَى مُجْتَهد آخر يُوجب فَوتهَا (وَفِي حق نَفسه إِذا نزلت الْحَادِثَة بِهِ) مَعْطُوف على قَوْله على الْمَسْئُول: أَي وَإِلَى وَاجِب وجوبا عينيا لحق نَفسه، فكلمة فِي تعليلية، وَحِينَئِذٍ إِن خَافَ فَوت الْحَادِثَة يجب الِاجْتِهَاد عَلَيْهِ فَوْرًا وَإِلَّا على التَّرَاخِي (وكفاية) مَعْطُوف على عينا: أَي وَإِلَى اجْتِهَاد وَاجِب كِفَايَة على الْمَسْئُول فِي حق غَيره (لَو لم يخف) فَوت الْحَادِثَة على غير الْوَجْه (وَثمّ غَيره) من الْمُجْتَهدين فَيتَوَجَّه الْوُجُوب على جَمِيعهم حَتَّى لَو أَمْسكُوا مَعَ اقتدارهم على الْجَواب أثموا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فيأثمون بِتَرْكِهِ) أَي الِاجْتِهَاد حَيْثُ لَا عذر لَهُم (وَيسْقط) الْوُجُوب عَن الْكل

ص: 179

(بفتوى أحدهم، وعَلى هَذَا) أَي على سُقُوط الْوُجُوب بفتوى أحدهم لَو أَن مُجْتَهدا ظن خطأ الْمُفْتِي فِيمَا أصَاب بِهِ (لَا يجب على من ظَنّه) أَي الْجَواب (خطأ) الِاجْتِهَاد فِيهِ لسُقُوط الْوُجُوب بذلك الِاجْتِهَاد المظنون كَونه خطأ إِذا كَانَ فِي قَضيته شُهُود يحصل الْغَرَض ببعضهم، ذكرُوا أَنه يجب الْإِجَابَة إِذا طلب الْأَدَاء من الْبَعْض فَيحْتَاج إِلَى إتْيَان الْفرق، وَقيل الْعلَّة أَن الْفَتْوَى تحْتَاج إِلَى تَأمل وفكر والمشوشات كَثِيرَة بِخِلَاف الشَّهَادَة، وَفِيه مَا فِيهِ (وَكَذَلِكَ حكم تردد بَين قاضيين) أَي إِذا رفعت قَضِيَّة إِلَيْهِمَا وَجب الحكم وَفصل الْخُصُومَة عَلَيْهِمَا كِفَايَة، إِن تركا أثما وَإِن حكم أحدهم سقط عَنْهُمَا فالمشبه الحكم المتردد بَين القاضيين، والمشبه بِهِ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله كَذَا الاستفتاء المتردد بَين الْمُجْتَهدين، وَمن قيد كَون القاضيين فِي هَذَا الْمحل مجتهدين مشتركين فِي النّظر فِي الحكم الْمَذْكُور وَجعل وَجه الشّبَه وجوب الِاجْتِهَاد عَلَيْهِمَا كِفَايَة، فقد ارْتكب تَكْرَارا مَعَ أَنه لَا يبْقى حِينَئِذٍ للْقَضَاء وَالْحكم مدْخل (أَيهمَا حكم بِشَرْطِهِ) الْمُعْتَبر شرعا (سقط) الْوُجُوب عَنْهُمَا (ومندوب) مَعْطُوف على وَاجِب وَهُوَ مَا يَقع (قبلهمَا) أَي قبل وُجُوبه عينا ووجوبه كِفَايَة لما ذكر أَو قبل السُّؤَال ونزول الْحَادِثَة بِهِ ليَكُون حَاضرا عِنْده فينفعه عِنْد الْحَادِثَة، ومناسب الْوَجْه الثَّانِي قَوْله (وَمَعَ سُؤال فَقَط) من غير نزُول الْحَادِثَة (و) إِلَى (حرَام) وَهُوَ الِاجْتِهَاد (فِي مُقَابلَة) دَلِيل (قَاطع) من (نَص) كتاب أَو سنة (أَو إِجْمَاع وَشرط مطلقه) أَي الِاجْتِهَاد فِي حق الْمُجْتَهد (بعد صِحَة إيمَانه) بِمَا يجب أَن يُؤمن بِهِ إِجْمَالا أَو تَفْصِيلًا (معرفَة محَال جزئيات مفاهيم الألقاب الاصطلاحية الْمُتَقَدّمَة للمتن من شخص الْكتاب وَالسّنة) قد سبق أَن للْكتاب مفهوما كليا هُوَ اللَّفْظ الْعَرَبِيّ الْمنزل للتدبر والتذكر الْمُتَوَاتر وللسنة كَذَلِك من قَوْله صلى الله عليه وسلم وَفعله وَتَقْرِيره، وشخص كل وَاحِد مِنْهُمَا مَا صدق عَلَيْهِ، وَكلمَة من بَيَانِيَّة للمتن الْمُطلق، وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذ من الْمُتُون المصنفة فِي الْعُلُوم المبينة بالشروح والحواشي الْمَأْخُوذَة من الْمَتْن بِمَعْنى الظّهْر، فَإِن ظهر الشَّيْء أَصله، إِذْ الألقاب الاصطلاحية بدل الْأَلْفَاظ المصطلحة للأصوليين، وَإِنَّمَا سميت ألقابا لدلالتها على مسمياتها على وَجه يشْعر بمعان مَقْصُودَة للأصولي من تِلْكَ المسميات تشبها لَهَا بِالْأَلْقَابِ الَّتِي هِيَ نوع من الْأَعْلَام دَالَّة على مدح أَو ذمّ وَلَا شكّ أَن لتِلْك الألقاب مفهومات كُلية، ولتلك المفهومات أَفْرَاد هِيَ جزئياتها، ولتلك الجزئيات محَال هِيَ الْآيَات والتراكيب الْمعينَة الْمُشْتَملَة عَلَيْهَا، فمعرفة الْمحَال الْمَذْكُورَة من شخص الْكتاب وَالسّنة شَرط فِي مُطلق الِاجْتِهَاد، وَيحْتَمل أَن تكون من تبعيضية، فَإِن الْمحَال الْمَذْكُورَة بعض من شخص الْكتاب وَالسّنة، وَيُؤَيّد الأول قَوْله فِيمَا بعد من التَّوَاتُر (فِي الظُّهُور كَالظَّاهِرِ وَالْعَام والخفاء كالخفي، والمجمل: وَهِي أَقسَام اللُّغَة متْنا واستعمالا) فَإِن قلت: قَوْله فِي الظُّهُور

ص: 180

بِمَ يتَعَلَّق؟ وَكَيف جمع بَين الظَّاهِر وَالْعَام؟ وَكَيف اكْتفى بِمَا ذكر؟ وَقد ذكر فِي المبادئ اللُّغَوِيَّة للمفرد انقسامات بِاعْتِبَار ذَاته ودلالته ومقايسته لمفرد آخر، ومدلوله واستعماله، وإطلاقه وتقييده، وَجعل الظَّاهِر وَالنَّص والمفسر والمؤول والمحكم من تقسيمه من اعْتِبَار ظُهُور الدّلَالَة. والخفي الْمُشكل، والمجمل والمتشابه من تقسيمه بِاعْتِبَار الْمَوْضُوع لَهُ قلت: أما قَوْله فِي الظُّهُور فمتعلق بقوله الاصطلاحية، فَكَأَنَّهُ قَالَ: الألقاب المصطلحة فِي جَانب الظُّهُور وَفِي جَانب الخفاء أَو بقوله الْمُتَقَدّمَة، والمآل وَاحِد، وَلم يرد بالظهور مَا هُوَ مصطلح الْأُصُول حَتَّى يسْتَشْكل بِجمع الْعَام مَعَ الظَّاهِر، بل الْمَعْنى اللّغَوِيّ. وَلَا شكّ أَن كل وَاحِد من الْأَقْسَام الْمَذْكُورَة فِي كل وَاحِد من التقسيمات الْمَذْكُورَة لَا يَخْلُو من أَن يكون ظَاهرا بِحَسب الْفَهم أَو خفِيا، بل ذكر الْعَام مَعَ الظَّاهِر إِشْعَار بِأَنَّهُ لم يرد بالظهور مَا هُوَ المصطلح، وَأما الِاكْتِفَاء فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بصدد تَفْصِيل الْأَقْسَام، وَإِنَّمَا ذكر مَا ذكره على سَبِيل التَّمْثِيل، وَقَوله متْنا واستعمالا تمييزان عَن نِسْبَة الْأَقْسَام إِلَى اللُّغَة، فَإِن اللُّغَة، وَهُوَ اللَّفْظ الْمَوْضُوع تَارَة يَنْقَسِم بِاعْتِبَار وَضعه، فالخارج من هَذَا التَّقْسِيم أقسامها متْنا، وَتارَة بِاعْتِبَار اسْتِعْمَالهَا، فالخارج من أقسامها اسْتِعْمَالا، وكونهما مُتَعَلقين بالظهور والخفاء خلاف الظَّاهِر، وَالْمرَاد بمعرفتها أَن يتَمَكَّن من الرُّجُوع إِلَيْهَا عِنْد طلب الحكم كَمَا جزم بِهِ غير وَاحِد: مِنْهُم الإِمَام الرَّازِيّ، ثمَّ قيل هُوَ من الْكتاب خَمْسمِائَة آيَة مَشى عَلَيْهَا الْغَزالِيّ وَابْن الْعَرَبِيّ، وَمن السّنة خَمْسمِائَة حَدِيث، وَقيل: ثَلَاثَة آلَاف. وَعَن أَحْمد ثلثمِائة ألف على الِاحْتِيَاط والتغليظ فِي الْفتيا. وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو بكر الرَّازِيّ: لَا يشْتَرط استحضار جَمِيع مَا ورد فِي ذَلِك الْبَاب، إِذْ لَا يُمكن الْإِحَاطَة، وَقد اجْتهد عمر وَغَيره من الصَّحَابَة فِي مسَائِل كَثِيرَة وَلم يستحضروا فِيهَا الْمَنْصُوص حَتَّى رويت لَهُم فَرَجَعُوا إِلَيْهَا، وَأما فِي الْقُرْآن، فَقيل يتَوَقَّف على معرفَة الْجَمِيع، لِأَن الْمُجْتَهدين يتفاوتون فِي استنباط الْأَحْكَام من الْآيَات باخْتلَاف القرائح والأذهان وَمَا يَفْتَحهُ الله تَعَالَى على عباده. وَقيل غَالب الْقُرْآن لَا يَخْلُو من أَن يستنبط مِنْهُ حكم شَرْعِي (لاحفظها) مَعْطُوف على معرفَة الْمحَال: أَي الشَّرْط مَعْرفَتهَا على الْوَجْه الْمَذْكُور لأحفظها عَن ظهر الْغَيْب، وَقيل يجب حفظ مَا اخْتصَّ بِالْأَحْكَامِ من الْقُرْآن. وَنقل عَن كثير من أهل الْعلم لُزُوم حفظ الْقُرْآن، لِأَن الْحَافِظ أضبط لمعانيه من النَّاظر فِيهِ، وَنقل فِي الْمُسْتَوْعب عَن الشَّافِعِي (وللسند من الْمُتَوَاتر والضعيف وَالْعدْل والمستور وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل) قَوْله وللسند مَعْطُوف على قَوْله للمتن، يَعْنِي وَشرط معرفَة محَال جزئيات مفاهيم الألقاب الاصطلاحية الْمُتَقَدّمَة فِي مبَاحث السّنيَّة للسند: أَي لَا بُد لَهُ من معرفَة المصطلحات الْمُتَعَلّقَة بالسند، وَهُوَ الْإِخْبَار عَن طَرِيق الْمَتْن، فبعضها أَقسَام للسند كالمتواتر والضعيف، وَبَعضهَا أَقسَام لمتعلق السَّنَد، وَهُوَ الرَّاوِي كالعدل والمستور

ص: 181

وَالْجرْح وَالتَّعْدِيل إِن فسرا بالجروح وَالْعدْل. قَالُوا: والبحث فِي زَمَاننَا عَن أَحْوَال الروَاة مَعَ طول الْمدَّة وَكَثْرَة الوسائط كالمتعذر، فَالْأولى الِاكْتِفَاء بتعديل الْأَئِمَّة الْمَعْرُوف صِحَة مَذْهَبهم فِي التَّعْدِيل وَالْجرْح (وَعدم الْقَاطِع) بِالرَّفْع عطفا على الْمعرفَة، وَهُوَ الدَّلِيل الْقطعِي المتحقق فِي مَحل الحكم (و) عدم (النّسخ) لما يقْصد استنباط الحكم مِنْهُ من الْكتاب وَالسّنة، فَلَزِمَ من هَذَا معرفَة مواقع الْإِجْمَاع، لِأَن الْإِجْمَاع دَلِيل قَطْعِيّ، وَشرط الِاجْتِهَاد أَن لَا يكون خلاف مَا أدّى إِلَيْهِ الِاجْتِهَاد مَقْطُوعًا بِهِ (و) شَرط (الْخَاص) بِالْجَرِّ عطفا على مطلقه (مِنْهُ) أَي من الِاجْتِهَاد معرفَة (مَا يحْتَاج إِلَيْهِ) الْمُجْتَهد بِالِاجْتِهَادِ الْخَاص: أَي الْمُقَيد بِبَعْض الْأَحْكَام (من) جملَة (ذَلِك) الْمَذْكُور من متن الْكتاب وَالسّنة والسند، والظرف حَال من الضَّمِير الرَّاجِع إِلَى الْمَوْصُول (فِيمَا) يَقع (فِيهِ) ذَلِك الِاجْتِهَاد، وَالْخَاص ظرف للاحتياج (كَذَا) أَي كَمَا ذكرنَا من الِاقْتِصَار على معرفَة مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي الْخَاص مِنْهُ، وَوَقع (لكثير) من الْمَشَايِخ فِي بَيَان هَذَا الشَّرْط (بِلَا حِكَايَة عدم جَوَاز تجزي الِاجْتِهَاد) فَعدم حكايتهم ذَلِك يدل على أَنه لم يثبت عِنْدهم خلاف فِي جَوَاز التجزي (كَأَنَّهُمْ لَا يعرفونها) فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن حكايته أَمر مُتَحَقق، غير أَنهم مَا يعرفونها، وَإِلَى أَنه لَيْسَ لَهَا اشتهار تَامّ فَهُوَ دَلِيل على قُوَّة القَوْل بِجَوَاز التجزي (وَعَلِيهِ) على جَوَازه (فرع) أَنه يجوز (اجْتِهَاد الفرضي) نِسْبَة إِلَى الْفَرَائِض، فَإِن النِّسْبَة إِلَى الْجمع فِي علم الْفَرَائِض ترده إِلَى الأَصْل، وإلحاق الْيَاء (فِي) علم (الْفَرَائِض دون غَيره) أَي من غير أَن يجْتَهد فِي غير علم الْفَرَائِض من الْعُلُوم لعدم بُلُوغه رُتْبَة الِاجْتِهَاد فِيهَا (وَقد حكيت) هَذِه المسئلة ذكر فِيهَا الْجَوَاز، وَهُوَ قَول بعض أَصْحَابنَا ومختار الْغَزالِيّ، وَنسبه السُّبْكِيّ وَغَيره إِلَى الْأَكْثَر وَقَالَ أَنه الصَّحِيح. وَقَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد: هُوَ الْمُخْتَار، وَسَيذكر المُصَنّف أَنه الْحق. (وَاخْتَارَ طَائِفَة نَفْيه) أَي نفي جَوَاز التجزي (مُطلقًا لِأَنَّهُ) أَي الْمُجْتَهد (وَإِن ظن حُصُول كل مَا يَحْتَاجهُ) أَي إِلَيْهِ (لَهَا) أَي للمسئلة الْمُجْتَهد فِيهَا (احْتمل غيبَة بعضه) أَي بعض مَا يحْتَاج إِلَيْهِ (عَنهُ) أَي الْمُجْتَهد صلَة الْغَيْبَة. كلمة أَن وصلية، تَقْدِير الْكَلَام احْتمل وَإِن ظن، ثمَّ رد هَذَا التَّعْلِيل بقوله (وَهَذَا الِاحْتِمَال) أَي احْتِمَال غيبَة بعض الْمُحْتَاج إِلَيْهِ فِي الِاجْتِهَاد الْخَاص (كَذَلِك) أَي كاحتمال غيبَة بعض الْمُحْتَاج إِلَيْهِ فِي الِاجْتِهَاد (الْمُطلق) فَإِن كَانَ مَانِعا من جَوَاز الِاجْتِهَاد هَهُنَا كَانَ مَانِعا هُنَاكَ، ثمَّ أَشَارَ إِلَى الْفرق بَينهمَا بقوله (لكنه) أَي الِاحْتِمَال الْمَذْكُور (يضعف فِي حَقه) أَي الْمُجْتَهد الْمُطلق لِأَن غيبَة الْبَعْض لَا تنفد فِي حَقه (ل) عدم (سعته) التَّامَّة (ويقوى فِي غَيره، وَقد يمْنَع التَّفَاوُت) بَينهمَا بِاعْتِبَار الْقُوَّة والضعف (بعد كَون الآخر) الَّذِي لَيْسَ بمجتهد مُطلقًا (قَرِيبا) من رُتْبَة الْمُجْتَهد الْمُطلق محصلا فِيمَا يخص بِهِ فِي جَمِيع مَا حصله الْمُطلق: وَلذَلِك ترى أَن من صرف عمره

ص: 182